رحلة بحث يومية
بعد ساعات من الانتظار، يظفر كل مواطن بكيس أو كيسين من الحليب بسبب محدودية العرض، ولا تؤمن هذه الكمية حاجيات يوم واحد فقط خاصة إذا كانت العائلة مكونة من أطفال صغار. يقول حمزة، موظف وأب لأربعة أطفال من منطقة عين طاية (الضاحية الشرقية للجزائر العاصمة)، إنه يدخل في رحلة بحث يوميًا عن كيس حليب ويضطر للتنقل من محل إلى آخر لتوفير الكمية اللازمة، فبسبب الندرة المسجلة يضطر أصحاب المحلات لتوفير كيسين فقط لكل مواطن، وفي معظم الأحيان يقول حمزة لـ”نون بوست” إنه يفشل في تأمين هذه المادة.
أما وليد، موظف وأب لطفلين، فيقول لـ”نون بوست” إن بعض المواطنين أصبحوا يبرمون صفقات للحصول على كيس حليب كل صباح مع التجار، وفي بعض الأحيان يكون الحصول على كيس حليب مرهونًا بعلاقة المواطن بالتاجر.
أزمة مفتعلة
تفسيرًا لأزمة الحليب التي تضرب الجزائر منذ أكثر من شهر ونصف، يقول فادي تميم، عضو المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، لـ”نون بوست” إن سبب الندرة توقف أغلب الموزعين عن توفير الخدمة، لعدة أسباب على رأسها التهديدات التي أطلقها وزير التجارة لكل المخالفين في توزيع هذه المادة الحيوية وتجاوز السعر القانوني الخاص بها وهو 25 دينارًا جزائريًا كسعر للمستهلك، فالقانون الجزائري ينص صراحة أن سعر الحليب من المنتج للموزع هو 23 دينارًا جزائريًا ومن الموزع للتاجر 24.10 دينار جزائري ومن التاجر للمستهلك 25 دينارًا جزائريًا.
ويضيف فادي تميم “إلزام السلسلة التجارية الخاصة بتسويق الحليب المقنن جعلت الناقلين أو الموزعين يرفضون هامش الربح القليل وقرروا الدخول في إضراب وطني وهو ما أدى إلى حصول تذبذب في توزيع الحليب”، ويؤكد المتحدث أن المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، سبق وأن دقت ناقوس الخطر بشأن التجاوزات التي تمس المواد المقننة والتلاعبات التي أصبحت تصب في مصلحة مافيا المواد المدعمة ولا يصل للمستهلك الجزائري إلا القليل منها.
يصنف حليب الأكياس، ضمن المواد المدعمة من الدولة الجزائرية، ولا يرتفع سعر الكيس الواحد فوق 25 دينارًا جزائريًا
ويعتقد أن الأزمة الحاليّة “مفتعلة” لتثبيط وزارة التجارة في الجزائر عن تطبيق القانون بخصوص سعر الحليب، ويقترح فادي تميم ضرورة فرض القانون على الجميع والملبنات التي تستفيد من بودرة الحليب المدعم عليها إيصاله للمستهلك بسعره المقنن وتتحمل في ذلك تبعات النقل ولا تلتزم يسحب منها حصة الحليب المدعم.
ويصنف حليب الأكياس، ضمن المواد المدعمة من الدولة الجزائرية، ولا يرتفع سعر الكيس الواحد فوق 25 دينارًا جزائريًا، غير أن بعض التجار في عدة محافظات لا يلتزمون بهذا السعر، ويضيفون من ثلاثة إلى خمسة دنانير في الكيس الواحد، خاصة إذا كانت هناك أزمة.
حرب من دون هوادة
شن وزير التجارة الجزائري كمال رزيق، في الأسابيع الأخيرة، حربًا شاملة من دون هوادة ضد من أسماهم “عصابة تجارة الحليب”، وتعهد بعدم التساهل مع كل من يتلاعب بهذه المادة التي تُصنف في خانة المواد الأساسية في قوت الجزائريين اليوم وذلك بمحاصرة المتورطين في توسيع رقعة الأزمة.
وأعلن الوزير الجزائري رفضه مقترح رفع المعروض من الحليب للقضاء على الندرة، لأن الحل في اعتقاده لا يكمن في ذلك بل يتطلب تنظيم السوق ومحاربة السماسرة.
ووصف رزيق من يتلاعبون بـ”حليب الجزائريين”، ببقايا العصابة التابعين لنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، معلنًا أن هذه العصابة ستكون أولى ضحايا حربه على من ينهبون المواد المدعّمة من الدولة.
وذكر الوزير الجزائري أن هذه الإجراءات ستكون بداية لمعركة الجودة التي تتطلب عملًا جادًا من طرف مخابر وطنية مكلفة بقياس جودة المنتجات.
يقابلها عصيان
لم تغير هذه التهديدات شيئًا في الواقع، وقاطع قطاع عريض من الموزعين عملية التوزيع، ما تسبب في وقوع ندرة حادة في عدة محافظات.
وهدد بعضهم بشن إضراب عن العمل وشل عملية توزيع الحليب إن لم يتراجع الوزير الجزائري عن تهديداته ولم يأخذ بعين الاعتبار الأموال الإضافية التي تصرف على سائقي الشاحنات.
وأكدوا رفضهم بالمقابل للعمل بما تقترحه وزارة التجارة التي لم تراع حسبهم هامش الربح الذي يحققونه من بيع كيس حليب واحد، وقالوا إنهم يستلمون الحليب بسعر 23.2 دينار جزائري وباحتساب كل تكاليف فإن السعر يرتفع إلى 26 دينارًا جزائريًا ليباع إلى التجار بـ28 دينارًا جزائريًا.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في معالجة أزمة الحليب رغم الأموال الطائلة التي تخصصها الدولة الجزائرية لاقتناء بودرة الحليب من الأسواق العالمية والتي تمثل فيها كل من نيوزلندا وأمريكا، أبرز موردي المادة للجزائر.
ألح رئيس الفيدرالية الجزائرية لموزعي الحليب على جودة الحليب المدعم والحصص الممنوحة لكل موزع لإضفاء المزيد من الشفافية في تسيير هذه الشعب
وتعاني الجزائر بحسب تصريحات أدلى بها رئيس الديوان المهني للحليب، من عجز يقدر بمليار لتر حليب سنويًا، فهي تحتاج إلى 3.6 مليار لتر من الحليب سنويًا، ويتراوح إنتاجها في حدود 2.6 مليار لتر.
وطالب رئيس الفيدرالية الوطنية لموزعي الحليب فريد عولمي، ضرورة رفع هامش ربح الموزع إلى 5 دينارات جزائرية في الكيس الواحد نظرًا لارتفاع التكاليف والأعباء التي يتحملونها، لكن مع المحافظة على السعر المقنن لكيس الحليب بـ25 دينارًا جزائريًا.
وقال عولمي، في مؤتمر صحفي: “أصبح من الضروري رفع هامش ربح الموزع الذي بقي في حدود 0.90 سنتيم للكيس الواحد منذ سنة 2001، الذي لا يتماشى مع التكاليف والأعباء التي يتحملها”.
وألح رئيس الفيدرالية الجزائرية لموزعي الحليب على جودة الحليب المدعم والحصص الممنوحة لكل موزع لإضفاء المزيد من الشفافية في تسيير هذه الشعب.