تشكل الانتخابات البرلمانية القادمة حدثًا مفصليًا في الحياة السياسية الإيرانية التي تشهد بدورها تقلبات سياسية خطيرة في مرحلة ما بعد اغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني، وما أعقبها من موجة احتجاجات شعبية اجتاحت العاصمة طهران ومدن رئيسية أخرى في إيران كأصفهان وتبريز وغيرها، التي جاءت منددةً بإسقاط الحرس الثوري الإيراني للطائرة الأوكرانية عقب الرد على اغتيال سليماني، التي راح ضحيتها العشرات من القتلى جلهم من الإيرانيين، وهي تظاهرات سبقتها تظاهرات أخرى في 15 من نوفمبر الماضي، نتيجة رفع أسعار المحروقات بسبب حدة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مارس 2018.
الأمر الذي لا شك فيه أن النظام السياسي في إيران يعاني من أزمة شرعية سياسية تآكلت بصورة كبيرة، الأمر الذي أفقد تيار واسع من المجتمع الإيراني ثقته بهذا النظام على تقديم شيء جديد له، فهو بطبيعته نظام سياسي جامد لا يقبل التطوير والتحديث، فالإصلاحات السياسية تعني المساس بإيديولوجية ولاية الفقيه، والإصلاحات الاقتصادية تعني المساس بفكرة الاقتصاد المقاوم، والإصلاحات المجتمعية تعني المساس بالثقافة الإسلامية التي أسستها الثورة، وعلى هذا الأساس سعى النظام السياسي إلى اعتماد سياسة التحفيز الثوري من أجل إدامة وإطالة عمر هذا النظام بأي طريقة كانت.
فبعد مرور 41 عامًا من عمر الثورة في إيران، ما زال النظام السياسي صامدًا في وجه الضغوط الإقليمية والدولية، واتخذ من فلسفة الصمود إستراتيجية عمل في الداخل والخارج، للتجاوز والإفلات من قبضة العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، قد نتفق على أن النظام السياسي يواجه تحديًا كبيرًا يتمثل بمرحلة ما بعد خامنئي الذي يعاني من وضع صحي حرج، لكن بالمقابل هناك توازنات داخلية إيرانية لا تستطيع أي قوة أو تيار سياسي تجاوزها، والحديث هنا عن ضوابط إيقاع هذه التوازنات، وهم كل من مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري والمؤسسة الدينية، التي لن تترك فرصة لأي قوة سياسية داخلية استثمار فرصة غياب خامنئي.
تعمل إيران حالًًّا وبعد دخول ثورتها العقد الرابع من عمرها، من أجل إدامة الدولة والجمهورية وفق الأسس التي وضعها المرشد الأعلى للثورة الخميني
فالولايات المتحدة تؤمن تمامًا بأن بقاء النظام السياسي في إيران يمثل مصلحة قومية لها، ومشكلتها الوحيدة هي سلوك إيران الإقليمي، ولهذا نرى الولايات المتحدة تحاول حصر مشكلتها مع إيران في هذا الإطار فقط، وهو ما يؤكد فرضية أنه إذا سقط هذا النظام، سيكون بفعل سياسي داخلي، ما يعني في الوقت نفسه استبعاد فرضية التدخل أو الحرب كوسيلة لإسقاط هذا النظام بفعل خارجي.
إذ ما زالت إيران تعاني من غياب سليماني المفاجئ، ولكنها بالوقت نفسه نجحت باستثمار عملية اغتياله في تأجيل صفحة المواجهة الساخنة مع المجتمع الدولي، وعلى هذا الأساس بدأت تتعاطى من منظار الفعل واستيعاب الفعل وليس رده، لأنها لم تعد متأكدة من طبيعة الردود الأمريكية.
على هذا الأساس تعمل إيران حاليا وبعد دخول ثورتها العقد الرابع من عمرها، من أجل إدامة الدولة والجمهورية وفق الأسس التي وضعها المرشد الأعلى للثورة الخميني، مع إدراك واضح أن التراخي في هذا المجال قد يكلفها مزيدًا من التنازلات التي قد تقوض النظام السياسي، خصوصًا أن التظاهرات المستمرة في الساحة الإيرانية أخذت كثيرًا من شرعية النظام وقوته، مع استمرار الضغوط الدولية وتآكل جيل الثورة الأول بصورة مستمرة.
الهروب للأمام
في تحرك سياسي لتدارك ما يمكن تداركه من تداعيات خطيرة قد تفرزها الانتخابات البرلمانية القادمة على النظام السياسي في إيران، يواصل مجلس صيانة الدستور استبعاد العديد من المرشحين المعتدلين والإصلاحيين الذين سجلوا أنفسهم لخوض الانتخابات، مما يعني أن الأصوات المتشددة من المرجح أن تهيمن على مجلس الشورى الإيراني الجديد، وقد تفسر هذه الخطوة بأنها ردة فعل من الدولة على مواجهة تداعيات الاحتجاجات المستمرة، وهو مؤشر إضافي على أنه من غير المرجح أن تظهر الدولة الإيرانية المرونة والتسامح في معالجة حالة الانقسام السياسي الحاليّ في إيران.
يتوقع الخبراء أن يسيطر المتشددون على البرلمان في هذه الدورة
بل والأكثر من ذلك أيضًا، فمن المرجح أن تشكل النقمة الشعبية ضد الحكومة الإيرانية والأزمة الاقتصادية القاسية وغياب الانتخابات النزيهة، إقبال الناخبين على الانتخابات، ومن أجل تدارك تدني عملية التصويت التي من شأنها الإضرار بشرعية النظام السياسي، يقوم المسؤولون الإيرانيون بكل المحاولات الرامية لإخراج نسب التصويت والمشاركة، إذ دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الناخبين إلى الخروج والتصويت في الانتخابات رغم “الشكاوى والانتقادات المحتملة”، وحث روحاني الشعب الإيراني وقال: “أتوسل إليكم ألا تكونوا سلبيين”، وجاءت تصريحاته بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور لنحو 9000 مرشح إصلاحي ومعتدل من أصل 14000 مرشح سجلوا أسماءهم للترشح وسيخوضون التنافس على 290 معقدًا في البرلمان، إذ قال الإصلاحيون إن 90% من مرشحيهم في جميع أنحاء البلاد مُنعوا من الترشح.
ففي انتخابات 2016، فاز الإصلاحيون والمعتدلون بنسبة 41% من مقاعد البرلمان، في حين فاز المتشددون بنسبة 29%، وحصل المستقلون على 28%، ويتوقع الخبراء أن يسيطر المتشددون على البرلمان في هذه الدورة، ومن أجل تحفيز الناخبين على الذهاب قدم علي ربيعي المتحدث باسم الحكومة الإيرانية رسالة أكثر وضوحًا للناخبين، وقال: “الانتخابات المقبلة أهم انتخابات في تاريخ الجمهورية الإسلامية، والطريقة الوحيدة لمنع انهيار إيران هي الذهاب إلى صناديق الاقتراع”.
وأغلق ربيعي الباب نهائيًا أمام أي احتمال لاستقالة روحاني رغم الضغوط الداخلية، وقال: “أي خبر عن استقالة الرئيس حتى عام 2021 يتم تكذيبه مسبقًا”، وتابع “روحاني سيبقى في منصبه حتى 3 من أغسطس 2021، وهو اليوم الذي يؤدي فيه خلفه القسم الدستورية أمام البرلمان”، مضيفًا: “سيكون إلى جانب الناس وينظر إلى الأمام حتى نهاية رئاسته”.