تعاني معظم دول المغرب العربي من أزمات اقتصادية طاحنة، بعضها جراء ندرة الموارد وزيادة نسبة العجز لديها، والآخر نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد فأحدثت شرخًا كبيرًا في منظومة الاقتصاد بعد أن هددت موارده النفطية التي كانت المرتكز الأساسي لها.
وأمام هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة بات البحث عن بدائل مسألة إستراتيجية مهمة، وعليه كان التوجه صوب الاقتصاد الأزرق وتعزيز الاستثمارات البحرية، خطوة محورية في إحداث التوازن وتحسين الأوضاع تدريجيًا، خاصة في ظل ما تملكه هذه الدول من إمكانات مائية وثروات بحرية تؤهلها للمضي قدمًا في هذا المضمار بخطى ثابتة.
فالمغرب على سبيل المثال يعد من أبرز الدول المؤهلة للريادة في هذا الاقتصاد الجديد، إذ تصل سواحله البحرية إلى 3500 كيلومتر، وقرابة 1.2 مليون كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية البحرية، ومن ثم تعد تجربته التنموية من التجارب الناجحة في هذا المجال، حيث ركز على مجال تطوير قطاع صناعة الأسماك وتعزيز دوره في الاقتصاد بشكل أكبر، عن طريق وضع رؤية تنموية لهذه الصناعة بحلول سنة 2030.
الوضع لا يختلف كثيرًا في تونس التي تمتلك شريطًا ساحليًا على مسافة 1300 كيلومتر، فضلًا عن موقع إستراتيجي يمكنها لتكون ميناءً بحريًا إفريقيًا، ولهذا كان احتضان مدينة بنزرت لفعاليات النسخة الأولى من منتدى الاقتصاد الأزرق في أكتوبر 2018 ومن بعدها النسخة الثانية في يونيو 2019 أكبر دليل على تقدير العالم لمكانتها في هذا التوجه الجديد.
وفي ليبيا تطورت النظرة الاقتصادية للبحر بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ يعتمد اقتصاد الدولة التي يتجاوز طول الشاطئ فيها 1900 كيلومتر، على الاستثمارات المائية بامتياز، حيث تعتمد على إيرادات النفط بشكل كبير الذي يتم تصديره عبر مياه البحر المتوسط من الدرجة الأولى.
وتأتي الجزائر لتكمل السلسلة المتبقية من الحلقة المغربية ذات الحضور القوي في الاقتصاد المائي، إذ تمتلك العديد من الموانئ البحرية على الشريط الساحلي بطول إجمالي يقارب 1622 كيلومتر عبر 14 ولاية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يؤهلها لمنافسة جيرانها على حزمة الاستثمارات في هذا المجال.
المغرب.. الحل لمواجهة العجز المالي
يكثف المغرب جهوه الرامية لدعم الثروات البحرية والاستفادة منها قدر الإمكان، متبنيًا عددًا من المبادرات لإقناع دول القارة بضرورة مواجهة المخاطر المتنامية نتيجة الإفراط في استنزاف الموارد المائية وعلى رأسها الصيد الذي يمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل تنمية الاقتصاد الأزرق في المملكة.
وتهدف الرباط من خلال هذا التوجه الجديد إلى تعظيم أوجه الاستفادة من تلك الاستثمارات النوعية في محاولة لدفع معدلات التنمية وتوفير إيرادات مالية تساهم في الحد من العجز المالي الذي تعاني منه الموازنة بشكل مزمن، وهو ما انعكس على الحالة المعيشية لملايين المغاربة.
وفي سياق التوجه الحكومي الجديد لدعم هذا القطاع أوصى مؤخرًا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمملكة، ببلورة تحفيزات وتوفير التمويل اللازم، بهدف استثمار الإمكانات التي يوفرها الاقتصاد الأزرق بالمغرب، لافتًا إلى أن هذا المفهوم تطور بشكل كبير ليتجاوز الأنشطة البحرية التقليدية مثل الصيد والسياحة وأنشطة الموانئ، إلى قطاعات جديدة منطوية على إمكانات نمو مهم، مثل نشاط الأحياء البحرية وصناعة السفن والمنتجات البيولوجية التي تتوافر على قيمة مضافة مرتفعة وثروات الطاقة البحرية (النفط والغاز والطاقة المتجدّدة).
العديد من خبراء النقل البحري في الرباط يطالبون بتبني إستراتيجية تتيح نوعًا من التكامل والتنسيق بين مختلف أنشطة هذا القطاع، الذي يرون أنه بمكوناته المختلفة بات يحتل مكانة مهمة في النسيج التنموي بالبلاد، وهو ما تترجمه العديد من المبادرات التي احتضنتها المملكة في هذ الشأن.
ففي 2018 أطلق المغرب حزمة من تلك المبادرات على هامش تنظيم مؤتمر “كوب 22″، كمبادرة الحزام الأزرق للصيد المستدام بإفريقيا، والمبادرة المتعلقة بالماء لإفريقيا “Water For Africa”، وهي مشاريع تسعى إلى وضع أنظمة بيئية مائية لتطوير اقتصاد أزرق مستدام بشراكة مع جميع الجهات المعنية، بجانب احتضان مراكش المؤتمر التاسع عن المياه الدولية لصندوق البيئة العالمي في نوفمبر من نفس العام، الذي تأتي أهميته من تشكيله فرصة لتبادل الخبرات المتعلقة بإدارة المشاريع في مجال المياه والمحيطات، ومناقشة الأولويات الناشئة في هذا المجال وتحسين الأداء العام لتدبير مشروعات صندوق البيئة العالمية.
الخبير المغربي في قطاع الصيد البحري، عبد الرحمان يزيدي، يرى أنه يمكن للاقتصاد الأزرق أن ينطوي على قيمة مضافة مهمة، إذا تبنت الدولة إستراتيجية جامعة، على غرار النظام الصناعي الذي اعتُمد في إستراتيجية التسريع بالنسبة لقطاع السيارات، التي أعطت نتائج مهمة.
ويشير في تصريحات له أن الاستثمارات المبذولة اليوم في هذا القطاع لا سيما الصيد البحري والأحياء المائية ما زالت تتم في إطار مبادرات القطاع الخاص، ما يستدعي إدراجها ضمن إستراتيجية حكومية منسقة، داعيًا إلى بلورة مشروع إستراتيجية وطنية للاقتصاد الأزرق، بطريقة متشاور بشأنها مع الفاعلين، خاصة الجماعات المحلية والقطاع الخاص، وضمان قيادة ومتابعة تطبيق المشاريع المرتبطة بذلك الاقتصاد.
الاستثمار في الفضاء البحري لا يسهم إلا بـ12% فقط من الناتج الإجمالي لتونس
الرأي ذاته ذهب إليه الخبير الإعلامي في القطاع السياحي، أداما سيلا، الذي طالب بإدراج السياحة الشاطئية في أي سياسة للاقتصاد الأزرق في المستقبل، خاصة في ظل التعثر الذي عرفه إنجاز المحطات الشاطئية، لافتًا إلى أن السياسة السياحية التي تبناها المغرب منذ 2000، راهنت على السياحة الشاطئية التي أريد لها أن تمثل ثلثي العرض السياحي المحلي، بالإضافة إلى السياحة الثقافية، غير أنه حدث تعثر في إنجاز كل المحطات الشاطئية التي يمكن أن توفر أسرة في الفنادق.
كما ترنو السلطات المغربية إلى تطوير قطاع البترول والغاز في المناطق البحرية، ما دام يتوافر على 400 ألف كيلومتر مربع من الأحواض في البحر غير المستغلة، زيادة على ذلك، يعول على جذب استثمارات ثقيلة بهدف استثمار الطاقات المتجددة في المناطق البحرية.
وفي سياق آخر، يمتلك المغرب ثروة بحرية هائلة تؤهله لأن يصبح عاصمة بحرية إذا تم الاستغلال الأمثل للموارد المائية، حيث تسعى الحكومة لزيادة عائدات التصدير من المأكولات البحرية لتبلغ نحو 3 مليارات دولار بحلول العام المقبل، في الوقت الذي تتوقع فيه منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ارتفاع إنتاج البلاد بنحو 18.2% بحلول 2030 ليصل إلى 1.7 مليون طن من الأسماك سنويًا.
وكان المغرب قد أطلق قبل عشر سنوات إستراتيجية “أليوتيس”، كما أنشأ الوكالة الوطنية لتنمية وتربية الأحياء المائية في 2011، بهدف تطوير قطاع الصيد البحري ودارسة أبرز التحديات التي تواجهه، الذي يسهم بشكل كبير في ضمان الأمن الغذائي للمملكة، إذ يعد من أكثر القطاعات الاقتصادية توفيرًا لفرص العمل وأسرعها نموًا.
وفق البيانات الرسمية، فإن ما يقرب من97 ألف شخص يعملون في قطاع الصيد، وهو ما يمثل 84% من الأهداف التي تخطط الدولة لتحقيقها بحلول العام المقبل في إطار مخطط أليوتيس، فضلًا عن 108 آلاف صياد، ويحتل المغرب المرتبة الـ13 عالميًا في إنتاج الأسماك، ما يجعله ضمن البلدان الرئيسية في إنتاج الثروة السمكية عبر العالم، بينما يتصدر الدول العربية والإفريقية.
ووفق تقرير “حالة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم لسنة 2018″، الذي تصدره الفاو، فإن الإنتاج الإجمالي الوطني للأسماك البحرية الطبيعية بالمغرب لسنة 2016 بلغ 1.43 مليون طن بزيادة 81 ألف طن عن العام السابق، كما يعد قطاع تربية الأحياء المائية والمعروف باستزراع الأسماك، ضمن المشاريع ذات الأولوية بالنسبة للرباط، حيث ينتج 510 أطنان سنويًا.
أما فيما يتعلق بالملاحة البحرية والموانئ، فتراهن الحكومة المغربية على الأنشطة المينائية التي تشمل نقل المسافرين والسلع وبناء وتصليح البواخر، فقد وضعت المملكة مخططًا لرفع نقل المسافرين على متن السفن من 3 إلى 7.6 مليون سنويًا في 2030، كما تسعى إلى رفع تنافسية النقل البحري للسلع الذي يؤمن 95% من المبادلات التجارية بين المملكة والخارج.
عام 2018 احتل المغرب المرتبة الأولى إفريقيًا على مؤشر الربط بخطوط النقل البحري المنتظمة، حيث حصل على 71.5 نقطة على سلم مؤشر الربط بخطوط النقل البحري المنتظمة لمنظمة “الأونكتاد”، متقدمًا على مصر التي حصلت على 70.3 نقطة، وجنوب إفريقيا التي حصلت على 40.1 نقطة، ثم جيبوتي 37 نقطة فالتوغو 35.9 نقطة.
ويتم احتساب مؤشر الربط بخطوط النقل البحري المنتظمة لمنظمة “الأونكتاد” على أساس الجداول الزمنية للأسطول العالمي للنقل البحري بالحاويات، ومدى الخيارات التي تتيحها هذه الجداول لربط موانئ كل بلد بالأسواق الخارجية، من خلال شبكة خطوط النقل البحري المنتظمة العابرة لموانئ البلد.
ويرتكز المؤشر على خمسة مكونات وهي: عدد السفن المستخدمة الذاهبة إلى الموانئ البحرية لكل بلد والعائدة منها وطاقة الحمولة المتراكمة من الحاويات التي توفرها هذه السفن وعدد الشركات التي تقدم خدمات منتظمة في موانئ البلد وعدد الخدمات المقدمة وحجم أكبر السفن التي يستطيع استقبالها.
ويعد ميناء طنجة أبرز الموانئ الإستراتيجية في المملكة، حيث ساهم موقعة المتميز على مضيق جبل طارق، في زيادة قيمته ومكانته بين الموانئ الإفريقية والعربية على حد سواء، فبفضله تقدمت المملكة في مؤشر الربط بخطوط النقل البحري المنتظمة للأونكتاد من 10 نقاط في 2008 إلى 71.5 نقطة في 2018، ومن المرتقب أن تتحسن مرتبة المغرب أكثر مع انطلاق الميناء الثاني لطنجة المتوسط المتوقع في 2019.
تونس.. الاقتصاد الأزرق هو المستقبل
“الاقتصاد الأزرق هو مستقبل تونس“.. بهذه العبارة لخص وزير الصناعة التونسي سليم الفرياني حجم ما توليه بلاده من اهتمام لهذا الاقتصاد الجديد، جاء ذلك على هامش مشاركته في فعاليات الدورة الأولى من منتدى البحر التي عقدت في مدنية بينزرت أكتوبر 2018.
في هذه الدورة قدم المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية دراسة تحت عنوان “الدراسة الإستراتيجية البحرية الوطنية” هدفت إلى تقديم أفضل السبل في مجال التحكم بشكل أفضل في فضاء تونس البحري ودعم حضورها في هذا المجال على المستوى الإقليمي والدولي.
مدير عام المعهد، ناجي جلول، أكد أن الاستثمار في الفضاء البحري لا يسهم إلا بـ12% فقط من الناتج الإجمالي لتونس، مشيرًا إلى أن هذا الرقم ضيئل جدًا في ضوء ما تمتلكه الدولة من إمكانات بحرية هائلة، إذ يتوافر بها 1300 كيلومتر من الشواطىء و60 جزيرة لتونس التي وصفها بأنها “هبة البحر”.
سفير فرنسا بتونس، أوليفيه بوافر دارفور، يطالب بتعزيز اللقاءات المكثفة بشأن بحث كيفية تحقيق التوازن بين ضرورات النمو الاقتصادي بالاستناد إلى الموارد البحرية وحماية البيئة والسواحل خاصة أن 25% من التجارة العالمية تمر عبر هذا الفضاء، معتبرًا أن التحدي الأكبر للفعاليات التي تناقش مستقبل الاقتصاد الأزرق هي ديمومتها وتكرارها من عام لآخر، لترجمة ما يتم الاتفاق عليه إلى ممارسات عملية.
وفي الإطار ذاته تمتلك تونس رصيدًا كبيرًا من المأكولات البحرية، حيث شهد إنتاج الثروة السمكية بها تطورًا ساهم في ارتفاع مؤشر التصدير بنحو 33% عام 2018، بجانب تصديرها نحو 20 ألف طن من منتجات الصيد البحري وتربية الأسماك إلى أوروبا خاصّة، مما وفر للاقتصاد التونسي عائدات مالية تقدر بما يزيد على 410 ملايين دينار سنة 2017 (مقابل 340 مليون دينار سنة 2016).
تدخل السفن التجارية بالآلاف سنويًا للموانئ الليبية .. بهذا يكون الاقتصاد الليبي اقتصادًا أزرق تصل نسبته إلى 98% من الإنتاج
ويحتل النشاط السمكي والصيد البحري المرتبة الثانية في ترتيب الإنتاج الفلاحي الغذائي المصدّر إلى الخارج، في الوقت الذي تعمل فيه الدولة على زيادة تسهيل التصدير نحو السوق الأوروبية بتطبيق المعايير الأوروبية المتعلقة بالسلامة الصحية لمنتجات التربية السمكية واكتساح أسواق واعدة أخرى مثل دول آسيا وروسيا، إضافة إلى العمل على تصدير منتجات تربية الأحياء المائية نحو بلدان شمال إفريقيا، وتخصص الدولة منحة لفائدة المنتج للأسماك المرباة عند التصدير بحساب الكيلوغرام.
عززت البلاد من حضورها كذلك في الاستزراع السمكي، فوفق آخر إحصاءات وزارة الفلاحة والصيد البحري، شهد الإنتاج السنوي لتربية الأحياء المائية تطورًا من نسبة 3% سنة 2007 إلى 16% سنة 2017 من الإنتاج الجملي للصيد البحري وذلك بمعدل نمو سنوي يقدر بنسبة 18%، فيما بلغت كمية الإنتاج 22 ألف طن خلال سنة 2017.
وفي السياق ذاته ارتفع نسق الاستثمار في مجال تربية الأسماك في الأقفاص العائمة باستقطاب 23 مشروعًا في الإنتاج إلى جانب مشروعين بالأحواض على اليابسة لإنتاج الأسماك البحرية خاصة من صنفي “الوراطة” و”القاروص”، وبلغ الإنتاج نحو 20.3 ألف طن سنة 2017 وساهم بنسبة 93% من الإنتاج الإجمالي لتربية الأحياء المائية مسجلًا معدل نمو سنوي يقدر بـ26% بين سنتي 2007 و2017 حسب نفس المؤشرات الصادرة عن وزارة الفلاحة والصيد البحري.
وكان للسياحة الشاطئية نصيب كبير في دعم قطاع السياحة التونسية، حيث أظهرت البيانات أن عائدات السياحة في النصف الأول 2019، بلغت 1.982 مليار دينار (690 مليون دولار)، مقابل 1.391 مليار دينار (484.6 مليون دولار) لنفس الفترة من 2018.
كما شهد عدد السياح نموًا كبيرًا، خلال النصف الأول 2019، بزيادة قدرها 18.3% على أساس سنوي، وبلغ عدد السياحة الأجنبية الوافدة حتى نهاية يونيو الماضي نحو 3 ملايين و774 ألف سائح، فيما بلغ عدد الوافدين إلى البلاد في 2018، 8.3 مليون سائح، مسجلًا بذلك ارتفاعًا بـ17.7% مقارنة بعام 2017.
98% من الاقتصاد الليبي أزرق
إذا كانت الاستثمارات البحرية تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد المغربي والتونسي فإن الوضع في ليبيا يختلف بصورة كبيرة، حيث يعد الاقتصاد الليبي أزرق بامتياز، إذ تعتمد الدولة على إيرادات النفط الذي يتم تصديره عبر مياه البحر المتوسط، بصورة شبه حصرية، ولا تحتاج إلى إمدادات أنابيب عبر الخطوط البرية لتتمكن من تصدير المنتجات الطبيعية.
ثم يأتي خط الغاز الممتد لإيطاليا ليؤكد سيطرة الاقتصاد الأزرق على المشهد الليبي، لا سيما في ظل تراجع التبادل التجاري البري مع دول الجوار على سبيل المثال مع مصر وتونس، وانتكاسة تعيشها المشاريع الزراعية وغياب شبه تام للتجارة الجوية التي يعتمد عليها التجار بشكل جزئي بسبب الحظر الأوروبي على الطيران الليبي.
النقل البحري في البلاد لا يقتصر فقط على تصدير النفط، إذ تدخل السفن التجارية بالآلاف سنويًا للموانئ الليبية المحملة بالسيارات والسلع التموينية والمواد الطبية والقمح والشعير والفواكه والمواشي وغيرها الكثير، بهذا يكون الاقتصاد الليبي اقتصادًا أزرق تصل نسبته إلى 98% من الإنتاج وفق تصريحات المسؤوليين الليبيين.
الباحثة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، رانيا مرزوق، خلصت في دراسة لها عن الاقتصاد الأزرق في ليبيا، إلى عدد من التوصيات على رأسها ضرورة إبرام اتفاقية عربية جديدة تضم الدول العربية الساحلية انطلاقًا من رؤية اقتصادية عربية مشتركة للاقتصاد الأزرق.
كذلك العمل على إنشاء تجمع عربي إقليمي على غرار الاتحاد من أجل المتوسط يضم الدول العربية الساحلية، ليصبح منبرًا لتحليل وصنع وتنفيذ السياسات التي تعظم من استغلال الإمكانات التي يوفرها الاقتصاد الأزرق في الوطن العربي، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تحقيق تنمية مستدامة لشعوب تلك الدول.
هذا بجانب الحاجة الماسة لتصميم خريطة استثمارية تحدد الفرص التي يتيحها الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية والترويج لتلك الفرص في مجتمعات الأعمال إقليميًا وعالميًا، سعيًا لتحويل تلك الفرص إلى مشروعات تساهم في تحقيق التنمية المنشودة، وضرورة فتح قنوات للاتصال وتعميق الروابط مع المنظمات الدولية المعنية بحماية البيئة البحرية، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والبنك الدولي والمنظمة البحرية الدولية (IMO).
أما الأكاديمي الليبي، عبد الله ونيس الترهوني، اختصاصي اقتصاديات النقل، فيرى أن بلاده تحتل موقعًا جغرافيًا مميزًا جعل منها بوابة إفريقيا الشمالية، نظرًا لما تمتلكه من خط ساحلي يبلغ 2000 كيلومتر، يضم طيفًا متنوعًا من الأنشطة، لكن تم تجاهله عبر السنوات الماضية كنتيجة حتمية للاعتماد على البترول كمورد وحيد وريعي لشعب قليل العدد يقطن بلدًا متراميَ الأطراف.
الترهوني في مقال له أشار إلى أن “المشروعات الصغرى والمتوسطة، والتعليم التقني والفني سيكونان أهم ركائز الاقتصاد البديل في ليبيا في المستقبل، وهما في حقيقة الأمر لن يكلفا خزينة الدولة الشيء الكثير في حال تبنيهما.. كما أن فتح باب الاستثمار والشراكات الجادة مع الدول الشقيقة والصديقة أو مع جيراننا من دول حوض المتوسط في مشاريع وأنشطة الاقتصاد الأزرق مثل إنشاء واستغلال المناطق الحرة، واللوجستية، والموانئ الجافة، وأحواض السفن، إلخ، بالإضافة إلى تسهيل نشاط تجارة العبور وإعادة التصدير سيشكل رقمًا صعبًا في الاقتصاد الوطني الليبي يصعب تجاهله أو نكرانه”.
الجزائر.. 40 مليار دولار للاقتصاد الأزرق
تولي الحكومة الجزائرية المزيد من الاهتمام للتوجه نحو الاستثمارات المائية، انطلاقًا من سياستها المتبعة منذ سنوات لتنويع مصادر الدخل في محاولة للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية جراء العجز الذي تعاني منه البلاد على مدار الأعوام الماضية، وقد استطاعت خلال فترة قصيرة تحقيق إسهامات إيجابية في هذا المجال.
تمتلك الجزائر العديد من الموانئ البحرية على الشريط الساحلي بطول إجمالي يقارب 1622 كيلومترًا عبر 14 ولاية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد شيد قاطنو الجزائر منذ القدم عدة موانئ لأغراض شتى كالتجارة والدفاع والصيد البحري، ومن أهم موانئ الجزائر التجارية ميناء الجزائر العاصمة وميناء وهران وميناء عنابة وميناء سكيكدة وميناء بجاية، ومن أهم موانئ الصيد ميناء شطايبي وعين بربر بالإضافة إلى ميناء القل.
تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من مليوني سائح أجنبي زاروا البلاد خلال 2018، بزيادة تقدر بـ18% مقارنة بسنة 2017
كانت المشاركة الرسمية للجزائر في مؤتمر نيروبي قبل عامين إعلانًا رسميًا بوضع هذا الاقتصاد الجديد على خريطة أولويات الدولة، حينها أكد المبعوث الجزائري، عبد القادر بن مسعود، وزير السياحة والصناعة التقليدية، أهمية تجربة بلاده في مجال الاقتصاد الأزرق المستدام، من خلال المشاريع الهيكلية الكبرى التي أنجزتها سعيًا لتطوير اقتصادها وتنويعه، حيث خصصت خلال الـ20 سنة الماضية نحو 40 مليار دولار للاهتمام بالساحل والاقتصاد الأزرق، قاصدًا الإدارة الجيدة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها.
وزير الاقتصاد أزال النقاب عن المجالات المتعددة التي يشملها هذا النوع الجديد من الاقتصاد بعيدًا عن التعريفات التقليدية، لافتًا إلى أنه يتضمن الكثير من الأمور من بينها الصيد البحري ونقل المسافرين والبضائع عبر البحر وشبكة الاتصال والترفيه السياحي واستخراج النفط والغاز من أعماق المحيطات والبحار وتربية الأحياء المائية، بصورة مسؤولة ومستدامة، استنادًا إلى فرضية أن النظم الإيكولوجية السليمة للمحيطات أكثر إنتاجية.
وفي الإطار ذاته شرعت الدولة في إعداد إستراتيجية وطنية للاقتصاد الأزرق الذي يشمل جميع النشاطات الاقتصادية التي لها علاقة بالبحر، بجانب فتح آفاق التعاون مع العديد من الدول والكيانات الأجنبية لتعزيز هذا القطاع، منها اللقاءت التي تمت بين وزير السياحة الجزائري ونظيره الأيرلندي بجانب الممثل الخاص للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة المكلف بالمحيطات.
وقد كرس الجزائريون ميزانيات ضخمة لأجل زيادة الإنتاج وتوفير الوظائف وضمان الأمن الغذائي وتكيف ترسانة الدولة القانونية بهدف رفع تحدي التحول الاقتصادي البيئي والطاقوي والتكنولوجي، ومثال ذلك ما قامت به من دور رائد في مد شبكات الألياف البصرية لأكثر من ألفي كيلومتر على مستوى البحر الأبيض المتوسط.
وكان للشواطئ المميزة التي تحتضنها الجزائر دور كبير في إنعاش القطاع السياحي، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من مليوني سائح أجنبي زاروا البلاد خلال 2018، بزيادة تقدر بـ18% مقارنة بسنة 2017، هذا بجانب اعتماد 80 مشروعًا سياحيًا من شأنه توفير 7000 سرير و1100 منصب شغل جديد من ضمن 496 مشروعًا جديدًا استلمته الوزارة، بحسب المدير العام للسياحة، محمد زبير سفيان، الذي قدر عدد المشاريع المعتمدة لحد الآن بـ2210 مشاريع استثمار سياحي ستوفر 158 289 سرير و449 114 منصب شغل جديد بتكلفة مالية تقدر بـ049 1.544 دينار جزائري.
وأمام تلك الإمكانيت المائية الهائلة والموقع الإستراتيجي المميز فإن أمام دول المغرب العربي فرصة كبيرة لتحقيق الريادة في مجال الاقتصاد الأزرق، ورغم ما تحقق من إسهامات ونجاحات، شهد بها الجميع، فإن الساحة لا تزال مفتوحة أمام عشرات التجارب الناجحة الأخرى، القادرة على إعادة رسم خريطة الاقتصاد المغربي بصورة كاملة.