تنافس حاد تشهده ساحة القارة الإفريقية بين تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، بين من يسعى لإدارة شؤون الآخرين مقابل ما يدفع لهم من الأموال، ومن يتعامل بمنطق المصالح المشتركة والنفع والاستنفاع، الصراع الإماراتي التركي اشتد مؤخرًا خاصة منذ العام 2017 أي ما بعد أزمة الـ5 من يونيو (تاريخ إعلان الإمارات والسعودية والبحرين مقاطعة قطر)، فمنذ ذلك اليوم شهدت الساحة الإفريقية تصعيدًا إماراتيًا على مستوى التدخل في شؤون دول القارة لم يسبق له مثيل!
نرصد في هذا التقرير نماذج لدول إفريقية شهدت مؤخرًا تنافسًا بين أنقرة وأبو ظبي في المجالات التجارية والسياسية والتنموية.
السنغال
يعتبر البلد الغربي من إفريقيا واجهة سياسية اليوم في التنافس التركي الإماراتي، فقد عرف الـ28 من يناير المنصرم، حدثًا بارزًا بوصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البلاد في زيارة رسمية، تلتها بعد أيام زيارة أخرى للرئيس السنغالي ماكي صال لأبو ظبي، التقى خلالها بالرجل الأشهر اليوم في السياسة الإماراتية، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد قبيل أيام من قمة أديس أبابا الإفريقية المرتقبة، خرج الرئيس السنغالي من الزيارة باتفاقات أمنية وعسكرية لمحاربة الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى اتفاقات على مستوى المجال الزراعي والتنموي.
السنغال في السوق التجاري والسياسي التركي والإماراتي
بحسب آخر تقرير لوزارة الاقتصاد الإماراتية فقد بلغت الصادرات غير النفطية من الإمارات إلى السنغال في النصف الأول من العام 2019، 174 مليون درهم إماراتي، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في السنوات الثماني الأخيرة نحو 15 مليار درهم إماراتي، يضاف إلى ذلك تأسيس مركز محمد بن زايد للابتكار وريادة الأعمال في العاصمة داكار وهو مركز خاص بالتنمية البشرية ومجال الأعمال والتجارة.
أنقرة المنافسة لم تغب عن الساحة السنغالية في السنوات الأخيرة، فقد شيدت مطار بليس إنجاج الدولي المتميز اليوم في البلاد، كما تكفلت بإدارة مشروع تطوير بعض الطرق في السنغال وتقدم شركاتها التجارية أفضل الخدمات اليوم في البلد الإفريقي بحسب ما صرح به رئيسها ماكي صال مؤخرًا.
الصحفي السنغالي معاذ بن فضل أكد في تصريح خاص لموقع نون بوست أن السنغاليين يميلون إلى الجانب التركي أكثر لأن أنقرة أكثر نفعًا للبلاد ولا تتدخل في شؤونهم خاصة أن السنغال تعد من أكثر البلاد الإفريقية نجاحًا على مستوى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ويضيف الصحفي السنغالي أن منافع الاستثمارات التركية على أرض الواقع مجسدة بكل المدن السنغالية.
أما أبو ظبي فتميل إلى تغيير الجانب الفكري ومحاربة ما يسمى “التطرف” في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 15 مليون نسمة يدين أغلبهم بالإسلام وتحظى الطائفة السنية فيه بمكانة كبيرة مع بروز الفرق التيجانية والصوفية وهو باب طالما دخلت منه أبو ظبي للبلدان العربية والإفريقية.
إثيوبيا
في الـ15 من يونيو 2018 وصل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في زيارة رسمية وحظي باستقبال حافل من المسؤولين الإثيوبيين، في صورة عكست العلاقات الحميمية بين البلدين، حيث تحتل أبو ظبي المرتبة العاشرة على مستوى الشركاء التجاريين في أديس أبابا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 870 مليون دولار في السنوات الأخيرة، أما أنقرة فلها مكانة كبيرة في قلوب الإثيوبيين وذلك لمساهمتها في تنمية البلد الإفريقي خلال أزمة الجفاف التي مرت بها قبل سنوات.
بحسب تقارير تركية أعدها المركز العربي الديمقراطي، تعد إثيوبيا الدولة الإفريقية الأولى من حيث الاستثمارات التركية، حيث تتجاوز الـ3 مليارات دولار، متفوقة بذلك على الصين والهند، حيث يوجد بها 350 شركة تركية يعمل بها أكثر من 500 ألف إثيوبي.
وتعتبر أديس أبابا التي تقع في القرن الإفريقي من أبرز وأهم الدول النامية والفاعلة في المنطقة، كما اشتهرت باستضافة القمم الإفريقية، ولن تكون القمة المقبلة المرتقبة آخرها إلا أن مراقبين يرون أن نظام أديس أبابا يميل إلى صف أبو ظبي، ويرجعون ذلك إلى ما تتمتع به من علاقات مع الكيان الصهيوني الحليف الأبرز لولي العهد محمد بن زايد.
الصومال
شهدت البلاد ما بعد الـ5 من يوليو 2017 أحداثًا جسيمةً عكست توجهًا إماراتيًا جديدًا في البلاد يسعى لزعزعة استقرارها وخلق نفوذ لها هناك، فقد أكد موقع لو بي لوغ الأمريكي في تقرير له صدر عام 2019 دعم الإمارات حركات الانفصال هناك، وأن حكام أبو ظبي يسعون للتحكم عن طريقة الهبات الاقتصادية التي يمنحونها للبلاد.
في الجانب المماثل أسس النظام التركي قاعدة عسكرية لتدريب الجيش الصومالي، وبلغت المشاريع التركية هناك ما يقارب 600 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى المشاريع الخيرية والتنموية هناك، وهو ما أثار حفيظة وغضب نظام محمد بن زايد وسعى جاهدًا لإجهاض تلك المشاريع.
كينيا
تقع دولة كينيا شرقي القارة الإفريقية وتمتلك حدودًا مع دول الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا، كما أن الله وهبها نهرين من أجمل الأنهار في القارة هما نهرا آثي وتانا اللذان يصبان في المحيط الهادي، وذلك ربما جعلها محط أنظار حكام أبو ظبي، فالموقع الإستراتيجي والثروات تحرك أطماع الخصوم.
شهد العام 2017 حدثًا بارزًا في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مشتركة في المجال الأمني والتجاري، إلا أن ذلك الحادث الذي وقع في مايو 2018 حين نشرت صحيفة “ديلي نيشن الكينية” المشهورة تحذيرًا منسوبًا لمسؤولين بارزين في الدولة الكينية حذروا خلاله أبو ظبي من تقويض أمن الصومال، شكل نقطة تراجع في علاقات البلدين.
أما الجانب المنافس، فبعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعاصمة الكينية عام 2016 وتم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات في المجال التعليمي والتجاري والتنموي وكذلك تنشيط الجمعيات التركية في كينيا حتى أصبحت اليد التركية يشار لها هناك بفاعل الخير، مما جعل الكفة الشعبية في القارة السمراء تميل إلى تركيا على حساب دولة الإمارات.
الأرقام تصب في صالح تركيا
بلغ حجم الصادرات التركية لإفريقيا خلال العام 2019، 11 مليار دولار فأصبحت أنقرة بحسب تقرير لوكالة الأناضول من بين أربع دول مؤثرة في القارة، فيما احتلت الإمارات المرتبة العاشرة في الاستثمار بإفريقيا وتُتهم بزعزعة استقرار منطقة القرن الإفريقي من خلال دعم حركات انفصالية في الصومال وخلق توتر بين دول الجوار: جيبوتي – كينيا – الصومال – السودان، يضاف إلى ذلك دعمها للأنظمة العسكرية والانقلابات التي ما فتئت القارة الإفريقية تحاول التخلص منها.
الباحث في الشأن الإفريقي محمد موسى حسن في تصريح لموقع نون بوست أرجع التفوق التركي إلى تقديم أنقرة لنفسها كشريك لا يطمع في مقدرات وثروات القارة ولا يتدخل بالقرار السيادي لدولها، بل يسعى لأن يفيد ويستفيد، بينما يأتي نظام أبو ظبي على النقيض تمامًا وهو رأي ربما يوافقه فيه كثير من المحللين والمتابعين للشأن الإفريقي، ففي الوقت الذي كانت فيه أنقرة تبني المطارات وتشيد الطرقات في القارة السمراء، كانت أبو ظبي تدعم الانقلابات وتعيد أنظمة مستبدة وتمد الانفصاليين بالأسلحة.