مع اقتحام الذكاء الاصطناعي مجالات الحياة كافة، كان للمجال العسكري والأمني الأولوية بين تلك المجالات، فإمكانات أنظمة الدفاع للدول وقدرتها على الابتكار والتكيف والتطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، ستتميز بين صفوف الدول وتعيد تصنيفها وتبني مجدها مجددًا.
حروب اليوم ليست كحروب الأمس، فما كان يعتبر بالأمس رقمًا صعبًا في المعادلة، يحتل اليوم مَرتبة عُشرية، لذلك من الضروري اعتماد نهج مبتكر داخل وزارات الدفاع، ليس فقط للاستعداد للحرب والتحديات، ولكن أيضًا لتحسين كفاءة وفعالية الخدمات التي تقدمها باعتبارها مؤسسة عسكرية تتحمل مسؤولية الدفاع عن البلاد وحماية الشعب.
التحول التكنولوجي في قطاع الدفاع
إذا سعت إحدى الدول للمضي قدمًا تجاه دمج التكنولوجيا عمومًا وأنظمة الذكاء الاصطناعي خصوصًا في تحصيناتها الدفاعية وترسانتها العسكرية، فإن ذلك يتطلب اتباع نهج إستراتيجي تجاه الابتكار والتطور، الذي سيؤدي لبناء أُطر عمل مبتكرة لمؤسسة الدفاع.
وبغض النظر عن التقنيات التي يتم اختيارها باعتبارها أولويات، لن تنجح الاستثمارات والخطط التطويرية إلا إذا ظلت الحكومات تسعى لتسهيل البيئة المناسبة لنجاحها، ومن الضرورات الواجب أن توفرها الدول توفير غطاء سياسي وقانوني وتنظيمي لتلك الأنظمة التكنولوجية الداخلة.
الذكاء الاصطناعي في الدفاع.. لماذا؟
فوائد دمج أنظمة الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع أكثر من أن تحصر، لكن يمكن وضعها في فقرات عامة لبيان قدرها وتبرير إلحاح الجيوش على امتلاكها، ومنها:
تعزيز القدرات
إن الاستخدام الفعال للتكنولوجيا يعزز القدرات العسكرية التقليدية عبر دمج العديد من التقنيات الحديثة كالاستشعار عن بعد وتعزيز المناورة واتخاذ قرارات سريعة جدًا لا يمكن للبشر اتخاذها مثل التحكم في المجال الجوي وتحديد المواقع.
امتلاك الدول للحرية
العالم اليوم تتغير فيه تحالفات الدول بشكل مطرد يومًا بعد آخر، وتزداد التهديدات بين الدول غير المتكافئة عسكريًا، لذلك من الضروري جدًا السعي لتطوير وإنتاج التكنولوجيات الرئيسية في مجال الدفاع التي تزيد قوة ومكانة الدولة.
دمج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري سيؤدي إلى ثورة متطورة في المعادلة العسكرية الدولية وتجعل كثيرًا من الدول تعيد حساباتها من جديد قبل تخطي الحدود مع الدول المتطورة عسكريًا.
وعلى هذا النحو، فإن أكثر التقنيات قيمة للدفاع الوطني تلك التي تزيد من حرية الدول في استخدام قدراتها العسكرية كما تراه مناسبًا، أينما كان ومتى ما كان.
زيادة قدرات البلد الاقتصادية
تساهم صناعة الدفاع التكنولوجية في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدول، وتوفر نفوذًا للدولة المصنعة، فكل صناعة دفاع وطنية جديدة تزيد من موقف القدرة الصناعية لتلك الدولة، ويحولها من دولة مستهلكة إلى دولة منتجة.
حوادث الاختراق الأمني
اختراق البيانات وسرقة المعلومات غدت ميزة واضحة لهذا العصر، لكن مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي يمكن إضافة درع حصين لأنظمة الدولة لحمايتها من الاختراق.
ونظرًا لأن سياسات خصوصية البيانات أصبحت ضرورة ملحة، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على حلول الأمن السيبراني باستخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. والدول الأكثر تقدُمًا هي تلك الدول التي تحافظ على معلوماتها من الاختراق.
سرعة معالجة البيانات
يساعد الذكاء الاصطناعي في تنظيم المعلومات وفلترتها وتصنيفها وفق ضوابط معينة، مما يساعد الأفراد العسكريين على الحصول على المعلومات بأقل وقت وجهد حتى إن كانت من مصادر مختلفة وتلخيصها بأسرع وقت ليتسنى اتخاذ الإجراءات التي تناسب الحدث بسرعة وكفاءة.
تطوير التخطيط والعمليات اللوجستية
الذكاء الاصطناعي يساعد الجيوش على العمل بكفاءة وثبات عبر استخدام أنظمة ذكية، إذ يمكن أن تكشف “أنظمة الحوسبة” المدعومة من أنظمة الذكاء الاصطناعي موقع الدبابات والذخائر في مختلف أنحاء البلاد، وأماكن توزيعها ونشرها، مما يعزز قدرة وكفاءة الجيش، أيضا تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعامل مع عمليات الإمداد اللوجستي اليومي وتدريب الأفراد العسكريين على أداء المهام الصعبة.
كذلك تستخدم هذه الأنظمة التحليلات والعمليات الحسابية التنبؤية لتحديد أفضل طريق نقل ويشمل نقل العدد والذخائر والأفراد والجيش، وبالتالي تقليل تكاليف النقل وضمان سلامة وصولهم.
مواكبة التطور العسكري
تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي مع أنظمة التعلم الآلي، يعمل على مساعدة القوات العسكرية على مواكبة التطور العسكري بما يخدم متطلبات الحرب وتحسين تشكيل الفرق لمهام محددة، بناءً على الخبرة الشخصية وكذلك على البيانات التي تتعامل معها تلك الحواسيب، بما يحقق أفضل أداء وأقل جهد.
زيادة الوعي بالموقف العسكري
يمكن لأنظمة الأمن المدعومة من برامج الذكاء الاصطناعي أن تحدد بسهولة نمط الهجوم الإلكتروني وتطور أدوات مكافحة الهجمات المضادة وتُحسن قدرة أنظمة الدفاع على تحديد موقع أهدافهم، بالاضافة الى مراقبة التهديدات وزيادة وعي القادة الميدانين بالموقف، ليس في حالة الدفاع لكن في أوضاع الهجوم أيضًا، حيث تساعد برامج الاستطلاع في تحقيق دقة عالية على تنفيذ الضربات واختراق الدفاعات الجوية المتطورة على كفاءة قيامها بوظيفة الردع.
سلامة وتأمين حياة الجنود
يمكن أن تنتقل الروبوتات التي يحركها الذكاء الاصطناعي عبر المناطق الخطرة، ويتم توجيهها عن بعد، وأن تؤدي مهام المراقبة. وهنا يظهر دور الذكاء الاصطناعي بسلامة الفريق البشري، إذ يمكنها الدخول إلى مناطق شديدة الخطورة وتنفيذها مهام الرصد والاستطلاع.
تحليل الصور الجوية
يمكن تحليل الصور والبيانات القادمة من الأقمار الصناعية والتنبؤ بعدد القوات المهاجمة وأنواع الأسلحة المستخدمة، كما يمكن للذكاء التنبؤ بمسار تحرك الجيش بناءً على أنواع الآليات المتقدمة في الهجوم وإبلاغ مراكز القيادة بأنواع الأسلحة المناسبة للردع.
تدريب القوات
من خلال تطبيق أحد التطبيقات الذكية كالواقع الافتراضي والمعزز، يمكن إنشاء ساحات تدريب افتراضية وغمر الجنود بتجارب مختلفة تحاكي مختلف الظروف التي يمكن أن يمروا بها في العالم الحقيقي، مما يعزز قدراتهم ويمنحهم أداءً أفضل.
الحروب الإلكترونية
يعتقد العديد من الخبراء أن بعض التغييرات الأكثر أهمية في حروب الجيل القادم التي تُطبق باستخدام الذكاء الاصطناعي ستحدث في عالم الإنترنت.
من الممكن أن تشمل الحروب الإلكترونية قريبًا هجمات ذاتية، تستخدم فيها أسلحة إلكترونية ذكية وذات طاقة تدميرية كبيرة ولا تخطئ أهدافها مهما كانت مبهمة.
المخاوف الأخلاقية والسياسية
في كل حديث يتناول الذكاء الاصطناعي، تثار مجموعة من المخاوف التي قد يبالغ البعض بوصفها، لكن مما لا شك فيه أن بعض تلك المخاوف بها شيء من الصحة، وهناك نوعان من المخاوف المتعلقة بدمج الذكاء الاصطناعي في الدفاع:
المخاوف الأخلاقية
تزداد المخاوف من أنظمة الذكاء الاصطناعي وأخطائها، حيث لا يمكن في كثير من الأحيان استبدال النشاط البشري بتطبيق ذكي، على سبيل المثال، عندما اختبرت منظمات الحقوق المدنية أنظمة التعرف على الوجه التي تستخدمها قوات الشرطة، حددت تلك الأنظمة عددًا كبيرًا من الأبرياء ذوي البشرة الداكنة كمجرمين.
وبالتالي، فإن الأسلحة المدعومة تكنولوجيًا لديها نقاط ضعف قد تكون بسبب انحياز المصممين، وقد تكون من النوع الذي يعجز المختصون صعوبة في اكتشافه والتنبؤ به.
المخاوف السياسية
يكمن خطر استخدام الأنظمة الذكية بالملفات السرية والمعلومات المشفرة التي تخص أمن بلاد والأفراد، حيث يمكن أن تتعرض للاختراق أو التهكير وبالتالي تدمير معلومات ضخمة وتهديد أمن البلاد، ويمكن للخصوم استغلال هذا الضعف من خلال أنشطة تخريبية.
وأيضًا هناك مخاوف من تطوير أسلحة قد تشعل فتيل سباق التسلح، ونظرًا للسرعة التي يمكن للأسلحة المدعومة تكنولوجيًا أن تبرمج – خاصةً إذا تم منحها مستويات عالية من التحكم الذاتي – فإن أول دولة تستخدمها قد تكتسب ميزة عسكرية كبيرة.
وبالتالي، هناك خطر من أن تؤدي مثل هذه الأنظمة إلى تصعيد عسكري كبير، وبمجرد أن تبدأ دولة واحدة في استخدامها، قد يشعر الآخرون أنه يتعين عليهم أن يحذوا حذوها، مما يؤدي إلى حدوث سباق تسلح في العالم.