وفاة مبارك.. المخلوع الذي حكم مصر 30 عامًا

حسني مبارك_0

عن عمر يناهز الـ92 عامًا رحل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك بعد صراع طويل مع المرض، وذلك بحسب ما أعلنه التليفزيون المصري، حيث تعرض خلال الأيام الماضية لوعكة صحية جديدة، نُقل على إثرها إلى مستشفى الجلاء التابعة للقوات المسلحة.

وكان الرئيس الأسبق قد أجرى عملية جراحية منذ نحو شهر، وأعلن نجله علاء حينها أن حالته مستقرة وبخير، فيما قال محاميه الشخصي فريد الديب، إنه كان في العناية المركزة بالمستشفى، منذ أكثر من شهر، بعد أن أُصيب بحالة إعياء في البطن، وبعد إجراء الفحوصات قال الأطباء إنه يحتاج لإجراء جراحة دقيقة في الأمعاء.

بوفاة مبارك يسدل الستار على حياة الرئيس الذي حكم مصر لأطول مدة في التاريخ الجمهوري الحديث، كما كان أكثرهم جدلًا وفق خبراء وسياسيين، إذ مكث في الحكم أكثر من 30 عامًا فيما كانت الأجواء تمهد لتوريثه عرش البلاد لنجله جمال لولا ثورة يناير التي دفعته إلى التخلي عن الحكم في 11 من فبراير/شباط 2011.

يعد الراحل الرئيس الرابع للجمهورية المصرية منذ 14 من أكتوبر/تشرين الأول 1981 خلفًا لمحمد أنور السادات الذي تعرض للاغتيال في نفس العام على أيدي مسلحين، ليبقى في الحكم 4 ولايات كاملة، ثلاث منها بالاستفتاء العام وواحدة وفق انتخابات شكلية في 2005 إثر تعديل دستوري أجراه لتعبيد الطريق أمام الاستمرار في منصبه.

ما قبل الحكم

كان مبارك أحد أبرز الطيارين في سلاح الجو المصري، إذ تدرج في الوظائف العسكرية عقب تخرجه، فعين بالقوات الجوية في العريش في 13 من مارس/آذار 1950، ثم نقل إلى مطار حلوان عام 1951 للتدريب على المقاتلات، واستمر به حتى بداية عام 1953، ثم نقل إلى كلية الطيران ليعمل مدرسًا بها، فمساعدًا لأركان حرب الكلية، ثم أركان حرب الكلية، وقائد سرب في نفس الوقت حتى عام 1959.

h

عقب نكسة 5 يونيو/حزيران 1967 عُين  مديرًا للكلية الجوية في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، حيث شارك في حرب الاستنزاف، ثم رُقي لرتبة عميد في 22 من يونيو/حزيران 1969، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائدًا للقوات الجوية في أبريل/نيسان 1972، وفي العام نفسه عُين نائبًا لوزير الحربية.

بعد حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 رقي مبارك إلى رتبة فريق طيار في فبراير/شباط 1974، وفي 15 من أبريل/نيسان 1975، اختاره السادات نائبًا لرئيس الجمهورية، ليشغل هذا المنصب (1975 ـ 1981)، وبعد تشكيل الحزب الوطني الديمقراطي في 1978 تم اختياره ليكون نائبًا لرئيس الحزب، وفي هذه الفترة تولى العديد من المهام العربية والدولية.

مبارك رئيسًا

في 14 من أكتوبر/تشرين الأول 1981 تولى مبارك رئاسة الجمهورية، بعدما تم الاستفتاء عليه بعد ترشيح مجلس الشعب له في استفتاء شعبي، خلفًا للسادات الذي اغتيل في 6 من أكتوبر/تشرين الأول 1981، خلال العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر، وفي 26 من يناير/كانون الثاني 1982 انتخب رئيسًا للحزب الوطني الديمقراطي.

ي

فاز الرئيس المصري بثلاث ولايات بالاستفتاء: الأولى كانت في 1987 والثانية في 1993 والثالثة في 1999، أما ولايته الرابعة فجاءت وفق انتخابات رئاسية تعددية عقب إجراء تعديل دستوري مثير للجدل، كان له أبلغ الأثر في زيادة معدلات الاحتقان لدى الشارع المصري لا سيما أحزاب المعارضة التي رأت فيما تم طعنًا في الدستور وهدمًا لمرتكزاته الديمقراطية.

دعا مبارك في 2005 إلى تعديل المادة 76 من الدستور المصري التي تنظم كيفية اختيار رئيس الجمهورية وتم التصويت بمجلس الشعب لصالح هذا التعديل الدستوري الذي جعل رئاسة الجمهورية بالانتخاب المباشر لأول مرة في مصر من المواطنين وليس بالاستفتاء كما كان متبعًا سابقًا.

خلال سنوات ولايته الخامسة تعرض لضغوط داخلية متزايدة لإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية، وزادت حدة المعارضة بعد انتخابات مجلس الشعب عام 2010

العديد من الانتقادات وجهتها حينها حركات معارضة سياسية في مصر مثل حركة “كفاية” لتمسكه بالحكم خاصة قبل التجديد الأخير الذي شهد انتخابات شابها التزوير وفق معارضين، رغم مشاركة عدد من المرشحين فيها أبرزهم زعيم حزب الغد أيمن نور الذي حل في المرتبة الثانية، في نتائج الانتخابات النهائية.

الكثير اعتبر أن الإقدام على تعديل الدستور هو المسمار الأكثر حدة في نعش مبارك السياسي، وبالفعل منذ ذلك الوقت بدأت قوى المعارضة تعيد حسابتها مجددًا، لا سيما الحركات والكيانات غير الرسمية، تزامن ذلك مع حملات انتهاكات ضد حقوق الإنسان وتفشي الفساد في أسوأ صوره.

خلال سنوات ولايته الخامسة تعرض لضغوط داخلية متزايدة لإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية، وزادت حدة المعارضة بعد انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010 التي أسفرت عن انتخاب برلمان يسيطر عليه الحزب الوطني الحاكم بأغلبية كاسحة تزيد على 90%.

ثورة يناير والتنحي

منذ 2005 وحتى نهاية 2010 بلغ احتقان الشارع ذروته، حتى تجاوز الصدور التي تئن من الظلم والقهر والافتئات على حقوقها، وما إن تصاعدت دعوات التظاهر في 25 يناير/كانون الثاني حتى وجد الناس فيها متنفسًا لإخراج ما هو محتبس في الأفئدة، وبالفعل خرج المصريون في مسرات مهيبة، شهد بحضارتها وقوتها القاصي والداني من مختلف دول العالم.

وكان نتاجًا لذلك أن اضطر مبارك بعد عدد من الخطابات التي قدمها للمتظاهرين في محاولة لاستمالتهم عاطفيًا أن يتنحى ليلة 11 من فبراير 2011 وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، وهي الخطوة التي قوبلت بفرحة عارمة عمت أرجاء مصر من الإسكندرية شمالًا وحتى أسوان جنوبًا.

بعد دقائق معدودة من التنحي رفع المتظاهرون لافتات تطالب بحل الحزب الوطني الذي كان الظهير الشعبي والمالي والسياسي لمبارك ونظامه

منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة حاول مبارك احتواء غضب الشارع عبر الإطاحة بأبرز رموز النظام في الحكومة والحزب الوطني، وجاء بوجه مقبول نسبيًا كأمين عام للحزب وهو حسام بدراوي، لكن كل المحاولات باءت بالفشل.

وبعد دقائق معدودة من التنحي رفع المتظاهرون لافتات تطالب بحل الحزب الوطني الذي كان الظهير الشعبي والمالي والسياسي لمبارك ونظامه، وبالفعل حكمت المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني يوم 16 من أبريل/نيسان من العام نفسه، ليفقد الرجل ركيزته الأساسية التي ساندته في الحكم طيلة السنوات الطويلة الماضية.

ورغم محاولات أعضاء الحزب إبقائه على قيد الحياة السياسية، عبر تغيير اسمه إلى “الحزب الوطني الجديد” واختيار طلعت السادات رئيسًا له (ابن شقيق الرئيس السادات والمعارض لسياسات مبارك الذي توفي نهاية 2011)، فإنها باءت بالفشل، ليستقر الجميع على اختيار حزب آخر يؤدي نفس الدور لكن مع النظام الحاليّ، وبالفعل كان حزب “مستقبل وطن” الذي يعتبره البعض امتدادًا للحزب المنحل.

محاكمته

كان على قائمة مطالب الثوار تقديم المتورطين في فساد البلاد للمحاكمة العلنية، وتطهير الدولة من كل أذرع الفساد التي عاثت فيها لسنوات طويلة، وبالفعل كان الاتجاه الأبرز نحو تقديم مبارك، بسبب حزمة من التهم كان أبرزها زمنيًا، قتل المتظاهرين في الثورة، وبالفعل تحقق ما كان يحلم به الثوار لكن لم يكن بالشكل المأمول.

في 29 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تمت تبرئة مبارك من جميع التهم المنسوبة إليه أمام محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي

في الـ3 من أغسطس/آب 2011 مثل مبارك كأول رئيس عربي في قفص الاتهام أمام محكمة عادية، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن سرعان ما تبدلت الأحوال، ففي السبت 2 من يونيو/حزيران 2012، أُخلي سبيله من جميع القضايا المنسوبة إليه، حيث حكمت محكمة الجنح بإخلاء سبيله بعد انقضاء فترة الحبس الاحتياطي يوم 21 من أغسطس/آب 2013.

ب

وبعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي الذي كان نصيرًا للمحاكمات الثورية لرموز فساد عهد مبارك، تغيرت المحاكمات شكلًا وتفصيلًا، وفي 29 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تمت تبرئة مبارك من جميع التهم المنسوبة إليه أمام محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، إلا أنه في 9 من مايو/آيار 2015 تمت إدانته هو ونجليه في قضية قصور الرئاسة وأصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات.

“سيحكم التاريخ عليّ وعلى غيري بما لنا أو علينا” كانت هذه العبارة واحدة من الجمل الشهيرة التي قالها مبارك قبل تنحيه عن السلطة في فبراير/شباط 2011، في محاولة لاستعطاف المتظاهرين، ورغم محاولات تشويه التاريخ لحسابات شخصية، فإن الوقائع والأحداث التي وُثقت عبر أكثر من آلية ستكون فعلًا شاهدةً على الجميع، من بذلوا لأجل الوطن ومن أجرموا في حقه.