ترجمة وتحرير نون بوست
أجرى مؤسس “ليبيا أوتلوك” والخبير والمحلل السياسي، محمد الجارح، مقابلة على هامش مؤتمر منتدى فالداي حيث قيّم آفاق المهمة العسكرية الجديدة للاتحاد الأوروبي في ليبيا والجهود الدبلوماسية للمجتمع الدولي لحل الأزمة. كما علق على مشاركة الشركات العسكرية الروسية في الصراع المسلح. وتطرق الجارح إلى إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة بين خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج.
فيرونيكا فيشنياكوفا: عقب اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن استعداده لإطلاق مهمة بحرية جديدة في البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب إمكانية إطلاق مهمة جوية عسكرية. كيف تقيم هذه الخطوات؟
محمد الجارج: ما حدث من وجهة نظري أن وزراء الخارجية الأوروبيين وافقوا على استبدال “مهمة صوفيا” البحرية لمكافحة الهجرة نحو أوروبا بعملية جديدة تتمثل مهمتها في حل مشكلة مراقبة حل الأسلحة في ليبيا. وحسب البيانات، سيتم تنفيذ العمليات البحرية والجوية في نهاية شهر آذار/ مارس. وفي الحقيقة، إن الكثير من التفاصيل لا تزال قيد الإعداد. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي خائف من الطريقة التي تحاول من خلالها كل من أنقرة وموسكو اقتحام عملية التسوية الدبلوماسية، علما بأن الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه يجب أن يقود المسار الليبي.
بعد عملية برلين، يحاول الأوروبيون اتخاذ خطوات عملية، بما في ذلك تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن حظر الأسلحة، من أجل تعزيز مواقفهم بشأن الملف الليبي. وبالاعتماد على نتيجة الصراع، سيعيش الاتحاد الأوروبي أكبر قدر من الخسارة، ويعتمد ذلك على العديد من العوامل. وعموما، نجح الأوروبيون في فرض الحصار أثناء العملية البحرية، لكن هل سيحققون نفس النجاح في الجو؟ وكيف سيكون رد فعلهم على الانتهاكات؟
شرقا، تشترك ليبيا حدودا واسعة مع مصر، التي تقوم بتزويد حفتر بالأسلحة. أما حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فتعتمد بشكل كبير على توريد الأسلحة جوا وبحرا. وبناء على ذلك، إذا كان من الممكن ضمان الامتثال للحظر المفروض على البحر والجو، فإن حكومة الوفاق الوطني ستخسر، وسيحصل شرق ليبيا في المقابل على بعض النقاط التي ستضمن تقدمه.
محمد الجارح
الصحفية: بالحديث عن تسوية سياسية، في البداية حاولت روسيا وضع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر على طاولة المفاوضات، ولكنها لم تنجح. ثم تولت برلين هذه المبادرة. كما تم التخطيط أيضا لدعوة كلا الطرفين لحضور مؤتمر الأمن في ميونيخ، إلا أنهما لم يقبلا. هل ترى إمكانية لإجراء حوار بين حفتر والسراج قد ينتهي بالاتفاق؟
الجارح: أعتقد أن المحادثات الليبية هي أفضل طريقة لحل النزاع. لكن يجب أن نفهم أن هذا ليس مجرد نزاع بين الليبيين، وإنما هو نزاع متعدد الأطراف، إذ تدعم بعض القوى الإقليمية الأطراف المتحاربة ما يجعلهم يلعبون دور اللاعبين الدوليين، حيث يعملون ضد بعضهم البعض عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وخير مثال على ذلك روسيا ودول الغرب.
من المحتمل أن يجتمع الطرفان في النهاية وجها لوجه، لكن من الضروري بذل الكثير من الجهود لوضع التدابير اللازمة لبناء الثقة وملء الفراغ الذي تطور خلال الأشهر العشرة الماضية. ومن المهم جدا أن يعقد الاجتماع، مع ضرورة الحد من مستوى التدخل الأجنبي. وبناء على هذا، يعتبر تأثير اللاعبين الخارجيين خطيرا للغاية، ويمكن أن يصبح عقبة أمام المفاوضات الليبية.
الصحفية: هل تعتبر روسيا واحدة من القوى الخارجية التي تتدخل في الصراع؟ وحسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فإن الحضور الروسي لا يقتصر على وجود شركات عسكرية روسية في ليبيا، وإنما يشمل أيضا كبار المسؤولين العسكريين الروس الذين ينسقون عملية الحرب في ليبيا.
الجارح: أعتقد أن هذا مجرد خطاب من خطابات الرئيس أردوغان. فخلال السنوات القليلة الماضية، بالغت وسائل الإعلام الغربية في تصوير مسألة النفوذ والوجود الروسي في ليبيا. ما هي الصورة الحقيقية إذن؟ في الواقع، منذ سنة 2015، تنشط الشركات العسكرية الروسية الخاصة في ليبيا، وهذا ليس بالأمر الجديد. ففي السابق، قاموا بتدريب الجيش الليبي ودعمه، وساعدوه في إدخال نظام قيادة أكثر حداثة. وعلى هذا الأساس، قدمت الشركات العسكرية الروسية خدماتها ولم تشارك بنشاط في العمليات العسكرية في ليبيا.
لكن منذ آب/ أغسطس 2019، بدؤوا بنشاط في مساعدة خليفة حفتر في سعيه للاستيلاء على طرابلس. وهم الآن يلعبون دور وحدة استراتيجية، فإذا واجه الجيش مثلا عقبة لا يمكن التغلب عليها، فإن الوحدات الروسية تقضي عليها. وفي هذا السياق، نتحدث عن القناصة والخبراء الذين يعملون على قمع أنظمة الاتصالات اللاسلكية والمساعدة في استخدام الأسلحة المتقدمة وأنظمة الدفاع الجوي. إن هؤلاء لا يقدرون بالآلاف كما يزعم البعض، بل بالمئات فقط. ويتميز التدخل الروسي في النزاعات بشكل عام، بالرغبة في كسب نفوذ كبير بأقل تكلفة وحضور محدود.
لماذا أقول إن تأثير روسيا على اللاعبين الليبيين محدود؟ في 20 كانون الثاني/ يناير، دعت روسيا حفتر إلى موسكو لتوقيع وثيقة مع السراج، لكنه غادر المدينة، ليهين بذلك الدبلوماسية الروسية. من السهل فضح الخرافة القائلة إن روسيا لها تأثير كبير على قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر. لسائل أن يسأل، لماذا غادر حفتر موسكو؟ بالتأكيد لأنه يتمتع بتنوع كبير في الدعم الخارجي.
لا يعتمد حفتر على روسيا فحسب، بل يعوّل أيضا على الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية وفرنسا. لذلك، يستطيع أن يقول لموسكو بكل بساطة لا، ويعتمد في المقابل على لاعبين خارجيين آخرين. ومع ذلك، في المستقبل قد يتنامى النفوذ الروسي في ليبيا. والسؤال المطروح هو كيف ستتعامل روسيا مع عواقب الفشل الذريع في مفاوضات موسكو، وما إذا كانت ستتفاعل أكثر مع حفتر، أم ستتراجع، ليعمل حفتر مع بقية أطراف الصراع الآخرين.
الصحفية: يقول دبلوماسيون روس في تصريحات رسمية إن موسكو تعمل مع جميع أطراف النزاع الليبي. ولكن، هناك وجهة نظر مفادها أن روسيا تعتمد على حفتر أكثر من اعتمادها على السراج.
الجارح: أعتقد أن روسيا تنفذ عملها في ليبيا على عدة مستويات: السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية والعسكرية. على المستوى السياسي والدبلوماسي، تتفاوض روسيا مع جميع المشاركين وتقابل المسؤولين سواء من حكومة الوفاق الوطني، أو حكومة طبرق وممثلي نظام القذافي. ومع ذلك، تجري مناقشة بعض المصالح الاقتصادية مع الجيش الوطني الليبي وحكومة طبرق، خاصة فيما يتعلق بطباعة النقود للبنك المركزي الليبي في بنغازي. وعلى المستوى العسكري، تتفاعل روسيا مع حفتر. وبطبيعة الحال، تشعر موسكو ببعض القلق تجاه حفتر، نظرا لأنه عاش في الولايات المتحدة لمدة عقدين من الزمن، ويرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية، إلا أنها مع ذلك تستمر في العمل معه.
الصحفية: هل تعتبر خليفة حفتر لاعبا مؤثرا؟ في الآونة الأخير، ذكرت الكثير من المعلومات المتعلقة بعمره وتدهور حالته الصحية، كعوامل من شأنها أن تمنعه من كسب الحرب.
الجارح: أجل، يعتبر عمره وحالته الصحية مصدر قلق كبير. وفي الواقع، إن القلق الرئيسي هو: في حال اختفى من الساحة السياسية والعسكرية، من سيكون البديل؟ لا أعتقد أنه يوجد من بإمكانه الإجابة عن هذا السؤال، إلا أن الأمر مهم للغاية.
الصحفية: هل يمكن الاعتماد على خليفة حفتر؟
الجارح: هناك آراء مختلفة حول هذا الأمر. دعونا نرى ما أنجزه، بدأ من الصفر مع حوالي 180 من المؤيدين له. وفي الوقت الراهن، حسب الولايات المتحدة، يسيطر حفتر على أكثر من 80 بالمئة من الأراضي الليبية وأكثر من 95 بالمئة من البنية التحتية للنفط والغاز في البلاد. وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه حقق كل ذلك في غضون بضع سنوات فقط. ولهذا السبب، يعتقد الجميع أن استراتيجيته قابلة للنجاح.
مع ذلك، واجه حفتر في طرابلس مشاكل بسبب دعم أردوغان لحكومة الوفاق الوطني، علما بأن ذلك غير من الوضع نوعا ما. ونتيجة لذلك، من غير الواضح كيف سيتصرف حفتر ومؤيدوه. من المرجح أن تدرس روسيا وفرنسا خطواتهما بجدية في حين أن الإمارات، التي قامت فعليا بأكثر من مئة عملية تسليم أسلحة إلى حفتر، تتخذ موقفا أكثر تشددا وتعتقد أن النصر العسكري لا يزال ممكنا.
في الأشهر القليلة المقبلة، سيتضح كيف سيتصرف اللاعبون الخارجيون وقد يعيد البعض النظر في مسألة دعم حفتر، بينما سيواصل آخرون مساعدته. ويظل السؤال المطروح حول ما إذا كانت روسيا ترى حقا في ليبيا منطقة لتوسيع نفوذها. أي هل هي مهتمة بتكرار السيناريو السوري في الشرق الليبي أم لا؟ توجد بعض الافتراضات التي تقول إن روسيا تريد الحفاظ على الوضع الراهن، علاوة على ذلك لا يجب أن ننسى أن ليبيا تهم موسكو لأنها ذات أهمية بالنسبة لأوروبا.
الصحفية: تعمل العديد من الشركات الروسية، بما في ذلك روسنفت، في ليبيا. هذا أيضا يعتبر من أحد العوامل الخطيرة.
الجارح: بالطبع، كل الدول المتدخلة في ليبيا لها مصالح اقتصادية. ولكن، من أجل حماية هذه المصالح ليس هناك حاجة للحرب. إن الأمر المهم هو كيف تقوم الدول بتقييم تأثير النزاع على مصالحها: هل من الضروري الحفاظ على الوضع الراهن بتوسيع النفوذ أم أن الحرب تظل الخيار الأفضل لحل الأزمة. بكل تأكيد، إن هذا لا ينطبق فقط على روسيا وإنما على الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا العظمى أيضا، إلى جانب مصر والإمارات العربية المتحدة.
الصحفية: هل يمكن لنجل القذافي سيف الإسلام لعب دور في الصراع الليبي؟
الجارح: في الوقت الحالي، تعتبر عائلة القذافي منقسمة مثل ليبيا، بعضهم يدعم حفتر وبعضهم الآخر يدعمون طرابلس. ولا يزال قسم منهم يعتقد أنه قادر على استعادة النظام السابق. لذلك، أصبح سيف الإسلام شخصية عامة، إلا أن ذلك لا يعني أنه يمكنه أن يلعب دورا ما في المستقبل. ومن غير الواضح ما إذا كان نجل القذافي يرغب في ذلك أم لا. وعلى أي حال، هناك عقبتان تقفان أمامه: الأولى، المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والثانية أنه لا يزال مطلوبا للامتثال أمام العدالة في طرابلس. ولهذه الأسباب بالتحديد، لم يتخذ أي موقف سياسي ملموس.
المصدر: نيوز. ري