ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد تجاوزت الساعة الثانية صباحًا في الملهى الليلي “كلوب 38” الواقع في سكة حديدية قديمة في مدينة بيروت. اتخذ منسق الأغاني مقصورة صدئة في القطار مكانًا له ليشغّل الأغاني. سُلّطت الأضواء على حشد كثيف من الأشخاص في الأسفل. كان ضيفي رجل الأعمال الأمريكي من أصول لبنانية، آندي خواجة. جلسنا على طاولة الشخصيات المرموقة في النادي، وهو يتصفح الصور الموجودة في هاتفه. من بين هذه الصور، توجد تلك التي تجمعه بهيلاري كلينتون خلال حملة جمع تبرعات، أما في صور أخرى، فهو يصافح الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي.
كان الرجال الذين يرافقونه في النادي حليقي الرأس، ولحاهم كثيفة، ويحملون وشومًا. كنت أتساءل عما إذا كانوا ينتمون إلى مافيا أو ميليشيا أو مخابرات (الشرطة السرية). عندما أقف للذهاب إلى دورة المياه، يرافقني حارس ضخم الجسم يحمل مسدسًا من طراز جلوك على خصره. كذلك، فهو يفتح الصنبور لي ويناولني منشفة، وعند العودة إلى المائدة، كانت مجموعة من الرجال يرتدون طرابيشًا ويقفون في خط يرقصون رقصة الدبكة الشعبية العربية، تكريمًا لخواجة الذي كان سعيدًا.
كان أحد هؤلاء الراقصين يقرع طبلًا ضخمًا. كانت الموسيقى صاخبة وكان علينا أن نصرخ بصوت عالٍ حتى تُسمع أصواتنا. صرخ خواجة قائلًا: “إنهم يحاولون النيل مني، بول، لقد دمروا مشاريعي التجارية، والآن يسعون خلفي”. يعتقد خواجة أنه يتعرض للاضطهاد بسبب المعلومات التي يحملها في جعبته. لقد أخبرني أن المملكة العربية السعودية وإمارة أبوظبي مولتا الانتخابات الرئاسية لسنة 2016 لصالح دونالد ترامب.
خلال السنة الماضية، التقينا في منزله الفخم الواقع في بيفرلي هيلز في هوليوود، وفندق كمبينسكي في قطر، وفي “حانة سيجار” التابعة لنادي مايفير للفنون في لندن. في إحدى المرات، عرض عليّ صورة تجمعه مع البابا (وهو بصدد منحه مبالغ ضخمة لصالح الجمعيات الخيرية)، ناهيك عن مكالمة فيديو مع شخص يبدو أنه مسؤول في طهران وهو يحاول تحرير رهينة أمريكية. في الواقع، يوجد هناك دائمًا لمسة من الخيال، ومن المستحيل، عن حياة خواجة وقصصه. لقد جئت إلى بيروت لأقنعه بالسماح لي بتسجيل المعلومات التي كان يتحدث عنها بشكل خاص معي لعدة أشهر، والمتعلّقة بما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016.
في حقيقة الأمر، يدّعي خواجة أن السعوديين والإماراتيين دفعوا بشكل غير قانوني عشرات أو حتى مئات الملايين من الدولارات لتمويل الحملة الانتخابية لترامب سنة 2016. وأورد أنه بهدف إبقاء الأمر سرًا، منحوا هذه الأموال في شكل تبرعات صغيرة مقدمة من قبل الأمريكيين، مستخدمين في ذلك بطاقات هوية مسروقة وبطاقات ائتمان افتراضية أو بطاقات الهدايا.
الجدير بالذكر أن التبرعات التي تقل قيمتها عن 200 دولار لا ينبغي إبلاغ لجنة الانتخابات الفيدرالية عنها ونشرها علنًا، وزعم خواجة أن السعوديين والإماراتيين تمكنوا من تقديم الآلاف من هذه التبرعات الصغيرة في وقت واحد باستخدام أحدث تقنيات معالجة الدفع. كان خواجة على دراية بكل هذه المعلومات لأنه باع هذه التقنية إلى وسيطهم، جورج نادر، الشخصية المحورية في هذه القصة.
تجدر الإشارة إلى أن جميع الأطراف المتورطة في هذه المسألة إما سعت إلى نفي هذه المزاعم أو فضلت عدم التعليق، بما في ذلك محامي جورج نادر، وسفارتيْ السعودية والإمارات في العاصمة واشنطن، وفريق حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، إلى جانب شركة “سترايب” التي حصلت على بطاقات الائتمان خلال الانتخابات.
علاوة على ذلك، أوضح خواجة أنه حاول دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي لإجراء تحقيق، ولكنه فشل في ذلك، حيث أن المكتب لم يدرك حقيقة قصته. وأضاف أنه تحدث إلى عضو في مجلس الأمن القومي، وعضو آخر في الكونغرس، وعضو في مجلس الشيوخ وجنرال سابق. لكن جهوده ذهبت هباءً، وفي الوقت ذاته، تحطمت حياته ودُمرت شركته، ولكنه يأمل أن تتم تبرئته في نهاية المطاف.
حان الآن الوقت للذهاب إلى الوجهة الموالية. لم يكن هناك أي مقبض في الباب، وفي هذه اللحظة، قال خواجة: “أنا لا أدفع أبدًا، بول”. كان خواجة يخطو عبر النادي يصافح الأشخاص الذي يعترضون طريقه. خواجة هو رجل قصير القامة وعريض الصدر، يرتدي قميصا أسود اللون وسروال جينز ضيّق. في الخارج، كانت سيارات رياضية متعددة الأغراض مركونة الواحدة وراء الأخرى.
يعتبر خواجة أسطورة نظرا لكونه نشأ فقيرا في لبنان خلال الحرب الأهلية
صعد خواجة في المقعد الأمامي لسيارة رينج روفر سوداء اللون، في حين جلست أنا في المقعد الخلفي. بعد ذلك، أعطاه السائق بندقية هجومية من طراز “إم – 4 أـ 4” كانت موجودة تحت المقعد الأمامي. وجّه خواجة البندقيّة إلى الخلف مازحًا، فتمايلنا داخل السيارة محاولين تفاديها، باستثناء كلوديت، وهي عاهرة لبنانية شعرها طويل وأسود ويبلغ طولها حوالي ستة أقدام. كانت تضحك بصوت عالٍ ويبدو أنها اعتادت على هذا النوع من الأمور.
إثر ذلك، خرج خواجة من سيارته رانج روفر ودخل إلى ناد آخر وتوجه نحو طاولة أخرى خاصة بالشخصيات المرموقة، حيث كان الحراس والحراس الشخصيّون يفسحون له الطريق للمرور، والموظفون يهرعون لإحضار زجاجات من الخمر. كان خواجة يدخن سيجارًا، وعيناه تلمعان، ولا أحد كان يطلب الحصول على المال.
في الواقع، تنتهي سهراته الليلية على الساعة سادسة صباحًا، واتفقنا على الالتقاء على الساعة الثانية بعد الظهر لتناول الغداء سويًا. يقع المطعم بجوار مرسى بيروت، حيث تهتز اليخوت في الخارج. طلب لنا خواجة مجموعة من المأكولات البحرية الطازجة، بما في البوري الأحمر وباس البحر الذي يُؤكل نيئا، إلى جانب القريدس والأخطبوط.
كان أحد أعضاء إحدى الفرق الموسيقية التي عزفت الليلة الماضية جالسًا على الكراسي، ووجهه شاحب وبصره شاخص، إذ قال إن خواجة أيقظ الجميع على الساعة الثامنة للذهاب للصيد. لطالما كان يخبرني خواجة أنه يحتاج إلى النوم لساعتين فحسب في الليلة، لكنني لم أصدق كلامه مطلقًا. إلى الآن لم تظهر عليه علامات التعب. ربما كانت هذه الطريقة التي أنشأ بها شركته التي يقول إن قيمتها كانت تبلغ 18 مليار دولار.
في الواقع، يعتبر خواجة أسطورة نظرا لكونه نشأ فقيرًا في لبنان خلال الحرب الأهلية، حيث كان يلتقط أغلفة الرصاص من الشارع لبيعها للخردة. هرب في سن الرابعة عشرة، وشق طريقه بمفرده إلى الولايات المتحدة وعثر على أول وظيفة له في مطعم وينديز للوجبات السريعة في مدينة نيو جيرسي. على الرغم من أن اسمه الحقيقي أحمد، إلا أنه أصبح يُعرف باسم آندي منذ وصوله للولايات المتحدة.
كان يعمل خواجة كأمين صندوق في متجر وانتقل في النهاية إلى بيع السترات في حي روديو درايف الراقي في لوس أنجلس. أدرك حينها أنه كان من الصعب على المتاجر أن تأخذ مدفوعات من بطاقات الائتمان الأجنبية، مما جعله يفكر في تأسيس شركة أطلق عليها اسم “ألايد ووليت” لتسهيل الأمر. كان اختصاص خواجة هو معالجة الدفع، فهو يعرف بطاقات الائتمان ويعرف كيفية نقل الأموال. بالإضافة إلى ذلك، فهو يعرف كيفية نقل الأموال سرًا.
في مطلع سنة 2016، سعى خواجة إلى إنشاء مركز للتسوق عبر الإنترنت للشرق الأوسط، شبيه بموقع أمازون لكن بحلّة عربية، فكان بحاجة إلى دعم المستثمرين. لذلك، قام بضم جورج نادر، وهو لبناني أمريكي مثل الخواجة، قد يكون اسمه مألوفًا لأنه كان شاهدًا في تحقيق مولر. في كانون الثاني/يناير 2017، عقد نادر اجتماعًا في سيشيل كان يأمل على ما يبدو أن يفتح قناة سرية بين إدارة ترامب والكرملين. غير أن نادر الآن بصدد انتظار الحكم في الولايات المتحدة، لإدانته بجرائم جنسية.
في سنة 2016، عمل نادر مع محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وهي جزء من دولة الإمارات العربية المتحدة. في الواقع، يقول خواجة إن نادر أخبره أنه وجد مستثمرًا للمركز التجاري على الإنترنت، وهو عضو آخر في العائلة المالكة الإماراتية. أخبر خواجة هذا الشيخ أنه سيحتاج إلى نصف مليار دولار لبناء موقع أمازون العربي. في المقابل، قال الشيخ: “كل ما عليك فعله هو مدّنا بمزيد من التفاصيل، وسنستثمر 500 مليون دولار بالكامل”.
نادر كان يكذب حيال كل شيء، إلى أن أرسل له نادر ثلاث صور من هاتفه
لم يكن بوسع خواجة أن يصدق، حيث قال: ” الأمر شبيه بالفوز بالجائزة الكبرى بالنسبة لي” واتضح بعد ذلك أن الشيخ كان له دور في إدارة أجهزة المخابرات في أبوظبي. في المقابل، لم يحصل خواجة على نصف المليار وذهب مشروع مركز التسوق في مهب الريح. وفقًا لذلك، عبّر نادر عن رغبته لشراء محرك الدفع الذي ينتمي لخواجة، وهو تقنية أخذ مدفوعات بطاقات الائتمان عبر الإنترنت، ووافق خواجة على ذلك.
يقول خواجة إنه في أيلول/سبتمبر 2016، أخبره نادر عن سبب حاجته لمحرك الدفع، حيث كانت أبوظبي تريد المساعدة في تحويل “المدفوعات الإلكترونية الصغيرة” إلى مبالغ ضخمة لحملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري. ووصف خواجة سعي نادر إلى إنجاح الخطة، حيث طلب منه معرفة كيفية توليد دفعات إلكترونية لمواقع التبرع عبر الإنترنت، وقال لخواجة: “أود منك أن تبين لنا كيف يمكننا القيام بذلك”.
في الواقع، لم يوثق خواجة هذه المحادثات، فهذه مجرد مقتطفات يستحضرها من أقوال نادر، كما استرجع تفسير نادر لأسباب تمويلهم لحملة ترامب. وفقًا لخواجة، قال نادر:” كنت ألتقي بالأشخاص المسؤولين على حملة ترامب…وأبرمنا صفقة مع ترامب. اتّفق زعيمي، صاحب السمو، على أنه إذا ساعدنا ترامب في الفوز بالانتخابات، فسيشدد قسوته مع إيران، كما سينهي الصفقة النووية التي أقرتها إدارة أوباما. وهذا من شأنه أن يعيق الاقتصاد الإيراني وسيعاقب إيران على بيع النفط مجددًا، الأمر الذي سيصعب عليهم التنافس في سوق النفط، وهذا يعادل مئة مليار دولار بالنسبة لنا، السبب الذي يجعلنا نحرص على عدم السماح لهيلاري بالفوز بأي ثمن، ولابد أن تكون خسارتها حتمية”.
في شأن متصل، تساءل خواجة قائلا: “لكن هل تعتقد حقا أنه سيفوز؟ أعني، هذا جنوني”. من جهته، أجابه نادر: “صاحب السمو ليس غبيًا، ولن يراهن أبدًا على حصان خاسر”. سيأتي المال من السعوديين، وسيشرف الإماراتيون على العملية، باستخدام البيانات التي وقع شراؤها من الصينيين. وأخبر نادر خواجة أن “جميع البيانات بحوزتنا، لدينا معطيات عشرة ملايين مستهلك أمريكي، ناهيك عن الأموال غير المحدودة”. وأفاد بأن الروس كانوا موافقين على العملية، وأضاف:” نعم، لقد قابلت بوتين بالفعل وحصلنا على الضوء الأخضر من جانبه. لأن بوتين في صفنا، وهو يحبذ خسارة هيلاري”.
حيال هذا الشأن، لم يرغب محامو نادر في الرد على تساؤلاتي، فإذا قال نادر كل هذا بالفعل، فذلك يعني أنه كان يراوغ من أجل استغلال خواجة. كما علمت من أحد مسؤولي حملة ترامب أن نادر طلب منهم عقد اجتماع وقوبل بالرفض؛ فليس هنالك ما يشير إلى إجراء أي اجتماع لمناقشة التبرعات الصغيرة. وبالإضافة إلى ذلك، قال خواجة إنه افترض أن نادر كان يكذب حيال كل شيء، إلى أن أرسل له نادر ثلاث صور من هاتفه.
تظهر الصورة الأولى لقاء نادر مع فلاديمير بوتين في مكان يبدو وكأنه ركن من أركان الكرملين. في الصورة الثانية، يظهر الزعيم السعودي محمد بن سلمان وهو يحتضن نادر بحرارة، في مكان يبدو وكأنه مكتب خاص أو غرفة جلوس. أما في الصورة الثالثة، ظهر نادر مع راعيه محمد بن زايد، على متن طائرة خاصة على ما يبدو.
جورج نادر بصحبة فلاديمير بوتين.
جورج نادر برفقة محمد بن سلمان.
جورج نادر بصحبة محمد بن زايد.
لا تثبت هذه الصور وجود مخطط لتمويل حملة ترامب بشكل سري، لكنهم أظهروا أن نادر قادر على مقابلة كبار الزعماء كما قال. في مطعم السمك في بيروت، تشبث خواجة بيدي وانحنى إلى الأمام، مقلدًا نادر، بصوت منقطع الأنفاس: “قال لي نادر ‘إذا نجح الأمر’ ـ ودفعني خواجة نحوه – ‘ إذا نجح هذا الأمر، والله أندي، والله أندي، والله أندي، والله أندي …’ “. في هذه الأثناء صرنا أنا وخواجة قريبان بشكل غير مريح. إنه يقلّد اللحظة الحاسمة مع نادر:” والله، أقسم بالله، أندي، صاحب السمو سوف يسيطر على كل انتخابات أمريكية. سوف يتحكم صاحب السمو بالولايات المتّحدة، سوف نتحكم بالولايات المتّحدة”.
كما يصف خواجة لحظة الابتعاد عن نادر، وإخباره بأنه لا علاقة له بمخططه. في هذه المرحلة، كما يقول، كان نادر قد دفع له ما يقارب من خمسة ملايين دولار من أصل عشرة ملايين دولار وقع الاتفاق عليها بشأن المخططات الخاصة بمحرك الدفع الخاص به. في هذه المرحلة أيضًا، بدا لخواجة أن هذا كان مال نادر، إذ ظن أنّ نادر كان يأمل في إرضاء رئيسه، محمد بن زايد.
في هذا الصدد، يقول خواجة إن مؤامرة شراء الانتخابات بقيت قائمة الذات حتى بعد انسحابه، لذلك، سيتعين على نادر تطوير محرك الدفع دون مساعدته. لم ترد لخواجة أية أخبار تتعلق بهذا الشأن حتى كانون الثاني/ يناير 2017، بعد فوز ترامب واستعداده لتولي منصب الرئيس. وقال خواجة إن ترامب أعطى نادر “تذكرتين احتياطيتين” للأحداث التي جرت في حفل الافتتاح. ابتسم نادر وهو جالس على طاولته وقال: “كما ترى، أخبرتك، أخبرتك أن ترامب سيفوز”.
يتذكر خواجة أن نادر قد أبلغه بأن الرياض ستكون الوجهة الخارجية الأولى لترامب “للاحتفال” مع محمد بن سلمان آل سعود ومحمد بن زايد آل نهيان: “فهما اللذان مهّدا لفوزه في الانتخابات”. بل على غرار ذلك، ستعلن كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فرض حصار على منافستيهما، قطر، وسيدعم ترامب ذلك.
في الواقع، قام ترامب بأوّل رحلة خارجية له إلى الرياض، في أيار/ مايو 2017، ودعم الحصار المفروض على قطر، الذي بدأ في حزيران/ يونيو من نفس السنة. يقول الخواجة في هذا الصدد، إن نادر أخبره خلال حديثهم في حفل التدشين أنهم ضخوا “بضع مئات من الملايين” لانتخاب ترامب. توجهت بالسؤال لخواجة عندما كنا نتناول الطعام في مطعم السمك، حول ما إذا كان يعتقد أن المدفوعات مستمرة إلى حدّ اليوم. فأجاب “بالطبع، مئة بالمئة!”
تعرض وزارة العدل نسخة مغايرة تمامًا عن سبب منح نادر خمسة ملايين دولار لخواجة. في كانون الأول/ ديسمبر 2019، اتهمت وزارة العدل الأمريكية نادر وخواجة بتكريس 3.5 مليون دولار لمساهمات غير قانونية في الحملة الانتخابية ولكن ليس لمساندة ترامب بل هيلاري كلينتون. وُجّهت لهما أصابع الاتهام بتهمة الاحتيال.
عندما ترغب حكومة أجنبية في تقديم دعم مالي لمرشح ما، فهي تقدم الأموال إلى مواطن أمريكي للتبرع باسمه. يقول ممثلو الادعاء أن نادر حصل على مبلغ قدره 3.5 مليون دولار من الإماراتيين لتقديمها لخواجة من أجل اللجان السياسية التي تدعم هيلاري. في المقابل، أنكر نادر هذه الاتهامات وتشبّث ببراءته.
الآن، تعتبر حكومة الولايات المتحدة أن خواجة فار من العدالة. هذا وتوضح التهم الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية أن نادر وخواجة استخدما رموزًا سخيفة لإخفاء المبادلات المالية، إذ كانا يرمزان لهيلاري كلينتون “بالأخت الكبرى” ولحفلات جمع التبرعات “بحفلات أعياد الميلاد” وللنقود بحلويات “البقلاوة”. يدّعي الاتهام أن هذا ما يفسّر الدردشات التي دارت بين نادر وخواجة على الواتساب، وفيها ما يلي:
-
نادر: انا بصدد التثبت مع جماعتي للتأكد من وصول الحلويات من أجل الحفل هذا الأسبوع على أقصى تقدير!
-
خواجة: حُدّد موعد حفل عيد ميلاد أختي …وسيكون حفلًا ضخمًا…
-
نادر: حضّرنا بقلاوة طازجة ومنزلية وهي في الطريق إلينا، صُنعت خصيصًا لهذا الحدث الخاصّ الذي سيقام في منزلك في وقت لاحق!
-
خواجة: وصلت بقلاوة صغيرة الحجم بها 2.7 قطعة
يفسّر الاتهام أن هذا الرقم يشير إلى تسليم 2.5 مليون يورو لشركة خواجة عن طريق التحويل الإلكترونية. غير أن هذا المخطط لم يكن ناجحًا. يعلق خواجة قائلًا: “يحب مكتب التحقيقات الفيدرالي مثل هذه الألاعيب وفك الرموز. هذا يسيل لعابهم”. لكنه يصر على أن “البقلاوة هي بقلاوة حقيقية أي تلك التي نأكلها”. يدعي أنهما كانا يتحدثان عن شيئين مختلفين على الواتساب، حيث كان نادر يجلب بقلاوة من الشرق الأوسط كهدية لهيلاري، لكنه كان يمزح أيضًا حول مقدار المال الذي يدين به لخواجة مقابل بوابة الدفع.
قال خواجة: “سألته: لماذا تتحدث عن 2.2 مليون صندوق من البقلاوة؟ فقط قل إنك سترسل لي مبلغ 2.2 مليون دولار أي ما أنت مدين لي به”. غير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يفهم المزحة. وأضاف قائلا: “في سنة 2016، تمكنت من جني 43 مليون دولار. هل تعتقد أنني بحاجة إلى ثلاثة ملايين دولار من هذا الرجل؟ لماذا قد يعطيني جورج نادر دولارًا واحدًا لإعطائه هيلاري كلينتون؟ إنه مواطن أمريكي. يستطيع أن يفعل ذلك بنفسه. لقد عقدت صفقة مع جورج واشترى مني منتجًا معينًا. لم أمارس ضغوطات من أجل أيّ كان، ولم يسبق أن تلقيت أموالًا من زعيم أجنبي أبدا”.
تُظهر السجلات التي نشرتها لجنة الانتخابات الفيدرالية أن خواجة يقدم تبرعات سياسية ضخمة معظمها للديمقراطيين، وخُصص جزء منها كذلك للجمهوريين.
في السنة الماضية، لمست النفوذ الذي يتمتع به خواجة أثناء حفل عشاء في فندق ترامب في العاصمة واشنطن، عندما التقى ببعض كبار الجمهوريين. انطلقت الأمسية بصف ممتد من موظفي الفندق الذين انحنوا احترامًا له ولوحوا بأيديهم ترحيبًا به. في الحقيقة، يعد خواجة رجلًا سخيًا جدًا يحظى بشعبية كبيرة، حيث استُقبل في مطعم بي آل تي برايم في، المختص في طبخ اللحوم. وقد كانت أفضل طاولة هناك من نصيبنا، وهي طاولة دائرية تقع في الزاوية التي يحب فيها الرئيس ترامب تناول طعامه فيها، وتطلّ على الثريات المدهشة في الفندق والردهة الكهفية المكونة من تسعة طوابق. كان خواجة يحدثني عن الترحيب الحار الذي يتلقاه كلما ذهب إلى الكابيتول هيل.
أورد: “لقد منحت المال لنصف الناس هناك”. عندها فقط، وصل الزعيم الجمهوري في مجلس النواب، كيفن مكارثي، وعُرضت عليه ثاني أفضل طاولة في المطعم. كان في مقدمة مجموعة كبيرة تضم أعضاء من الكونغرس واثنان من المحافظين. كانت الكوريغرافيا مثيرة للاهتمام. وقف كلّ من خواجة ومكارثي لكنهما لم يتحركا، وبدلاً من ذلك، تبادلا التحيات من هواتفهما الذكية، ومن طاولتهما. لكن، توجهت العديد من الشخصيات في فريق مكارثي إلى طاولة خواجة تعبيرا عن احترامهم. بدوا مثل صف موظفي الفنادق قبل ذلك.
كان هاجس خواجة في ذلك المساء متمثلا في الإجراء القانوني الذي اتخذته الحكومة الامريكية ضد ألايد ووليت، خاصة بعد أن اتهمت لجنة التجارة الفيدرالية شركة خواجة بمساعدة المتحيلين عبر الإنترنت لخداع المستهلكين. كان خواجة يستشيط غضبًا. وقال إن معالجي دفع أخرى فعلوا الشيء ذاته، حيث دفعت ألايد ووليت لاحقًا للجنة التجارة الفيدرالية مبلغا مهولا قدره 110 ملايين دولار لتسوية الشكوى.
في بيروت، أخبرني خواجة أنه يرى أنّ مثل هذا الإجراء والتهم الجنائية الأخيرة الموجهة تندرج ضمن مخطط ما، وأنه وقع استهداف ألايد ووليت لأن الشركة صنعت لنفسها بعض الأعداء الشرسين. وأردف أن أبو ظبي أنفقت ما بين 25 إلى 30 مليون دولار لممارسة ضغوط عليه إلى حدّ تهديده برفع الأمر إلى وزارة العدل، كما أكد أن البيت الأبيض يعمل مع الإماراتيين وأنه متخوف حقا من المعلومات التي بحوزته.
في هذا الصدد، قال: “قد أضطر في يوم ما إلى الإدلاء بشهادتي ضدهم، فلماذا لا يبادرون إلى تدميري أولاً؟”. وتابع ليخبرني بشيء ما فتئ يردده: “لقد وقع التلاعب بالقانون. في الحقيقة أُشبّه وضعيتي بساعة تصفية الحساب عندما أحضروا المسيح إلى الرومان ووجهوا له وابلا من التهم. هكذا أرى نفسي، كالمسيح عندما وقف في محكمة رومانية ووجهت له تهم بأشياء لم يرتكبها أبدا.”
في الواقع، لم يظهر لي خواجة أي دليل على المدفوعات السرية لحملة ترامب، ولكنه، يصر على أنه يتذكر ما أخبره نادر به، وأنه وفر له الأدوات اللازمة للقيام بهذه المهمة. هل يمكن لخواجة أن يخلق قصة لتشتيت الانتباه عن التهم التي يواجهها؟ يشير خواجة إلى أنه ذهب إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ سنين، أي قبل فترة طويلة من إصدار لائحة الاتهام بشأنه. وعموما، أكدت لي إحدى الشخصيات العامة السابقة صحة هذا الأمر، فقد ساعد خواجة على التحدث إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.
على الرغم من عدم وجود أدلة دامغة تؤكد حقيقة قصة خواجة، إلا أن روايته مدعومة بشاهدين. وخلال ليلتنا في بيروت، اجتمعنا برجل أعمال آخر تعامل مع نادر في الإمارات العربية المتحدة. لقد وصل بسيارة رولز سيلفر، حيث طلب منه نادر أيضًا أن يبيع له بوابة الدفع بواسطة بطاقات الائتمان في سنة 2016، حيث أشار إلى علاقته بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويتذكر رجل الأعمال أن نادر بدا تقريبًا يائسًا للحصول على بوابة الدفع.
يبدو أن نادر أخبر شخصًا آخر عن التبرعات الصغيرة، وفي وقت قريب من انتخابات سنة 2016، أفاد صديق لنادر، لمدة 30 سنة، أنه التقى به لتناول طعام الغداء في فندق بيفرلي ويلشاير في لوس أنجلوس، وتجدر الإشارة إلى أن ما نقله هذا الرجل يشبه إلى حد كبير ما قاله خواجة. بالإضافة إلى ذلك، أورد رجل الأعمال أن نادر أعلمه بتحصله على 12 مليون دولار شهريًا من البلاط الملكي في أبوظبي لتسيير العملية الانتخابية، حيث أفاد قائلا: “لقد تحصل أخيرًا على راتبه اليومي الكبير”.
في فصل الصيف من سنة 2018، عرفني هذا الرجل إلى نادر، وأخذني لرؤيته في أبوظبي، وعمومًا، أراد نادر التحدث عن إجراء مقابلة مهمة لشبكة تلفزيونية أمريكية لإعادة تحسين صورته، وفي ذلك الوقت، كان نادر سيء السمعة سواء باعتباره شاهدًا خلال التحقيق الذي أجري مع مولر أو بسبب تاريخه الطويل من جرائم الاعتداء الجنسي بحق الأطفال. في هذا السياق، قال نادر، بنبرة مرتفعة قلدها خواجة فيما بعد، إلى أي مدى كان ذلك غير عادل، ولم يذكر أي شيء عن المدفوعات الصغيرة لحملة ترامب.
ظلّت قضية حملة التبرعات الضخمة التي نظّمها ترامب من أجل استقطاب المانحين الصغار متواصلة
أخبرني نادر أنه ذهب إلى البيت الأبيض “عشرات المرات” للمساهمة في الإعداد لزيارة ترامب المقررة إلى الرياض. وإذا كان ذلك صحيحًا، فهل كان نادر يعمل كعميل غير مسجل للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟ بعد أن رأيته في أبوظبي، التقيت بأحد كبار الدبلوماسيين الإماراتيين في واشنطن العاصمة. ويُذكر أن نادر “ضرب بعنف باب السفارة” بعد أن اعتقله فريق مولر في المطار. في المقابل، صرح أن الإمارات العربية المتحدة كانت حريصة بعيدا عن الانتخابات الأمريكية.
سواء ما إذا كنت تصدق خواجة أو وزارة العدل الأمريكية، فإن كلا النسختين من الأحداث تستخدمان ثورة الإمارات العربية المتحدة بهدف شراء النفوذ. مع ذلك، تدور قصة خواجة حول مبالغ كثيرة، ربما تكون كافية لتأجيل الانتخابات، ولكن، كما هو الحال مع جميع الادعاءات المتعلقة ببيع الانتخابات، فإنه من المستحيل ربط الأموال مباشرة بالأصوات. في هذا الإطار، أخبرني أحد المسؤولين السابقين في لجنة الانتخابات الفيدرالية أنه هو وزملاؤه كانوا قلقين لفترة طويلة من إمكانية استغلال القواعد المتعلقة بالتبرعات الصغيرة، وأخبرتني أطراف أخرى مشاركة في الأعمال المختصة والتقنية في تمويل الحملات الانتخابية أنهم يشكون في نجاح هذا المخطط.
أكدّت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري على أنها “لم تلاحظ وجود أدلة” لدعم إدعاءات خواجة. في هذا السياق، أرسل لي المكتب الصحفي بيانًا على أنهم “يتخذون خطوات حريصة لضمان تقديم التبرعات، وفقًا للقانون”. وعمومًا، توافق حملة اللجنة الوطنية للجزب الجمهوري إلى جانب حملة ترامب على التبرعات من خلال تجهيز بطاقات الائتمان لشركة سترايب. من جهتها، صرحت سترايب أنها تستخدم “التعلم الآلي للتعرف على الاحتيال”.
في الحقيقة، توجهت بالسؤال لجيريت لانسينغ، الذي أدار العمليات الرقمية اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري لسنة 2016، عما إذا كان يمكن إجراء الدفعات الصغيرة عبر الإنترنت بكميات كبيرة من قبل حكومة أجنبية أو أي شخص آخر، وأجاب لانسينغ عبر رسالة قائلًا: “إننا كثيرًا ما نواجه نظرية المؤامرة، وسيكون من السهل دحضها”. ولكن خواجة يعتقد أنه يعرف أكثر من أي شخص آخر عن المدفوعات عبر الإنترنت، وأنه ليس من الصعب جعل التبرعات الانتخابية المزيفة تبدو حقيقية.
ظلّت قضية حملة التبرعات الضخمة التي نظّمها ترامب من أجل استقطاب المانحين الصغار متواصلة. في سنة 2012، لجأ باراك أوباما إلى تنظيم حملة التبرعات عبر الإنترنت، ومثلت التبرعات الصغيرة التي حصل عليها 28 بالمئة من كامل ميزانية حملته. خلال سنة 2016، كانت 22 بالمئة فقط من أموال حملة هيلاري كلينتون متأتية من مانحين صغار. في السنة ذاتها، كان قرابة 69 بالمئة من جميع الأموال التي حصلت عليها حملة ترامب متأتية من أفراد قدّموا أقلّ من 200 دولار.
في ربع السنة الماضية، كان 99 بالمئة من المساهمين في حملة ترامب مانحين صغار. عمومًا، تتمثل وجهة النظر المقبولة في أن الرئيس كوّن حركة سياسية جديدة من قاعدته الشعبية. في المقابل، لدى أندي خواجة تفسير مختلف. بعودته إلى لبنان، كان يعيش خواجه كما لو أنه منفي خارج الولايات المتحدة. من المفارقات أن حكومة الولايات المتحدة ألغت بطاقات الائتمان الخاصة به. حيال هذا الشأن، قال خواجه إنه يعيش على ” قروض يحصل عليها من الأصدقاء”.
بينما كنا نجلس في شقة بيروت، التي كان قد اشتراها لوالديه والواقعة في برج زجاجي أزرق مخضر فاخر يطل على المرسى، تذكر برنامج تلفزيون كان قد أنتجه ذات مرة، يُعرف باسم موديل تيرند سوبر ستار (انطلاقًا من العقل المدبر لملياردير مستقطب للمدفوعات، قدم أندي خواجة برنامجًا جديدًا من برامج الواقع يجمع حوالي مئة عارضة أزياء من جميع أنحاء العالم).
لقد كان من أحد الحكام في البرنامج. بالطبع، تحدث عن عارضات الأزياء في مقطع فيديو ترويجي أفاد خلاله بالتالي: “أريد أن أدللهن مثلما أدلل نفسي. إن الحياة رحلة إلى النور، وليس إلى الظلام. أنت تعلم أنني قبل 25 سنة لم أكن غنيًا، كنت أكافح من أجل تناول علبة السردين في الليل، وأنظر إلى ما وصلت إليه اليوم، أنا أعيش في بذخ”. في الوقت الراهن، يحمل خواجة لقبًا جديدًا في برنامج الواقع الجديد الذي يقدمه “كاشف المستور”.
لكن هل تحب هذا اللقب؟ في سياق متصل، أجاب خواجه قائلًا:” أنا كاشف المستور بول، اتُهم كاشف المستور الذي فضح تدخل الحكومة الأجنبية في انتخاباتنا بالتستر على إدارة ترامب. إنها عملية تضييق خناق تحاك ضدي، أو عملية نقطة الاختناق. هم يريدون التخلص مني وقتلي، ويحاولون إلصاق التهم بي بشكل سيء. في نهاية اليوم، أنام مثل طفل في الليل، لأنني أعلم أنني لم أفعل أي شيء. أنا فاضح المستور فحسب”.
المصدر: سبكتاتور