نجحت تركيا في طريق اللحاق بركب التقدم العالمي خلال العقدين الماضيين بتنويع مسارات الوصول، فعلى عكس العديد من الدول الأخرى أحادية الاتجاه، ارتأت لنفسها السير في اتجاهات متعددة وبشكل متوازن، إيمانًا بأن الاعتماد على درب واحد فقط ربما يقود إلى طريق مسدود بجانب كونه مغامرة محفوفة المخاطر.
وكان للاقتصاد المائي نصيب كبير في مسيرة التنمية التركية لما يمثله من قيمة ومكانة كبيرة لدى صناع القرار في البلاد خاصة في ظل ما تتمتع به الدولة التركية من مقومات بيئية ثرية، فثلاثة أرباع حدودها شواطئ بحرية، ويخترقها ممران يصنفان بأنهما من أهم الممرات العالمية التي تشطر العالم إلى شطرين.
وخلال العقد الأخير على وجه التحديد أولت أنقرة أهمية كبيرة للاستثمار في مجالات الاقتصاد الأزرق المختلفة، بدأتها بإسراع الخطى في ترقية موانئها لما يعزز قدراتها الاستيعابية ومن ثم زيادة عوائدها المالية، مرورًا بدعم القطاع السمكي ومعه السياحة الشاطئية والثروات المعدنية تحت الماء، وصولًا لانتهاج إستراتيجية جديدة لدعم مخزون الطاقة لديها عبر التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
هذا بجانب ما توليه المراكز البحثية والعلمية من أهمية كبرى لدراسة تداعيات هذا التوجه الجديد على مستقبل الدولة في ظل التنافس القوي بينها وبين العديد من القوى وتعدد الجبهات المفتوحة عليها في إطار سياسة التحالفات الجديدة ولغة الاستقواء والإقصاء التي تتبعها بعض الكيانات الدولية والإقليمية التي تتطلب شحذ كل الجهود لتدشين أرضية قوية من الاقتصاد المتنوع يمكن الاعتماد عليها في مواجهة تلك التحديات.
موقع إستراتيجي
تتمتع تركيا بموقع إستراتييجي متميز، حيث تمتد أراضيها على قارتي آسيا وأوروبا، يشكل الجانب الآسيوي منها قرابة 97% من مجموع أراضيها البالغ مساحتها 779.452 كيلومتر مربع، بينما يكون الجزء الأوروبي، ما نسبته 3% ومساحة 23.623 كيلومتر مربع من مجمل مساحة البلاد.
تعد تركيا نقطة وصل جغرافية بين الشرق والغرب، تبلغ حدودها نحو 9.848 كيلومتر، منهم 7.200 كيلومتر شواطئ على البحر، ومن بين حدودها الأربع هناك 3 منها تمتد على بحار، حيث يحدها غربًا بحر إيجة، وفي الجنوب البحر المتوسط بينما يحدها البحر الأسود من ناحية الشمال، فيما تتقاسم في بعض حدودها مع ثماني دول أخرى: جورجيا (252 كم)، أرمينيا (268 كم)، إيران (499 كم)، أذربيجان (9 كم)، سوريا (822 كم)، العراق (352 كم)، اليونان (206 كم)، بلغاريا (240 كم).
وبجانب البحار الثلاث يخترق البلاد عدد من الممرات المائية ذات الأهمية الإستراتيجية، على رأسها ممر البوسفور وبحر مرمرة وممر الدردنيل، إضافة إلى الكثير من البحيرات التي تكثر بصورة ملحوظة في إقليم الأناضول الشرقي وفي جبال طوروس الغربية وحول بحر مرمرة، وتعد بحيرة ڤان (وان) أكبر بحيرة في البلاد ومساحتها 3713 كم²، أما أعلى بحيرة فهي بحيرة نمرود (3080م) الواقعة في فوهة بركان.
وفي العمق من البلاد توجد العديد من الأنهار التي تكون فيما بينها شبكة مائية تنتهي في البحار المفتوحة، الشبكة الأولى هي شبكة أنهار البحر الأسود، وأهم أنهارها نهر كزيل إرماق، وهو أطول أنهار تركية (1151كم)، مصبه دلتا متقدمة عند مدينة بافرة، ثم شبكة أنهار البحر المتوسط ـ إيجة، وأهمها نهر باكِرتشاي وغديز.
أما الشبكة الثالثة فهي شبكة نهر مرتيش (ماريتسا) ورافده، ثم أنهار سيهان وجيهان وأنهار أخرى تنتهي في البحر المتوسط، تليها شبكة أنهار دجلة والفرات وروافدهما، التي تنتهي مياهها إلى الخليج العربي فالمحيط الهندي، هذا بخلاف شبكات نهرية أخرى تنتهي مياهها إلى أحواض أو بحيرات داخلية مغلقة، لا تتصل بالبحار المفتوحة.
أسطول النقل البحري
“الأمة التركية أمةٌ تركب البحار، ولذلك سيزيد مشروع نظام الملاحة بلا شكٍ سلامة الأرواح والممتلكات في البحار”.. هكذا جسًد رئيس البرلمان التركي بن علي يلدريم الذي شغل منصب وزير النقل والخدمات البحرية والاتصالات بين عامي 2002 و2016 حجم اهتمام الدولة بممراتها المائية، موضحًا أن الحدود البحرية التركية أطول بثلاث مراتٍ من حدودها البرية.
أما وزير النقل والبنية التحتية، جاهد تورهان، فأشار إلى أن النقل البحري كان أكثر اقتصاديةً بثلاث مراتٍ مقارنةً بالنقل بالسكك الحديدية، وبسبع مراتٍ مقارنةً بالنقل البري، و21 مرةً مقارنةً بالحركة الجوية، مضيفًا أن قطاع النقل البحري تخلت عنه السلطات منذ فترةٍ طويلة، لكن هذا الاتجاه ينعكس الآن مع سياسات مثل السعي إلى إزالة السفن التركية من القوائم السوداء أو الوقود المعفي من ضرائب السفن.
وكان نتاجًا لهذا التوجه أن نما الأسطول التجاري التركي بأكثر من 75% مقارنةً بالبلدان الأخرى حول العالم، حيث وصل عدد أحواض بناء السفن إلى 78 حوضًا، فيما أعلن تورهان أن هناك مشروعًا قيد التنفيذ لإنتاج ما لا يقل عن 70% من السفن محليًا، وسيكون جاهزًا بحلول عام 2023.
تمتلك الدولة التركية عددًا من الموانئ ذات الشهرة العالمية، لعل أبرزها ما تضمه ولاية “قوجه إيلي” فبها أكبر الموانئ في القارة، إلى جانب كونها قاعدة رئيسية للصناعات في البلاد، وتستضيف موانئ الولاية 10 آلاف سفينة سنويًا، فيما تحافظ المدينة على موقعها كأحد أهم مدن الموانئ في العالم منذ العصور القديمة.
ووفقاً لمعطيات مكتب الإحصاءات الأوروبية، فإن الولاية التي تضم 35 مرفًأ، تحوي سابع أكبر ميناء لشحن البضائع في أوروبا، حيث يشحن منه 72 مليون طن من البضائع، فيما أشار رئيس غرفة صناعة قوجه إيلي، آيهان زيتون أوغلو إلى الرغبة في “تطوير موانئ قوجه إيلي، مثل ميناء روتردام الهولندي.. نخطط لرفع سعة معالجة البضائع فيه إلى 150 مليون طنا دون الكثير من الاستثمار”.
وأضاف أوغلو أن معظم الموانئ التركية موجودة في الشمال، وليس لها أي روابط رغم أن خطوط السكك الحديدية تمر قرب منها، وتابع: “بعد إتمام ربط السكك الحديدية مع مرافئ ديل أوفاسي، وكورفز وديرنجة بالولاية في الأيام المقبلة، قد تزيد كمية البضائع التي يتم تداولها في موانئ قوجه إيلي أكثر بكثير وسيتم تحقيق هذه الزيادة دون زيادة حركة المركبات”.
ثم يأتي ميناء إزمير، وهو ثاني أكثر الموانئ ازدحامًا بعد ميناء إسطنبول، إذ تشير التوقعات إلى أنه سيصبح أحد أفضل الموانئ الخمس في أوروبا، حيث صرح وزير النقل والاتصالات التركي، بينالي يلدريم، بأن الميناء سوف يتلقى استثمارات بقيمة 450 مليون ليرة تركية جديدة، وبالتالي أصبحت تركيا مرشحة للانضمام إلى قائمة أفضل خمسة موانئ بحرية أوروبية.
ومن المرجح أن يتم تقسيم الميناء إلى قسمين: قسم مخصص للحاويات وآخر مخصص للسفن السياحية، في محاولة لرفع عدد ركاب السفن السياحية التي تزور الميناء بمجرد استكمال إدخال التعديلات الجديدة، مع العلم أن الميناء يستضيف ما يقرب من 400 ألف راكب سنويًا.
يذكر أنه في 22 من نوفمبر 2018 أفتتحت ولاية إزمير(غرب) نظامًا جديدًا للملاحة البحرية، يهدف لتحسين كفاءة المرور البحري وحماية البيئة والحد من الحوادث والتأخير، وهو النظام الذي يعول عليه الكثيرون في أن يسهم في زيادة معدلات العائدات المتوقعة من الميناء.
وفي السياق ذاته فهناك ميناء مرسين، أكبر الموانئ وأهم ميناء بحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، فهو الركيزة الأساسية للاقتصاد في الولاية، ويوجد به 45 رصيفًا بحريًا، فيما تبلغ إجمالي منطقة الميناء 785.000 متر مربع (194 فدانًا)، بسعة 6000 سفينة سنويًا.
ويعد الميناء مركزًا دوليًا للكثير من السفن المتوجهة لأوروبا، وبجواره توجد منطقة حرة أُنشئت في 1986، كأول منطقة حرة في تركيا، وتتضمن المستودعات والمحلات التجارية والتفكيك والتجميع والورش الهندسية والمصارف وشركات التأمين والتعبئة والتغليف ومرافق المعارض.
وتخترق الدولة التركية عددًا من الممرات البحرية على رأسها مضيق إسطنبول، وهو الممر المائي الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويشطر إسطنبول إلى شطرين آسيوي وأوروبي، ويطلق على الأماكن الآهلة بالسكان حول المضيق في كلا الشطرين الآسيوي والأوربي اسم “بوغاز إيتشي”، وهذه الأماكن تلعب دورًا مهمًا في تعريف تركيا وإسطنبول، فهي من أهم رموز السياحة الخارجية لمدينة إسطنبول التي كانت عاصمة للرومان ثم للعثمانيين واليوم هي أكبر مدينة في تركيا.
يمتاز المضيق بأنه أضيق ممر يتم من خلاله الشحن البحري الدولي، ويوجد عليه جسر السلطان محمد الفاتح وجسر بوغاز إيتشي، وهناك جسر السلطان سليم الأول (ياووز سليم)، كما يشهد حركة النقل عبر القارات والحافلات البحرية والعبَارات التي تقل البضائع والسيارات والمسافرين، وبواخر النقل الداخلي والزوارق، كونه المنفذ الوحيد الذي يسمح بالوصول إلى البحر المتوسط بالنسبة لكل من الدول الواقعة على ساحل البحر الأسود (بلغاريا ورومانيا وجورجيا وروسيا وأوكرانيا).
قناة إسطنبول.. مشروع العصر
بكلفة 25 مليار دولار، تعتزم تركيا شق “قناة إسطنبول المائية” في الجانب الأوروبي من المدينة، مع تحول مضيق البوسفور في إسطنبول إلى أحد أكثر المضائق البحرية حساسية بالنسبة لسفن شحن البضائع، نتيجة الازدحام المروري الحاصل فيه، إذ يتوقع معها أن ترتفع حركة المرور في القناة ثلاثة أضعاف الحركة الموجودة حاليًّا، إذ يعبر من المضيق حاليًّا نحو 125 سفينة.
عضو الهيئة التدريسية في جامعة يلدرم بايزيد بالعاصمة التركية أنقرة، صالح يلماز، يعتبر قناة إسطنبول المائية أحد أبرز المشاريع الإستراتيجية في منطقة أوراسيا (مكونة من قارتي أوروبا وآسيا)، مضيفًا أن المشروع في الواقع يربط طريق الحرير الجديد الصيني بأوروبا.
ومن المتوقع أن تكون القناة ذات قيمة حيوية وإستراتيجية، ليس فقط بالنسبة لأوروبا بل لمنطقة أوراسيا بأكملها، فهو يصل الصين ومنطقة حوض بحر قزوين والبحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى بأوروبا عبر تركيا.
يصف الأتراك المشروع الجديد بأنه “مشروع العصر” وبأنه “أضخم عمل سيتم إنجازه في تاريخ الجمهورية التركية”، وهو حلم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كشفه حين كان رئيسًا للوزراء في 2011، إذ من المفترض أن يعزز مكانة البلاد في مجال المعابر المائية.
تهدف الحكومة التركية من خلال هذه القناة، التخفيف من حركة السفن في مضيق البوسفور، كذلك التقليل من الأضرار التي تبعثها السفن الناقلة للمواد الخطيرة، فضلًا عن إزالة الأبنية العشوائية الواقعة على المسار، وقد تعاونت جهات عدة في بناء المشروع الذي من المتوقع أن يحقق طفرة كبيرة في موقع الدولة التركية على خريطة النقل البحري العالمي.
السياحة.. آفاق جديدة
الموقع الإستراتيجي لتركيا وما تمتلكه من شريط ساحلي طويل جعلها قبلة لسياح العالم، وهو ما فطنت إليه في السنوات الأخيرة حيث عملت على تطوير السياحة الشاطئية والبيئية بصورة كبيرة، وفق إستراتيجية قومية معتمدة رسميًا، ساهمت بشكل كبير في زيادة معدلات السياحة.
ونتاجًا لهذه السياسة الجديدة تحتل تركيا المرتبة السادسة عالميًا في استقبال السائحين، حيث بلغ عددهم خلال العام الماضي، 52.5 مليون سائح، محطمة بذلك الرقم القياسي في عدد السياح الوافدين إليها منذ إعلان تأسيس الجمهورية، وسجل في 2019 ارتفاعًا بنسبة 14% مقارنة بالعام 2018، بحسب مؤشرات منظمة السياحة العالمية
بلغت عائدات السياحة في البلاد 34.5 مليار دولار خلال العام الماضي 2019، بزيادة قدرها 17% عن العام السابق، فيما أفادت بيانات المعهد الإحصائي التركي، أن متوسط الإنفاق للفرد بلغ 666 دولارًا عام 2019، ارتفاعًا من 647 دولارًا في العام الماضي.
وقد احتلت السياحة الشاطئية المرتبة الثانية في قائمة السياحة الوافدة، حيث جاءت إسطنبول الوجهة الأولى بـ15 مليون سائح العام الماضي، تلتها مدينة أنطاليا (جنوب) المطلة على البحر المتوسط بـ14.65 مليون سائح.
تتمتع أنطاليا بخريطة مائية وساحلية جذابة، وهو ما أهلها للحفاظ على مركزها الأول في عدد شواطئ الراية الزرقاء، على مستوى العالم، وفق ما أعلنته الهيئة الدولية لشواطئ الراية الزرقاء، عن تصنيف العام 2019، حيث بلغ عدد الشواطئ التركية 463 شاطئًا، 202 منها في ولاية أنطاليا، تليها موغلا بـ102 شاطئ، وإزمير بـ49 شاطئًا، وآيدن بـ30 شاطئًا.
التنقيب عن الغاز
انتهجت تركيا خلال الآونة الأخيرة سياسة جديدة تعتمد على الغوص في أعماق المياه بحثًا عن مصادر جديدة للطاقة، في محاولة لإثراء مخزونها من النفط والغاز، انطلاقًا من التوجه العام بتوظيف كل الموارد المتاحة لإنعاش الاقتصاد التركي والوصول به إلى مصاف الدول الكبرى.
كانت البداية بالتوجه نحو مياه شرق المتوسط، حيث التنقيب عن الغاز، إذ أرسلت مؤخرًا سفينتين متخصصتين لهذه المهمة، “فاتح” و”ياووز”، وذلك في إطار تعاون وتنسيق مع جمهورية شمال قبرص التركية، ويعقد البلدان آمالًا عريضة على النتائج، إذ من شأنها تقليل فاتورة الطاقة، وصولًا إلى التصدير، فضلًا عن المكاسب الإستراتيجية وتوسيع دائرة الاستثمارات والشراكات، وهو ما يتطلب تفاهمات أوسع نطاقًا، تصطدم حاليًّا بتعنت قبرصي رومي وتحيز أوروبي، هذا بخلاف ما تجريه أنقرة من نقاشات مع بروكسيل في هذا الإطار.
وفي يناير الماضي أعلن الرئيس التركي أن بلاده ستبدأ التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط هذا العام، بعدما وقعت أنقرة اتفاقًا بحريًا مع ليبيا، في نوفمبر الماضي، وهي الخطوة التي أثارت غضب الكثير من دول المنطقة على رأسهم اليونان وقبرص بجانب مصر والفريق الداعم للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.
وذكرت صحيفة “سوزجو” التركية، أن أربع سفن تركية أنهت البحث والتنقيب في أربع مناطق داخل شرق المتوسط، مؤكدة أن “تركيا عازمة على الوصول إلى 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وملياري برميل من النفط في شرق البحر المتوسط”، لافتة إلى أن الفترة المقبلة ستشهد أعمال حفر وتنقيب أخرى في ست مناطق أخرى شرق المتوسط.
هذا التوجه الجديد سيحول تركيا إلى بلد مصدر للغاز، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق، حيث باتت شركة “أيغاز للغاز الطبيعي” (Aygaz Doğal Gaz) أول شركة تركية تصدر الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج، وذلك وفقًا لبيان أصدرته الشركة أعلنت فيه بدء صادراتها إلى الخارج.
وقالت الشركة في بيانها: “قامت شركة أيغاز للغاز الطبيعي المسال بتوسيع أنشطتها استجابةً لزيادة الطلب من الدول المجاورة، وفي هذا الإطار قامت بتصدير الغاز إلى بلغاريا لأول مرة عن طريق البر”، مع العلم أن وارادات الغاز الطبيعي المسال في تركيا، وصلت إلى رقم قياسي بلغ 7.14 مليار متر مكعب في النصف الأول من عام 2019، وذلك وفقًا لبيانات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية EMRA.
ويتوقع أن يصل إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي إلى قرابة 300 مليون متر مكعب سنويًا، من حقلي “باتي جليك” و”باتي داغيرمان” البحريين، المكتشفين حديثًا في منطقة تراقيا شمال غربي البلاد، وفق ما ذكر وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز الذي شدد أن بلاده ماضية في مواصلة التنقيب – دون انقطاع – عن الهيدركربون (النفط والغاز الطبيعي) في البر والبحر.
وفي مواجهة التحديات التي بإمكانها عرقلة استفادة تركيا من مواردها المائية في التنقيب عن الغاز، كشف تقرير لموقع قناة TRT أن أنقرة ترغب في التنافس مع جيرانها في البحر المتوسط على قدم المساواة للمطالبة بحقوقها البحرية في المنطقة من خلال تحسين قدراتها البحرية، التي تعد ضرورية أيضًا لضمان المصالح الاقتصادية الحيوية للبلاد.
التقرير نقل عن خبراء قولهم: “مع مرور أكثر من 87% من تجارة البلاد عبر موانئ الدخول البحرية، وخطوط أنابيب الغاز العابرة للحدود الوطنية التي تمر عبر المياه الإقليمية التركية، أصبحت القدرات البحرية للبلاد تبرز بشكل أكبر في التفكير التركي المعاصر”، ونتيجة لذلك، اشترت تركيا مؤخرًا سفينتين للتنقيب، وهما فاتح ويافوز، للتنافس مع المنافسين الإقليميين وتعزيز التكنولوجيا البحرية في مجال الغاز وغيرها من جهود الاستكشاف البحري في شرق البحر المتوسط، حيث اكتشفت احتياطات ضخمة من الغاز في الآونة الأخيرة.
الثروة السمكية.. لا تتناسب مع حجم الموارد
رغم أن ما يقرب من 75% من حدود الدولة عبارة عن بحار، بجانب عشرات الأنهار والبحيرات والممرات المائية، فإن العائد من الثروة السمكية في تركيا لا يتناسب مع حجم ما تملكه من موارد بحرية، حيث يبلغ إنتاجها 100 ألف طن سنويًا، فيما تشير التقديرات إلى أن المستهدف من الأرباح يبلغ مليار ونصف دولار بحلول 2023 بحسب رئيس جمعية مصدري الثروة السمكية، سنان قيزيلطان.
وقد بلغ عدد الدول المستوردة للمنتجات البحرية التركية 70 دولة، منها 40 دولة بالشحن الجوي، فيما ارتفعت عائدات الصادرات بنسبة 18% وهي النسبة التي يراها البعض ضئيلة مقارنة بإمكانات الدولة، وكانت هولندا الدولة الأكثر استيرادًا للأسماك التركية في الربع الأول من 2018، بإجمالي عائدات بلغت 41 مليون دولار، وجاءت إيطاليا في المركز الثاني بعائدات بلغت قيمتها 26 مليون دولار، فيما تبعتها اليابان بعائدات 24 مليون دولار.
قيزيلطان أشار إلى أن تركيا قبل عشر سنوات كانت تصدر الأسماك إلى 20 دولة حول العالم، وتمكنت خلال العشر سنوات الأخيرة من زيادة عدد تلك الدول إلى 70 دولة، والآن فإن الأسماك التركية موجودة في العديد من المطاعم والمتاجر الشهيرة حول العالم، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة طفرة في الإنتاج والعائد.
سعت أنقرة كذلك إلى فتح آفاق جديدة للصيد وتعزيز حجم إنتاجها من الثروة السمكية خارج حدودها الجغرافية، ففي يناير 2018، وقعت تركيا والصومال، اتفاقية تتيح للصيادين الأتراك صيد الأسماك في المياه الإقليمية الصومالية، حيث وقع عن الجانب التركي وزير الزراعة والثروة الحيوانية أحمد أشرف فاكيبابا، وعن الجانب الصومالي وزير الثروة السمكية والموارد البحرية عبد الرحمن محمد عبده حاشي، وقالا إن الاتفاقية ستكون مفيدة لكلا البلدين وتعود بالنفع على الشعبين.
وهكذا فإن أمام الأتراك فرصة كبيرة للدخول إلى عالم الاقتصاد الأزرق من أوسع الأبواب، فما تتمتع به بلادهم من إمكانات بحرية ومائية وثروات تعدينية يؤهلها لأن تكون أحد رواد هذا الاقتصاد الوليد الذي يتوقع خبراء أنه سيكون رقمًا صعبًا في الاقتصاد الدولي في غضون السنوات القليلة المقبلة.