المشهد الأول:
الزمان: الساعة السادسة مساء الـ11 من فبراير/شباط 2011.
الحدث: اللواء عمر سليمان يعلن: “بسم الله الرحمن الرحيم.. أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، والله الموفق والمستعان”.
المكان: ميدان التحرير
انفجرت حينها ميادين مصر وشوارعها فرحًا بسقوط الطاغية الذي جثم على الصدور لثلاثة عقود كاملة، أذاق فيها الشعب ويلات الفقر والجوع والتدني والتخلف في المجالات كافة، وجسدت صرخات البهجة التي خرجت من أفئدة الثوار في شتى ربوع البلاد حالة الاحتقان التي تسبب فيها مبارك وفريقه وحزبه المنحل.
المشهد الثاني:
الزمان: صباح الـ25 من فبراير/شباط 2020.
الحدث: التلفزيون المصري يعلن رسميًا وفاة الرئيس الأسبق حسني مبارك عن عمر ناهز الـ92 عامًا.
المكان: مواقع التواصل الاجتماعي.
حالة من التعاطف الشديد والترحم على الرئيس المخلوع، عبارات على مواقع فيسبوك وتوتير وبعض المواقع الصحفية، من المؤيدين لمبارك وبعض المعارضين له على حد سواء، تحمل معاني الشفقة والمناشدة بعدم التشفي في الموت وذكر محاسن الموتى وترك حسابه على ربه.
مشهدان يفصل بينهما 9 سنوات تقريبًا، لكن الفارق التقييمي بينهما أكبر من ذلك بكثير، أسئلة كثيرة طرحها البعض عن هذا التناقض، فكيف لشعب ثار على ديكتاتوره فأسقطه بالقاضية، يترحم عليه اليوم بعد وفاته؟ وكأن الموت يمحو من التاريخ جرائمه وذلاته.
انقسام واضح على منصات التواصل الاجتماعي بين تيارات عدة، البعض يترحم بتحفظ وآخرون يكيلون له الاتهامات ويحملونه مسؤولية ما وصل إليه الشعب الآن من تدني في كل شيء، وفريق ثالث يرى فيه الرحمة مع الديكتاتورية مقارنة بالوضع الحالي في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
30 عامًا ليست بالفترة القليلة في حكم مصر، ومن ثم فمن الطبيعي أن تتمايز الرؤى وتتباين المواقف حيال تقييمها بشتى مراحلها، فالأحداث التي شهدتها البلاد على مدار ثلاثة عقود كاملة، غيرت مسار أجيال كاملة، وأعادت رسم الخريطة السياسية والاقتصادية والفكرية والمجتمعية لدولة بات نصف سكانها لا يجيد القراءة والكتابة فيما يقبع ما يزيد على ثلثها تحت مستوى خط الفقر.
مبارك.. تاريخ من الإفساد
قبل التوجه مباشرة إلى منصات السوشيال ميديا لرصد حالة الشيزوفرينيا التي يشهدها الشارع المصري بعد وفاة مبارك، كان لا بد من التعريج سريعًا على ما قدمه الرئيس المخلوع لهذا الوطن، 30 عامًا من الخراب والاستبداد، تحولت فيها البلاد إلى قبلة للفساد والمفسدين من كل حدب وصوب.
كثير من الناس أصحاب الأفق الضيق يحصرون جرائم مبارك في تلك الممارسات التي قام بها إبان فترة الثورة، من قتل للمتظاهرين وموقعة الجمل وأحداث ماسبيرو واعتقال المئات من الشباب الثائر والانتهاكات التي تعرضت لها الفتيات على أيدي قوات الأمن ومحاولة بث الفتنة بين تيارات مصر الدينية وحسب، لكن القائمة طويلة، فما خرج الشباب إلا بعد أن فاض بهم الكيل وبلغ السيل الزبى.
في دراسة بعنوان “دور التشريع في بناء دولة الفساد في مصر” استعرض الخبير في الشؤون الاقتصادية والإدارة المحلية، الدكتور عبد الخالق فاروق، القائمة الكاملة لجرائم مبارك التي عبدت الطريق نحو بناء إمبراطورية هائلة من الفساد وكيان كبير من الفاسدين في شتى المجالات.
كشف فاروق في دراسته بالأدلة كيف أن مبارك ورجاله، على مدار سنوات طويلة، أصدروا قوانين دفعت ملايين المصريين إلى السرقة والنهب والابتزاز وأكل المال الحرام، وأجبرت أغلب الموظفين ومعهم بقية الشعب على أن يتحولوا إلى لصوص ورشاة ومرتشين.
#مبارك_مات_ولن_ننسي غرق عبارة السلام٩٥ ، حريق قطار الصعيد pic.twitter.com/x6aIXnWGMe
— صمت البركان (@maromiro7910) February 25, 2020
وطبقًا للدراسة التي تتكون من 24 صفحة فإن الفساد تحول في عصر مبارك من انحرافات معزولة إلى ممارسة مجتمعية شاملة، حيث شكل الكبار شبكات مصالح تتنازع فيما بينها حينًا وتتناغم في توزيع الغنائم أحايين أخرى، وهو ما انعكس بالتبعية على صغار المجتمع الذين تحولوا تلقائيًا إلى تقليد الكبار فكونوا فرقًا من الفاسدين الأشبال، فقد تسربت إليهم ممارسات الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية بسبب سياسات الإفقار واتساع الفجوة في الدخول والارتفاع المستمر للأسعار وغياب القدوة في هرم السلطة وتآكل دور أجهزة الرقابة.
ورغم أن منظمة الشفافية الدولية حددت المجالات الأكثر عرضة للفساد في 5 مجالات فقط (المشتريات الحكومية وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات والضرائب والجمارك والتعيينات الحكومية وإدارات الحكم المحلي)، فإن الوضع في مصر يختلف شكلًا ومضمونًا في عصر المخلوع، حيث انغمس الفساد فيما يقرب من 17 مجالًا شمل جميع قطاعات الحياة.
ومن أبرز المجالات التي ترعرع فيها الفساد في عصر مبارك، بحسب الدراسة، قطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وشقق المدن الجديدة والطرق والكباري والبنية الأساسية وعمولات التسليح ووسائل نقلها وقطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة وخصخصة وبيع الشركات العامة ونظم تقييم الأصول والممتلكات والأراضي المملوكة لهذه الشركات.
كذلك قطاع البنوك ونظم الائتمان وتهريب الأموال إلى الخارج عبر القنوات المصرفية الرسمية وشركات توظيف الأموال وما جرى فيها وتجارة المخدرات واختراق قيادات الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية وتجارة العملات الأجنبية والمضاربة على سعر صرف الجنيه.
بخلاف ما يسمى “علاوة الولاء” التي تمنح بصورة سرية وبالمخالفة لقواعد المشروعية المالية لكبار قيادات الجيش والأمن، وإفساد النظام التعليمي الرسمي والصمت على جريمة الدروس الخصوصية وخلق الظروف الملائمة لتفشيها والإبقاء على فساد النظام الصحي الحكومي من أجل إتاحة الفرص لتوسع المستشفيات الاستثمارية، بالإضافة إلى قطاع البورصة وسوق الأوراق المالية وسوق التأمين.
#مبارك_مات_ولن_ننسي سيد بلال pic.twitter.com/ICOXGo6l4m
— صدفة حسب الله بعضشى? (@sodfa_2020) February 25, 2020
آليات الفساد السبعة
الخبير الاقتصادي المصري أشار إلى أن مبارك أفسد الدولة طيلة سنوات حكمه من خلال 7 آليات رئيسية، على رأسها اتباع سياسات ممنهجة لإفساد المؤسسات الأساسية في المجتمع مثل مجلسي الشعب والشوري والمؤسسات الصحفية والإعلامية وأجهزة الأمن والمؤسسة القضائية وقيادات الجيش والنقابات العمالية والمهنية.
كذلك استحداث شبكة من القواعد العرفية بين جماعات الفساد تلزم أعضاءها بالتزامات متبادلة ومناطق النفوذ، إضافة إلى آلية ثالثة تتمثل في خطوط اتصالات دائمة وواضحة بين جماعات الفساد وشاغلي قمة الهرم السياسي والتنفيذي سواء بصورة مباشرة أم عبر أقربائهم وأبنائهم، وتتم تلك الاتصالات تحت لافتة “تشجيع الاستثمار”.
أما الآلية الرابعة للإفساد التي اتبعها الرئيس المخلوع فتتجسد في استمرار سياسات الإفقار للطبقات محدودة الدخل، خاصة الموظفين (نحو 5.5 مليون مصري في عهد مبارك) والعمال وغيرهم مما يدفع الجميع إلى استمراء الفساد والرشوة تحت مسميات أخرى لتجميل الصورة.
وجاء إفساد أجهزة الرقابة سواء كانت رقابة شعبية (مثل الصحافة) عبر توريط قيادتها وكوادرها الوسيطة في ممارسات فساد، أو أجهزة الرقابة الرسمية (مثل الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة ومباحث أمن الدولة وغيرها) عبر صلات القرابة ونظم اختيار قياداتها وأعضائها العاملين من خلال الوساطة والمحسوبية، كآلية أخرى للفساد، بجانب صياغة القوانين والقرارات الإدارية بحيث تفتح ثغرات واسعة للفساد.
#مبارك_مات_ولن_ننسي
جنازة عسكريه للقاتل والطاغيه والفاسد pic.twitter.com/Hf7gfuaFca
— noorelhodaa (@noor36027088) February 25, 2020
واختتمت الدراسة الآليات السبعة بالتحايل القانوني عبر ما يسمي الصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص خارج نطاق الميزانية الحكومية الرسمية، وقد وصل عدد تلك الصناديق والوحدات إلى 8900 صندوق ووحدة عام 2008، تفرض رسومًا على المواطنين وتوزيع مكافآت على العاملين فيها وكبار المسؤولين بما شكل شبكة واسعة من الفساد والإفساد.
وفي سياق استعراض أوجه فساد مبارك، ألقت الدراسة الضوء على الفساد الذي ألحقه الرئيس الراحل بمؤسسة القضاء، عبر عدد من السياسات التي هدفت إلى اختراق تلك المؤسسة واحتوائها، من بينها السماح بالتحاق ضباط الشرطة بمختلف درجاتهم ورتبهم – دون رتبة مقدم – بسلك النيابة العامة مما أدى إلى انضمام نحو 3 آلاف ضابط شرطة إلى سلك القضاء – خلال ربع القرن الأخير – فأصبح عددهم يعادل ربع العاملين في مؤسسة القضاء.
كذلك توريط أعضاء السلك القضائي في ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية من نوع الوساطة والمحسوبية في تعيين أبنائهم وأقاربهم في سلك النيابة العامة، إذ لجأ بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى دفع رشاوى لذوي النفوذ في الحكومة أو الحزب الحاكم من أجل تعيين أبنائهم في القضاء، كما تورط بعض رجال القضاء في ممارسات الوساطة والمحسوبية من أجل ذات الغرض.
الكاتب الصحفي محمود سعد الدين في مقال له في صحيفة “اليوم السابع” أوضح أن جرائم مبارك لن تنسى مهما طال الزمن، مستعرضًا أبرزها قائلًا: “لن ننسى 1400 مصري شهداء العبارة السلام 98 وقت أن كان يشاهد مباراة كرم قدم في الإستاد، لن ننسى شهداء حوادث قطار الصعيد التي تكررت دون أن يقدم أي اعتذار، لن ننسى رشاوى الوزراء ووكلائهم، لن ننسى آلاف الأفدنة التى حصل عليها رجال الأعمال من الأصدقاء والأقارب دون وجه حق”.
هذا بجانب القرارات الاقتصادية الخاطئة بخصخصة شركات قطاع الأعمال العام وإهدار مال الدولة، التي كان لها أسوأ الأثر على حياة المواطنين، كذلك تدمير منظومة التعليم بعد تجاهل تطوير المدارس والمناهج، كذلك الصحة، حيث مفارقة آلاف المرضى الحياة يوميًا بسبب تأخر قرارات العلاج على نفقة الدولة.
تطرق الكاتب كذلك إلى الوضع في سيناء، مضيفًا “لن ننسى الحال السيئ الذي وصلت إليه سيناء والنوبة والصعيد بعد أن تركت أهلها يعيشون في الجهل والفقر وغياب التنمية، لن ننسى مئات الشباب ممن غرقوا في البحر بعد إحباطهم من حال الدولة وقرارهم بالهجرة غير الشرعية، لن ننسى الصفقات المسرطنة للأسمدة، لن ننسى تزوير انتخابات 2010، لن ننسى “خليهم يتسلوا”، لن ننسى تعديل الدستور “بالمقاس”، لن ننسى طوابير الخبز، لن ننسى سلطان الحزب الوطني وجبروته، لن ننسى وزراء حكومتك من أصدقاء نجلك جمال”.
#مبارك_مات_ولن_ننسي
شهداء 25 يناير
“”وعند الله تجتمع الخصوم”” pic.twitter.com/8lHgdUA8B3
— Dr\Retag (@Retag89464224) February 25, 2020
الترحم على مبارك.. 3 سيناريوهات
انقسم المشهد المصري بوفاة مبارك إلى أكثر من فريق، فمن يراه ديكتاتورًا، قمعيًا، جاهلًا، جبانًا، فاسدًا، مُفسدًا، عميلًا، خائنًا، قاتلًا، سفاكًا للدماء، لا يستحق جنازة عسكرية، وآخرون يعتبرونه أحد القادة العظام لحرب أكتوبر، وجَنَّبَ مصر ويلات الحروب، فيما ظل فريق ثالث يتابع المشهد من مقاعد المتفرجين.
خيمت حالة من الشيزوفرينيا المسببة على أجواء المشهد، فها هو اللاعب الملاحق في بلده، محمد أبو تريكة، ينعيه، والداعية مظهر شاهين “خطيب الثورة” يبكي على رحيله، ومحمد البرادعي ووائل غنيم يرثيانه، وهما كانا من أهم رموز الثورة ضد مبارك وإجباره على التخلي عن الحكم في 11 من فبراير 2011.
لكن ورغم هذا التداخل الذي أوهم البعض أن قماشة المعارضة للطاغية قد تقلصت كما ذهبت الصفحات المؤيدة له التي تساءلت بعد موجة الترحم عليه: من خرج على مبارك إذًا في يناير؟ فإن الأمور بحاجة إلى تفسير أكثر عمقًا لفهم هذه الحالة للوقوف على حقيقة الرئيس المخلوع فعليًا لدى الشعب.
الفريق الأول.. وهم أنصاره من المنتفعين وأصحاب المكاسب التي تحققت في عهده، وفي أغلبهم من أسر ضباط الجيش والشرطة ومؤسسات القضاء ورجال الأعمال، هذا الفريق يرى في مبارك القائد الحكيم الذي ذهب ببلاده إلى بر الأمان، وجنبها ويلات الحروب وحولها إلى دولة رائدة في المنطقة على حسب وصفهم.
هذا الفريق تبنى تدشين عدد من الهاشتاغات التي ذهبت للتمجيد في مبارك من باب “ذكر محاسن موتاكم” والعزف على أوتار حكمته في إدارة الدولة وعلاقاته الجيدة بالحكام العرب لا سيما الخليجيين، والمكانة التي كان يتمتع بها لدى أنظمة الحكم في العالم المختلفة.
رحمه الله وصبر أهله على فراقه. كمصري شاركت في ٢٥ يناير لا يمنعني أي خلاف أن أترحم بقلب صادق على مبارك.
قيم ٢٥ يناير هي الرحمة والمودة بين كل المصريين وبالتأكيد ليست الشماتة في الموت. رحمه الله#حسني_مبارك #حسني_مبارك_في_ذمة_الله #مبارك pic.twitter.com/k9UFnb1E4n
— د. عصام حجي (@essamheggy) February 25, 2020
الفريق الثاني: وهو الفريق الذي يرى أن سجل مبارك المشين في الفساد والإفساد والانتهاكات والتخريب لا يمكن بأي حالة من الأحوال أن يُنحى جانبًا ليُترحم عليه، حتى ولو كان الموت هو الثمن، ذاهبين إلى أن ما تسبب فيه الرئيس المخلوع من تخريب للبلاد وظلم للمواطنين وأكل حقوقهم وسفك دمائهم لايمكن أن يسقط بالتقادم مهما كان.
هؤلاء يرون أن محاكمة مبارك واجبة حتى إن لقي ربه، وذلك عبر كشف الجرائم التي ارتكبها التي لا يزال الشعب يدفع ثمنها حتى الآن من صحته وكرامته وحياته، مؤكدين أن الموت ليس مبررًا لأن يتناسى الشعب ثلاثين عامًا من القهر والظلم، تجرع فيها كؤوس الذل ألوانًا وألوانًا.
الفريق الثالث: وهم الأكثر عددًا، البعض منهم – من بينهم رموز ثورية ومعارضين – ترحم على مبارك ليس حبًا فيه ولكن تقديسًا للموت ذاته، تساوى في ذلك مبارك وهتلر وموسوليني وغيرهم من طغاة العالم، وترجع هذه الحالة إلى طبيعة المصريين العاطفية، حيث يميلون في تكوينهم النفسي للتعاطف مع الضعفاء أيًا كانوا، فما بالنا بالموت نفسه.
لكن هذه الحالة لا تستمر طويلًا، فسرعان ما تتلاشى وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، حيث تسليط الضوء على انتهاكات الرجل الذي حول الدولة إلى “عزبة” لصالح أبنائه والحفنة المقربة منهم، إذ وضع الرئيس المخلوع حاضر البلد ومستقبله في أيدي عدد قليل من الساسة بعضهم لا علاقة له بالعمل السياسي في الأساس، لكن بنفوذهم المالي استطاعوا أن يكونوا من المقربين، ومنهم أمين عام الحزب الوطني المنحل أحمد عز، الذي كان يعمل “طبالًا” قبل انضمامه للحزب.
شريحة أخرى من هذا الفريق الذي يترحم على موت رئيسه الأسبق، لم يكن موقفها هذا حبًا في مبارك ولا ما قدمه للوطن، لكنهم يرون أن ما فعله الراحل طيلة الثلاثين عامًا أقل بكثير مما فعله السيسي في 5 أعوام فقط، ومن ثم فهم يرون مبارك أرحم وهو الديكتاتور الأعظم من الرئيس الحاليّ الذي لم يمكث في الحكم طويلًا حتى أذاق الشعب ما لم يذقه منذ سنوات وسنوات.
أنصار هذه الشريحة يسعون لتوصيل رسالة ضمنية مفادها أن مبارك بكل جبروته وديكتاتوريته وما أجمع عليه الغالبية من أنه سبب ما وصلت إليه البلاد حاليًّا من تأخر وتخلف، كان أرحم بكثير مما آلت إليه الأوضاع في الوقت الراهن، وهي الرسالة التي هدف الكثيرون إيصالها لساكن قصر الاتحادية.
وهكذا جددت وفاة مبارك مرة أخرى الاختلاف الذي كان عليه خلال الـ30 عامًا التي جلس فيها على سدة الحكم، لتبقى جرائمه وسجله المشين شاهدًا على هذه المرحلة الحرجة في التاريخ المصري، المرحلة التي فقدت فيها الدولة الأقدم في المنطقة بوصلة ريادتها لصالح أهواء النظام وحملة المباخر من حوله.