شكل انتشار فيروس كورونا في العديد من المدن الإيرانية في الآونة الأخيرة، مدخلًا جديدًا من مداخيل التأثير الذي فرض إيقاعه على الساحة الداخلية الإيرانية، ليكون الأمن الوطني الإيراني اليوم أمام تحديات حقيقية لا تقل خطورةً عن العقوبات الأمريكية أو الأزمة السياسية التي يعاني منها النظام السياسي.
المشهد الإيراني المأزوم
منذ مطلع العام الحاليّ وإيران تواجه الأزمة تلو الأخرى، بدءًا من اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وانتهاءً بانتشار الفيروس، ليجد النظام السياسي وعلى رأسه المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه في وضع سياسي حرج جدًا، في ضوء فشل الإجراءات الوقائية والعلاجية في احتواء تداعيات الفيروس.
خصوصًا أن هناك العديد من المسؤولين الرسميين تعرضوا للإصابة به وفي مقدمتهم نائب وزير الصحة الإيراني إيراج حريرجي، فضلًا عن تحدث العديد من المصادر من الداخل الإيراني عن شبهات بشأن إصابة المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي ورئيس تحالف القوى الثورية الإسلامية المحسوب على التيار المحافظ محمد باقر قاليباف، إلا أن الناطق باسم وزارة الصحة كيانوش جهانبور أشار إلى إن التحليلات لم تؤكد بعد إصابتهم.
ووفقًا لجريدة نيويورك تايمز الأمريكية، شكلت إيران المركز الثاني لنشر فيروس كورونا بعد الصين، ففي الوقت الذي تجاهد فيه إيران لاحتواء الفيروس، نجد أن الحالات التي اكتُشفت في عدد من البلدان منها الإمارات والعراق وأفغانستان والكويت والبحرين كلها قادمة من إيران، وهو ما يثير الشكوك تجاه إيران، وتواجه الحكومة الإيرانية اتهامات بالتهاون والتراخي في التعامل مع الفيروس، حيث لم تفرض حجرًا صحيًا على المدن التي أصابها الفيروس.
ووفقًا للجريدة، فإن هناك مخاوف من تفشي المرض في إيران، وقد يحول العدوى إلى وباء عالمي، إذ سارعت بلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط لإغلاق حدودها معها، وقال تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: “إن الحالات التي نراها في بقية العالم، على الرغم من أن الأعداد صغيرة، ولكنها غير مرتبطة بمدينة ووهان أو الصين، فإنها تبعث على القلق الشديد”.
سياسة التعتيم الإعلامي
تحدثت العديد من المصادر في الداخل الإيراني أن هناك سياسة تعتيم تعتمدها الحكومة الإيرانية حيال هذه الأزمة، وذلك من أجل تدارك الوضع الخطير الذي قد ينتج شعبيًا في حالة مكاشفة الشعب الإيراني بحقيقة الأرقام ومناطق الانتشار، إذ إنه وفقًا للإحصاءات المستمرة التي تصدر عن منظمة الصحة العالمية، تشير إلى أن عدد الوفيات جراء الفيروس في إيران وصل إلى 19 شخصًا، في حين بلغ عدد الإصابات المؤكدة 139 شخصًا، وتعتبر مدن طهران وقم وجيلان وأصفهان ومازندران وهمدان وقزوين أبرز المناطق التي ينتشر فيها، في مقابل إصرار إيران على عدم فرض الحجر الصحي على أي مدينة إيرانية.
في الوقت الذي يشهد فيه الواقع الصحي في منطقة الشرق الأوسط حالة من الارتباك نتيجة تفشي الفيروس، خصوصًا أن أغلب الإصابات كان مصدرها إيران، وهو ما يشير بوضوح إلى أن إيران أصبحت بيئة حاضنة للفيروس على غرار الصين التي أوجدت بدورها بيئات مستقبلة للفيروس في عدد من دول المنطقة، وهو ما أدى إلى إعلان عدد منها وفي مقدمتها العراق والأردن والكويت والبحرين وباكستان وأفغانستان وتركيا إيقاف الرحلات الجوية وعمليات النقل البحري وغيرها من المبادلات التجارية والاقتصادية مع إيران، في توجه لاحتواء الفيروس والضغط على إيران لإيجاد حلول عاجلة للأزمة المتفشية في الشرق الأوسط.
دعا الرئيس الإيراني إلى ضرورة عدم تحول الفيروس إلى “سلاح في يد العدو”، يمنع العمل والإنتاج في إيران
وحث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إيران الثلاثاء على قول حقيقة تفشي فيروس كورونا المستجد في أراضيها، ولم يستبعد بومبيو في تصريحات لصحفيين في واشنطن، أن يكون النظام الإيراني قد منع نشر أخبار عن المرض، وقال:
“الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء معلومات تشير إلى أن النظام الإيراني ربما يكون منع التفاصيل الحيوية عن تفشي المرض”، وتابع “يجب على جميع الدول، بما فيها إيران، أن تقول الحقيقة بشأن فيروس كورونا، وأن تتعاون مع منظمات الإغاثة الدولية”.
وفي مقابل ذلك قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن طهران ليس لديها خطط فورية لفرض حجر صحي على المدن المتضررة من الفيروس الذي ينتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد.
مواجهة “كورونا” بنظرية المؤامرة
دعا الرئيس الإيراني إلى ضرورة عدم تحول الفيروس إلى “سلاح في يد العدو”، يمنع العمل والإنتاج في إيران، وبدلًا من اتخاذ إجراءات سريعة لتطويق مناطق انتشار الفيروس وتحذير المواطنين، ألقى خامنئي باللوم على “أعداء إيران” الذين سعوا لإثناء الناس عن التصويت في الانتخابات البرلمانية بالمبالغة في خطر فيروس كورونا، وأضاف “الدعاية السلبية عن الفيروس بدأت قبل شهرين وزادت بدرجة كبيرة قبل الانتخابات”، مما يوحي أن السلطات كانت تتخوف من تأثير الأنباء بشأن كورونا على سير الانتخابات.
وفيما يرفض كثيرون نظريات المؤامرة، إلا أن هناك بالفعل من يؤمنون بأن إيران تتعمد عدم كشف الحقائق بشأن تفشي الفيروس، وتسمح بالتجمعات الكبيرة والزائرين القادمين من دول أخرى إلى قم، على وجه التحديد، من أجل نقل المرض إلى دولهم حال عودتهم إلى بلادهم.