أعلنت دولة الإمارات العربية، يوم الجمعة الـ21 من فبراير/تشرين الماضي، تسجيل حالتي إصابة جديدتين، إحداهما من الفلبين (34 عامًا) والأخرى من بنغلاديش (39 عامًا) بفيروس كورونا (كوفيد – 19)، وذلك بعد اختلاطهما بمواطن صيني أعلنت إصابته بالفيروس في الإمارات من قبل.
ومن بين ست دول تمثل البيت الخليجي، يبدو أن الإمارات تحولت إلى بؤرة حاضنة للفيروس القادم من الصين، حيث سجلت أبو ظبي قبل هاتين الحالتين، إصابة تسع حالات، لم يشف منها حتى الآن إلا ثلاث فقط، فيما ما زالت باقي الدول الخليجية تحافظ على أمنها البيولوجي من الفيروس القاتل.
وقد دفعت هذه النتيجة كثيرًا من المراقبين والخبراء إلى التشكيك في فعالية وجدية الإجراءات الوقائية التي اتخذتها أبو ظبي لمكافحة انتشار المرض، خاصة بعد إعلان بعض المصادر الجزائرية وصول إحدى الحالات الحاملة للمرض قادمةً من الإمارات، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.
العلاقات الإماراتية الصينية
يرجح موقع “الإمارات 71” أن القيادة السياسية في أبو ظبي سعت في إجراءاتها المتخذة منذ ظهور الفيروس، ديسمبر/ كانون الماضي، إلى الموازنة بين رغبتها في منع انتشار المرض داخل البلاد، شأنها في ذلك شأن أي حكومة معنية بالحفاظ على شعبها من المخاطر، ورغبتها في الحفاظ على علاقتها مع الصين التي أبدت غضبًا واضحًا من تشدد بعض الدول في إجراءاتها الحمائية، متهمةً بعض هذه الدول بالانخراط في المشروع الأمريكي الرامي إلى حصار بكين وعزلها عن العالم.
وقد وصلت العلاقات الإماراتية الصينية، قبل الأزمة البيولوجية، بحسب التقرير الإماراتي، إلى مستوى غير مسبوق من التعاون، حيث فتح الإماراتيون أبواب البلاد على مصراعيها أمام “معاهد كونفيوش” الصينية، وأقروا فرض تعليم اللغة الصينية إجباريًا على نحو 200 مدرسة محلية، متجاهلين الأصوات الدولية المحذرة من أدوات الصين الناعمة. وعلى المستوى الاقتصادي، باتت الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين، بعد الهند، بعد أن وصلت قيمة تعاملاتهما الثنائية إلى 55 مليار دولار، يعاد تصدير أكثر من ثلثيها إلى إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا لاحقًا بعد قدومها من الصين، كما يتوقع أن ترتفع الاستثمارات بين البلدين إلى 100 مليار دولار أمريكي خلال الفترة المقبلة.
ووفقًا للتقرير، فإن التساهل الإماراتي مع الصين بدا واضحًا للغاية في السماح باستمرار الرحلات الجوية من الإمارات إلى العاصمة الصينية بكين، مع اقتصار إيقاف الطيران على مدينة ووهان التي تعتبر معقل هذا الوباء، وذلك رغم معرفة السلطات الإماراتية المتخصصة بطبيعة هذا المرض التي تسمح له الانتقال في الجو مباشرةً وبسرعة شديدة.
وفي المقابل من هذه السياسة الإماراتية المتساهلة، أظهرت بعض الدول الخليجية صرامةً شديدةً في الإجراءات الوقائية، ليس مع الصين وحدها، بل مع باقي الجيران في المنطقة، حيث أعلنت دولة الكويت، يوم السبت، تعليق رحلاتها الجوية إلى إيران، ذهابًا وإيابًا، ومنع أي جنسية أجنبية كانت في إيران خلال آخر أسبوعين من دخول البلاد، بعد إعلان وصول الفيروس إلى مدينة “قم” الإيرانية.
ضعف الإمكانات الإماراتية
المشكلة بالنسبة للإمارات ليست في تفضيل السياسي على الصحي رهانًا على سرعة انتهاء الأزمة وضرورة التحالف مع الصين مهما كلف ذلك من ثمن فحسب، المشكلة أيضًا في ضعف القدرات الوقائية الإماراتية وقلة خبرة القطاع الصحي المحلي في التعامل مع هذه “الجائحات” بشكل عام، فعلى الرغم من حصولها على المركز الثاني عربيًا في مقياس “التعامل مع الأوبئة”، بعد المملكة العربية السعودية التي حلت في المركز الأول، فإن الإمارات ما زالت بعيدةً عن المعايير الوقائية العالمية، خاصة أنها تعتبر واحدة من أعلى دول العالم من حيث مستويات الدخل.
ووفقًا للتقرير الصادر عن مشروع الأمن الصحي العالمي (Global Health Security)، بالتزامن مع الأزمة البيولوجية العالمية، الذي أعده 21 خبيرًا من 13 دولة، استنادًا إلى البيانات التي تقدمها كل دولة عن نفسها، فقد حلت الإمارات في المركز 56 عالميًا، بعد حصولها على 46.7 درجة، فيما يفترض أن تحصل فئة الدول التي تندرج خلالها الإمارات على ما لا يقل عن 51.9 درجة.
التغير المناخي وموجات الهجرة القسرية وإساءة استخدام البيولوجيا، يمثل بيئة مثالية لانتشار الأوبئة المدمرة
ويعتمد التقرير الذي تعده مبادرة منع التهديد النووي (NIT) ومركز جونز هوبكنز للأمن الصحي (JHU)، بالاشتراك مع وحدة الاستقصاءات الاقتصادية في مجلة “إيكونوميست” على عدد من المعايير والخطوط العريضة، أبرزها قدرة الدولة على منع أسباب الأوبئة والقدرة على الاكتشاف المبكر وسرعة التبليغ والتنسيق عالميًا والموازنة بين علاج المرضى وحماية العاملين بالقطاع الصحي والامتثال للمعايير العالمية المتفق عليها.
وقد خلص التقرير إلى أن عالمًا معولمًا كالذي نحيا فيه اليوم، بالإضافة إلى محددات أخرى كالتغير المناخي وموجات الهجرة القسرية وإساءة استخدام البيولوجيا، يمثل بيئة مثالية لانتشار الأوبئة المدمرة، داعيًا الأمم المتحدة إلى عقد قمة دولية لبحث التهديدات البيولوجية خلال العام القادم.
محاولات غير مباشرة
وبالنظر إلى المعطيات السلبية القادمة من الإمارات وما تحمله هذه المعطيات من خطورةٍ على مجلس التعاون الخليجي في ظل طبيعة الوباء وسرعة انتشاره وتواضع الخدمات الصحية في بعض دول المجلس، فقد عقد يوم الأربعاء الماضي، اجتماع لوزراء صحة دول المجلس، برئاسة وزير الصحة ووقاية المجتمع الإماراتي عبد الرحمن بن محمد العويس.
وبشيء من الوضوح، أقر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، أنه “رغم الجهود المضنية المبذولة من جميع وزارات الصحة المحلية للوقاية من هذا المرض، فإن الوضع العام استدعى هذا الاجتماع الاستثنائي والطارئ”.
اللافت في الأمر أن الشق السياسي الذي تسبب في تفاقم الوضع بهذه الصورة بحسب كثير من المراقبين، كان حاضرًا بقوة في اجتماعٍ تقني كان من المفترض أن يتلافى أخطاء هذا الشق، حيث أشاد البيان الختامي بالجهود الصينية المبذولة لمكافحة المرض، وعبر الوزراء الحاضرون عن كامل دعمهم ومساندتهم للتعاون مع الصين في هذا المجال.
ولم يسفر هذا الاجتماع عن جديد نوعي في جهود مكافحة الفيروس، أو ربما لم يعلن هذه الجهود، ولكنه أفاد في نقل حالة الطوارئ من الوضع المحلي إلى الإقليمي، بما يعنيه ذلك من تشديد للرقابة على المعابر الحدودية بين دول المجلس وتأكيد الالتزام بالمعايير الوقائية العالمية.
آثار اقتصادية أكثر خطورة
التقارير الإيجابية الواردة من الصين عن سرعة احتواء المرض قد تكون مضللة، نظرًا لقدرة الدولة الصينية على حجب المعلومات، إلى جانب تركيز الإعلام المحلي الذي تستقي عنه كثير من الوكالات العالمية أخبارها، على نوعية تقارير محددة، في مقابل تقارير أخرى أو إعادة تأويلها.
هذا ما تقوله بعض مراكز الأبحاث سرًا، وبعض الدول جهرًا مثل “إسرائيل”، بل إن تقارير واردة عن الصين نفسها تقول إن مقاطعة مثل هوباي شهدت 108 حالات وفاة خلال 24 ساعة مؤخرًا، لتتجاوز بذلك الوفيات الصينية حاجز الـ2100 حالة، مع تأكيد إصابة أكثر من 74 ألفًا داخل الدولة.
ما زالت الجهود العالمية لاكتشاف لقاح أو علاج للفيروس متأخرة بعض الشيء، قياسًا على أخبار انتقال المرض إلى مجالات حيوية جديدة
وعلى نحوٍ عام، تحذر بعض المؤسسات الاقتصادية مثل “معهد التمويل الدولي” من أن استمرار الوباء لما بعد مارس القادم بهذه الوتيرة، قد يعصف بأسعار النفط الذي يعتبر المصدر الأول للموارد في الخليج، إلى ما دون 57 دولارًا للبرميل، وفي حال انخفاض النمو الصيني العام إلى 5%، يرجح أن تهبط الواردات الصينية من النفط الخليجي بمعدل نصف مليون برميل يوميًا، مما يعقد الحسابات الخليجية الواقعة بين مطرقة التساهل مع الصينيين لضمان تدفق هذه الصادرات والحفاظ على العلاقات الإستراتيجية، وسندان الخوف من أن تؤدي هذه السياسة إلى كارثة بيولوجية في الخليج، خاصة بعد ما أشيع عن كون الإبل حاملًا مثاليًا للفيروس على المستوى الجيني.
وبالنسبة للإمارات، فإن قطاع الضيافة (الفندقة) بإمارة دبي الذي ينتظر بفارغ الصبر فعاليات انعقاد مؤتمر “إكسبو دبي”، أكتوبر/تشرين المقبل، سيكون المتضرر الأكبر من احتمالات استمرار كورونا، قبل قطاع التجزئة والأغذية، وفقًا لتقرير ستاندرد أندر بورز غلوبال للائتمان وتقييم المخاطر، لا سيما في ظل إقبال الصينيين الشديد على الإمارة، بعد أن شهد العام الماضي استقبالها مليون صيني على ضوء قرار رفع التأشيرة بين البلدين.
هذا، وما زالت الجهود العالمية لاكتشاف لقاح أو علاج للفيروس متأخرة بعض الشيء، قياسًا على أخبار انتقال المرض إلى مجالات حيوية جديدة ومعقدة اجتماعيًا مثل السجون التي شهدت 500 إصابة جديدة في الصين، وتطور الفيروس للانتقال عبر العملات الورقية، وقد أعلنت مجلة أمريكية لتوها تمكن بعض العلماء من نشر خريطة جزيئية ثلاثية لأحد أقسام الفيروس، وهي خطوة أولية تسبق تصنيع العلاجات.