في تسعينيات القرن الماضي كان الحوثيون يقطنون بلدة صغيرة في محافظة صعدة (ِشمالي اليمن) تدعى “مران”، لكن الجماعة التي ظلت “مُجرّمة وغير شرعية” طيلة عقدين انخرطت في الثورة التي أطاحت بالنظام السابق في العام 2011 لتحصد ثمارًا سياسية كبيرة.
تلك الثمار مكنتها من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني (مارس/ آذار 2013 – يناير/ كانون الثاني 2014)، وانتزاع مكاسب عديدة، وتمدد غير مسبوق، انتهى بعد اجتياحهم لبلدات الشمال اليمني بتطويق مسلح للعاصمة صنعاء مؤخرًا، تحت مبرر “إسقاط الحكومة”.
وتشكلت النواة الأولى للحوثيين، أو ما عُرف مؤخرًا بـ”أنصار الله” بمجموعة شبابية أُطلق عليها “منتدى الشباب المؤمن” في العام 1992على يد “محمد عزان” و”محمد بدر الدين الحوثي” لكنهما لم يستمرا طويلاً، فحدثت انشقاقات في صفوفهم، تحول على إثرها اسم المنتدى كمدلول ثقافي فكري، إلى مدلوله السياسي فأصبح “تنظيم الشباب المؤمن” وتفرّغ “حسين بدر الدين الحوثي” (قتلته القوات الحكومية منتصف عام 2004) لقيادة التنظيم الجديد، تاركًا مقعده في البرلمان اليمني كنائب عن محافظة صعدة، وبرز والده “بدر الدين الحوثي” كمرجعية عليا للتنظيم، وتم إقصاء الآخرين بعد خصومات بين الطرفين، اتُهم فيها “تنظيم الشباب المؤمن” بالانقلاب على مبادئ الزيدية (فرقة شيعية معتدلة).
ووضع التنظيم لنفسه ابتداءً أهدافًا لا علاقة لها بالسياسة، من قبيل تعليم الشباب “العلم الشريف” (ديني) بمختلف أنواعه، وإعداد الداعية إلى الله ثقافيًا وأخلاقيًا وروحيًا وسلوكيًا، لكنّ هذه الأنشطة الدينية تحولت إلى مشروع سياسي مع قيام الوحدة اليمنية في مايو/ أيار 1990، تمثلت في ظهور عدة أحزاب شيعية في البلاد، لم يصمد منها سوى حزبان هما “الحق”، و”اتحاد القوى الشعبية”.
وفي نهاية العام 2001 انقلب حسين الحوثي على “تنظيم الشباب المؤمن” وأعلن رفض منهجه وأهدافه، وجعل من محاضراته بديلاً للمنهج السابق، وذهب في اتجاه آخر، انتهى به إلى مواجهة الدولة عسكريًا عام 2004.
العقيدة الدينية
كان الحوثيون في الأصل زيديون على المذهب “الهادوي”، لكن زعيمهم حسين الحوثي اعتنق المذهب الإثنا عشري “الجعفري”، رغم أنه كان أحد كبار علماء الزيدية الشيعية.
ومن الناحية العقائدية لا يؤمن الحوثيون بالنظام الجمهوري، ولا بالدستور والقانون اليمني، ويعتبرون الثورة اليمنية انقلابًا على نظام الإمام وعلى الحكم الشرعي، رغم قيامهم في المظاهرات التي يقودونها في العاصمة صنعاء الأيام الماضية برفع العلم اليمني.
أبرز مراحل التطور
ارتبطت نشأة المذهب الزيدي في اليمن بالأئمة الذين حكموا البلاد لعقود من الزمن؛ لذا لا يمكن فصل نشر المذهب الزيدي عن سيطرة الأئمة على مناطق اليمن، وتوسعهم فيها، قبل أن تطوي صفحتهم ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962.
وتؤكد الشواهد التاريخية الدور البارز لثورة الخميني في إيران عام 1979، في زيادة نشاط المشروع الشيعي في اليمن، فبدأ أول تحرك مدروس لهم في العام 1982 على يد العلامة “صلاح أحمد فليتة” في محافظة صعدة والذي أنشأ في العام 1986 اتحاد الشباب، وكان من ضمن ما يتم تدريسه مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها، وفي العام 1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت إلى المملكة العربية السعودية عقب ثورة 1962 أي بعد سقوط دولة الإئمة وقيام الجمهورية، وعادوا بعد ذلك، وكان من أبرزهم العلامة مجد الدين المؤيدي، والعلامة بدر الدين الحوثي، ويُعد الأخير الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها.
وبإعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار عام 1990 أتاح الدستور الجديد لدولة الوحدة، التعددية السياسية وكفل حق الأحزاب والجماعات السياسية في الإعلان عن نفسها، فظهرت الأحزاب والتنظيمات السياسية، خصوصًا السرية منها إلى العلن، ومن بينها تنظيم الشباب المؤمن، أو ما سُمّيَ بعد ذلك بـ”حركة الحوثيين” وبدأ التنظيم بإنشاء مراكز تعليمية لتدريس المذهب الشيعي ضمن منهج دراسي خاص به.
وبدأت الحركة الحوثية “أنصار الله” أولى خطواتها كتجمع ثقافي دعوي يعتنق فكر الفرقة الزيدية، ويمثل أقرب الفرق الزيدية إلى السنة، “بدون تصريح من الجهات المعنية”، لكن مع ظهور نجم “حسين الحوثي” تحولت إلى حركة سياسية تحت عدة لافتات مثل حزب الثورة الإسلامية، وحزب الله، وحزب الحق، واتحاد القوى الشعبية اليمنية، وجميعها أحزاب ذات خلفيات شيعية.
وشاركت جماعة الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلق في 18 مارس/ آذار 2013، تحت مسمى “أنصار الله” كمحاولة منها لتغيير الصورة النمطية للجماعة لدى الرأي العام، والتي رسمتها الحرب عنهم، وحققت من وراء تلك المشاركة مكاسب سياسية كبيرة وفقًا لمراقبين.
مناطق الانتشار
ينتشر الحوثيون في مناطق التواجد الزيدي، أي محافظات الشمال اليمني، وتنشط أفكارهم حيث الجيوب الشيعية في البلاد.
وتعتبر محافظة صعدة، شمالي اليمن، المعقل الرئيس لحركة الحوثيين، ومنها انطلقت الجماعة نحو توسيع رقعة البلدات التي تسيطر عليها.
وصعدة محافظة ذات تواجد زيدي كثيف، استطاع الحوثي أن ينشئ ما يشبه المعسكرات يدرب فيها الشباب اليمني ممن يعتنقون الفكر الشيعي لوجود مراكز تعليميه للجماعة هناك.
وخاض الحوثي معارك شرسة على تخوم محافظة عمران الشمالية والقريبة من صعدة، واستطاع في الثامن من يوليو/تموز الماضي، إحكام سيطرته على عمران، وبدأ منذ ذلك الحين يزحف باتجاه صنعاء، وها هو اليوم يحاصر صنعاء ويُسيّر مظاهرات حاشدة في قلب العاصمة.
الدعم ومصادر التمويل
اتهمت الحكومة اليمنية، أكثر من مرة، الحوثيين بتلقي الأموال من إيران، وتحدث الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” صراحة عن تدخل إيراني في اليمن والقبض على خلايا تابعة لها في صنعاء أثناء زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2012، كما أن وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي دعا في 13 ديسمبر/ كانون الأول) 2009، إيران إلى التوقف عن دعم الحوثيين، لكن الحوثيين ينفون اتهامات الحكومة اليمنية لهم بتلقي الدعم من إيران، متهمين النظام اليمني بأنه يسعى من خلال ذلك، إلى صرف الانتباه عن الدور السعودي في اليمن.
الرايات والشعارات
اتخذ شباب المنتدى منذ العام 2002 شعار (الله أكبر .. الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل .. اللعنة على اليهود .. النصر للإسلام) الذي يرددونه عقب كل صلاة، ولم يطرأ أي جديد على الشعار رغم التطور الذي شهدته الجماعة منذ تأسيسها.
وتشير بعض المصادر إلى أن “منع السلطات أتباع الحركة من ترديد شعارهم بالمساجد” كان أحد أهم أسباب اندلاع المواجهات بين الجماعة والحكومة اليمنية في 18يونيو/ حزيران من العام 2004.
أبرز القيادات
يُعد “حسين بدر الدين الحوثي” الأب الروحي لجماعة الشباب المؤمن قبل أن تتطور فيصبح اسمها جماعة الحوثي، أو “أنصار الله” حاليًا.
و”صلاح أحمد فليتة” هو مؤسس اتحاد الشباب في العام 1986 في محافظة صعدة، كما أن “محمد عزان و “محمد بدر الدين الحوثي” هما من أسس “منتدى الشباب المؤمن” في عام 1992، لكن الخلافات التي نشبت بينهم وبين حسين الحوثي جعلتهما يغادران الجماعة، فيما استولت عائلة بدر الدين الحوثي، ابتداءً بـ”حسين ويحيى” وانتهاءً بـ”عبدالملك” زعيم الجماعة حاليًا.
العقيدة القتالية
تركز معظم الشعارات الحوثية على إظهار المسلحين التابعين للجماعة ضد ما يسمونها قوى الاستكبار في العالم وعملائها، ويعتمدون وضع شعارهم على المركبات والآليات العسكرية التي يستولون عليها وطالما تحدثوا عن “بشائر النصر” و”بركات السيّد”، وهذا النوع – وفقًا لمراقبين – فيه محاكاة واضحة لأسلوب حزب الله اللبناني في الأناشيد الدينية، ولدى الحوثيين أناشيد جهادية تمنح مقاتليهم شرعية روحية ودينية بإطار جهادي.
ويعتبر “حسين بدر الدين الحوثي” مؤسس الحركة الذي قتلته القوات الحكومية في العام 2004، أكثر قتلى الجماعة “تقديسًا”، حيث تم بناء ضريح له في “جبال مران” شمالي البلاد، بعد تسليم السلطات اليمنية رفاته للجماعة في العام 2012.
وشُيّد الضريح على الطريقة الإيرانية، ويقول سكان محليون، إنه تحوّل إلى ما يشبه المزار من قبل أنصار الجماعة،ومؤخرًا نشرت وسائل إعلام تابعة للجماعة صورًا لأطفال يزورون الضريح في زي موحد، وذلك بمناسبة ما يطلقون عليه “يوم الصرخة”.
ويحرص الحوثيون على نشر أسماء وصور بعض قتلاهم في الحروب السابقة ويعرضونها بشكل شبه مستمر في قناتهم الخاصة “المسيرة “، إضافة لإحيائهم فعالية “أسبوع الشهيد” في شهر جمادي الأول من كل سنة لتذكر مآثر القتلى وتخليد ذكراهم، كما يقولون.
السلاح والتسلّح
تشير تقارير عسكرية رسمية إلى أن هناك دعمًا لوجستيًا إيرانيًا لجماعة “أنصار الله”، وخصوصًا في مسألة تدفق الأسلحة إليهم.
وأكد خبراء عسكريون أن صواريخ الكاتيوشا التي استخدمها الحوثيون في الحرب السادسة في العام 2010، من ذات النوعية التي سبق لحزب الله اللبناني استخدامها، معتبرين أن ظهور مثل تلك الصواريخ لدى الحوثيين دليل قاطع على التمويل الكبير الذي تتلقاه الجماعة من إيران وحزب الله والبؤر الشيعية في المنطقة.
وكانت تقارير دولية قد أشارت، في وقت سابق، إلى قيام إيران بإنشاء قاعدة لها في إريتريا لمدّ الحوثيين بالسلاح عبر رحلات بحرية إلى المناطق القريبة من سواحل مينائي “ميدي” و”اللحية” القريبين من صعدة (معقل الحوثيين)، كما أن هناك أنباء تشير إلى قيام السفن الإيرانية في منطقة خليج عدن بحجة المساهمة في مكافحة القرصنة، إضافة إلى سفن تجارية إيرانية، بتهريب كميات من الأسلحة عبر قوارب صيد يمنية لتهريبها إلى داخل اليمن.
والعام الماضي احتجزت قوات خفر السواحل اليمنية سفينة تُدعى “جيهان 1” وعلى متنها أسلحة إيرانية، قيل إنها كانت في طريقها إلى الحوثيين، وكشفت تقارير رسمية أن جماعة الحوثي قايضت بتسليم جثه القائد العسكري “حميد القشيبي” الذي قتل في محافظة عمران على أيدي الحوثيين، بالإفراج عن بحارة السفينة الإيرانيين.
وإضافة إلى الدعم التسليحي الخارجي يتواجد في محافظة صعدة واحدًا من أكبر مصانع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في اليمن هو سوق “الطلح” وغالبية التجار هناك يدينون بالولاء لجماعة “الحوثي”.
وتستفيد الجماعة من هذه الإمكانيات، بالإضافة إلى الأسلحة المنهوبة من معسكرات الجيش، في تحسين قدراتها القتالية وترسانتها العسكرية، التي يقول خبراء إنه بات باستطاعتها إسقاط محافظات وألوية عسكرية نظامية كبرى.
الجناح السياسي
شارك الحوثيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انعقد لمدة عام تحت مسمى “أنصار الله” مع أحزاب ومكونات يمنية مختلفة، وفي لجنة صياغة الدستور، لكن الجماعة التي ما زالت ترفض تكوين حزب سياسي، وتقول إنها ستظل “حركة ثقافية”، تطمح إلى لعب دور سياسي قادم من خلال الحصول على حصة كبيرة في التشكيل الحكومي القادم، والمشاركة في صنع القرار السيادي للدولة، وتبرر ذلك بأن مؤتمر الحوار الوطني طالب في مخرجاته بفكرة “الشراكة الوطنية” بين مختلف الأحزاب والمكونات اليمنية.
ويمتلك الحوثيون “مجلسًا سياسيًا” ينخرط ضمنه عدد من الأعضاء الذين مثلوهم في مؤتمر الحوار، وله مقر في شمال العاصمة صنعاء، يلتقون فيه قيادات حزبية وسياسية منهم المبعوث الأممي إلى اليمن “جمال بنعمر”.
الأعداء والحلفاء في الداخل
خاض الحوثيون ستة حروب ما بين 2004-2010 ضد القوات النظامية اليمنية فقط وقوات سعودية ساندتها، لكن حروبهم الجديدة، التي أعقبت الثورة التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح في العام 2011، كانت مع خصوم جدد سواءً أحزاب، كالتجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن) أو أعداء قبليين كـ”آل الأحمر”، كبرى العائلات في قبائل حاشد شمالي اليمن، والجماعات السلفية في بلدة دماج بصعدة، والذين انتهى بهم المطاف مهجرين من المحافظة ليتركوها تحت سيطرة الحوثيين كليًا.
ومنذ العام 2012 بدأ الحوثيون بصناعة أعداء مفترضين وذلك بإطلاق مصطلحي “التكفيريين” و”الدواعش” على كل من يخالفهم المذهب والطريقة مثل قبائل الجوف المساندة للجيش في حربه ضد الحوثيين، شمالي البلاد، كما يحرص زعيم الجماعة في خطاباته المتلفزة على تكرار الوصف ضد خصومه الجدد.
ويتداول اليمنيون أن هناك تحالفًا خفيًا بين الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” وبين جماعة الحوثي، ويستدلون على هذا بوجود شخصيات كبيرة في حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح) كانت وقفت إلى جانب أنصار الله خلال عمليات الاقتحام لمدينة عمران.
وتؤكد الشواهد أن كل الشخصيات التي كانت ضمن نظام صالح، وتنتمي إلى مناطق شيعية، باتت اليوم أقرب إلى الحوثيين منها إلى صالح، لشعورها بأن نفوذ صالح بدأ يتداعى بينما ترى، وفقًا لمراقبين، أن “أنصار الله” قوة فتيّة لها مستقبل سياسي واعد.
المصدر: الأناضول