شكل إعلان التيار المحافظ فوزه في الانتخابات العامة التي أجرتها إيران يوم 21 من فبراير/شباط الحاليّ، حالة متوقعة، إذ شهدت أدنى مستوى من المشاركة الشعبية منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، وقد جاءت وسط غضب شعبي ضد الحكومة الإيرانية بسبب التراجع الاقتصادي، فضلًا عن الإجراءات السياسية التي اعتمدها مجلس صيانة الدستور من خلال استبعاد المئات من مرشحي التيار الإصلاحي والمعتدل من المشاركة في هذه الانتخابات.
ومن المرجح أن تؤدي هيمنة التيار المحافظ على مجلس الشورى الإسلامي إلى فرض المزيد من الضغوط على الرئيس حسن روحاني، كما أنه سيؤشر إلى تحول كبير في السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية خلال الأربع سنوات القادمة.
أضعف نسبة مشاركة منذ أربعة عقود
أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية نتائج 95% من الدوائر الانتخابية البالغ عددها 208 دوائر انتخابية، معلنةً أسماء الفائزين، ولكن دون تحديد انتمائهم السياسي، وعلى إثر ذلك احتفت صحيفة كيهان الناطقة باسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بفوز المرشحين المناهضين للولايات المتحدة، وأن هذه الانتخابات مثلت صفعة جديدة لترامب، وأضافت “الناس استبعدوا الإصلاحيين”، في إشارة إلى مؤيدي روحاني الذين أضعفهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي التاريخي وإدخالهم إيران في عدد كبير من الأزمات الاقتصادية والسياسية.
كما أشار الموقع الإلكتروني لصحيفة إيران الحكومية، إلى أن 17 امرأةّ انتُخبن – وهو نفس الرقم الذي كانت تشغله المرأة في المجلس السابق البالغ عدد مقاعده 290 مقعدًا -، وفي هذا الإطار أعلن وزير الداخلية الإيراني عبد الرحمن رحماني فضلي أن نسبة المشاركة بلغت 42.6%، وهي أدنى نسبة مشاركة منذ أربعة عقود، إذ جاءت هذه الانتخابات بعد يومين من إعلان إيران عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا الذي ظهر في الصين، وقال رحماني:
“لقد أجرينا هذه الانتخابات عندما وقعت حوادث مختلفة في البلاد: كان لدينا طقس سيئ، وكان هناك فيروس كورونا، وكان هناك حادث تحطم لطائرة” في إشارة إلى إسقاط طائرة أوكرانية في 3 من يناير/كانون الثاني الماضي، الذي أودى بحياة 176 شخصًا، وقال: “في مثل هكذا السيناريو يبدو معدل المشاركة مقبولًا تمامًا بالنسبة لنا”.
كان من المتوقع وعلى نطاق واسع أن نكون أمام هذه المشاركة المتدنية، إذ إن هيئة مراقبة الانتخابات “هيئة تابعة لمجلس صيانة الدستور” التي يسيطر عليها المحافظون، استبعدت نحو نصف المرشحين البالغ عددهم 16000 شخص، معظمهم من المعتدلين والإصلاحيين، كما أشارت وكالة فارس الإيرانية للأنباء أن جولة ثانية ستعقد في 11 دائرة على الأقل، وأضافت وسائل إعلام إيرانية أن إحدى المرشحات تأهلت للدور الثاني.
أجواء الانتخابات
تميزت هذه الانتخابات بحالة اللامبالاة السياسية، على الرغم من إشادة خامنئي بـ”المشاركة الضخمة” للشعب، رغم ما وصفه بالدعاية السلبية من وسائل الإعلام الأجنبية، وقال: “لقد بدأت منذ بضعة أشهر، ونمت بدرجة أكبر مع اقتراب موعد الانتخابات، وفي اليومين الماضيين بذريعة هذا الفيروس”، وأضاف “أعداؤنا يعارضون أي انتخابات يقوم بها الشعب الإيراني”.
الملاحظ من خلال نظرة عامة على الظروف الموضوعية والسياسية التي أحاطت بالانتخابات، أن هناك خمسة مقتربات سياسية وهي:
-
ينظر إلى هذه الانتخابات على أنها بمثابة استفتاء على شرعية النظام السياسي.
-
القوى السياسية المشاركة في هذه الانتخابات تسعى إلى تحقيق الأغلبية السياسية في المجلس الجديد استعدادًا لتطورات المرحلة المقبلة داخليًا وخارجيًا.
-
الشعب الإيراني ينظر إليها على أنها يمكن أن تشكل مدخلًا للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها إيران اليوم.
-
أما المرشد الأعلى فإنه يسعى إلى ضخ دماء جديدة في عصب الجمهورية الإسلامية بعدما بدأ الجيل الأول والثاني للثورة بالتآكل، إذ أشار صراحةً إلى ضرورة دعم الوجوه الشابة والثورية والمتدينة.
-
اختبار تأثير العقوبات الأمريكية على الرأي العام الإيراني وإعطاء إشارة إلى استقرار النظام وتقليص فرصة استبداله.
ومنذ بدأت هذه الانتخابات كان من المتوقع أن يحصل التيار المحافظ على الأغلبية المطلقة في المجلس الجديد، التي قد تتراوح بحدود 200 مقعدًا، فيما تنافس المعتدلون والإصلاحيون على 100 مقعد فقط، وقد لا تتعدى حصيلة المقاعد التي من الممكن أن يحصلوا عليها 30 مقعدًا، وذلك بحكم استبعاد عدد كبير من المرشحين التابعين لهم من جهة.
ومن جهة أخرى أدت هذه الاستبعادات إلى تعذر دخول المعتدلين والإصلاحيين ضمن تحالفات كبيرة، كما حصل مع التيار المحافظ الذي دخل ضمن تحالف كبير قاده محمد باقر قاليباف عمدة طهران باسم “تحالف قوى الثورة الإسلامية”، الذي حصل على مجمل المقاعد البرلمانية المخصصة للعاصمة طهران والبالغ عددها 30 مقعدًا، وهو ما قد يؤشر بدوره إلى تحول كبير قد تشهده الساحة السياسية الإيرانية في الأيام القادمة.
اتهام أمريكا باستخدام “كورونا” بهدف الانتقام
بالتوافق مع الإعلان التدريجي لنتائج الانتخابات، أمرت السلطات الإيرانية بإغلاق المدارس والجامعات والمراكز التعليمية الأخرى في 14 مقاطعة إيرانية، وقالت إن طهران يمكن أن تخضع للحجر الصحي إذا لزم الأمر، كما تم حظر الأحداث الفنية والحفلات الموسيقية والعروض السينمائية لمدة أسبوع في جميع أنحاء البلاد.
نقلًا عن إمام صلاة الجمعة في مدينة قم قوله: “يريد العدو غرس الخوف في قلوب الناس، وجعل مدينة قم تبدو وكأنها مدينة غير آمنة، وللانتقام من كل هزائمها”
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة كيانوش جهانبور إنه خلال الـ24 ساعة الماضية، ظهرت أربع إصابات جديدة في طهران، 2 في مدينة قم – حيث ظهرت أول حالات العدوى في البلاد – و2 في جيلستان شمال إيران.
وكالعادة، هناك من ألقى باللوم على الرئيس ترامب في تفشي فيروس كورونا في إيران، إذ ونقلًا عن إمام صلاة الجمعة في مدينة قم قوله: “يريد العدو غرس الخوف في قلوب الناس، وجعل مدينة قم تبدو وكأنها مدينة غير آمنة، وللانتقام من كل هزائمها”، وعلى الجانب الآخر كان هناك ما يبرر قلق النظام السياسي في إيران من قلة عدد الناخبين، إذ إنه وفقًا لمصادر غير رسمية لم تتعد 40%، وفي بعض المدن لم تتجاوز 20%.
تساؤلات حول المرحلة القادمة
يمكن القول إن هذا المجلس سيجعل من الصعب للغاية على الرئيس روحاني العمل حتى الانتخابات الرئاسية في يونيو 2021، التي لا يستطيع فيها الترشح بسبب القيود الدستورية، وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية ليست في يد مجلس الشورى، فقد أثبتت تجربة الماضي، حتى عندما كان المحافظون يمثلون الأقلية، أنه يمكن أن يقوض وضع الرئيس ويقيل الوزراء ويصدر قوانين اقتصادية من شأنها أن تؤخر أو تعطل أي محاولة حكومية لتنفيذ أي جزء من الإصلاحات المطلوبة من الرئيس روحاني.
والسؤال الدستوري الآخر هو ما إذا كان يمكن لمجلس الشورى إجبار الحكومة الإيرانية على الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي لا تزال ملتزمة به رسميًا، وبالتالي وضع إيران في مسار تصادمي ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن مع تلك الدول الأوروبية التي ما زالت ملتزمة بالاتفاق، القرار النهائي في هذا الصدد في يدي خامنئي الذي وافق على توقيع الاتفاقية، لكنه قد يتغاضى عن الضغوط التي قد يمارسها المجلس على الحكومة.
كما سيضم البرلمان الجديد 15 وزيرًا سابقًا من حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي يعتبر نفسه مرشحًا في السباق الرئاسي المقبل، علاوة على ذلك، غياب علي لاريجاني أهم حليف محافظ لروحاني في المجلس من السباق البرلماني، لأنه يعتزم أيضًا الترشح للرئاسة، وفي انتظار المجلس المقبل الأزمة الاقتصادية العميقة في البلاد التي جاءت نتيجة إضافة “فرقة العمل المالي” إيران إلى قائمتها السوداء، لفشلها في الامتثال لمعايير تمويل مكافحة الإرهاب، التي تشمل إصدار قوانين لمنع غسل الأموال، بعد ذلك انخفضت العملة الإيرانية “الريال” إلى 154.000 ألف ريال للدولار الأمريكي، بعد أن كانت 130.000 ألف ريال قبل شهرين و40.000 ألف ريال قبل عامين.
إن الاقتصاد المقاوم الذي صاغه خامنئي، ويتضمن إجراءات مشددة لتشديد الحزام وخفض حاد في الإنفاق الحكومي، سوف يجبر مجلس الشورى الذي يضم العديد من الشباب المحافظين المتحمسين، على إصدار قوانين غير شعبية من شأنها أن تثير غضب الرأي العام وتدفع الناس إلى الشوارع مرة أخرى.
ومن المحتمل أن يمنح الخوف من الاحتجاجات الشعبية الرئيس روحاني قوة دفع لمواصلة مفاوضاته مع الدول الأوروبية، وكذلك في إمكانية جعل موقف إيران من الولايات المتحدة أكثر مرونة، لكن هذه السياسة يمكن أن تمنح الإصلاحيين في نفس الوقت ميزة خلال العام المقبل في حملة الانتخابات الرئاسية.