الانتخابات المغربية القادمة: من سيقود المشهد السياسي؟

الانتخابات-المغربية

دنو آجال الاستحقاقات الانتخابية يدفع الأحزاب المغربية إلى فتح مشوار التنسيق ورفع إيقاع التواصل مع المواطنين في جميع ربوع المملكة، إذ لم يعد مغربيًا الوجود في المعارضة أو المشاركة في الحكومة، بقدر ما تطمح الأحزاب التاريخية إلى إحياء تحالف “الكتلة الديمقراطية” لاستعادة أدوارها الريادية، بينما أدى رفع وتيرة التنافس بين حزبين مشاركين في الحكومة إلى بروز قطبية ثنائية جديدة. 

تحالف في خبر كان 

جرى تنسيق بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، من أجل التحضير للانتخابات البرلمانية 2021، والضغط لإقرار قوانين انتخابية جديدة، لكسب رهان استعادة الأدوار الريادية، ولو أن اللقاءات لم تكتس بعد طابعًا رسميًا، إلا أنها جرت تحت مباركة القيادات، على مستويات الشبيبة والقطاع النسائي، أفضت إلى طرح برنامج سياسي مشترك وفتح نقاش بشأن إمكانية إحياء “الكتلة الديمقراطية”، خاصة أن حزب الاستقلال بادر إلى الجلوس، في وقت سابق، مع حزب التقدم والاشتراكية. 

الكتلة الديمقراطية هو تحالف تاريخي تقوده أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وتنضم إليه أحزاب أخرى صغيرة. رأى النور عام 1992، سعيًا منه للقيام بإصلاحات سياسية وبناء دولة مؤسسات وإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي في المغرب. 

صورة

زعماء أحزاب الكتلة سابقًا، من اليمين، إسماعيل العلوي ومحمد اليازغي وعباس الفاسي 

انتقال أحزاب الكتلة من موقع المعارضة إلى موقع الحكومة، كان من بين الأسباب الأساسية التي أدت لموتها سريريًا، كما يرى محللون أن الامتيازات والكراسي المريحة والرواتب العالية كلفتها خسائر سياسية كبيرة، لأنها عجزت عن التوفيق بين خطابها التاريخي كقوة معارضة تدعو للتغيير، وموقعها في السلطة ودورها في نقل خطابها إلى حيز التنفيذ. 

لاعبون جدد 

لم تعد الكتلة الديمقراطية اللاعب الأساسي في المشهد الحزبي بعد خمس سنوات على تأسيسها، فدخل اللاعب الإسلامي إلى لعبة السياسية متمثلًا في حزب العدالة والتنمية، إذ شارك لأول مرة في الانتخابات التشريعية في نوفمبر/تشرين الثاني1997 وحصل على تسعة مقاعد وثلاثة مقاعد إضافية بعد إعادة الاقتراع في بعض الدوائر، ثم رفع أعضاء فريقه البرلماني إلى 14 إثر التحاق برلمانيين اثنين بصفوفه. 

صورة

 من اليسار، عبد الإله بنكيران وعبدالكريم الخطيب (1921-2008) مؤسس “العدالة والتنمية”  وسعد الدين العثماني 

بعد عشر سنوات تقدم الحزب الإسلامي نحو المركز الثاني في الانتخابات التشريعية التي نظمت يوم 7 من سبتمبر/أيلول 2007 بحصوله على 46 مقعدًا في مجلس النواب بعد حزب الاستقلال بـ52 مقعدًا، إلا أنه بدل المشاركة في الحكومة اختار الاصطفاف في موقع المعارضة. 

الانتخابات ذاتها شهدت ظهور لاعب جديد وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي أسسه شخص مقرب من العاهل المغربي، فؤاد عالي الهمة، بعد أن استقال من منصب كاتب الدولة لدى وزارة الداخلية وترشح في منطقة الرحامنة شمال مراكش (وسط)، هذه الخطوة طالتها عدة انتقادات إلى درجة اعتبارها خطرًا على الديمقراطية وأن أي حزب يستند إلى قاعدة ملكية سيميت الحياة الديمقراطية، لكن في 2011 استقال الهمة من مهامه الحزبية بعد أن عينه الملك محمد السادس مستشارًا له بالديوان الملكي.  

صورة

فوضى وعراك في مؤتمر الأصالة والمعاصرة فبراير 2020 

واصل الأصالة والمعاصرة زحفه معتمدًا على الترحال السياسي، ليحصل على 48 مقعدًا في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها يوم 25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، فيما حل العدالة والتنمية أول بـ107 مقاعد من أصل من أصل 395 مقعدًا هي إجمالي مقاعد البرلمان.

بعد خمس سنوات، حافظ الحزب الإسلامي على صدارته بحصوله على 125 مقعدًا في الانتخابات التي أجريت يوم 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2016، فيما حل الأصالة والمعاصرة ثانيًا بحصوله على 102 مقاعد، محققًا نتائج أكثر من الضعف مقارنة بانتخابات 2011، وأدى ارتفاع وتيرة التنافس بين الحزبين إلى بروز قطبية ثنائية وتراجع أحزاب تاريخية. 

شَق الإسلاميين 

تراجع أداء حزب الأصالة والمعاصرة منشغلًا بمشاكله الداخلية، فما كادت تتلاشى القطبية الثنائية بين هذا الحزب المعارض وحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، حتى برزت قطبية جديدة بين الحزب الإسلامي وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتزعمه رجل الأعمال ووزير الفلاحة عزيز أخنوش، حيث قاد هذا الأخير جولات مكوكية بمختلف ربوع المملكة، بتنظيم “قافلة 100 يوم 100 مدينة” تصغي إلى مشاكل وتطلعات السكان. 

بعد أن نزع بذلة التكنوقراطي وأصبح رئيسًا للأحرار، يسعى أخنوش إلى مجابهة الإسلاميين وإزاحتهم عن مركز الصدارة، خلال الانتخابات البرلمانية القادمة 2021، وسيتيح له ذلك تولي منصب رئاسة الحكومة، خاصة أنه استطاع تلجيم طموحات العدالة والتنمية، حيث قاد عرقلة تشكيل الحكومة التي انتهت بإعفاء رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران وتعيين سعد الدين العثماني، ما أدى إلى انشقاق العدالة والتنمية إلى تيار بنكيران وتيار الوزراء بزعامة العثماني.  

صورة

استطاع أخنوش شق العدالة والتنمية ودعم تيار العثماني 

يلعب زعيم الأحرار بأوراق سياسية غير تلك التي لعب بها حزب الأصالة والمعاصرة، فهذا الأخير أعلن عن مواجهة شاملة للإسلاميين، بينما عمل أخنوش على دعم وتقوية تيار العثماني وإضعاف التيار الآخر، وعلى مستوى التجمع الوطني للأحرار يبدي زعيمه اهتمامًا كبيرًا ببناء الآلة الحزبية والتنظيم الداخلي، إذ أعاد خلال أشهر هيكلة واسعة لمكاتبه الجهوية وأنشأ هيئات موازية.

انحدار الثقة 

رجل يفتقد للحنكة السياسية، كما يراه الزعيم السابق للعدالة والتنمية عبد الإله بنكيران إذ قال: “نصحت أخنوش بالتراجع لكنه أبى ذلك.. هو رجل مال وأعمال وليس رجل سياسية، يقوم بتسيير الحزب مثل الشركة”، وأضاف أن تصريحات أخنوش، تنذر من الآن أنه إذا أصبح رئيس حكومة لن يقوم بشيء. 

صورة

ينتظر أن تكون 2020 سنة الإعداد للانتخابات عبر رسم تحالفات تحدد ملامح الحكومة المقبلة، فيما تشير تقارير إعلامية إلى صعوبة حصول العدالة والتنمية على المركز الأول، بينما يرى مراقبون أن الإسلاميين سيتصدرون الانتخابات وسيستمرون في قيادة المشهد السياسي في ظل عدم وجود أحزاب سياسية بديلة قوية. 

صورة

عموم المغاربة ينظرون إلى الأحزاب السياسية بثقة منحدرة، ما يفسر عزوف الناخبين عن المشاركة في الاقتراع، ويصعب اختيار حزب من أحزاب تسطر نفس الخطابات وتمارس نفس السياسات، لكن بأدوار وفي مواقع مختلفة، إذ لا يمكن التفريق بين أحزاب المعارضة وأحزاب الحكومة، ما دامت تروج لبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية متشابهة في أثناء حملاتها الانتخابية، وسواء شاركت هذه الأحزاب في الحكومة أم لم تشارك، لن تجد لبرامجها طريقًا للتطبيق على أرض الواقع.