بعد اندلاع التظاهرات العراقية وتداعيات اغتيال سليماني، تحولت أسس العلاقة الصفقاتية المعقدة بين القوى السياسية للوصول للسلطة إلى معايير وأسس جديدة، وهي بالضرورة لا تعجب المنتفعين من فساد السلطة الذين بنوا تحقيق مصالحهم على الأسس القديمة.
لكن بهذه الأسس الجديدة وضعت معظم القوى والأحزاب شروطًا أمام الحكومة الجديدة لتمريرها ومتابعة أدائها كنوع من الادعاء بالحرص على التغيير، فتحالف القوى العراقية وضع شروطًا خاصة بالمكون ومطالب المتظاهرين بعد عدم حصوله على منصب، والتيار الصدري هدد بالاعتصام حول المنطقة الخضراء إذا لم تكن كابينة مستقلين أو لم تُمرر! لأنها أتت برعاية الصدر نفسه وحصل على مكاسب ستظهر مع نيل ثقة الحكومة.
من جهة أخرى لا يزال المتظاهرون في الساحات ينتظرون أداء علاوي ووعوده التي تبدأ بمحاسبة القتلة في محاولة لمراقبة الأداء والإصرار على التغيير وإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي وتأسيس دولة مدنية، أما القوى الكردية فقد تؤجل المفاوضات على حصصها الوزارية بعد تمرير الحكومة، لأن الخلافات لا تقتصر على المناصب إنما تتعلق بأمور خلافية بين بغداد وأربيل كملف كركوك والمناطق المتنازع عليها ورواتب البيشمركة، إلخ. فالكابينة تستغرق أشهر لتكتمل في الظروف الطبيعية واليوم هناك ظروف استثنائية وقد تطول وتتطور مساراتها بأسوأ الأحوال إلى المطالبة بمشاريع فرعية على مستوى الفيدرالية في وسط وغرب العراق وكونفدرالية في شمال العراق.
القوى السنية والكردية.. التغيير لا يشملنا
من خلال مساعي الكتل والأحزاب السنية والكردية لنيل مكاسب في الكابينة الوزراية، يتضح أنهم لا يصنفون التظاهرات ومطالبها وانعكاسها على الدعوات والمساعي الإصلاحية على أنها تخصهم أو أن عليهم تقبل رؤية علاوي وحكومته الجديدة، إنما يرونها من خلال تأثير مبدأ المحاصصة نفسه، بمعنى أن التظاهرات في 8 مدن ذات أغلبية شيعية خرجت ضد فشل وفساد الأحزاب الدينية الشيعية المسيطرة على الحكم في بغداد ومدن الجنوب بالدرجة الأساس، والتغيير المرغوب به لا يشملهم، لذا لا يعترفون بأي مساعٍ من رئيس الوزراء المكلف بتغيير الأسس التي على أساسها يتقاسمون المناصب والمنافع منذ 17 عامًا، خاصة أن كتلتي فتح – سائرون اللتين دفعتا لتكليف علاوي، غير صادقتين في التغيير أصلًا لكونهما اختارا علاوي بذات الأسس التي تسعيان لتغييرها، مما أشعر بعض الكتل بالخداع من تصرفهما.
انقسامات سياسية وجهوية وإجرائية
على إثر المفاوضات العسيرة لتمرير حكومة علاوي تقدم 50 نائبًا برلمانيًا بجمع تواقيع لجلسة استئنائية اليوم الإثنين، ثم تغير موعدها إلى نهاية الأسبوع بسبب خلاف إجرائي في رئاسة مجلس النواب بين رئيس المجلس محمد الحلبوسي ونائبه حسن الكعبي الذي يسعى للتجاوز على دور الحلبوسي الذي يحاول بدوره عرقلة عقد الجلسة لعدم الاتفاق بين تحالفه “تحالف القوى” مع رئيس الوزراء المكلف علاوي على حصص في الكابينة الوزارية، وحذر الحلبوسي من عدم الاتفاق مع القوى الأخرى الذي قد يقود إلى تهديد السلم المجتمعي.
إن امتعاض تحالف القوى وعرقلة الحلبوسي لعقد جلسة استثنائية لا تأتي بسبب مخالفة علاوي للمعايير التي يدعي تطبيقها في اخيار كابينته أو بسبب مطالب خاصة بالمكون كإعادة النازحين وانسحاب الميليشيات من المدن السنية وتفعيل التوازن الوظيفي في مؤسسات الدولة وحسم ملف المعتقلين والمختطفين، إنما جاء بسبب اختيار علاوي لمرشحين موالين – بطريقة أو بأخرى – لزعامات سياسية سنية ليس الحلبوسي من ضمها كـ(الشيخ خميس الخنجر والدكتور رشيد العزاوي وأسامة النجيفي).
من جهة أخرى، هناك خلافات بين قيادة تحالف الفتح بقيادة رئيس منظمة بدر هادي العامري والأطراف والميليشيات والقيادات الأخرى على القرارات السياسية التي دعمت علاوي دون الرجوع إليهم، ناهيك عن خلافات تتعلق بالرؤى والأهداف والوسائل التي يسعى كل طرف لتحقيقها في فترة حرجة قد تؤدي إلى انشقاقات في المرحلة المقبلة كما حصل مع التحالفات السنية في بداية تشكيل حكومة عبد المهدي.
نتيجة الخلافات السياسية بين علاوي من جهة والمتحفظين عليه من جميع المكونات من جهة أخرى، كبعض القوى الكردية والسنية والشيعية (الحلبوسي والمالكي والبارزاني وإياد علاوي)، فقد يُشكلون “اتفاقًا” فيما بينهم لاحقًا لمناكفة الحكومة أو إسقاطها إن تم تمريرها، خاصة أن الخلافات مع رئيس البرلمان “الحلبوسي” لا تقتصر على حصص الكابينة الوزارية فقط، إنما على زعامة مجلس النواب والمساعي لتغييره بشخصية أخرى.
أخيرًا، إن غياب الأسس الرصينة في التنافس على السلطة وعدم احترام الدستور والاعتماد على التوازنات السياسية وبناء النفوذ، قد يدفع الأحزاب والكتل إلى خيارات جديدة لتقاسم السلطة والثروة والنفوذ بطريقة ترسخ فكرة المحاصصة الطائفية والقومية على الأرض وتفرضها بشكل لن يمر من دون دماء، وذلك بإعلان الأقاليم في غرب العراق والكونفدرالية في الشمال، خاصة مع وجود من يهدد باتخاذ مسار الأغلبية الطائفية للاستحواذ على المناصب بعيدًا عن الشراكة.