ما إن انتهى خطاب خالد مشعل، حتى بدأت منابر الإعلام المقرّب من حزب الله وإيران وسوريا بشنّ حملة إعلامية واسعة على مشعل، انطلاقًا من نقاط مختلفة تنوعت من منبر لآخر، لكنّ أمرًا واحدًا جمعها “ليش يا مشعل ما شكرتكش إيران؟! مش عيب ما تشكرش (آلهة المقاومة)؟”!
مبدئيًا، لن أناقش فقرة الشكر في خطاب مشعل – بالرغم من كونها شعلة تلك الحملة – ولن أعرّج على تفاصيل مَن شَكر ومن لم يَشكر، ولا صيغ الشكر، ولا فكرة من قدّم ومن أخر، لأنّي أرى في أساس فكرة تخصيص الشكر لأيّ جهة كانت – مهما كان حجم دعمها – منحًا لشيء من رصيد المقاومة لا يستحقه أيًّا كان؛ فالمقاومة صنّعت وهرّبت وخطّطت ونفّذت وهي من حمل السلاح وأطلقه، وسواعد مقاوميها وحدها من حسم المعركة الأخيرة بحاضنة شعبية غزيّة فقط.
هذا غير الإيمان المطلق، والذي عزّزته هذه المعركة، بأنه لا يوجد هنالك جهة – مهما كبرت أو صغرت – تمنح وتقدم وتدعم لله والوطن، دون صبّ ذلك في مراسي مشاريعها ومصالحها، ولنا في توقف أو انقطاع الدعم الإيراني ولو بشكل جزئي دليل على ذلك.
إن حاولتَ قراءة بعض من مواد تلك الحملة، والمرور على ما سبقها على مدار الأشهر الماضية، ستجد فيها من رسائل التذكير بمن درّب المقاومة في غزة ومن نقل إليها الخبرات، ومن سلّحها ودعمها وتابعها …إلخ، والإشارة إلى إيران وفضلها وحدها في كل السطور حتى تملّ، ويضطر ذهنك إلى السفر عبر تاريخ خطاب حركة فتح، وشعارات “الرصاصة الأولى” و”أم الثورة والثوار”… إلخ، ليعود بك الزمن إلى قول ممثل الشبيبة الفتحاوية في أول محاولة استقطاب لك في المدرسة الإعدادية، “هوي مين بنى حزب الله؟ فتح اللي بنت حزب الله، ودرّبت كوادرهم في معسكراتها”؛ في محاولة للاستفادة من رصيد وإنجازات حزب الله اليوم في الترويج لأنفسهم.
قد تتسامح مع هذا النوع من الخطاب، فعبر التاريخ كان دائمًا موجود، لكنّ هنالك خطر حقيقيّ في تلك الحملة لما فيها من محاولة لزرع الفتنة داخل حركة حماس، أكبر فصيل مقاوم، فقبل أشهر كانوا يروّجون لخلافات بين قيادة الداخل والخارج، وبدأوا اليوم بالترويج لأقاويل كثيرة، هدفها الوحيد خلق خلافات بين الجناح العسكري والسياسي، وتعزيزها في حال وُجدت.
فمِن مقارناتهم الرخيصة – التي ملأت تلك المواد – بين “مشعل” الجالس تحت المكيفات في الدوحة، و”محمد الضيف” المتواجد في الميدان، والتغني به وبإدارته للمعركة، وتطوّر القسام بعهده، على أساس أنها إنجازاته وحده، إلى المقارنة الأرخص، التي وردت في إحدى المقالات، “أسهب مشعل في خطاب النصر الذي ألقاه من قطر، في الحديث عن دلالات الانتصار الذي تحقق في غزة”، وكأنّه تيسر لمشعل الحديث من فوق الركام في الشجاعية مثلاً، وأصرّ هو على الدوحة!!
لقد كانت هذه المعركة كفيلة بكشف أكاذيبهم بشكل مطلق، فلم نجد بها إلا التنسيق العالي بين قيادات الداخل والخارج، وتبادل الأدوار بين الجناح العسكري والسياسي، والالتزام التام بإيقاع محدد يتناسب مع وتيرة كل مرحلة، من لحظة بدء المعركة وإعلان المطالب، ثم الدخول في مفاوضات القاهرة، وحتى توقيع الاتفاق، وما بعده من خطابات وتصريحات.
ومع فارق التشبيه، وفارق الأهداف، تجد أنّ منطق الخطاب هذا هو ذاته منطق خطاب الاحتلال؛ فخطاب الاحتلال استهدف خلال المعركة الأخيرة الحاضنة الشعبية، وهَدف لزرع الفتن داخل فصائل المقاومة، فمن إشارته الدائمة إلى القيادات المتواجدة في قطر ولبنان وتركيا وغيرها “بعيدة عن هموم شعبها والمقاومين”، إلى حديثه حول “القيادات المتواجدة في الملاجئ تاركة وراءها شعبًا يُقتل”، لقد التقى منطقهم مع منطق الاحتلال حتى لو لم يقصدوا ذلك”.
منابر إيران وحزب الله الإعلامية ليست منابرًا للمقاومة كفكرة، بل هي منابر لمن دخل محورًا أسموه “محور المقاومة”، واحتكروا فيه الحق في المقاومة، فمن نال الرضا من “آلهة المقاومة”، دعمناه وغطيناه، ورفعنا له ذكره. وشاهد ذلك تغطيتهم لأخبار حماس قبل خلافها معهم، وكيف غدت أخبارها اليوم في صحفهم، لقد جرى التركيز اليوم على حركة الجهاد الإسلامي، والفصائل الأخرى (متواضعة الأداء مقارنة بحماس)، دون إعطاء كتائب القسام حقّها بالرغم من أنها الأقوى في الميدان، وكل ذلك كان بهدف معاقبة “الابن العاق” الذي لم يتفق معهم في سوريا، ولم يلتزم بموقفهم.
تلك المنابر تدرك أن لا أحد ينكر دور إيران وسوريا وحزب الله في نقل الخبرات والدعم الواسع للمقاومة الفلسطينية في فترة سابقة قبل خلافها السياسي معهم، لكنّ ذلك غير كافٍ بالنسبة لها، فهي تتخيل أن ذاك الدعم كفيل بشرائها، وشراء مقاوميها، وكل مواقفهم وإنجازاتهم، ويرون في الخروج عن محورهم والتزاماته “نكرانًا للجميل”.
يا عزيزي، من دعم ويدعم المقاومة الفلسطينية، يقوم بذلك من باب إيمانه بفكرة المقاومة التي تعمل على تحرير فلسطين، وبناء على ذلك، من المنطق أن يزداد الدعم، ويرتقي للمستوى والأداء الذي رأيناه يعلو في المعركة الأخيرة، لا أن ينقطع أو يتوقف بشكل جزئي حتى.
ومن المهم الإشارة هنا، بأنّ دعم المقاومة مهما كبر، لن يتحول لقيود تكبلها وتكبل مواقفها، وليس لأحد على المقاومة “ضربة لازم” إلا البقاء على فكرة المقاومة ذاتها، والعمل المستمر على تحرير فلسطين.
يُنشر هذا المحتوى بالتعاون مع شبكة قدس الإخبارية