خطة ماكرون لإنهاء النزاع في ليبيا جعلت الأمور تسوء أكثر

-1x-1

ترجمة وتحرير: نون بوست

عام 2017، انتهت مساعي ماكرون لحل أكبر أزمة في شمال إفريقيا من خلال عقد قمة سلام خارج باريس باستضافة فايز السراج، رئيس الوزراء الليبي المدعوم من الأمم المتحدة، ومنافسه الجنرال خليفة حفتر، بوعود لوقف إطلاق النار وإجراء انتخابات. وحيال هذا الشأن، نشر ماكرون فيديو على تويتر وهو يصافح الرجلين قائلا: “الشعب الليبي يستحق هذا السلام. ونحن مدينون لهم”. ولكن بعد ساعات فقط من الاجتماع في شاتو دي لا سال، استؤنفت المعارك حيث أشار حفتر – المحصّن بتعزيز الشرعية الدولية – إلى أن العاصمة طرابلس ستكون نصب عينيه.

اليوم، لم يبق من دولة ليبيا سوى اسمها. فقد فرضت قوات حفتر حصارًا على طرابلس لمدة عشرة أشهر، ووقع تهميش فرنسا بشكل متزايد في المنطقة التي لطالما لعبت فيها دورًا مهيمنًا. وأثناء مناقشة القضية الليبية في نهاية هذا الأسبوع في مؤتمر ميونيخ الأمني، ستكون روسيا وتركيا أبرز دولتين دبلوماسيتين.

حيال هذا الشأن، قال فيودور لوكيانوف، رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الخارجية: “في ليبيا، تمتلك فرنسا بالأساس أدوات سياسية تحت تصرفها، في حين تتمتع روسيا بالنفوذ العسكري والدبلوماسي. لدى ماكرون العديد من الطموحات، في ليبيا وأماكن أخرى، لكن عليه أن يكون قادرًا على دعمها بشيء ما، وهذه هي المشكلة بالنسبة لفرنسا”.

يعقد اجتماع ميونيخ في أعقاب اجتماع آخر نظم في برلين الشهر الماضي استضافته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سعيا منها لإيقاف الصراع، والبناء على جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار ونزع سلاح الميليشيات وإطلاق تدابير اقتصادية جديدة. لكن التقدم نحو فضّ هذا النزاع يعتمد على وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا، وهذا الأمر لم يحصل بعد.

تجدر الإشارة إلى أن روسيا والمرتزقة المواليين لها، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة، يدعمون حفتر الذي يتخذ من الشرق مقرا له ويقود الجيش الوطني الليبي. في المقابل، تواصل تركيا تقديم الدعم العسكري لحكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج. 

مستنقع القذافي

ساهم الصراع في ليبيا في استقطاب العديد من القوى لعدة أسباب. ولم يكن قد مرّ على تولي ماكرون الرئاسة سوى شهرين عندما قام بتنظيم قمة ليبيا. بعد خروجه من الانتخابات التي أبقت اليمين المتطرف بعيدا عن السلطة، وبينما شارفت حقبة ميركل ظاهريا على الانتهاء في ألمانيا، وانشغال المملكة المتحدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في عهد الرئيس دونالد ترامب، صَوّر ماكرون فرنسا باعتبارها المدافع عن النظام الديمقراطي الليبرالي.

في سنة 2018، ألقى ماكرون خطابا أمام السفراء الفرنسيين، قال فيه “إن فرنسا لا تكف عن إسماع صوتها أبدا”. وفي عهد ماكرون، سوف تستخدم فرنسا نفوذها “لجعل عولمتنا أكثر إنسانية”. في ظل تفاقم المشاكل المحلية بشكل سريع، قدمت السياسة الخارجية فرصة للتألق. كانت ليبيا نقطة الانطلاق لموجة من الأنشطة الدبلوماسيّة التي تضمنت محاولات للتّوسط في المحادثات بين إيران والولايات المتّحدة، وبين روسيا وأوكرانيا. لكن ماكرون مازال ينقصه الكثير لإظهار تألقه. نتيجة لذلك، قوبلت أفكاره العظيمة مثل إعادة التفكير غير العاطفي في منظمة حلف شمال الأطلسي وتعزيز التكامل الأوروبي والتعاون في مجال الدفاع بالمقاومة السلبية.

فرنسا رأت حفتر حصنا ضدّ المقاتلين الإسلاميين، ولكن حدث عكس ذلك في نهاية المطاف

إن قرار ماكرون بمنح الشرعية لحفتر، في ظل معارضة حلفاء مثل إيطاليا التي كانت في السابق قوة استعمارية، قائم على أساس منطقيّ. كان حفتر يسيطر على أغلب النفط الموجود في ليبيا، التي تعد من بين الدول الأفريقية التي تمتلك أكبر احتياطيات النفط، كما وجّه قواته نحو الصحراء الجنوبية النائية. تبعا لذلك، ساهم ظهور المهربين والجماعات المتطرفة في تزايد عدم الاستقرار عبر الحدود وصولا إلى غرب أفريقيا، حيث قاد خمسة آلاف جندي فرنسي المعركة ضد انتشار الجماعات الإسلامية المسلحة.

قال مسؤول أوروبي رفيع المستوى إن فرنسا رأت حفتر حصنا ضدّ المقاتلين الإسلاميين، ولكن حدث عكس ذلك في نهاية المطاف. وأضاف المسؤول أنه حتى لو تمكن حفتر من الاستيلاء على طرابلس، فإن قواته لن تستطيع السيطرة على المدينة، وفي نهاية المطاف، ستكون غير مستقرة كما هو الوضع في العاصمة الصومالية مقديشو.

يصر المسؤولون الفرنسيون على أن باريس ليست موالية لحفتر ولا للسراج، وإنما لا تدعم سوى جهود الأمم المتحدة. وما زالوا يعتبرون القمة خارج باريس ناجحة لأنها ساهمت في جمع الأعداء. وقال دبلوماسي فرنسي قبل قمة برلين الشهر الماضي إن الحاجة تدعو إلى إعادتهم إلى طاولة المفاوضات للامتثال للالتزامات التي تم التعهد بها في القمة.

من جهتهم، قال بعض الدبلوماسيين الأوروبيين إنه منذ انعقاد مؤتمر برلين اقترب موقف ماكرون من موقف حلفائه في الاتحاد الأوروبي، بينما يرى آخرون أن فرنسا لا تزال تتفق مع الإمارات على أن حفتر يلعب دورا مهما في التحقق من قوة المسلحين الإسلاميين.

هذه اللعبة لم تنته بعد، ولكن أيا كانت النتيجة، إن الدور الذي لعبته فرنسا في المنطقة كان مرحبا به. فهي تواجه ازدياد المشاعر المناهضة لفرنسا في غرب ليبيا، وفي دول غرب أفريقيا التي تحارب المقاتلين الإسلاميين الذين يستمدون مبادئهم من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، حيث من غير المألوف أن نرى المحتجين يحرقون العلم الفرنسي.

لا تملك فرنسا الوسائل اللازمة لاستعادة دورها في شمال أفريقيا كما كانت تحاول منذ سنة 2007، عندما كانت تسعى إلى العودة

في الشهر الماضي، استدعى ماكرون زعماء الدول الخمس الأكثر تآزرا في غرب أفريقيا إلى اجتماع لاستخلاص تأكيدهم الصريح بأنهم يؤيدون نشر القوات الفرنسية في المنطقة. وجاء ذلك بعد مقتل 13 جنديا فرنسيا في حادث اصطدام مروحيات في مالي، الذين كانوا بصدد تقديم الدعم للقوات التي تحارب الإسلاميين.

كان فشل ماكرون في التوسط في اتفاق سلام جزءا من نمط معروف في الدبلوماسية الفرنسية. فقبل عقد من الزمان، سمح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمعمر القذافي بنصب خيمة في حدائق فندق دي مارينيي وتلقي التحية العسكرية من الحرس الجمهوري الفرنسي في البرلمان. وكان ذلك، تحت مسمى الصفقات التجارية واستعادة دور فرنسا في شمال أفريقيا.

في وقت لاحق، تحول ساركوزي إلى أحد مناصري التدخل في انتفاضة ليبيا في سنة 2011، حيث مارس الضغوط من أجل توجيه ضربات جوية بقيادة حلف شمال الأطلسي، وكان أول من اعترف بقيادة المتمردين باعتبارها الحكومة الشرعية للبلاد، مرة أخرى دون التشاور مع الحلفاء الأوروبيين. وكان خليفته، فرانسوا هولاند، ووزير دفاعه، الذي أصبح الآن وزير الخارجية جان إيف لو دريان، قد صاغا السياسة الفرنسية في ليبيا.

في شأن ذي صلة، أورد جلال حرشاوي، وهو زميل باحث في معهد كلينجندال: “إن فرنسا لا تملك الوسائل اللازمة لاستعادة دورها في شمال أفريقيا كما كانت تحاول منذ سنة 2007، عندما كانت تسعى إلى العودة. فهي لا تحصل على علامة حسنة أو حتى قريبة من الحسن، بل حصلت على علامة سيء”.

في المقابل، حتى الروس، مع تزايد نفوذهم في المنطقة، يتسمون بالتفاؤل إزاء احتمالات السلام. وحسب لوكيانوف: “إن الفوضى في ليبيا أكبر مما ينبغي، ولا يوجد حل في الأفق”.

المصدر: بلومبرغ