حيوانات متكلمة، حياة هوليوود المبهرجة، الألوان المبهجة، قد يبدو بوجاك هورسمان BoJack Horseman أحد العروض الكرتونية السعيدة، ولكن الواقع يختلف تمامًا عن هذا! فرغم أن المسلسل الكرتوني يبدو خفيف الظل، فإن الواقع الكئيب يطل منه طوال الوقت، وهذا ما تكتشفه عند متابعة المشاهدة.
بوجاك هورسمان Bojack Horseman مسلسل كرتوني للبالغين، أنشأه “رافايل بوب – واكسبيرج” Raphael Bob-Waksberg، من بطولة ويل أرنيت Will Arnett وإيمي سيداريس Amy Sedaris وأليسون بري Alison Brie.
يحكي المسلسل عن أحد نجوم المسلسلات التليفزيونية في التسعينيات ويدعى “بوجاك” Bojack أدى بطولة مسلسل “سيتكوم” ناجح يُدعى “هورسين أروند” Horsin’ Aroun، بوجاك مثل العديد من الممثلين الذين قدموا مسلسلًا ناجحًا قديمًا، لكنهم لم يتمكنوا من النجاح في أدوار أخرى، ومع ذلك يعتبر بوجاك أحد أكثر عروض شبكة نيتفليكس كوميدية، لكن كيف تغيرت وجهته من تلك الكوميديا ليصبح أحد أكثر العروض إثارة للتعاطف طارحًا عددًا من الأسئلة الوجودية؟
من طفولة مليئة بالإساءة والقسوة تسببت في تكوين شخصية أنانية إلى شهرة وثراء دعما الجانب الأناني في شخصيته لتجعله لا مكترث ومستهتر، يغمر نفسه في الكثير من العلاقات العابرة ولا يهتم بالمستقبل، هذا هو بوجاك هورسمان المسلسل الكرتوني الذي يتخذ قالبًا كوميديًّا، لكنها تلك الكوميديا التي تضحك الثكلى وتشاركنا المعاناة اليومية.
أسئلة وجودية وواقع متوارٍ
إن بوجاك يعكس الواقع النرجسي القبيح والزائف لهوليوود، من المنتجين المنفذين الذين لا يهتمون إلا بالمال، إلى حفلات توزيع الجوائز السخيفة التي لا تُكرم إلا من يملك اسمًا لامعًا بالفعل. لا يتوقف الأمر على هذا فقط، بل ينعكس على حياة الشخصيات الكرتونية اليومية التي تتركنا في حيرة، طارحين على أنفسنا سؤالًا مهمًا وهو: ما الهدف من كل هذا؟ ما تلك الحياة؟
في هذا المسلسل لا تمثل هوليوود نفسها، بل هي انعكاس للحياة بشكل عام، بوجاك يحاول جاهدًا تشتيت نفسه، كي لا يصطدم بواقع حياته البائس الذي لا جدوى له، جميع الشخصيات في المسلسل هكذا، فشخصية برينسيس كارولين تكتئب عندما لا يكون لديها المزيد من العمل، فهي لا تعرف ماذا تفعل خارج العمل، ذلك الضغط المستمر من العمل يساعدها ويملأ حياتها ويشتتها كي لا ترى بشكل واضح حياتها الفارغة المذرية.
سلوك بشري من خلال بطل غير بشري
من مشاهداتنا لبوجاك نجد أنه شخصية غير مسؤولة على الإطلاق ويكره التورط في أي شيء، كما أنه لا يجد أي معنى لوجوده وحياته، يظن أنه قد يبدو مستهترًا وغير متحمل للمسؤولية بل وأنانيًّا أيضًا لكنه في أعماق أعماقه “شخص جيد”، وهذا غير صحيح، لأن شخصياتنا سواء جيدة أم سيئة انعكاس محض لما نفعله، تلك التصرفات هي التي تحدد شخصياتنا.
ولكن رغم المواقف المتتالية المضحكة المبكية، فإن بوجاك يحاول حقًا التغيير من نفسه، لكنه لا يستطيع، وذلك الشعور المسموم بكونه لن يتغير أبدًا وإنما يكبر بداخله، فبصرف النظر عن الاختيارات التي يقوم بها بوجاك فهو لا يكون سعيدًا بها أبدًا، بل ينتهي به الأمر دائمًا إلى الشعور بالحزن والندم وبعدم جدوى أي شيء، ومهما سارت الأمور على ما يرام في حياته إلا أن هناك شعورًا غير مفسر بالكآبة يطارده.
ما المميز بشأن بوجاك هورسمان؟ وكيف غير شكل الكوميديا؟
تلك المواقف المتوالية والأخطاء الكارثية التي يفعلها بوجاك تدفعنا للضحك، حتى ونحن ندرك أن تلك الأخطاء تشبه ما نفعله، لكننا ببساطة نضحك، ليس على المسلسل، بل على أنفسنا وتصرفاتنا وحياتنا، فهو انعكاس لنا، لفشل بعضنا الذين لم يصلوا لأي شيء أو الذين تحيط بهم الخيارات فلا يعرفون كيف يتصرفون. حيث تبدأ قصته من بناء العالم القائم على وجود البشر والحيوانات في العالم ذاته، يتشاركون كل شيء، وتبدأ المفارقات من وضع تلك الحيوانات في المواقف الحياتية الخاصة بنا نحن البشر، وعكس تلك الصفات الحيوانية على تصرفاتهم ذات القالب البشري لنستنتج أننا والحيوانات نتشابه في الكثير من الجوانب!
-
وجود أولئك الحيوانات في عالم الترفيه الذي نعشقه يساعدنا على رؤية سخافة ذلك العالم، ومدى معاناة من يكونون جزءًا منه.
-
الشخصيات المحيطة ببوجاك مثيرة للضحك، من دايان النسوية، إلى أفكار الشركات السخيفة الخاصة بتود، كل هذا يعزز حس السخرية لدى شخصية بوجاك.
“بوجاك هورسمان” ليس مجرد مسلسل خفيف نستطيع مشاهدته لأجل الضحك فقط في أوقات فراغنا، بل هو مسلسل قاتم وحزين أيضًا رغم ذلك القالب الكوميدي الذي يأخذه، لهذا استحق بجدارة كل تلك الشهرة التي نالها حتى الآن.