شكل الرئيس الإيراني حسن روحاني علامة فارقة في الحياة السياسية الإيرانية منذ وصوله للسلطة عام 2013، وتتضح هذه العلامة من خلال إسهامه بالعديد من التحولات السياسية التي مرت بها إيران منذ ذلك الوقت، التي يأتي في مقدمتها الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015، واتفاق تقاسم الحقوق السيادية على بحر قزوين عام 2018، والعقوبات الأمريكية على إيران عام 2018، وتعاطيه السياسي والأمني مع الاحتجاجات الشعبية أعوام 2017 و2019 و2020، وهو ما جعله المحور الرئيس للعديد من التحولات والتحديات التي تمر بها الجمهورية الإسلامية في الوقت الحاضر.
تعرض الرئيس روحاني للعديد من الانتقادات السياسية من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والقادة في الحرس الثوري الإيراني، من خلال تحميله مسؤولية تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي مرت بها إيران عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في مايو 2018، وهو ما أدخل إيران تحت طائلة العقوبات الأمريكية الأحادية التي شملت مجمل قطاعات الحالة الإيرانية، وهو ما انعكس سلبًا على الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطن الإيراني.
إذ أنتجت السياسات الإصلاحية التي اعتمدها الرئيس روحاني من أجل الإفلات من وطأة العقوبات الأمريكية مزيدًا من ردات الفعل العنيفة من الشعب الإيراني، وهو ما تبلور من خلال تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية منذ عام 2017، إذ نجحت الدعايا التي شنها الإعلام الإيراني المقرب من المرشد الأعلى والتيار المحافظ من جهة، والضغوط الدولية من جهة أخرى، في فرض مزيد من الضغوط والتحديات التي تقف أمامه والتيار السياسي الذي يقوده في الاستحقاقات السياسية القادمة، وقد تكون الانتخابات البرلمانية القادمة في 21 من الشهر الحاليّ، أول التحديات التي تقف أمامه.
إذ شكلت الإجراءات السياسية التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور في استبعاد العديد من المرشحين التابعين للتيار الإصلاحي والمعتدل من سباق الانتخابات البرلمانية المقبلة أولى التحديات التي تقف أمام الرئيس روحاني في الحفاظ على الأغلبية البرلمانية في مجلس الشورى الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى الحفاظ على الحظوظ السياسية لهذه التيارات في الاستحقاقات المقبلة، خصوصًا أن الاحتجاجات الشعبية عادت مرة أخرى للساحة الإيرانية بعد خروج العديد من طلبة جامعة أمير كبير في طهران احتجاجًا على إقامة الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ينظر الرئيس روحاني إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة على أنها المحك الحقيقي أمام تياره السياسي، من أجل الاستمرار في نفس السياسة الخارجية الحاليّة على أمل التوصل إلى صفقة مرضية تلبي الطموحات الإيرانية، أو أن يشهد الواقع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وصول رئيس جديد بدلًا من الرئيس ترامب، قد يغير من سياسات وقناعات القادة في البيت الأبيض حيال إيران، خصوصًا أن الرئيس روحاني وحسب ما أعلنه المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي باقٍ في منصبه حتى عام 2021.
اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، أعطى الرئيس روحاني هامش مناورة سياسية لم يعتدها في السابق
وبالحديث عن الانتخابات البرلمانية المقبلة، أشار الرئيس روحاني إلى أن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى يوم الجمعة ستكون حرة ونزيهة، وردًا على سؤالٍ لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، بشأن البيئة الانتخابية التنافسية في البلاد والقائمة المنشورة لما يسمى بالأنصار الروحي، قال: “الفضاء مختلف قليلًا عن الماضي، نهدف لجعل الانتخابات أفضل”، وأضاف “الانتخابات الجيدة بالتأكيد تعود علينا جميعًا، وبالتأكيد الأمريكيون غير راضين عن المشاركة الضخمة للشعب الإيراني وسعادته، ولن يسعدوا بما يفيد أهل بلدنا”، وتابع روحاني: “منذ البداية كنت قلقًا من أنه لن تكون هناك منافسة جيدة، وعندما لا تكون هناك منافسة، قد تكون هناك انتخابات سليمة ونزيهة، لكن نسبة المشاركة تزيد المنافسة”.
إن الموقف السياسي للرئيس روحاني يبدو مختلفًا قليلًا اليوم، ولعل ظروف ما بعد اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، أعطت الرئيس روحاني هامش مناورة سياسية لم يعتدها في السابق، خصوصًا أن سليماني كان يشكل أحد الضواغط السياسية في التفاعلات الداخلية الإيرانية، وبالاتجاه الذي يخدم حظوظ التيار المحافظ، وبما أن سليماني لم يعد موجودًا على الساحة اليوم، فإن هذا الأمر انعكس من جهة أخرى على زيادة الفاعلية السياسية للرئيس روحاني.
وعلى الرغم من أن أغلب التوقعات تشير إلى إمكانية أن تسفر هذه الانتخابات عن أغلبية برلمانية للتيار المحافظ المدعوم من قبل المرشد الأعلى والحرس الثوري وبعض رجالات المؤسسة الدينية، فإن بقاء الرئيس روحاني في منصبه حتى عام 2021، يعني أن الساحة الداخلية الإيرانية ستشهد مزيدًا من التصعيد السياسي خلال الفترة المقبلة، وقد يتكرر سيناريو العلاقة بين الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني ومجلس الشورى الإيراني في تسعينينات القرن الماضي.
وعلى الرغم من كل ذلك، يبقى المرشد الأعلى الخط الفاصل في هذه الصراعات السياسية التي من المتوقع أن تندلع خلال الفترة المقبلة، خصوصًا أن هناك الكثير من الملفات التي عبر التيار المحافظ عن رفضه لها، ومن أهمها الاتفاق النووي واتفاقية غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، وغيرها من الملفات التي أبدت فيها حكومة الرئيس روحاني مرونةً في التعاطي مع المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من الإجراءات الفنية التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور في استبعاد العديد من المرشحين من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وأسفرت عن ردة فعل شعبية تدعو لمقاطعة الانتخابات – صدرت أغلبها من جمهور التيار الإصلاحي -، فمن المتوقع أن يكون التيار المعتدل الذي يقوده الرئيس روحاني أحد أبرز المنافسين للتيار المحافظ، بل يمكن القول إن نسبة كبيرة من أنصار التيار الإصلاحي (إذا صحت فرضية مشاركتهم في الانتخابات) سيعطون أصواتهم لتيار الرئيس روحاني، خصوصًا أن هذه الإجراءات منعت التيار الإصلاحي من الدخول في تحالفات انتخابية في المدن الرئيسية كطهران وأصفهان وتبريز وغيرها، على عكس التيار المحافظ والمعتدل، ويمكن القول إن فوز أي تيار بأغلبية مقاعد العاصمة طهران سيحسم إلى حد كبير نتائج الانتخابات المقبلة.