رغم الجماهيرية الواسعة التي يحظى بها الكثير من الممثلين والممثلات، فإن التمثيل من أقل الفنون المفهومة لدى عامة الجمهور، ومع أن الأشخاص الاعتياديين من غير الفنانين قد يكونون على دراية بكيفية عمل الرسام أو الروائي أو الموسيقي، إلا أن قلة قليلة ممن هم خارج مهنة التمثيل على إطلاع بكيفية عمل الممثل وتحضيراته لأحد أدواره، مما يجعل قدرة الجمهور على تقييم أداء الممثلين محدودة كما هي حال معرفتهم بطبيعة هذه المهنة.
تجادل بعض الدراسات التي تتناول التمثيل بأنه ليس موهبة، وإنما عبارة عن نظريات يمكن تدريسها ومن ثم تطبيقها كما يجب، كما يتضمن التمثيل مجموعة واسعة من المهارات التي تعتمد بشكل أساسي على قدرة الشخص على تطويرها، مثل الخيال والتقمص العاطفي واستخدام لغة الجسد، بالإضافة إلى وضوح مخارج الحروف والقدرة على فهم الدراما.
وفي المقابل، يجادل آخرون بأن ولادتك مع موهبة القدرة على عرض المشاعر وتقمص الأدوار، إلى جانب دراسة التمثيل والتدريب والممارسة، يزيد فرصك بأن تصبح ممثلًا بارعًا ورائدًا في هذا المجال.
مقاييس تمييز التمثيل الجيد من الرديء
في مقال نُشر للمخرج المسرحي ماركوس غيدلد، يقول إن لديه عدة معايير لتقييم أداء الممثل، إلا أنه ليس من الضروري أن يتبنى الجميع نفس المعايير، فالتمثيل على حد تعبيره مسألة تخضع للذوق الشخصي، كما هو حال أي نوع آخر من الفنون.
- القدرة على مفاجأة الجمهور
يعتقد الكثيرون أن الممثل البارع من يلعب دوره بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقًا للمخرج والمشرف الفني ماركوس، أن أداء الدور بعيدًا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به.
على سبيل المثال، يمكنك تخيل ردة فعل الإنسان لدى فقدانه لشخص عزيز، هنالك عدد كبير من الانفعالات الإنسانية التي يمكن أن يتقمصها الممثل في هذه اللحظة، ولكن مهمة الممثل الجيد فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي يؤديها، ومن ثم اختيار الأداء الأنسب، عدا ذلك يتحول الممثل إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل.
- القدرة على الانكشاف العاطفي الكامل
تعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بالقدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض “التعري العاطفي”، استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة.
وتختلف الأسباب الناتجة عن ذلك، منها أنهم لا يريدون رؤية أنفسهم ومشاعرهم الحقيقية في هذا المشهد أو هذه القصة أو عدم قدرتهم على خوض الجوانب المظلمة جدًا من النفس البشرية أو أنهم ببساطة لا يريدون الظهور بمظهر غير جذاب.
كل هذا يدفع الممثل إلى تزييف ردود فعله واختلاق مشاعر غير حقيقية وتقديمها للجمهور، مما يضع حاجزًا بين الشخصية التي يؤديها والمشاهد، عوضًا عن التأثير به وسحبه إلى عالم القصة.
-
الثقة بالنفس
يحتاج الممثل أو الممثلة إلى الوقت والممارسة بالوقوف على المسرح أو أمام الكاميرا، حتى يصلوا إلى مرحلة الراحة بالوجود أمام مجموعة كبيرة من الناس، أما في حالة ضعف الثقة بالنفس عند الوقوف أمام الكاميرا، فإن الممثل يدفع إلى ما يمكن تسميته “حماية أنفسهم” من الانكشاف العاطفي.
عند تأدية الممثل دوره وفقًا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية
وهذا ما يميز الممثل المخضرم عن الممثل الصاعد، إذ يساعد تراكم الخبرة لدى الممثل القديم بزيادة ثقته بعمله حتى إن أخطأ في بعض الأماكن أو تعرض للمعوقات في أثناء العمل، على عكس الممثل الصاعد الذي يمكن لأي مطب صغير أن يوقعه بالارتباك.
-
البراعة باستخدام اللغة
تتضمن مهنة التمثيل العمل ضمن قوالب عدة منها اللغات واللهجات. يملك بعض الممثلين قدرة مميزة على استخدام شتى اللغات أو اللهجات ببراعة، ولكن هنالك آخرين استخدامهم للغة أخرى غير لغتهم الأم يؤثر على أدائهم التمثيلي والفني بشكل كبير.
-
الأداء الصوتي
يملك البشر طيف واسع من الأصوات التي يمكن إصدارها من الحنجرة، ولكننا نستخدم عددًا محدودًا جدًا منها. الممثل الجيد يعمل على تدريب حنجرته ولسانه على أداء أكبر عدد ممكن من هذه الأصوات، خصوصًا أن الصوت أداة رئيسية في مهنة التمثيل، وبالتالي القدرة على التحكم بالصوت تعني القدرة على ضبط إيقاع كلمات النص بما يناسب اللحظة الدرامية لكل منها.
-
القدرة على تمثيل الاستماع
يؤدي الممثل السيئ دوره بطريقة قول الجمل الخاصة به ومن ثم انتظار بقية الممثلين لأداء جملهم والعودة إليه ليكمل “تسميع” دوره، دون التركيز مع بقية الممثلين خلال تأدية أدوارهم، وهو خطأ فادح يفقد المشهد التناغم المطلوب.
وهنالك الكثير من المشاهد السينمائية التي تعرض وجه الممثل المستمع في الحوار عوضًا عن عرض وجه المتحدث، مما يوضح أهمية تمثيل الانفعالات الإنسانية لدى سماع معلومة ما، عوضًا عن التظاهر بالاستماع.
-
التصنع
واحد من أهم الأسباب التي تدفع الممثلين إلى تصنع أدوارهم عوضًا عن تقمصها بشكل جيد، تمثيلهم الدور كما يرونه من دون تطبيق أي من نظريات التمثيل، وأشهرها نظرية Stanislavsky، وهي نظرية تحتوي على مجموعة من التقنيات التي تساعد الممثل على الانتقال بوعيه إلى الشخصية التي يؤديها، وبالتالي تفعيل أفكار وأحاسيس وانفعالات الشخصية عوضًا عن مشاعره الشخصية.
وبالتالي عند تأدية الممثل لدوره وفقًا لمزاجه الخاص، سيجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية عندما لا يكون بالمزاج الحقيقي لها، مما يجعل انفعالاته تبدو مزيفة ومصطنعة.
وبالعودة إلى نقطة سابقة، فإنه رغم وجود بعض المعايير التي تحدد جودة الممثل، يبقى الموضوع وفقًا لماركوس مسألة تفضيلات شخصية، فمن الطبيعي جدًا أن لا تتوافق الآراء بخصوص الممثلين وحسن أدائهم. من جهة أخرى، تؤثر الحياة الشخصية للممثلين والممثلات بشكل كبير جدًا على تقييم الجمهور لهم، فمن يعرض مواقف أو آراء شخصية جدلية من الممثلين، عليه أن يضاعف جودة أدائه حتى يستطيع غض نظر المشاهد عن حياته الشخصية.