ليس شرطًا أن تُصاب دول إفريقيا بفيروس الكورونا حتى تقع في شباك تداعياته وانعكاساته الاقتصادية السلبية، فربما لم تسجل حالات إصابة مؤكدة بالفيروس ومع ذلك قد تصبح الضحية الأكبر له بعد الصين نفسها محتضنة الوباء وموطنه الأصلي في نسخته الجديدة، فمع تزايد أعداد ضحايا الفيروس يومًا بعد آخر، يتعرض الاقتصاد الصيني لمزيد من الضربات الموجعة، نتيجة لحالة الشلل التام التي أصابت الشركات والمصانع التي دُفع بعضها للغلق بصورة شبه كاملة، وبالتبعية تجاوز هذا التأثير الحدود الصينية وسط تصاعد تحذيرات الخبراء من الأثر المحتمل لهذا الوباء على الاقتصاد العالمي.
تعزز الارتباطات القوية بين الصين، ثاني أكبر الاقتصادات العالمية، وبقية الدول الأخرى، من حجم الخسائر المتوقع أن تمنى بها العديد من اقتصادات الدول، وهو ما كشفته المراكز البحثية المتخصصة التي تتوقع تقويض آفاق النمو العالمي حال استمر الوضع على ما هو عليه.
في هذا الخصوص، نشرت وكالة “بلومبرج” الأمريكية في تقرير على موقعها الإلكتروني، استنادًا إلى نتائج دراسة أجراها معهد “التنمية لما وراء البحار” تحذير من الآثار الجانبية لكورونا على الاقتصادات الإفريقية على الرغم من أن القارة تمثل حاليًّا واحدة من المناطق الجغرافية القليلة التي ما زالت محصنة ضد الفيروس.
مؤكدًا التقرير أن هناك تداعيات اقتصادية متوقعة وحتمية على دول القارة السمراء لانتشار الفيروس في الصين التي تعد الشريك التجاري الرئيسي للقارة على مدار الـ15 عامًا الماضية، وهو ما بدأ يلوح في الأفق حين النظر إلى اقتصادات بعض الدول التي تعتمد في المقام الأول على العلاقات مع بكين.
خسائر أولية بقيمة 4 مليارات دولار
ربما تكون الكونغو على رأس الدول الإفريقية الأكثر تأثرًا على المستوى الاقتصادي جراء الفيروس، نظرًا لكونها جزءًا من مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، هذا بخلاف القلق من وقف التمويل الصيني لمشروعات البنى التحتية في عدد من الدول الأخرى، وذلك وفقًا لتقرير معهد التنمية لما وراء البحار.
الشبكة الأمريكية نقلت عن صندوق النقد الدولي تقديراته بشأن نمو الاقتصاد النيجيري – أكبر مصدر للنفط الخام على مستوى القارة الإفريقية – ليصل إلى 2% عوضًا عن تقديرات سابقة ببلوغه 2.5% وذلك بسبب التراجع المسجل في أسعار النفط العالمية منذ انتشار “كورونا”.
كما أشارت إلى أن انخفاض أسعار النفط وضع العملة النيجيرية تحت ضغط كبير، حيث تشكل الصادرات النفطية 90% من إجمالي صادرات الدولة الإفريقية، بجانب أن ضعف الطلب الصيني على الخام يضع اقتصادات إفريقية أخرى مثل أنغولا والكونغو وزامبيا على حافة الهاوية نتيجة اعتمادها بشكل كبير على عائداتها من النفط، كما نبهت إلى أن أسعار الخام تراجعت 11% هذا العام كما سجلت أسعار النحاس والحديد انخفاضًا بنسبة 8% و1.5% على التوالي.
وفي تقرير آخر نشره معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي، قال الباحث الاقتصادي لورينزو سيمونشالي، إن هناك تداعيات اقتصادية متوقعة وحتمية على الدول الإفريقية، موضحًا أن طلب بكين على المواد الخام تباطأ، حيث توقفت السياحة وتراجعت الصادرات بسبب انهيار الاستهلاك الصيني.
تُصَدِّر إفريقيا للصين، وخاصة إفريقيا جنوب الصحراء، المنتجات الخام والمواد الأولية التي تمثل 34% من الصادرات، والمعادن التي تمثل 27% من الصادرات
ونتاجًا لهذه المؤشرات من المحتمل أن تبلغ خسائر إفريقيا جنوب الصحراء أربعة مليارات دولار، وفقًا لتقديرات مراكز وكيانات اقتصادية، مع الوضع في الاعتبار أن هذا المبلغ ربما يكون كبيرًا بالنظر إلى الصعوبات التي تواجهها العديد من البلدان الإفريقية بحسب سيمونشالي.
التقرير كشف أن زامبيا وأنغولا – وهما من كبار منتجي النحاس والنفط على التوالي وشريكان تجاريان رئيسيان للصين – تعدان الأكثر تضررًا من انخفاض الواردات، حيث انخفضت واردات النحاس بنسبة 7% منذ ظهور الفيروس، مما نتجت عنه عواقب على ديون زامبيا المزمنة، وأجبرت شركة سونانغول – وهي شركة النفط الأنغولية المملوكة للدولة – على إعادة بيع حمولة كاملة من النفط الخام كانت في طريقها إلى الصين بسعر مخفض بسبب إغلاق الموانئ.
وأفاد الخبير الاقتصادي بأن أنغولا تصدر 60% من سلعها – خاصة النفط – إلى الصين، إذ يمكن أن يؤدي انخفاض التجارة إلى انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، السيناريو ذاته ينطبق على مصدري النفط الأفارقة الكبار الآخرين الذين يعدون من أعضاء منظمة الأوبك مثل نيجيريا، على الرغم من أنهم أقل اعتمادًا على الواردات الصينية.
حالة من القلق تخيم كذلك على الكونغو التي تمثل صادراتها من المعادن إلى الصين نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بخلاف أن بكين تستورد المواد الغذائية من إفريقيا، ومن ثم أدى الحجر الصحي المطول لملايين الصينيين إلى انخفاض كبير في الاستهلاك، خاصة فيما يتعلق باللحوم الناميبية والنبيذ الجنوب إفريقي والقهوة المتأتية من رواندا وكينيا.
ضرب القطاع السياحي
يعد قطاع السياحة من أكثر القطاعات الاقتصادية التي من المحتمل أن تتعرض لضربات مؤثرة جراء الفيروس، خاصة أن السياحة الصينية لإفريقيا تمثل رقمًا ليس بالقليل في خريطة اقتصادات القارة، مع الوضع في الاعتبار أن السياح الصينيين ساهموا بنصف مليار دولار في صناعة الفنادق الإفريقية خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ تفشي الوباء في ووهان تنحسر الإمدادات الصينية لإفريقيا على المستوى السياحي يومًا بعد يوم، إذ لم تتبق إلا شركتان جويتان إفريقيتان فقط – هما الخطوط الجوية الجزائرية والخطوط الجوية الإثيوبية – تحتفظان برحلات إلى مدن صينية مختلفة، بجانب مصر للطيران التي تراجعت عن قرار تعليق رحلاتها مؤخرًا.
القلق من تفشي الفيروس في إفريقيا كان وراء تفاقم الأزمة، وهو ما أشار إليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، حين أعرب عن قلقه بشأن القدرة على مجابهة عدوى محتملة من جانب الدول ذات القطاع الصحي المحفوف بالمخاطر.
ارتفع حجم التجارة بين الصين وإفريقيا من 10.8 مليار دولار في عام 2001، إلى 198.49 مليار دولار أمريكي عام 2012، وصولًا إلى 222 مليار دولار عام 2014، مع توقعات مضاعفة هذا الرقم بحلول 2025
ووفقًا لمركز التنمية العالمية، لن تكون أي من دول القارة مستعدة لإدارة انتشار الفيروس، ومع ذلك يستعد الجميع قدر الإمكان لمواجهة العدوى التي تعتبر حتمية، مما يسبب زيادة العبء على ميزانيات الدول، فيما زادت تكاليف إنشاء مختبرات قادرة على اختبار الحالات المشتبه فيها وإنشاء مراكز عزل للمصابين، وهو ما كان له أبلغ الأثر على العائدات السياحية من الصين.
يذكر أنه وفقًا لتقرير نشرته الأكاديمية الصينية للسياحة على موقعها الإلكتروني، فقد احتلت دول في القارة الإفريقية مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا والجزائر والمغرب المرتبة الثانية كأفضل وجهة للسياح الصينيين، بعد دول آسيوية مثل اليابان وماليزيا وتايلند، فيما أشارت التوقعات إلى تجاوز عدد السائحين الصينيين للقارة 110 ملايين سائح وفق ما ذهب لي تيان، مدير إحدى الشركات السياحية بالعاصمة بكين.
تيان في تصريحات له لفت إلى أن شركات طيران صينية أطلقت رحلات مباشرة إلى عدد من العواصم الإفريقية، مثل العاصمة الكينية نيروبي والإثيوبية أديس أبابا، مما ساهم بشكل كبير في زيادة عدد السياح الصينيين إلى البلدان الإفريقية، لكن ومع تفشي الوباء تقلصت هذه الرحلات حتى توقفت بصورة كاملة.
العلاقات الصينية الإفريقية
تعد العلاقات الصينية الإفريقية اقتصاديًا واحدة من أكثر نماذج التعاون والشراكة نجاحًا على المستوى العالمي، فمنذ عام 2009 تعد بكين الشريك التجاري الأول لإفريقيا، فيما تعتبر القارة السمراء المصدر الرئيس للصادرات من الموارد الطبيعية للصين، وذلك في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي الذي ساهم بشكل كبير في تعميق هذا النوع الجديد من الشراكة.
يشهد حجم التجارة البينية بين الصين ودول إفريقيا سنويًا زيادات كبيرة قياسًا بالمعدلات ذاتها بين الدول الأخرى، حيث ارتفع حجم التجارة بين الطرفين من 10.8 مليار دولار عام 2001، إلى 198.49 مليار دولار أمريكي عام 2012، وصولًا إلى 222 مليار دولار عام 2014، مع توقعات مضاعفة هذا الرقم بحلول 2025.
قفزت الاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية من 3.6 مليار دولار عام 2013 إلى 13.3 مليار دولار، وذهب معظمها إلى زامبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية
وتُصَدِّر إفريقيا للصين، وخاصة إفريقيا جنوب الصحراء، المنتجات الخام والمواد الأولية التي تمثل 34% من الصادرات، والمعادن التي تمثل 27% من الصادرات، وكذلك الوقود الخام وذلك حسب بيانات (World Integrated Trade Solution)، فيما تستورد إفريقيا جنوب الصحراء من الصين السلع الرأسمالية والآلات والمعدات والسلع الاستهلاكية.
كما قفزت الاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2016 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، من 3.6 مليار دولار عام 2013 إلى 13.3 مليار دولار عام 2014، وذهب معظمها إلى زامبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان التي تقود اقتصاداتها صادرات الوقود والمعادن.
يذكر أنه وخلال منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا عام 2015 تعهدت بكين بضخ أموال الاستثمار لإفريقيا تصل إلى 60 مليار دولار خلال الفترة من 2016/2018 مع المضي قدمًا في زيادتها حتى 2025، ومع الوضعية الحاليّة بات من الصعب الالتزام بتلك التعهدات في ظل الخسائر التي تتكبدها الصين منذ تفشي وباء كورونا.