يتوقع الخبراء ازدياد عدد سكان الأرض نحو ملياري شخص ووصول تعدادهم حافّة الـ9 مليارات عام 2050، وموارد الكوكب في تناقص مستمر. في الوقت الحاليّ ينتج العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام 7 مليارات شخص، إلا أن من يعانون من الجوع يمثلون 11% من سكان العالم ويعود ذلك لأسباب اقتصادية وسياسية وأهمها زراعية.
ساهمت أسباب عديدة في تراجع مستوى الإنتاج الزراعي، ورغم أن الزراعة تعد واحدة من أقدم المهن، لكن مع تطور استخدام الآلات الزراعية والهجرة من الأرياف لصالح الحياة في المدن بالإضافة للتغيرات المناخية، انخفضت بصورة كبيرة أعداد الذين يمكن وصفهم بالـ”مزارعين” أوالفلاحين.
في هذا التقرير نستكشف تطبيقات الذكاء الاصطناعي لفهم الاتجاهات الحاليّة والناشئة لاستخدام التكنولوجيا في تطوير الزراعة، ودوره في قيادة ثورة زراعية تساعد العالم على إنتاج المزيد من الغذاء باستخدام موارد أقل.
تنقسم تدخّلات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا على أقسام عدة، فهو يرافق العملية الزراعية منذ بدايتها وحتى جني ثمارها.
أولًا- أنظمة الرصد والمراقبة
1- صور الأقمار الصناعية
شاع في الفترة الأخيرة استخدام الأقمار الصناعية في الزراعة، فهي تستخدم لمراقبة المحاصيل عن بعد، وهذا بالتأكيد يوفر قدرًا كبيرًا من المال والوقت، كما يمكن دمج هذه التكنولوجيا مع مجسات التربة والمياه والمحاصيل، لذا كلما حصل خطر أو نقص شيء من الموارد، يمكننا الحصول على إشعار.
ومن أهم أدوار الأقمار الصناعية، التنبؤ بالطقس، فيمكن للمزارع تحديد مواعيد نشر البذور أو تأجيل الحصاد وغيرها.
2- إنترنت الأشياء “IoT”
من أعظم الإنجازات التي حققتها التكنولوجيا في الزراعة هي دخول أجهزة إنترنت الأشياء، إذ يمكنها إعطاء تصور كامل للمزارع، من نوعية التربة إلى مستوى الرطوبة وشدة الرياح، ومن شأن هذه الوسائل أن تساعد في تحديد عدد كبير من العوامل التي يمكن للمزارعين بناء قراراتهم عليها، وساهمت بزيادة حجم الإنتاج بمعدل 56-118%:
– صحة التربة
ستكون أجهزة استشعار إنترنت الأشياء قادرة على مراقبة مستويات المغذيات في الحقل وتزويد المزارعين برؤى دقيقة فيما يتعلق بموعد ومكان زراعة المحاصيل لتحقيق أقصى قدر من المكسب وتجنب هدر المحاصيل.
– الحصاد الأمثل
إن أجهزة استشعار الهواء التي يمكن تجهيزها للطائرات بدون طيار ستعطي المزارعين رؤى في الوقت الحقيقي بشأن أفضل الظروف الجوية للزراعة والحصاد، وهذا من شأنه جعل عمليات الزراعة أكثر كفاءةً وإنتاجًا.
– الوقاية من المرض
مستشعرات IoT قادرة على إعطاء ملاحظات حية على صحة النبات أو مجموعة من المحاصيل وسيؤدي هذا النهج إلى توفير الكثير من الوقت وتدارك صحة النباتات قبل انتشار المرض.
3- الأمن الرقمي Blockchain
بواسطة هذه التقنية سيكون سجل رحلة الغذاء، من المزرعة إلى المائدة عند المستهلك، متاح للمراقبة وفي الوقت الفعلي، مما يعمل على الحد من التلف والتبذير، وتحديد المناطق ذات الحاجة الأشد.
ثانيًا: المعدات العاملة بالذكاء الاصطناعي
هناك الكثير من الابتكارات لهذا الخصوص، سنتناول أهمها وأكثرها تأثيرًا على تحسين الزراعة:
– الروبوتات الزراعية
تطور الشركات وتبرمج الروبوتات المستقلة للتعامل مع المهام الزراعية الأساسية مثل حصاد المحاصيل بأحجام أكبر وأسرع من العمال البشر ومراقبة المحاصيل والتربة.
حيث تعمل الشركات على الاستفادة من رؤية الكمبيوتر والتعلم العميق لمعالجة البيانات التي تلتقطها الطائرات بدون طيار وتكون بعدة أوجه:
1- مكافحة الحشائش
تعد القدرة على مكافحة الحشائش أولوية قصوى للمزارعين وتشكل تحديًا مستمرًا، لأن مقاومة النباتات للمبيدات أصبحت أمرًا شائعًا، وتقدر الخسائر السنوية للمزارعين بنحو 43 مليار دولار بسبب الأعشاب الضارة.
تستخدم الشركات الروبوتات لمساعدة المزارعين على إيجاد طرق أكثر فعالية لحماية محاصيلهم من الأعشاب الضارة، وهذه التقنية تقضي على 80% من المواد الكيميائية التي يتم رشها عادة على المحاصيل ويمكن أن تقلل نفقات مبيدات الأعشاب بنسبة 90%.
2- حصاد المحاصيل
من المتوقع أن تشهد الصناعة انخفاضًا بنسبة 6% في عدد العمال الزراعيين بين عامي 2014-2024.
تم تطوير روبوت لمساعدة المزارعين على اختيار وتعبئة محاصيلهم، إذ يمكن استبدال 30 عاملًا بشريًا بروبوت واحد، وهنا يمكن حل مشكلة نقص اليد العاملة.
– الجرّارت ذاتية القيادة
استخدام الجرار الذكي قادر على إحداث ثورة في الصناعة الزراعية، فهو يسهل عملية الحراثة ورش البذور وعلى مسافات متساوية، كما يمكنه مراقبة مستوى النمو والتنبؤ بموعد الحصاد.
– الطائرات بدون طيار
من المتوقع أن يصل سوق الطائرات بدون طيار في الزراعة إلى 480 مليون دولار بحلول عام 2027، ورغم أن تاريخها يعود لثمانينيات القرن الماضي، فإن استخدامها توسع بشكل كبير في الأعوام المنصرمة. إذ يمكن استخدامها للمراقبة ورش المبيدات وتلقيح الأشجار.
ثالثًا: أساليب تكنولوجية حديثة بالزراعة
– الزراعة الرأسية أو العمودية
يمكن تعريف الزراعة الرأسية الداخلية بأنها ممارسة زراعة المنتجات مكدسة واحدة فوق الأخرى في بيئة مغلقة، وغالبًا يرتبط هذا النوع من النمو بالزراعة في المدن والحضر نظرًا لقدرته على الازدهار في مساحة محدودة، وهي فريدة من نوعها حيث أن النباتات لا تتطلب تربة، فمعظمها من النباتات المائية، حيث يتم رش جذور النباتات بانتظام بالماء والمواد الغذائية.
لا يمكن للبشر إنشاء هذا النوع من المزارع دون الاعتماد بشكل كبير على التكنولوجيا من حيث مراقبة النباتات وتحديد كمية الضوء والرطوبة وغيرها من الظروف التي يصعب للبشر تحديدها بدقة.
– المحميات الزراعية الحديثة
نما هذا النوع من الزراعة في أيامنا هذه، إلى حد كبير بسبب التحسينات الهائلة الأخيرة في التكنولوجيا، لقد أصبحت البيوت الزجاجية الحديثة ذات تكنولوجيا عالية، حيث تستخدم مصابيح LED وأنظمة تحكم الآلية لتكييف البيئة الزراعية.
– استخدام تقنية الزراعة الدقيقة (الحمض النووي)
في هذه التقنية يتم السيطرة والتحكم بالجينات الوراثية للنباتات، بغية رفع الجينات التي تسبب الأمراض أو تسريع عملية النمو. ولم تكن هذه التقنية موجودة لولا التطور الكبير بالمجاهر الإلكترونية وأجهزة الحقن المجهري.
أخيرًا.. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمثّل ثورة لقطاع الصناعة الزراعية، فإنه ينبغي ملاحظة أن دوره مكمّل وليس بديلًا، فلا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل التجربة البشرية ولكن يمكنه زيادة إمكانيات الزراعة، كذلك فإن الذكاء الاصطناعي فن وعلم، لا توجد حلول دائمًا لكل العقبات الزراعية.
تعد “الزراعة الرقمية” واحدة من الضرورات المُلِحّة في عصرنا هذا، فعدا كونها تطور أساليب الزراعة، فإن الأهم أنها تزيد من مقدار الإنتاج، وهو ما يعتبر حلًا لمشكلة المجاعة، إضافة إلى أنها تزيد من غِنى الدول المعتمدة في اقتصادها على الزراعة.
بعد أن عرفنا مقدار الثورة التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في الزراعة، يتوارد على خواطرنا سؤال ملح: ماذا لو تم تطبيق هذه التقنيات في بلد مثل السودان، حيث الأراضي الزراعية شاسعة فيما يرضخ الشعب تحت وطأة الجوع والفقر.