يتجه المواطنون الكويتيون والوافدون الذين تتعطل معاملاتهم في أروقة الأجهزة الحكومية بفعل وجود البيوقراطية الحكومية أو عدم اكتمال أوراق المعاملة أو عدم قانونيتها في بعض الأحيان، إلى “نواب الخدمات” المعروفين داخل مجلس الأمة وهم نواب يميلون للطرف الحكومي في أغلب القضايا ويتغاضون عن التجاوزات الحكومية مقابل تسهيل الحكومة لهم توقيع المعاملات التي يجلبونها.
يُنتخب نواب الخدمات عادة من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية ومناطق الطبقة الوسطى والمتدنية التي يطمح الكثير من أبنائها في الحصول على وظائف مرموقة داخل الدولة مثل القضاء والسلك الدبلوماسي والأجهزة الأمنية والهيئات الحكومية المستقلة التي تدفع رواتب أكثر من الوزارات الحكومية التي يستطيع أي مواطن كويتي العمل بها وفق القانون، إضافة إلى طموحاتهم بالحصول على مميزات مالية مثل العلاج بالخارج الذي تقدمه الدولة لناخبي النواب المؤيدين لها وذلك رغبة في ترسيخ شعبيتهم وزيادتها بين الأوساط الشعبية.
ماذا يقدم نواب الخدمات للناخبين؟
ليس لـ”نواب الخدمات” أي انتماءات سياسية أو أجندة أيدولوجية، بل إنهم لا يعبرون عن رأيهم في أغلب القضايا المطروحة داخل البرلمان، وتكون تصويتاتهم داخل البرلمان متوافقة مع التوجه الحكومي، إضافة إلى أنهم يصوتون دومًا ضد الاستجوابات النيابية المقدمة من النواب للوزراء في الحكومة.
وبينت إحصائية أجرتها صحيفة “القبس” المحلية أن النائب سعود الشويعر، وهو أحد “نواب الخدمات”، لم يجر أي مداخلة برلمانية طوال وجوده داخل قبة البرلمان لمدة 3 سنوات ونصف وأن نواب خدمات آخرين أجروا مداخلة أو مداخلتين تضمنت في الغالب دفاعًا عن الحكومة أو تهديدًا لنواب معارضين.
ويجند نائب الخدمات مجموعة من “المفاتيح الانتخابية” الذين يعينهم على شكل سكرتارية خاصة به لتلقي المعاملات من الناخبين أو غير الناخبين، إذ كثيرًا ما يستلم هؤلاء النواب معاملات خاصة بوافدين وغير كويتيين طمعًا بـ”الأجر والثواب” والذهاب إلى الوزراء أو وكلاء الوزارات أو رؤساء الأقسام بحسب أهمية المعاملة وأهمية مقدمها، والحصول على توقيع “لا مانع” من الجهة الحكومية وهو التوقيع السحري الذي يجعل المعاملة صالحة حتى لو كانت غير مكتملة أو غير قانونية.
وفي المعاملات المهمة يلجأ النائب بنفسه إلى الوزير للحصول على التوقيع الذي غالبًا ما يكون داخل قاعة البرلمان مما يعطل العمل البرلماني والنقاش بشأن القوانين والتصويت عليها، وهو ما دعا رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في عدد من الجلسات لمطالبة الأعضاء والنواب بعدم توقيع المعاملات داخل قاعة البرلمان، حتى إنه في إحدى المرات طلب من وزير الصحة السابق جمال الحربي التوقف عن توقيع المعاملات لأن البرلمان كان يُناقش استجواب زميله وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الإعلام السابق محمد العبد الله الصباح قائلاً: “رجاءً.. ما في معاملات، هذه جلسة مساءلة وزميلك يُستجوَب”.
تختلف نظرة المواطنين الكويتيين لنواب الخدمات بحسب الخلفية الاجتماعية والثقافية لهم
لكن أكثر ما يبرع نواب الخدمات بتقديمه للناخبين هو التسهيلات التي تتيح لهم الذهاب للعلاج في الخارج على نفقة الحكومة الكويتية، التي غالبًا ما تكون رحلة علاجية غير مطلوبة أو ضرورية، لكنها تُستغل للسياحة على حساب الأموال العامة، حيث تعمد الحكومة لتقديم تسهيلات العلاج بالخارج للقواعد الانتخابية للنواب المحسوبين عليها مقابل أن يصوت هؤلاء النواب معها في كل القوانين والمشاريع والاستجوابات.
وبلغت كلفة العلاج بالخارج بحسب تقارير ديوان المحاسبة الكويتي، الذي يُصنف أنه أعلى جهة رقابية رسمية في البلاد مليارًا و300 مليون دينار كويتي (ما يعادل 4 مليارات و500 مليون دولار).
ويفتخر سعدون حماد العتيبي، وهو أحد أشهر نواب الخدمات في الدائرة الثالثة بتسهيله للمعاملات الحكومية المتعثرة وعمل فريقه على مدار 24 ساعة، حيث خصص أرقامًا هاتفية تعمل طوال اليوم وتتلقى معاملات المواطنين، كما أنه حول أحد البيوت التي يملكها إلى مكاتب تشبه مكاتب الجهات الحكومية، حيث يتم تقسيم هذه المكاتب وفقًا لكل جهة حكومية، فهناك مكتب وسكرتير خاص لوزارة الدفاع، ومكتب وسكرتير خاص لمعاملات وزارة الصحة، ومكتب وسكرتير خاص لمعاملات وزارة الداخلية وهكذا.
وافتتح النائب الحكومي ماجد مساعد المطيري مركزًا لخدمة معاملات المواطنين على مدار 24 ساعة داخل منزله، وزود هذا المركز بحسب تسجيل فيديو منتشر بقاعات للانتظار وبأثاث مكتبي فاخر يشبه الإدارات الحكومية، وهو ما أدى لانقسام المواطنين الكويتيين بين مؤيد لهذا الفعل ومعارض له وواصف لنواب الخدمات بأنهم تحولوا إلى حكومة متحركة.
كيف ينظر الكويتيون لنواب الخدمات؟
وتختلف نظرة المواطنين الكويتيين لنواب الخدمات بحسب الخلفية الاجتماعية والثقافية لهم، إذ يرى بعض الكويتيين أن نواب الخدمات أبطال يهدفون إلى مساعدة المواطنين وتسهيل معاملاتهم المتعطلة بفعل البيوقراطية التي تضرب كل المؤسسات الحكومية إضافة إلى تعمد بعض الجهات تعطيل معاملات المواطنين لحين وجود “واسطة” تسعى إليها، فيما يقول آخرون إن نواب الخدمات أفرغوا البرلمان من محتواه وانحرفوا به عن هدفه الأساسي وهو الرقابة على الحكومة وتشريع القوانين وصار البرلمان مجرد مكان لتوقيع وتسليم واستلام المعاملات.
نواب الخدمات يقومون ببعض العدالة في منح فرص للقبائل والعائلات التي ليس لها تمثيل في البرلمان الذي هو مصدر النفوذ الشعبي الوحيد في البلاد للحصول على منصب لابنهم أو وظيفة مرموقة لابنتهم
ويرى البعض أن الحكومة هي من خلقت حاجة المواطن لمن يخلّص معاملاته القانونية، ثم خلقت نائب الخدمات وأعطته صلاحيات كبيرة في التدخل بعمل الإدارات الحكومية وتمرير المعاملات القانونية وغير القانونية على حد سواء، في مقابل ضمانها وقوفه معها في الاستجوابات النيابية التي تقدم ضدها وتصويته على القوانين التي تريد تمريرها.
ويعتقد المواطن مطر الشمري في حديثه لـ”نون بوست” أن وجود نواب الخدمات بات ضرورة قصوى في ظل البيوقراطية الموجودة في الأجهزة الحكومية ورداءة خدماتها وعدم تفعيلها للتقنية في إجراء المعاملات كما هو الحال مع دول الخليج الأخرى.
لكن الشمري أشار إلى نقطة أكثر أهمية من وجهة نظره وهي أن المعاملات غير القانونية والتسهيلات التي يقدمها نواب الخدمات في بعض الأمور تعود إلى شيء واحد وهو انعدام وجود العدالة في توزيع المناصب داخل البلاد وقال: “نواب الخدمات يقومون ببعض العدالة في منح فرص للقبائل والعائلات التي ليس لها تمثيل في البرلمان الذي هو مصدر النفوذ الشعبي الوحيد في البلاد للحصول على منصب لابنهم أو وظيفة مرموقة لابنتهم”.