ترجمة وتحرير: نون بوست
سيتوجه الإسرائيليون يوم الإثنين نحو صناديق الاقتراع مرة أخرى، إذ تمثل هذه الانتخابات ثالث انتخابات تشهدها البلاد خلال سنة واحدة، وذلك نتيجة العجز المتكرر للتيارات السياسية المتنافسة على تشكيل حكومة. وتُظهر استطلاعات الرأي أن النتائج ستكون متقاربة مرة أخرى، وهذا يعني أن احتمال إجراء انتخابات رابعة غير المرغوب فيه بعد تصويت غير حاسم الأسبوع المقبل، لا يزال قائمًا.
لكن على عكس الانتخابات السابقة، فإن محاولة رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو الأخيرة لإعادة انتخابه تأتي في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير عن تفاصيل “صفقة القرن”، التي قدمتها إدارته للإسرائيليين والشعب الفلسطيني. إذا نُفّذ بالكامل، من المتوقع أن يتغاضى اقتراح الولايات المتحدة بشكل أساسي عن ضم “إسرائيل” لمساحات كبيرة من الضفة الغربية ويعطي للفلسطينيين مستقبلا يفتقر لسيادة سياسية ذات مغزى. لهذه الأسباب وغيرها، رفض القادة الفلسطينيون هذه الصفقة على نطاق واسع، التي لاقت التشكيك من جانب قدر كبير من المجتمع الدولي.
من جهة أخرى، يواصل نتنياهو وحلفاؤه في إدارة ترامب المضي قدمًا. خلال هذا الأسبوع، عقدت لجنة أمريكية إسرائيلية مشتركة، برئاسة السفير الأمريكي ديفيد فريدمان، اجتماعها الأول للشروع في عملية تحديد المناطق التي يمكن لـ “إسرائيل” أن “تمدد سيادتها” فيها – وهو لفظ إسرائيلي تلطيفي يُستخدم في كثير من الأحيان ليدل على الضم العسكري – وفقًا لخطة ترامب. ولكن، لم تتلقى هذه العملية أي دعم فلسطيني. وتقول إدارة ترامب إنه من الممكن أن تمثل مقترحاتها منطلقا للحوار، ولكن يُعطي إصرارها الموازي على أن هذه هي “الفرصة الأخيرة” للفلسطينيين، انطباعًا بأنها تقدم إنذارًا نهائيًا.
على الرغم من أن المحادثات حول الضم العسكري الوشيك تضاءلت قبل الانتخابات، إلا أنها ستزيد في أعقابها، خاصة إذا اكتسب حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو تفويضًا أكثر حسمًا. في محاولة لإقناع ناخبي المستوطنات بالانحياز إلى اليمين، أعلن نتنياهو يوم الثلاثاء أنه سوف يقدم خططًا وُضعت منذ فترة طويلة لبناء 3500 منزل في قطعة من الأرض تعرف باسم إي 1، تقع بجوار مستوطنة يهودية رئيسية في الضفة الغربية خارج القدس.
من المؤكد أن تعزل هذه الخطة فعليًا القدس الشرقية – التي ما زال الفلسطينيون يأملون في أن تمثل عاصمة دولة مستقبلية – عن بقية الضفة الغربية، والواقع أن كلا من إدارتي باراك أوباما وجورج دبليو بوش حذرتا نظراءهم الإسرائيليين من هذه الخطوة.
بالنسبة لنتنياهو، هناك ضرورات انتخابية فورية. وفي مقال له في جريدة “إسرائيل هيوم” اليمينية، قال كاتب العمود، ماتي توشفيلد،”إذا كان هناك شيء يقوّض استقرار الحملة في منظور نتنياهو، فهو الهجمات الصادرة من اليمين”، وذلك قبل استشهاده بالاسم الإنجيلي للضفة الغربية، بقوله “لا يشمل الأمر مصير يهودا والسامرة الذي يُعد على المحك فقط، بل يشمل أيضًا مصيره السياسي”.
فوز ترامب سيزيد الضغط على كل من الفلسطينيين للدخول في مفاوضات كل ما فيها ضدهم
في الواقع، إن بعض المستوطنين لا يصدقون مناورة نتنياهو. في الماضي، استخدم رئيس الوزراء الضم العسكري “كدعاية انتخابية وسرعان ما فهم أنه لا يريد القيام بذلك”، وذلك حسب ما صرح به إيلي روزنباوم، وهو مدير مدرسة في مستوطنة يهودية، لوكالة “أسوشيتد برس”. وأضاف شارحًا وجهة نظره ” في اللحظة التي ظن فيها أنه حصل على دعمنا، تراجع”.
في عهد ترامب، حصل نتنياهو على حرية أكثر من أي وقت مضى، حتى لو كان ذلك يعني تجاوز الخطوط الحمراء. وحيال هذا الشأن، أشار دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى “إسرائيل” في فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إلى أنه “إذا ما تم تنفيذ [التوسع في منطقة إي 1] سيكون ذلك غير متوافق مع أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية الفاعلة في الضفة الغربية”.
بالنظر إلى سلسلة التنازلات التي قدمها ترامب لـ “إسرائيل” على مدى السنوات الثلاث الماضية، واستمرار تدهور عملية السلام التي أُجريت من قبل، فإن ما توافق عليه الخبراء هو أن “حل الدولتين” – أي تواجد دولتين ذات سيادة وهما “إسرائيل” والدول الفلسطينية جنبًا إلى جنب تحت شروط مختلفة عما يدافع عنه ترامب – غير موجود، ولكن هذا أزعج محللين مثل شابيرو وزملاءه في منتدى السياسة الإسرائيلية، الذي نظم مؤتمرًا صحفيًا ليتزامن مع إصدار تقرير مفصل عن البدائل المقلقة لرؤية الدولتين.
بالنسبة لـ “إسرائيل”، يوجد حافز سياسي ضئيل للقلق بشأن السيادة الفلسطينية الافتراضية. يدعم بيني غانتس، منافس نتنياهو الرئيسي ورئيس الأركان الإسرائيلي السابق، خطة ترامب، ولكن هذا ربما يرجع بالأساس إلى الانتخابات الوشيكة. في هذا السياق، قال إيفان جوتسمان، خلال نفس المؤتمر الذي نظمه منتدى السياسة الإسرائيلية: “إذا قال أي شيء أقل من ذلك، يمكن للناخب الإسرائيلي أن يسأله بشكل شرعي، ‘لماذا تقبل بأي شيء أقل مما طرحته الولايات المتحدة؟’، أعتقد أن ذلك يغير الأهداف المحددة والمحادثات في “إسرائيل”حول هذه القضية بصورة كبيرة”.
إذا فاز حزب غانتس “أزرق أبيض” يوم الاثنين بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، فيمكنه أن يعطل المزيد من التحركات نحو ضم الضفة الغربية، على الأقل حتى تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما تجري الولايات المتحدة انتخاباتها الخاصة.
إن فوز ترامب سيزيد الضغط على كل من الفلسطينيين للدخول في مفاوضات كل ما فيها ضدهم، وكذلك رئيس وزراء المُحتمل غانتس لمتابعة الخرائط الجديدة التي وضعها فريدمان وشركاؤه. ومن ناحية أخرى، ستُعيد هزيمة ترامب ضبط السيناريو في واشنطن، ولن يدعم أي من المرشحين الديمقراطيين “خطة السلام”، وقد صرح شابيرو بأنه “إذا كانت هناك إدارة جديدة بعد سنة من الآن، فإنني توقع أن خطة ترامب ستكون محدودة”.
المصدر: واشنطن بوست