أظهرت كلمة رئيس حكومة الإنقاذ الوطنية المكلف من المؤتمر الوطني العام عمر الحاسي مساء الجمعة الماضي شرخا جديدا بين التحالف الذي قاد حربا على مليشيات القعقاع والصواعق والمدني بطرابلس، وهو مكون خاصة بمصراته من قوات دروع المنطقة الغربية التابعة لرئاسة الأركان العامة، وهي الأكثر تسليحا وتنظيما بمصراته، وكتائب أخرى قادت عملية فجر ليبيا بزعامة عضو المؤتمر الوطني السابق عن مصراته صلاح بادي، وهي لا تتبع رئاسة الأركان العامة.
وبحسب مراقبين فإن عمر الحاسي يحظى بدعم من دروع الغربية ولذا لم يثر خطابه لديها الذي خلى من اللغة الثورية، والتي كان يتوقعها قادة فجر ليبيا من أمثال صلاح بادي عسكريا، وعبد الوهاب قايد عضو المؤتمر الوطني العام، وعبد الرحمن السويحلي عضو مجلس النواب الحالي.
هذا وقد رصد متابعون انزعاجا واضحا من قبل الثوار -خاصة ثوار مصراتة- بعد خطاب رئيس حكومة الإنقاذ عمر الحاسي، فالثوار وصفوا خطابه “دون المستوى لعدة أسباب أهمها أن الحاسي في كلمته لم يعتبر نفسه طرفا في عملية فجر ليبيا التي أتى انتصارها به كرئيس للوزراء وليس نتاج عملية سياسية تتصارع فيها أطراف تتوفر لديها أدوات المنافسة السياسية.
من جانب آخر أثار وصف رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الحرب بطرابلس بين قوات فجر ليبيا ومليشيات القعقاع والصواعق والمدني بأنها “فتنة” أو “صراع” حنق قادة ثوار فجر ليبيا من مصراته باعتبارها المدينة التي قدمت مائة وسبعين شهيدا في معركة وصفوها بأنها كانت ضد ثورة مضادة، والموجة الثانية من فبراير/شباط2011. فلم يكن من المتوقع لديهم بحسب محللين أن يكون توصيف الحاسي لما جرى أمام الرأي العام العالمي والمحلي وكأنه قتال على السلطة ومراكز النفوذ.
كما أن عمر الحاسي تجاهل الثناء على مظاهرات الجمعة الماضية بعدة مدن ليبية داعمة لفجر ليبيا والرافضة للتدخل الأجنبي بليبيا، والمؤيدة له كرئيس لحكومة إنقاذ، وكأن الحاسي بحسب تحليل السياق السابق يقدم نفسه لأولئك المؤيدين لحفتر ولعملية الكرامة ويسوق لملف دعمه لديهم باعتبار أنه من المنطقة الشرقية التي تحظى عملية الكرامة فيها بتأييد كبير.
ويعتقد ليبيون أن الثوار من حاملي السلاح لم يعد مقبولا لديهم أن يمثلهم ويدافع عن قضاياهم من يُوصفون بالمقربين منهم، بل أصبحوا أكثر تدخلاً في السياسية ولم يعد مقبولاً لديهم السماح للساسة بتولي زمام العمل التنفيذي والسياسي دون أخذهم في الاعتبار، ولعل تشكيلهم لما يسمى حراك تصحيح المسار يكشف بوضوح عن عزمهم الدخول في اللعبة السياسية بدلاً من تكليف شخصيات يمكن وصفها بالمقربة من الثوار.
لذلك يُعتقد بحسب وجهة النظر السابقة أن ثمة تباينات وانقساما في وجهات النظر بين تيارين أحدهما يدعو إلى منح الحرية كاملة لرئيس الوزراء المكلف في اختيار وزراءه وفي وضع الخطط والبرامج التي يراها كفيلة بحلحلة الأزمات الليبية ويدافع عن هذا الرأي تيار دروع المنطقة الغربية التابع لرئاسة الأركان العامة.
أما بالنسبة لصلاح بادي أبرز قادة عملية فجر ليبيا فإنه يطمح إلى أن يكون للثوار دور بارز وقيادي في العملية السياسية، حيث قالت مصادر إنه اشترط أن يتولى ثوار جبهات القتال وزرات الدفاع والداخلية والخارجية والصحة، لا على سبيل المكافأة عن دورهم في ثورتي فبراير الأولى والثانية بحسب معلقين، ولكن بسبب فشل ما يمكن تسميتهم حكومات التكنوقراط المتعاقبة في دمج الثوار والتعامل معهم كجزء من الحل وليس العكس.
من جهة أخرى قد تُقبل ليبيا على مزيد من الانقسام السياسي بعدما وردت أنباء عن عجز مجلس النواب بطبرق عن توفير النصاب المطلوب لاتخاذ قرارات تتطلب أغلبيات خاصة، ولذلك رجح مراقبون أن يعقد المؤتمر الوطني العام الثلاثاء القادم جلسة تسليم واستلام بينه وبين أعضاء مجلس النواب الرافضين لانعقاد المجلس بطبرق بسبب مخالفات دستورية.
وهو قد تكون مناورة سياسية من مناورات فجر ليبيا حتى تكون لها خلفية سياسية تشريعية تحظى بدعم شعبي، وأن لا تظهر أمام الرأيين العالمي والمحلي وكأنه حركة مسلحة هدفها القتال فقط، وليست لديها مشاريع سياسية أو مؤيدين.