معلومٌ أن النفط هو المصدر الأساسي لاقتصادات دول الخليج على وجه التحديد، إذ تشكل عائداته ما يتراوح بين 90 – 95% من حجم اقتصادات تلك الدول، غير أن الاعتماد على هذا المورد منفردًا مغامرة غير محسومة العواقب، إذ ربما تضع مستقبل تلك الكيانات مجتمعة في مهب الريح.
في الآونة الأخيرة تعرضت أسواق النفط في العالم لحالات من التذبذب، بسبب الصراعات الإقليمية وحرب الناقلات التي بدت تلوح في أفق المنطقة، هذا بجانب استهداف كبرى منشآت النفط عبر هجمات شلت حركتها بالكامل، الأمر الذي نجم عنه تأرجح كبير في أسعار النفط، صعودًا وهبوطًا، هذا التأرجح حمل معه مخاوف وترقب بشأن تداعيات هذه التطورات على اقتصاد الدول المصدرة لهذه السلعة الساخنة.
وقد فطنت دول الخليج خلال السنوات القليلة الماضية إلى خطورة الارتكان إلى النفط كمورد وحيد للدخل، الأمر الذي دفع كل دولة على حدة إلى تبني إستراتيجية تنموية مستقبلية تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيزها بعيدًا عن عائدات المواد البترولية، في محاولة للخروج من هذا المأزق في غضون سنوات.
وكان من بين ملامح تلك الإستراتيجية التنموية الجديدة أن عززت دول الخليج استثماراتها عبر التركيز على القطاعات غير النفطية وفي مقدمتها القطاع البحري، أو ما يعرف بـ”الاقتصاد الأزرق”، وذلك بما يفتح المجال أمام عدة أنشطة أخرى مثل التجارة والسياحة.
العديد من الخبراء أشاروا إلى أن التحركات الخليجية في اتجاه المشروعات البحرية أتت بثمارها من خلال وضع دول المنطقة على الخريطة العالمية في قطاعات السياحة والموانئ، مشيرين إلى أن خطط التنوع التي أُطلقت عززت هذا التوجه، ومكنت القطاع الخاص من الدخول بقوة إلى هذا المجال.
وفي الإطار ذاته تشير التوقعات إلى أن الأعوام القليلة القادمة من المرجح أن تشهد – حال السير بنفس الخطوات – تحولًا كبيرًا في الخريطة العالمية مع الانتهاء من كل المشروعات التي بدأتها دول المنطقة من موانئ وقرى سياحية وجزر، إلى جانب المشروعات الاستثمارية في مجالات النفط والغاز والنقل البحري.
ركائز الاقتصاد الأزرق
إستراتيجية التوجه نحو الاقتصاد المائي في الخليج تعتمد على عدة ركائز من بينها الابتكار والإبداع والبحث العلمي والتطوير ووجود نظام فعال من الروابط التجارية مع المؤسسات الأكاديمية والجامعات والمراكز العلمية والبحثية التي تستطيع مواكبة ثورة المعرفة العلمية والتقنية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية وكذلك التدريب والتعليم على رأس العمل، وهو من الاحتياجات الأساسية للإنتاجية والتنافسية للتنمية الاقتصادية الوطنية المستدامة.
الخبير الاقتصادي السيد الصيفي يرى أن منطقة الخليج باتت في أمس الحاجة إلى إستراتيجية وطنية للاستفادة من هذا النوع من الاقتصاد، بدعم من خطط التنوع ومراكز الأبحاث والدراسات والجامعات العلمية ومعاهد وبرامج التقنية المتطورة والمتميزة، وذلك من أجل النهوض بالموارد البشرية الوطنية، وبالقدرات والكفاءات العلمية والتكنولوجية السعودية المؤهلة التي تعود بالنفع على اقتصاد الوطن والمواطن.
فيما أوضح خبير الاستثمارات البحرية نايل فالح الجوابرة أن جهود دول الخليج في الفترات الأخيرة نحو الاستثمار في المجال البحري تسارعت لمواكبة برامج التحول التي تسير عليها دول المجلس نحو تطوير شامل لجميع القطاعات وتحويل الإنفاق على الخدمات إلى فرصة استثمارية.
وأضاف أن مضاعفة حجم الاستثمارات في هذا المجال يحتاج إلى قوانين أكثر مرونة بين دول مجلس التعاون، تسهم في توجيه الصناعات البحرية وتكون أكثر ديناميكية، وتشجع نمو القطاع، بتمويل من البنوك المحلية، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية الصناعات البحرية التي تعد أسرع في عائداتها الاستثمارية.
أما التحدي الأبرز الذي يواجه دول الخليج في هذا المضمار فيتمثل في وجود المياه العذبة، مع إيجاد التوازن بين ما هو متاح من مياه واستخداماتها المتنامية باستمرار مع تقليل التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية المصاحبة لذلك إلى أدنى مستوى ممكن، وذلك بحسب أستاذ الموارد المائية بجامعة الخليج العربي وليد زباري الذي أشار إلى أن ذلك يعد دفعة لدول المنطقة للاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
وأضاف الخبير المائي أن المشروعات البحرية والاستثمار في المياه سيكون المحرك الرئيسي لمعدلات النمو خلال السنوات المقبلة، لافتًا إلى أن المشروعات الخاصة بإقامة الجزر والموانئ ستعزز مكانة دول المنطقة على الخريطة البحرية، وسترفع قدرتها التنافسية على الصعيدين التجاري والسياحي.
قطر.. انطلاقة نحو العالمية
تمتلك قطر العديد من المميزات الجغرافية والبيئية تؤهلها لتبؤ مكانة متميزة في مصاف الدول الواعدة في مجال الاقتصاد الأرزق على المستويين الإقليمي والدولي، إذ تتميز بشريط ساحلي طويل مهيأ بشكل كبير لجذب الاستثمارات من مختلف الأنحاء، فلها سواحل تصل إلى أكثر من 560 كيلومترًا، علاوة على أكثر من 200 كيلومتر من الشواطئ البكر.
كل هذه المقومات جعلتها قبلة سياحية لزوار العالم، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على حجم عائدات السياحة التي تمثل بالنسبة للاقتصاد الوطني 10.4% من جملة الاستثمارات، فيما حقق القطاع السياحي معدلات نمو بنسبة 4.1% ما بين عامي 2007 و2018 في حين يستأثر قطاع السياحة والسفر بنحو 40% من إجمالي صناعة الخدمات لعام 2018.
وفي موسم 2016/2017 استقبلت الدوحة ما بين 35 إلى 40 سفينة، حملت على متنها قرابة 55 ألف راكب، بحسب الهيئة العامة للسياحة في قطر، وهو ما كان له تداعياته الإيجابية على تطوير المنتجات والخدمات السياحية التي يحتاجها الزائر ما يساهم في زيادة معدلات الإقبال السنوية.
الملاحة البحرية.. أما فيما يتعلق بقطاع الموانئ ففي سبتمبر/أيلول 2017، افتتح ميناء حمد الدولي، الذي يعد أحد أكبر الموانئ في منطقة الخليج والشرق الأوسط عمومًا، ومن المتوقع بعد دخوله مرحلة التشغيل الكامل، المتوقعة في 2020-2021، أن يصبح ثاني أو ثالث أكبر موانئ المنطقة.
وعلى المدى القصير من المؤكد أن يمنح الميناء الدوحة المزيد من الاستقلالية اللازمة لقطر، ويقلِّل من تكاليف عمليات الاستيراد والتصدير، ويعزز العلاقات التجارية الخارجية بعيدًا عن الاعتماد السابق على ميناء جبل علي في دبي والخطوط البرية مع السعودية، أما في المديين المتوسط والطويل، فمن المتوقع أن تتضاعف الطاقات الاستيعابية للميناء، التي تترافق مع ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الخليج لتشييد منشآت جديدة، وتطوير أخرى قائمة، الأمر الذي قد يجعل المنطقة تعج بالموانئ.
وفي السياق ذاته هناك ميناء الدوحة الجديد الذي من المتوقع أن يتم إنجازه هذا العام، وقد أكدت وكالة “أبر ريتش” العالمية أنه سيعمل على دفع قطاع النقل البحري إلى الأمام ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى ترسيخ مكانة قطر كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم.
لم تكتف الدوحة بمسار الاستثمار في الموانئ بما لديها في الداخل وفقط، بل تجاوزت نطاقها الجغرافي، حيث فازت شركة كيوتيرمنلز القطرية بعطاء لامتياز تطوير وتشغيل ميناء أولفيا البحري الأوكراني على البحر الأسود، تلك الخطوة التي جاءت لتعزيز إستراتيجية تطوير وتشغيل الموانئ الخارجية وهو ما يوسع رقعة الاستثمارات القطرية الخارجية في قطاع الموانئ الذي يشهد نموًا متسارعًا، خصوصًا أن هذا الاستثمار يأتي في أعقاب إعلان “مواني قطر” في وقت سابق عن عقد شراكة استثمارية مع الجانب الصومالي لبناء ميناء هوبيو بإقليم مدغ وسط الصومال.
رجل الأعمال القطري محمد السعدي، يرى أن خطوات الدوحة في تعزيز استثمارتها بقطاعات الموانئ والشحن البحري والخدمات اللوجستية سيوفر فرص نمو واعدة ويعتبر هذا التوسع عنصرًا مهمًا في تعزيز مستويات التجارة البينية مع الدول التي تدخلها الاستثمارات القطرية بالإضافة إلى أن الاستثمارات الخارجية تمثل مظلة حماية وتوفر حصانة للاقتصاد القطري ضد أي تقلبات محتملة.
العقارات البحرية.. بدأت مشروعات عقارية عملاقة تظهر فوق سطح المياه بقطر منذ عدة سنوات، انعكاسًا لتزايد الاهتمام بقطاع حيوي يمثل جانبًا مهمًا من نهضة السوق العقاري القطري برمته، وهو قطاع “عقارات المياه أو العقارات البحرية” كما يسميه خبراء ومستثمرون عقاريون قطريون.
ومن أبرز تلك المشروعات في هذا القطاع مدن سكنية مثل جزيرة اللؤلؤة قطر ومدينة لوسيل، وأيضًا فنادق ومنتجعات سياحية مثل فندق جزيرة البنانا الذي افتتح مؤخرًا وتكلف مئات الملايين من الدولارات، فيما يقدر خبراء عقاريون حجم مشروعات استثمارات العقارات البحرية التي يجري تشييدها في قطر بأكثر من 200 مليار ريال.
وفي الأخير تأتي اكتشافات الغاز من الحقول البحرية لتؤكد حجم الاقتصاد الأزرق قياسًا باقتصاد الدولة ككل، حيث تحتل قطر المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للغاز الطبيعي بالعالم وتبلغ احتياطيات الغاز بها نحو 15% من احتياطي الغاز الطبيعي المكتشف في العالم.
ورغم تعدد حقول الغاز، فعلى رأسهم حقل غاز الشمال الواقع في مياه الخليج العربي الذي يساهم بمعظم الإنتاج القطري للغاز، وقد اكتشف الحقل عام 1971، ويمثل 20% من احتياطي الغاز العالمي، مما يجعله أكبر حقل للغاز الحرّ في العالم.
الإمارات.. رؤية نحو التنمية المستدامة
تتمتع الإمارات بتنوع حدودها الجغرافية ما بين ساحلية وبرية، حيث تحيط بها من الشرق سلطنة عمان وخليج عمان الذي يتيح لإمارة الفجيرة أن تطل على المحيط الهندي، ومن الشمال يحدها الخليج العربي ومن الغرب والجنوب السعودية، ويقدر طول حدود الدولة بنحو 1740 كيلومترًا منها 730 كيلومترًا حدودًا بحرية.
في مارس 2019 استضافت أبو ظبي الدورة السادسة للقمة العالمية للمحيطات التي تعكس دور الاقتصاد الأزرق ضمن خطط الدولة التنموية، باعتباره يسهم بدرجة كبيرة في سياسة تنويع الدخل، وهذا ما أوضحه وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي، ثاني بن أحمد الزيودي، بأن البيئة البحرية كانت وستظل دائمًا العصب الرئيس لاقتصاد بلاده، وأن الاقتصاد الأزرق يسهم بنسبة 68% من الإنتاج الإجمالي المحلي للدولة.
النقل البحري.. في هذا القطاع بلغت قيمة استثمارات الدولة 65 مليار دولار (238 مليار درهم)، محتلة بذلك المرتبة الـ14 عالميًا في مجموع المؤشرات البحرية والتصنيفات ومستويات الأداء الرئيسية في أنشطة صناعة النقل البحري العالمي بحسب نتائج التقرير الذي قامت به مؤسسة “مينون” الاقتصادية الدولية.
وتعد “مدينة دبي الملاحية” أحد أبرز النماذج في هذا المجال، خاصة أنها تبحث الشراكة مع شركات أجنبية لتنويع الاستثمارات البحرية الداخلية، مع العلم أن دبي استطاعت دخول قائمة الخمسة الأفضل عالميًا في مجال الشحن البحري، هذا القطاع الحيوي الذي يحتضن حاليًّا أكثر من 7400 شركة، وما يزيد على 13.000 نشاط بحري واستثماري.
فتحت الإمارات أبوابها أمام الشركات الأجنبية للتملك في مشروعاتها الداخلية، وهو ما أقره مشروع القانون البحري الجديد الذي يتضمن تملك الشركات البحرية برأس مال أجنبي كامل بنسبة 100%، وهو ما يعتبره إماراتيون مواكبة لتطلعات دعم الاستثمار، وتقديم حوافز الاستثمار لراغبي الاستثمار البحري.
بلغ حجم الاستثمار البحري بشقيه التجاري والعسكري في الإمارات خلال الوقت الراهن ما يفوق 250 مليار درهم سنويًا (67.5 مليار دولار)، ويأتي نموذج “جزيرة النخلة” بدبي في مقدمة المشروعات العقارية التي بنيت وسط بحر الخليج، إضافة إلى مشروع جزيرة بلوواترز.
الموانئ.. تدير الإمارات وتشغل 77 ميناءً على مستوى العالم، في إطار أجندة البلاد الوطنية التي تخطط لإحكام السيطرة على الموانئ العالمية، لأسباب متباينة، كما استثمرت شركة “موانئ دبي العالمية” ما يصل إلى 3 مليارات دولار عام 2018 نحو (11 مليار درهم) في مشاريع استحواذ وتوسعة دعمت إستراتيجية الشركة لتحقيق النمو المستدام في مجالات متنوعة، فيما بلغت أرباحها في النصف الأول من 2019 3.4 مليار دولار بارتفاع نسبته 32% عن العام الماضي.
وفي أحدث عمليات الاستحواذ والإدارة والتشغيل، وقعّت موانئ أبو ظبي وهيئة ميناء الفجيرة في يونيو الماضي اتفاقية امتياز لمدة 35 عامًا، يتم بموجبها تأسيس “مرافئ الفجيرة” التي ستعمل بوصفها ذراعًا تشغيليًا مملوكة بالكامل من موانئ أبو ظبي، مع العلم بالأهمية الجيوسياسية لهذا الميناء.
الثروة السمكية.. تشكل الأسماك غذاءً رئيسًا لشريحة مهمة من سكان الإمارات ويتزايد الطلب عليها مهما ارتفعت أسعارها فيما تعد ثروة وطنية وشريانًا اقتصاديًا في الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن كونها دخلًا للمواطنين العاملين في مهنة الصيد، ويشكل قطاع المصايد السمكية نحو 0.12% من عائدات الدولة، أي نحو 1.8 مليار درهم، وتعد إمارتا الشارقة ورأس الخيمة المصدر الرئيسي للإنتاج السمكي في الإمارات حيث تستحوذان على 46% منه.
النفط.. ساهمت الحقول البحرية في إثراء منظومة الاقتصاد الإماراتي عبر اكتشافات بترولية دفعت البلاد لأن تكون ثاني أكبر احتياطي نفطي بالمنطقة بعد السعودية التي تحتل المركز الأول عالميًا في إنتاج النفط، إذ تمتلك الإمارات من الاحتياطي النفطي نحو 97.8 مليار برميل حاليًّا.
وتتصدر تلك الاكتشافات ما تم في المنطقة البحرية بدبي عام 1966 في حقل الفاتح الذي يقع على بعد 60 ميلًا من شواطئ الإمارة؛ لتبدأ دبي في العام نفسه عمليات التصدير من هذا الحقل الذي كان نقطة الانطلاق نحو الرخاء والتنمية المحلية.
السعودية.. البديل الآمن للنفط المتقلب
كانت السعودية من أكثر دول الخليج حرصًا على المضي قدمًا في هذا المضمار، كونها أكثر الدول تأثرًا بموجات التأرجح في أسعار النفط، ساعدها على ذلك موقعها الجغرافي المتميز، حيث تمتلك ثلاث واجهات بحرية يقع أطولها على البحر الأحمر وخليج العقبة وأقلها على الخليج العربي حيث يبلغ مجموع طول السواحل نحو 3400 كيلومتر، ويبلغ عدد الجزر داخل المياه 1300 جزيرة مختلفة المساحات.
ورغم الإهمال والتجاهل الواضح خلال السنوات الماضية لتلك الثروات البحرية، فإنها عدلت مؤخرًا عن هذا التوجه، فكان إطلاق حزمة من المشروعات الاستثمارية في هذا الشأن، منها مشروع البحر الأحمر الذي تبلغ مساحته الإجمالية ما يقارب 34 ألف كيلومتر مربع، ويتضمن أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين منطقتي أملج والوجه، ومشروع أمالا الذي يقع على الساحل الشمالي الغربي وتبلغ مساحته 3800 كيلومتر مربع، يؤسس للانتقال نحو مرحلة جديدة عنوانها استغلال سواحل وجزر المملكة المائية بشكلٍ أمثل لخلق قوة اقتصادية ترتكز على الأنشطة البحرية في المسطحات المائية من صيد أسماك ونقل بحري وموانئ وخدمات لوجستية واستغلال أكبر للثروة السمكية والبحرية بما يحقق أفضل عائد ممكن من هذه الأنشطة الساحلية.
وتمتلك المملكة محيطًا بحريًا يتجاوز 2600كيلومتر، يتميز بثرائه وكنوزه الطبيعية، من ثروات سمكية ونفط وغاز وبتروكيماويات وشعب مرجانية وسياحة جميلة، وغيرها من المقومات التي تساهم في إسراع خطوات الاستثمار في الاقتصاد المائي.
النقل البحري.. في مارس 2019 احتضنت الدمام (شرق) المؤتمر السعودي البحري الثاني، وذلك بمشاركة 36 دولة، لتؤكد المملكة على مكانة الاستثمار في مجال النقل البحري لديها، وتقدر قيمة الفرص الاستثمارية في قطاع الخدمات اللوجستية ككل في السعودية بنحو 18 مليار دولار.
ومن المشروعات التي أنجزت في هذا المضمار مشروع ميناء الملك عبد الله في جدة الذي بلغ حجم الاستثمار فيه أكثر من 40 مليار ريال، والمتوقع أن يساهم في زيادة الصادرات السعودية لتبلغ أكثر من 600 مليار ريال بحلول 2030، علمًا بأنه يعتبر أول ميناء في المنطقة يمتلكه ويطوره ويديره القطاع الخاص بالكامل، وسبق أن تم تصنيفه كأسرع موانئ الحاويات نموًا وضمن قائمة أكبر مئة ميناء في العالم، بعد أقل من أربع سنوات على بدء عملياته التشغيلية.
وفي المجمل فإن قطاع النقل البحري السعودي يحتل المرتبة الثانية في المنطقة العربية من حيث حجم الموانئ وعدد الحاويات التي تنقل أطنان البضائع من وإلى السعودية، مع الإشارة إلى أن عدد الموانئ في المملكة يصل إلى تسعة، فيما تعمل السلطات المحلية على إنشاء خمس موانئ أخرى بقيمة 1.16 مليار دولار بالشراكة مع بعض رجال الأعمال في المملكة، ودعم من السلطات السعودية يقدر بنحو 50 مليار دولار في السنوات الأربعة المقبلة.
النفط.. تعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، كما تملك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، وتشير التقديرات إلى أن احتياطي المملكة يقدر بـ268.5 مليار برميل بما في ذلك 5.4 مليارات برميل في المنطقة السعودية الكويتية المحايدة، وعلى الرغم من أن المملكة لديها 100 حقل رئيسي للنفط والغاز، فإن أكثر من نصف احتياطيات النفط تقع في 8 حقول فقط، ومن أبرز تلك الحقول البحرية السفانية في الخليج العربي والخفجي وفسكر.
الثروة السمكية.. تطل المملكة على البحر الأحمر (1830 كيلومترًا) والخليج العربي (650 كيلومترًا)، أي بإجمالي سواحل بحرية تمتد بطول 2500 كيلومتر تقريبًا، ما جعل الثروة السمكية بها أحد أهم مواردها، حيث وصل الإنتاج السعودي إلى أكثر من 8000 طن من الأسماك البحرية التي شملت كلاً من أسماك السي بريم الأوروبي كما توسعت عمليات إنتاج أسماك الباراموندي أو السي باس.
أما مصايد المملكة من كل من البحر الأحمر والخليج العربي تنتج قرابة 70.000 طن من الأسماك، في حين يبلغ إنتاج الخليج العربي 63% من حجم الإنتاج بأكثر من 44.500 طن من الأسماك سنويًا، ويشكل إنتاج البحر الأحمر 36% بحجم إنتاج قرابة 26500 طن في العام.
وخلال العام الحاليّ تتطلع السعودية لرفع إنتاجها من “الأسماك المستزرعة” إلى 100 ألف طن، ونحو 600 ألف طن في عام 2030، وذلك من خلال رفع الشراكة مع القطاع الخاص في هذا المجال، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية لإطلاق مشروعات الاستزراع المائي ومصانع الأعلاف وتجهيز المنتجات السمكية، حيث تم رصد ميزانية تبلغ نحو 1.3 مليار ريال (346 مليون دولار) لدعم البرنامج الوطني لتطوير هذا القطاع.
الكويت.. الاستزراع السمكي بوابة الدخول
نجحت الكويت في دخول عالم “الاقتصاد الأزرق” من خلال الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية التي تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك في الدولة في إطار إستراتيجية طموحة من خلال تطوير وتوسيع الاستزراع السمكي وإثراء المخزون الطبيعي للأسماك في المياه الإقليمية.
وتشير التقارير إلى أن الكويت تحتاج إلى 33 ألف طن من الأسماك لتحقيق الاكتفاء الذاتي عام 2020، ويتوقع أن يسد الاستزراع السمكي نحو 50% من العجز في الأسماك الطازجة بحلول عام 2025، علمًا بأن في البلاد ما يقارب 100 مزرعة سمكية 59 منها مسجلة لدى الهيئة بمساحة إجمالية 40622 متر مربع في مختلف مناطق البلاد الزراعية (العبدلي – الوفرة – الصليبية) إضافة إلى 22 مزرعة غير مصنفة ضمن المزارع المنتجة، وتحتاج إلى جهود وعناية خاصة لتصل إلى المستوى الإنتاجي المطلوب.
أما فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط في المياه، فقد بدأت شركة نفط الكويت، في تدشين عقود الحفر البحري، لأول مرة في تاريخها، في 2018، حيث تم بدء عمليات الحفر في 6 مواقع بحرية، ما يعزز توجه البلاد الجديد نحو الدخول إلى عالم الاستثمارات المائية بشتى أنواعها.
أعلن ذلك مصدر مسؤول لصحيفة الأنباء الكويتية، حيث قال: “الشركة طرحت أوراق مناقصة الحفر البحري داخل لجنة المناقصات الداخلية في الشركة باعتبارها أحد عقود الحفر والخدمات، التي استثناها قانون المناقصات الجديدة في الطرح من الجهاز المركزي للمناقصات العامة”.
ومن جانب آخر يعد مشروع “مدينة الحرير” البحرية أحد أبرز النماذج في مجال الاستثمار الأزرق، كونه يأتي على رأس المشروعات الداعمة لرؤية (كويت 2035) نحو تحويل البلاد إلى وجهة استثمارية عالمية في الاستثمارات البحرية، هذا المشروع الذي يشمل خمس جزر ومنطقة في شمال الكويت ويربطهما بالعاصمة جسر الشيخ جابر الأحمد، أحد أطول الجسور البحرية في العالم الذي بلغت تكلفته ما يقارب 904 ملايين دينار (ثلاثة مليارات دولار).
وبالإضافة إلى المنطقة الحرة والميناء، يتضمن المشروع مطارًا وإستادًا أوليميبًا وبرجًا أطول من برج خليفة في دبي، وهو حاليًّا أطول مبنى في العالم، ومساكن تستوعب ما يصل إلى 700 ألف شخص، ويهدف إلى خلق 200 ألف وظيفة على الأقل، كما ينتظر أن يساهم في تنويع اقتصاد البلاد وتقليص اعتمادها على النفط، إضافة إلى اجتذاب استثمار أجنبي وتقوية الروابط التجارية مع العراق وإيران والصين، أو ذلك على الأقل هو ما تهدف إليه الخطة.
وفي إطار رؤيتها نحو إنشاء منطقة اقتصادية شمال البلاد، يأتي افتتاح جسر الشيخ جابر الصباح، رابع أكبر الجسور البحرية في العالم، الذي يربط ضفتي جون الكويت، الذي تقع على جنوبه عاصمتها بمدينة الحرير، ليعكس ملامح الإستراتيجية الكويتية الجديدة، حيث يسهم هذا الجسر في اختصار المسافة بينهما من 104 كيلومترات تقطعها المركبات في نحو 90 دقيقة إلى نحو 37.5 كيلومتر أي أقل من 30 دقيقة.
المشروع استخدم أحدث تقنيات الهندسة المدنية، وسيتم تشغيله عبر نظام النقل الذكي، ويجعل الدولة مركزًا للتجارة العالمية، ويتضمن إنشاء تعويض بيئي متكامل للشعب المرجانية بالمنطقة، ومستوطنات الروبيان والأحياء البحرية التي تساعد على مرور التيارات المائية فيها، ومصنعة من مواد ليس لها أي تأثير على البيئة البحرية، وتم إنشاء هذه المستوطنات ونقل هذه الأحياء إلى موطنها الجديد.
سلطنة عمان.. جزيرة السلام والاستقرار
“جزيرة سلام واستقرار“.. هكذا وصف غونتر باولي مؤلف كتاب “الاقتصاد الأزرق” سلطنة عمان، مرجعًا هذا الوصف لما تمتلكه من فرص كبيرة للاستثمار في عالم هذا الاقتصاد الوليد، مؤكدًا أن حكومة السلطنة دؤوب في استخدام الموارد المالية بما يحقق الاستقرار المالي الذي يعكس توجه السلطنة الصحيح في هذا الإطار.
الكتاب أوضح أن مسقط بإمكانها الدخول في قطاع التعدين البحري الذي يعتبر قطاعًا مهمًا لما تزخر به السلطنة من سواحل ممتدة وما تمتلكه من ثروات طبيعية يمكن استغلالها اقتصاديًا في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية وحتى الطبية بالإضافة إلى قطاع السياحة.
وفي مارس 2016، اختارت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، السلطنة مع ست دول عربية أخرى لها تجارب رائدة في التنمية السمكية، لتكون ضمن منظمومة الاقتصاد الأزرق، حيث أدى قطاع الثروة السمكية في السلطنة دورًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي باعتباره من القطاعات الاقتصادية والإنتاجية ذات الأهمية.
ويأتي قطاع الثروة السمكية في عُمان على رأس القطاعات غير النفطية التي تدر دخلًا للبلاد ويساهم هذا القطاع الحيوي من مصائد سمكية ومشاريع الاستزراع السمكي في زيادة الإنتاج السمكي وإنتاج الغذاء وتحقيق قدر من الأمن الغذائي وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية وتوطين تطبيقات التكنولوجيا الحديثة.
هذا القطاع يساهم كذلك في توفير فرص استثمارية واسعة لإقامة صناعات سمكية متطورة لرفد السوق المحلية بمنتجات سمكية ذات جودة عالية ويتزايد أهمية هذا القطاع مع انخفاض أسعار النفط في العالم حاليًّا وتوجه العديد من الدول المنتجة للنفط للعمل على إيجاد قطاعات إنتاجية أخرى تساهم في زيادة الدخل الوطني.
ربما لا تملك السلطنة إمبراطورية كبيرة من الموانئ تؤهلها للمنافسة في مجال الملاحة البحرية كغيرها من دول الخليج، لكن لديها ميناء صلالة الذي يعد أحد أبرز الموانئ الإقليمية، هذا الميناء الذي نجح في تحقيق رقم قياسي على مستوى مسيرة عملياته التشغيلية من خلال مناولته 4 ملايين حاوية نمطية خلال العام الماضي، وذلك رغم التحديات التي واجهها الميناء في انخفاض طاقته التشغيلية بسبب تبعات إعصار مكونو والمستجدات الإقليمية.
في الربع الأول من 2019 ارتفعت إيرادات محطتي البضائع العامة والحاويات بميناء صلالة بنسبة 23% و3% على التوالي، وتعاملت محطة البضائع العامة مع 4.234 مليون طن من البضاعة العامة، بزيادة قدرها 3% مقارنة بالربع الأول من عام 2018، فيما بلغت الأرباح الصافية مجتمعة للشركة 1.625 مليون ريال خلال هذه الفترة، مقارنة بـ1.720 مليون ريال للفترة نفسها من 2018.
وعلى الأرجح فإن الدول الخليجية باتت لا تملك رفاهية الاختيار في الإسراع بخطاها نحو تعزيز الاستثمار في قطاع الاقتصاد البحري في ظل تأرجح أسواق النفط وأسعاره التي تمثل المصدر الأساسي لاقتصادات تلك الدول، مستندة في ذلك إلى ما تتمتع به من مقومات تؤهلها لتحقيق نجاحات كبيرة في هذا المضمار حال توافرت الإرادة.