اكتسبت اليابان سمعة “بلاد الغرائب”، يذهب إليها غريبو الأطوار من كل مكان في العالم لأنهم يعلمون أنها دولة تستثمر أموالها في استحداث أغرب الخدمات والاختراعات، لذلك ليس من المفاجئ فوز – كل عام – أحد اليابانيين بعدة جوائز في مجالات العلوم، حتى لو كانت إحدى تلك الجوائز هي “نوبل للحماقة العلمية”!
لم يكن اليابانيون منطويين بطبيعتهم، لكن نمط الحياة الياباني الجديد فرض عليهم الوحدة وبدأوا في الانغلاق على أنفسهم، بإمكانكم مراجعة مقال (الهيكوكوموري.. بداية العنف الأسري في اليابان) الذي يتحدث عن الانعزال الاجتماعي في اليابان.
وفقًا لمعهد أبحاث NLI، فإن عام 2020 هو العام الذي سيكون فيه العيش وحيدًا القاعدة السائدة في اليابان، لذلك فإن تلك النوعية من الخدمات الغريبة الآخذة في الازدياد ما هي إلا خدمات هدفها في الأساس تحسين نمط الحياة الوحيدة التي يعيشها الياباني، وذلك إلى جانب كونها عامل جذب للسياحة!
إذن ما أغرب الخدمات التي تقدمها اليابان سواء لسُيَّاحها أم لمواطنيها؟
كرسي مضاد للوحدة/كرسي العناق
الانحناء هو النظام السائد في اليابان بالطبع، لا العناق، لكن فكرة العناق تثير جنونهم أو فكرة عناق شخص ما والجلوس بهدوء، لذلك صممت شركة UniCare “كرسي مضاد للوحدة” على هيئة دمية كبيرة ذات أذرع قماشية طويلة بأمكانها الالتفاف بشكل مريح حول من يجلس فوقه، وتصل تكلفة ذلك الكرسي إلى 419 دولارًا!
قال المتحدث باسم الشركة: “هذا الكرسي يجعلك تشعر بالأمان، يمكن لأي شخص استخدامه، ولكنه مصمم بشكل خاص لأجل الأشخاص الأكبر سنًّا، إنهم مريحون للأشخاص الذين يعيشون بمفردهم، يمكنهم التحدث إلى تلك الدمى وعناقها، كما أنها تعزف الموسيقى اليابانية القديمة، مما يثير حنين كبار السن”.
استئجار صديق
العديد من الوكالات المحلية في اليابان تعرض خدمة “استئجار صديق أو عائلة”، إنه شخص يُدفع له ليرافقك إلى المطاعم، .يتناول معك بعض الوجبات، أو حتى يمارس معك بعض الأنشطة، ويبدأ سعر تلك الخدمة بـ30 دولارًا في الساعة
تلك الخدمة لا تشمل أي تواصل جسدي، إنها مجرد مرافقة للأشخاص الذين يشعرون بالوحدة.
المقاهي المضادة للوحدة
إذا كنت لا ترغب في تناول الطعام وحدك، بإمكانك قضاء ذلك الوقت في أحد المقاهي المضادة للوحدة التي تنتشر في طوكيو وحولها، موفرة العديد من الحيوانات المحشوة الكبيرة التي تجلس بجوارك في أثناء تناول الطعام.
من أشهر تلك المقاهي مقهى Moomin، إنه مقهى يعمل على إنقاذ الوحيدين من مخاطر تناول الطعام منفردًا، فهو يقدم حيوانات محشوة تسمى “مومينز” تشبه فرس النهر الأبيض التي اخترعتها الكاتبة الفنلندية “توفي يانسون”، لتجلس أمام وبجوار الأشخاص الوحيدين.
مقاهي الحيوانات
العديد من المساكن اليابانية تمنع وجود الحيوانات الأليفة، لذلك تجد مقاهي القطط والكلاب شيئًا شائعًا في اليابان، وذات شعبية أيضًا، فبإمكانك تناول مشروبك واللعب مع إحدى القطط أو الكلاب والذهاب إلى منزلك من جديد دول حمل عناء اقتناء حيوان أليف، لكن الأمر دائمًا لا يتوقف عند الحيوانات المألوفة بالتأكيدة، فمؤخرًا انتشرت مقاهي جديدة خاصة بالحيوانات، مثل:
- (مقهى ساكوراجاوكا) Sakuragaoka Cafe: افتتح عام 2009 في منطقة شيبويا بالعاصمة طوكيو، ويضم شرفة لطيفة حيث يمكنك الاستمتاع بقهوة الصباح أو الغداء، فيما تكمن القيمة المضافة بأنه يمكنك الاستمتاع برفقة الماعز!
وفقًا للمالك، فإن شيبويا احتاجت إلى مكان يجد الناس فيه الراحة والهدوء بعيدًا عن ضجيج الأعمال، وهكذا توصل إلى فكرة وضع ماعزين خارج المقهى بالقرب من الشرفة، مما يجعل الناس يتوقفون عندهما، ويبتسمون للحيوانات الودودة التي تستقبلهم.
-
(مقهى هاري): إذا سئمت من القطط والكلاب وحتى الماعز، فبإمكانك دائمًا الذهاب إلى (مقهى هاري) Harry Cafe لتلعب مع القنافذ!
-
(مقاهي الطيور): هناك العديد من المقاهي التي تقدم لك تجربة فريدة تقضيها رفقة بعض البوم أو الببغاوات أو الصقور مثل مقهى (توري نو إيرو) Tori No Iru.
-
مقاهي الزواحف: إذا كنت تملك قلبًا قويًّا، وترغب بتناول طعامك مع بعض الزواحف مثل الثعابين أو السلاحف أو السحالي أو أبو بريص أو الضفادع.. فبالتأكيد ينبغي لك زيارة (مقهى الزواحف) Reptiles Cafe، الذي يقع في منطقة يوكوهاما.
هناك أيضًا عدد من المقاهي الغريبة في اليابان، التي تتطور يومًا بعد يوم، فإذا كنت ترغب بقراءة المزيد عن المقاهي اليابانية، بإمكانك مراجعة مقال المقاهي اليابانية: نادلة وقطة وكتاب.
خدمة النوم بجوار أحدهم (Soine Ya)
إحدى الخدمات الغريبة التي تقدم في اليابان هي استئجار شخص ما للنوم إلى جوارك، 20 دقيقة من مجرد التمدد إلى جوار أحدهم ستكلفك نحو 30 دولارًا، بينما إذا كنت ترغب في أن يربت ذلك الشخص فوق ذراعك أو ينظر إليك؛ فعليك دفع المزيد بالتأكيد! تلك الخدمة تسمى (Soine Ya) وهي النوم بجوار فتاة أو فتى حسن المظهر.
تلك الخدمة لا تتضمن أي أعمال منافية للآداب، وهي منتشرة في أكيهابارا، وأي زبون يتطاول على الشخص المُستأجَر يُطرد في الحال.
صالونات تنظيف الأذن
عام 2006 تقريبًا أعلنت الحكومة اليابانية أن تنظيف الأذن لم يعد يعتبر إجراءً طبيًّا، مما جعل التراخيص الطبية غير ضرورية لصالونات تنظيف الأذن، منشئًا ذلك نوعًا جديدًا من الأعمال التجارية في طوكيو وغيرها من المدن الكبرى وهي “صالونات تنظيف الأذن”.
من أشهر تلك الصالونات صالون “ميميكاكي-تن” Mimikaki-ten، ويعتبر أحد أكبر سلاسل العناية بالأذن في اليابان، الذي افتُتِح عام 2006.
في أثناء الجلسة ينام في الصالون ثلاثة من كل أربعة عملاء، معظمهم من الرجال، كل هذا يعود إلى الضغوط التي يتعرض لها الأشخاص، بسبب نقص التواصل في العالم الحقيقي والانعزال الذي سببه الإنترنت، فأولئك الرجال يرغبون في إجراء اتصال مع أي شخص.
تستمر الخدمة في ذلك الصالون نحو 30 دقيقة وتكلف ما يقارب 32 دولارًا، وتقدم الخدمة في العادة امرأة ترتدي الكيمونو، تقدم الشاي التقليدي للزبون وتتحدث معه قليلًا، ثم تجعله يضع رأسه فوق ساقيها، وتغطي وجهه بمنديل وتبدأ في تنظيف أذنه بعصاة مخصصة لذلك، وعادة يكون جميع زبائن تلك الصالونات من الرجال المتعبين الذين يتطلعون إلى الاسترخاء بعد يوم عمل طويل ومرهق.
أخيرًا، تمثّل هذه المهن والخدمات التي تشيع في البلد الآسيوي المتطور، سوقًا مربحًا وثقافة شائعة محليًا لكنها غريبة علينا في المنطقة العربية، ومن هنا تكمن أهمية استعراضها في هذه التقرير، كونها تسلط الضوء على ثقافة المجتمع الذي تنسج الروايات والحكايا والأساطير عن “كوكب اليابان” وسعادته وتطوره، فيما يحتاج العامل هناك لأن يستأجر من يعانقه ويأكل معه ويحتفل معه وحتى لمن ينظف أذنه، فيما يشعر بالاسترخاء لمجرد أنه وجد نفسه بين يدي أي شخص، ولو كان غريبًا، ويغفو.