وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مدينة غواجارات الغربية في أول زيارة رسمية له للهند منذ وصوله البيت الأبيض، وسط استقبال حافل، حيث من المقرر أن يشهد ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تجمعا حاشدا في أحمد آباد بمشاركة أكثر من مئة ألف شخص في أكبر ملعب كريكت في العالم سيتم تدشينه بهذه المناسبة.
وتعد الزيارة التي من المقرر أن تستمر يومين، ويزور فيها ترامب مدينتين أخرتين بجانب غواجارات، وهما العاصمة نيودلهي وأغرا، هي السابعة لرئيس أمريكي، حيث من المقرر أن يناقش الرئيسان عددًا من الملفات السياسية والاقتصادية، كما ستكون فرصة مواتية لاستعراض العلاقة بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الهندي مع تسليط الضوء على التوافق الشخصي بينهما في ظل التوتر بين البلدين نتيجة السياسات الحمائية التي يعتمدها كلاهما.
وتأتي هذه الجولة في وقت تشهد فيه نيودلهي توترًا شديدًا، على خلفية إجراءات غير مسبوقة اتخذتها سلطات البلاد ضد الشطر الخاضع لها من إقليم كشمير، فضلا عن غضب عارم إثر تبني “قانون الجنسية”، الذي يسهل حيازة الجنسية للاجئين من أفغانستان وباكستان وبنغلادش، باستثناء المسلمين.
وكان ترامب قد صرح خلال الأيام الماضية قبيل بدء زيارته “لا نلقى معاملة جيدة من الهند، لكن من حسن الصدف أنني أكنّ تقديرا كبيرا لرئيس الوزراء مودي” وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء تلك الزيارة التي تلقى متابعة إعلامية كبيرة في ظل توقيتها الحساس، حيث تشهد المنطقة العديد من التطورات الساخنة على أكثر من مسار.
علاقات شخصية
العديد من وسائل الإعلام الأمريكية لفتت إلى أن الزيارة تأخذ طابعا شخصيًا في ظل العلاقة القوية التي تربط بين ترامب ومودي، رغم الخلاف والتوتر بين البلدين في أكثر من ملف، وهو ما تعكسه التصريحات الإيجابية المتبادلة بين الطرفين والتي على إثرها نظًم ترامب لمودي حفلا هائلا في بلاده ليردها الأخير باستقبال حافل في أحمد أباد.
كلا الزعيمين يتبنى سياسة حمائية مناهضة للمهاجرين لاسيما المسلمين، حيث تميزت فترة مودي باستهداف الجالية المسلمة في الداخل بصورة غير مسبوقة، هذا بخلاف الجرائم التي يرتكبها بحقهم في إقليم كشمير المتنازع عليه، والتي كانت مثار انتقاد المنظمات الحقوقية الدولية.
يذهب ترامب للهند فيما تبقى عينيه على الملايين الثلاثة في بلاده، في ظل السباق المحموم الذي يقوم به الرجل في مضمار التنافس من أجل الفوز بولاية رئاسية جديدة
الأمر ذاته لدى ترامب الذي أبدع خلال ولايته الأولى في تشريع عدد من القوانين المناهضة للمهاجرين، فضلا عن تصريحاته العنصرية في كثير منها ضد العرب والمسلمين، هذا في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن جرائم نظام مودي بحق المسلمين الهنود رغم الموقف الدولي الرافض لهذه الممارسات، وعليه ترى عدة تقارير أن الزيارة من شأنها تعزيز موقف رئيس الحكومة الهندية، الذي يتبنى خطا “هندوسيا متطرفا”، ويحكم البلاد منذ عام 2014.
علاوة على هذا فإن الخلفية الأيديولوجية لكلا القائدين متشابهة بصورة كبيرة، فظروف تقلد كليهما المنصب تكاد تكون متطابقة، حيث ارتكزت على معياري الثروة والسلطة بعيدًا عن أي قيم وأخلاقيات مجتمعية وسياسية، وهو ما يجعل حالة من التفاهم والتناسق الكبير بين شخصيتهما.
يذكر أن قناة “تايمز ناو” الهندية كانت قد ذكرت أن الاستخبارات حذرت من سعي “مجموعات متطرفة” لاستهداف ترامب، مرجحة أن يكون ذلك مرتبطا بالتوتر بين إيران والولايات المتحدة، وزعم هذا التحذير، الذي اطلعت عليه القناة، أن المخطط يهدف إلى “عرقلة” تقدم العلاقات بين واشنطن ونيودلهي، وأن مصالح أمريكية مختلفة قد تكون عرضة للاستهداف أيضا.
البحث عن سوق جديد لأمريكا
تسعى واشنطن لفتح منفذ جديد لها في الهند الذي يمثل سوقا كبيرًا في القارة الأسيوية، فرغم التعاون السياسي والعسكري النشط بين البلدين إلا أن مستوى التبادل الاقتصادي يعاني من ضعف وتراجع في ظل موجات المد والجذر التي تعرضت لها العلاقات الاقتصادية بين البلدين في أعقاب رفع التعريفة الجمركية على بضائعهما بالمثل.
عرفت الهند والولايات المتحدة تقارباً متزايداً في السنوات الأخيرة على خلفية التخوفات المشتركة بشأن الصين، ولكن التجارة صعدت إلى الواجهة باعتبارها مجال خلاف بين البلدين بعد أن أعلن ترامب مارس 2019 اعتزامه إنهاء المعاملة التجارية التفضيلية التي كانت مخصصة للهند.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة بين البلدين وصل .5.7 مليار دولار في 2017-2018، ما يمثل ارتفاعاً بـ.5.1 في المئة مقارنة مع 5.6 مليار دولار خلال السنة المالية السابقة، غير أن الأرقام تميل لمصلحة الهند، وهو ما أثار حفيظة الأمريكان، الأمر الذي دفعهم لفرض رسوم جمركية جديدة على السلع الهندية، لترد عليه نيودلهي بإجراء مماثل.
وتسعى الولايات المتحدة للدخول إلى السوق الهندية في المقام الأول بمجال صناعة الدواجن واللحوم ومنتجات الألبان، بينما تأمل الحكومة الهندية باستعادة التفضيلات التي كانت تمتلكها كدولة نامية حتى عام 2019، وتطمح لتوسيع الوصول للأسواق الأمريكية بالمنتجات الدوائية والزراعية.
مزاحمة النفوذ الروسي
تشهد العلاقات الهندية مع روسيا تناميًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، أسفر عن تعزيز مجال التعاون والشراكة في عدد من المجالات، لاسيما الاقتصادية والعسكرية، وهو ما أثار مخاوف عدة من تعرض مصالح أمريكا للتهديد في هذه المنطقة التي تسيطر عليها الهند وروسيا والصين.
وبجانب اعتبار موسكو الشريك التقليدي لنيودلهي منذ حقبة الحرب الباردة، تبقى هي كذلك المزود الرئيسي للمعدات العسكرية لثاني أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان، وقد أثار شراء الهند عام 2018 منظومة “إس 400” الروسية للدفاع الجوي استياء واشنطن غير أن الإدارة الأميركية لم تفرض عقوبات اقتصادية على الهند بسبب هذه الصفقة.
ومن المتوقع أن يتم خلال زيارة ترامب الحالية عقدا تشتري نيودلهي بموجبه مروحيات عسكرية أميركية بقيمة 2,4 مليار دولار، وهي الخطوة التي تسعى واشنطن خلالها لمزاحمة السيطرة الروسية على سوق السلاح الهندي، كما حدث في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت المبيعات الأمريكية من السلاح انتعاشا غير مسبوق.
من الملفات التي من المحتمل أن تكون حاضرة على طاولة اجتماعات ترامب – مودي ملف كشمير، حيث صرح الرئيس الأمريكي في وقت سابق بأنه جاهز للتدخل بين الهند وباكستان لحل تلك الأزمة
دعاية انتخابية
“أنا أحب الهندوس” ، هذا ما أعلنه دونالد ترامب خلال حملته الرئاسية في عام 2016، حيث سعى للحصول على أصوات قرابة 3 مليون أمريكي من أصول هندية في تلك الانتخابات، خاصة وأن نسبتهم تقترب من 1% من إجمالي عدد الأصوات، وهو رقم ليس بالهين في تغليب كفة أي من المرشحين.
التقارير الغربية ترى أن العلاقة بين ترامب والجالية الهندية باتت أكثر عمقا وقوة خلال العامين الماضيين، وهو ما يفسر حجم التأييد الكبير الذي يلقاه الرئيس الأمريكي الحالي من قبل الهنود الأمريكان، فيما تذهب بعض المؤشرات إلى أن تلك العلاقة من المرجح أن تشهد مزيدًا من التطور خلال المرحلة المقبلة.
يذهب ترامب للهند فيما تبقى عينيه على الملايين الثلاثة في بلاده، في ظل السباق المحموم الذي يقوم به الرجل في مضمار التنافس من أجل الفوز بولاية رئاسية جديدة، في محاولة لترميم شعبيته التي تعرضت لشروخات عدة الفترة الماضية بسبب الاتهامات التي تعرض لها بشأن سوء استغلال منصبه، وإن تم تبرئته مؤخرًا بفضل الأغلبية الجمهورية في الكونغرس بعدما كان على مشارف العزل.
كشمير وطالبان
من الملفات التي من المحتمل أن تكون حاضرة على طاولة اجتماعات ترامب – مودي ملف كشمير، حيث صرح الرئيس الأمريكي في وقت سابق بأنه جاهز للتدخل بين الهند وباكستان لحل تلك الأزمة، فيما رحب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بتلك الوساطة ، وذلك بعدما شهدت المنطقة تصاعداً في الوضع نتيجة إدخال التعديلات الدستورية الجديدة من قبل السلطات الهندية في العام الماضي.
البعض يرى أن ترامب سيكون قادرًا بشكل كبير على القيام بهذا الدور خاصة وأنه يسعى لاحتواء الصين التي تتعاون مع باكستان لضمان الممر الاقتصادي الخاص بها في إطار مشروع «حزام واحد، طريق واحد»، والذي من المفترض أن يربط البلدين عبر منفذ ميناء جوادار.
غير أن البنية التحتية للنقل يجب أن تمر من شينجيانغ إلى باكستان عبر الجزء الشمالي من كشمير الذي تسيطر عليه باكستان بينما تعتبره الهند جزءاً من أراضيها، وتستغل واشنطن أزمة العداء بين الدولتين لوقف المشروع الصيني، ومن ثم قد يكون هذا مبررًا كافيًا لإنجاح ترامب في دور الوساطة بشأن هذا الملف.
وفي سياق أخر، ربما تكون اتفاقية طالبان التي تتم مناقشتها مع ممثلي الحركة والولايات المتحدة في الدوحة هذه الأيام، حاضرة وبقوة على جدول الأعمال، فإذ لم تنسحب القوات الأمريكية بالكامل من أفغانستان سيتم خفضها بنسبة كبيرة، لذا يتوقع البعض أن تعهد واشنطن للهند مسئولية حفظ السلام هناك عبر نشر المزيد من قواتها في أفغانستان.