ستة أعوام بين عدواني الاحتلال على قطاع غزة “الرصاص المصبوب والجرف الصامد”، لم تكتف خلالها المقاومة الفلسطينية بتطوير وشحذ قدراتها العسكرية بصواريخ طويلة المدى وصلت لـ (120) كيلومترًا، وطائرات استطلاع دون طيار، ووحدات ضفادع بشرية، ووحدة عسكرية أخرى، بل رافقه بشكل موازٍ تطوير وصقل قدراتها الإعلامية، بتحديث مواقعها الإلكترونية، وبث فيديوهات ورسائل وأناشيد عبر عدد من الفضائيات والإذاعات الفلسطينية، إضافة لنجاحها باختراق بث بعض القنوات الإسرائيلية، وإرسال رسائل نصية لهواتف الإسرائيليين، وتعمد بث رسائل ترفع من معنويات أهالي غزة وتنقل لهم أخبار المقاومة عبر الأجهزة اللاسلكية، ولا يستثنى من ذلك الخطابات والتصريحات لعدد من القيادات العسكرية والسياسية التي حاولت أن تبقى على تواصل دائم مع وسائل الإعلام.
تطور إعلام فصائل المقاومة لم يأت عشوائيًا متخبطًا، بل كان متدرجًا معد له مسبقًا، وقد استفاد من التجارب السابقة وخاصة تجربة الاحتلال في خطابه الإعلامي، كما وبرز فيه اعتماده على أهم النظريات الإعلامية كحارس البوابة والمسئولية الاجتماعية، مما يؤكد أن طواقم إعلامية متخصصة هي من تقوده.
الإعلام جزء من المقاومة. أي نشاط إعلامي للمقاومة الفلسطينية يدخل في إطار الحرب النفسية والتي لا تقل أهمية عن الحرب الميدانية، وقد أعدت المقاومة لها كما أعدت السلاح.
الحرب النفسية
أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت “محمد أبو الرب” أكد أن اختراق شبكة الهاتف المحمول واختراق القناة الإسرائيلية العاشرة يأتي في صلب الحرب النفسية الدعائية والتي تكون عنصرًا مهمًا في أي حرب، مبينًا أن المجتمع الإسرائيلي تأثر بشكل كبير من الحرب الإعلامية التي شنتها المقاومة خلال فترة العدوان على قطاع غزة أكثر من تأذيه من الحرب الميدانية.
وقال أبو الرب في حديث لـ “شبكة قدس”: “إن إعلان المقاومة عن لحظة انطلاق الصواريخ، وإن كانت لم تؤد لوقوع قتلى ومصابين، إلا أنها كانت أداة دعمت الخطوات الميدانية على الأرض، ونجحت في ذلك”.
وأضاف أبو الرب أن “السبب الرئيسي من إحباطنا كمجتمع فلسطيني هو عدم إيماننا بقدرتنا على مقاتلة ومواجهة الاحتلال، وذلك بعد نجاح الاحتلال في ترسيخ قناعات في عقول الفلسطينيين أن “جيش إسرائيل” لا يمكن القضاء عليه بطرق وأدوات بسيطة وبدائية وهو ما أثبت قديمًا وحديثًا”.
وأكد أبو الرب على “أن الحرب الإعلامية للمقاومة نجحت في تحصين الجبهة الداخلية ورفع معنويات الجمهور الفلسطيني، كما وساهمت في إضعاف معنويات العدو والتأثير على جبهته الداخلية وهو ما جعله يبحث عن سبل للتهدئة”.
مدراء الجامعات والمدارس والشركات والمؤسسات الإسرائيلية اتخذوا قرارات بعدم الدوام خوفًا من صواريخ المقاومة كما وتذمر المجتمع الإسرائيلي من توقف سير الحياة بشكل طبيعي في أهم مراكز المدن الكبرى المحتلة، فقال أبو الرب: “إن الجهد الإعلامي الذي بذلته المقاومة ترك صدى كبيرًا، إلا أنه كان ينقصه خطوات إضافية كاختراق مواقع إلكترونية مهمة وصفحات إسرائيلية كبرى على صفحات التواصل الاجتماعي”، مشيرًا إلى أن نشر تسجيلات فيديو على موقع اليوتيوب لا يكفي لوحده، حيث إنها لا تصل إلا إذا قام الإسرائيلي بالبحث عنها أو إذا اهتمت بها جهة معينة.
الحرب الإعلامية تربعت على مساحة كبيرة في العدوان على قطاع غزة، ويؤكد أبو الرب أن “إعداد المقاومة للحرب الإعلامية هذه المرة تفوقت بشكل غير عادي على المرات السابقة إلا أنه كان يتطلب توظيف قدرات ومتخصصين ليكون لها جدوى أكبر”.
وأوضح أن ذلك ليس مطلوبًا من المقاومة فقط وإنما من النشطاء الفلسطينيين الذين يجيدون اختراق صفحات العدو على مواقع التواصل الاجتماعي لبث مزيد من الرسائل والتنسيق مع مجموعات “الهاكرز” العالمية التي كان من المفترض أن تقدم المزيد خلال هذا العدوان وتضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ورغم تطور وتقدم إعلام المقاومة، إلا أن أبو الرب أوضح أنه ما زال ينقصها وجود رسائل موجهة للعالم تعكس مطالبها بلغات مختلفة، تقوم به مؤسسات مدنية مساندة للمقاومة وهو ما تنفذه “إسرائيل” ومؤسساتها وأذرعها وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، حسب ما أكد أبو الرب.
وقال: “كان على المؤسسة الإعلامية في الضفة والنشطاء الفلسطينيين ترجمة رسائل ومطالب المقاومة إلى لغات متعددة لإعادة بلورة الرأي العالمي تجاه القضية الفلسطينية ودحض الإدعاءات الإسرائيلية.
جولة في مواقع المقاومة الإلكترونية
“العصف المأكول” أطلقت كتائب عز الدين القسام على عمليتها ضد الاحتلال، وهو مصطلح ديني اقتبس من سورة الفيل، حيث قال تعالى: “فجعلهم كعصف مأكول”، ما يشير إلى أن هدف القسام ليس فقط رد العدوان عن قطاع غزة، بل زعزعة أمن الكيان الإسرائيلي، واستنزاف قدراته العسكرية.
فيما اُختيرت الألوان القاتمة كألوان موقع القسام الإلكتروني الحديث والمتميز بزواياه وطريقة التنقل فيه عن المواقع الإلكترونية الأخرى، واعتمدت خلفية الموقع صورة لصواريخ تضرب وتدمر مباني “كناية عن ضربها المباني في قلب الكيان الإسرائيلي”، إضافة لجماجم ترتدي قبعات عسكرية تحمل “نجمة داوود”، “كناية عن قتل الجنود الإسرائيليين”، وفي الجهة الأخرى، برجًا عسكريًا عاليًا يندلع الحريق بقمته، “إشارة إلى مقدرة صواريخ المقاومة من الوصول للأماكن العسكرية الإسرائيلية وإلحاق الأضرار فيها”.
وفي محاولة لتوجيه رسالته الإعلامية للعالم، أطلق القسام في السابع عشر من تموز موقعه الإلكتروني باللغة العبرية، وتلاه فيما بعد نسخة أخرى باللغة الإنجليزية.
أما عن زاوياه، فخصصت زاوية لعرض الصواريخ، وزاوية للأخبار العاجلة يتم تحديثها بإنجازات القسام، وأخرى تتناول أهم الفيديوهات التي وثقت عمليات القسام واشتباكاتها مع قوات الاحتلال، ورابعة تستعرض بها الكتائب قدراتها العسكرية، وخامسة تستعرض شهداء كتائب القسام، بأيقونة لمقاوم يحمل مقاوم شهيد آخر كناية على تسليم لواء مقاومة من واحد لآخر على مر الأجيال.
وفي زاوية أخرى بعنوان “عين على العدو”، خصصها إعلام المقاومة لتناول أخبار جيش الاحتلال الإسرائيلي، أما الزاوية الرئيسة فتتناول أخبار المقاومة وإنجازاتها اليومية.
فيما كانت الزاوية الأولى بالموقع للبلاغات العسكرية، تستعرض كمواد مصورة، تبدأ بالآية القرآنية،” قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويحزنهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين” مكتوبة باللون الأحمر، كناية أن المقاومة في فلسطين تقاتل الاحتلال بأمر من الله.
أما سرايا القدس، فأطلقت على معركتها ” البنيان المرصوص”، اقتبسته من قوله تعالي في سورة الصف: “إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص”، ويدلل استخدام “البنيان المرصوص” على ثبات مقاومي سرايا القدس في المعركة ومزاولتهم أماكنهم جنبًا إلى جنب مع بقية فصائل المقاومة.
أما عن الموقع الإلكتروني، فيتميز بالألوان الفاتحة، ويتميز الموقع بالبساطة وسهولة التنقل، وهو شبيه بالعديد من المواقع الإلكترونية الإخبارية بتوزيع وتقسيم زواياه، وما يميزه عن موقع القسام أنه يتناول بتقرير يومي حصاد الأحداث في قطاع غزة.
واتخذ الموقع خلفية له صورة لمقاومين في سرايا القدس، يحملون الأسلحة وخلفهم ألهبة نار، في نهايتها أربع صور صغيرة لجنود إسرائيليين يبكون ومستوطنين يختبأون، وفي يمين الموقع استعراض لصواريخ التي صنعتها سرايا القدس.
ومن أهم زوايا الموقع الرئيسية، زاوية الأخبار والتقارير والتي تركز على أخبار المقاومة وتتناول أخبار العدوان على قطاع غزة، وزاوية للبلاغات العسكرية التي تصدرها بشبه يومي تحصد به إنجازاتها، وتستهلها بالآية القرآنية: “وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا”.
إضافة لزاوية “واحة الخالدين” المخصصة لاستعراض الشهداء المنتمين لسرايا القدس، وزاوية “العمليات الجهادية”، وتميزت في زوايا “الملفات الخاصة” وزاوية “مقاوم في حوار”، إضافي لمكتبتي المرئيات والصوتيات، التي تشتمل على عدد من الأناشيد الثورية الخاصة بالسرايا، وأخيرًا ملف الصور.
الإعلام الإسرائيلي مهتم
أفرد الإعلام الإسرائيلي مساحات واسعة لتناول إعلام المقاومة، فيما اعتمد عليه واتخذه مصدرًا في بعض تقاريره الإخبارية، وحسب الباحث في الشئون الإسرائيلية “محمد أبو علان” فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية جندت جزء من محلليها للرد على البيانات والرسائل الإعلامية للمقاومة الفلسطينية وخاصة البيان المتعلق بعمليات العين الثالثة.
وبين أبو علان أن الإعلام الإسرائيلي اهتم بفضائية الأقصى بشكل كبير، وجاء ذلك على شقين، تمثل الأول بكيفية تناولها للأخبار وتحليل ذلك، أما الشق الثاني فتمثل بالتركيز على تناولها لردود المقاومة، مشيرًا إلى أنها اهتمت بشكل كبير بالحرب الإعلامية التي شنتها المقاومة وخاصة اختراق بث القناة الإسرائيلية العاشرة وإرسال رسائل على هواتف الإسرائيليين.
وأوضح أبو علان أن تناول الإعلام الإسرائيلي لإعلام المقاومة وخاصة فضائية الأقصى، لم يكن من ناحية مهنية وإخبارية بل اتخذته كطرف يعبر عن حالة يأس وصلت له المقاومة، وتقلل من شأنها حسب إدعائها.
وأكد على أن الإعلام الإسرائيلي تجاهل بشكل كبير الكثير من الأمور العسكرية المهمة، وقلل من شأنها باعتبارها ممارسات فاشلة للمقاومة، كاختراق موقع زيكيم واستخدام طائرات دون طيار، وفشل المخابرات الإسرائيلية في الوصول لمعلومات في قطاع غزة، متجاهلين كيف استطاع المقاومين تخطي الخطوط الأمنية الإسرائيلية وأجهزة الاستشعار والوصول للشاطئ، كما تجاهلوا كيف تمكنت طائرة من دون طيار اختراق أجواء الأراضي المحتلة.
ولفت إلى أن الإعلام الإسرائيلي يتناول إنجازات المقاومة “كحملة دعائية فارغة تحاول من خلالها تسويق نفسها في المجتمع الفلسطيني وإثارة الرعب في نفوس الإسرائيليين”.
وتتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية الصفحات الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر، ويبين أبو علان أن الناطق باسم جيش الاحتلال كان يرد على تغريدات لفصائل المقاومة؛ مما أظهر اهتمام الاحتلال واعتماده على مواقع التواصل الاجتماعي.
وللوقوف بوجه إعلام المقاومة، بيّن أبو علان أن الاحتلال وظف عددًا من الشخصيات العسكرية والسياسية المتكلمة باللغة العربية لمخاطبة المجتمع الفلسطيني وتم تصديرهم لفضائيات عربية تستضيفهم وتعرض آرائهم.
وأضاف أن الإعلام الإسرائيلي همش بشكل كبير الأضرار التي تلحق بالسكان من شظايا الصواريخ المتفجرة، مؤكدًا على سقوط عدد من الإصابات جراء شظايا صواريخ القبة الحديدية.
سلسلة تقارير ينشرها نون بوست بالتعاون مع شبكة قدس الإخبارية