ترجمة وتحرير: نون بوست
في أعقاب اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نشر صورة مركّبة على تويتر لرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وهما يرتديان الحجاب الإسلامي، وأرفقها بالعنوان التالي: “الديمقراطيون الفاسدون يحاولون بذل قصارى جهدهم لإنقاذ آية الله”، إلى جانب وسم “نانسي بيلوسي أخبار مزيفة”.
إن استهداف بيلوسي، التي قادت الجهود الحثيثة لعزل الرئيس، من خلال ربطها برمز قوي “للاختلاف” مشحون عاطفيا، ألا وهو الحجاب، يغذي الاتهامات التي وجهها ترامب للديمقراطيين بشأن الترحيب بوجود “الأجانب” على حساب الأمريكيين البيض. وبالمثل، تربط هذه الرواية الحجاب الإسلامي بالخداع والتهديدات الأمنية والخيانة والفساد.
تصوّر عدم ارتداء الحجاب
في سنة 2017، أفادت التقارير بأن ترامب كان يميل إلى تغيير قراره بالانسحاب من أفغانستان بعد أن عرض عليه مستشار الأمن القومي السابق هربرت رايموند مكماستر صورة يعود تاريخها لسنة 1972 لنساء أفغانيات لم يكن محجبات وكن يرتدين تنانير قصيرة، وذلك في محاولة لإثبات أن الحملة لم تكن بلا هدف كما يعتقد ترامب، ولكنها قضية تستحق القتال من أجلها.
لم يكن ترامب وحده الذي أثرت فيه هذه الصورة الفريدة التي تجسد الحرية بلا منازع، والتي أشعلت من جديد الخيال الجامح حول عدم ارتداء الحجاب. وقد تداول أفراد وجماعات حقوق الإنسان هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونزلت في إطار بيان الحقائق التاريخية والسياسية والاقتصادية المعقدة من خلال عرض لقطات “قبل وبعد” كانت محملة بأحكام مسبقة.
إنها تخبرنا بأن النساء الأفغانيات في الماضي كن يشبهن “النساء العاديات” ويتجولن في المدن، ولكن الآن وقع التخلي عنهن في مذبحة يقودها المتشددون ابتلعت أجساد النساء في عمل مريع لإخفاء أجسادهن. وبذلك يساهم الحجاب الإسلامي في قمع كل الآمال في الحصول على الحرية.
ما الذي يجعل الحجاب ينتج هذه القراءات المتناقضة عن الخطر والتعرّض للخطر، لإعلان الولاءات الجيوسياسية وتغيير جداول أعمال السياسة الخارجية بشكل جذري؟ ما الذي يجعل الحجاب يسمح باعتبار التنوع الثقافي، والهجرة، والمواطنة، والإرهاب، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان سلاحًا؟
في الواقع، تطوّق هذه الأسئلة المسلمين وتثير أزمة حول الهوية والقيم الغربية. وكما هي الحال مع جدار ترامب الحدودي، فقط على الجانب المقابل للحجاب، النساء غير المحجبات، يمكن تجنب التدنيس. في كتابي بعنوان “علم النفس السياسي للحجاب: الجسم المستحيل”، أتعقب هذا الاستجواب حول حقيقة المسلمين وماذا يريدون “منا” من خلال السؤال المتكرر حول الحجاب.
فهم الهوس
على الرغم من أن هذا الكتاب ليس بالتأكيد أول كتاب تطرق لهذا الموضوع، ولن يكون الأخير، بيد أنني لم أكن أريد النظر تحت الحجاب لمعرفة “حقيقة” النساء المسلمات، وإنما البحث عن الحضور المبالغ فيه للحجاب في الخيال الغربي، وفهم هذا الهوس. يشير تواتر ظهور الحجاب في أشكاله العديدة، على غرار غطاء الراس الشادور والنقاب والبرقع، إلى هوس غير مقنع رغم الاستجابات التاريخية والأنثروبولوجية التي يسعى إليها النشطاء لفهم الاهتمام الغربي بالنساء المسلمات وأجسادهن.
نساء سوريات يتجولن في معسكر في شمال شرق سوريا في 14 كانون الثاني/ يناير 2020.
في مواجهة العداء المتنامي خلال عقد الألفية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حاول المسلمون في الغرب، والنساء المسلمات بشكل خاص، التصدّي للصور المتداولة والمثيرة للجدل عن الإسلام من خلال تسليط الضوء على المزيد من القصص والتجارب الإنسانية. وقبل أن تساهم منصات على غرار فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستغرام في جعل هذه الأصوات مسموعة على نطاق واسع، كانت مواقع مثل مؤسسة “مسلمة ميديا واتش” و”ألت مسلمة” وغيرها تتحدى بشكل حيوي تمثيلات النساء المسلمات باعتبارها تجسيدا لمطالب الإسلام القمعية.
شهد العالم انفجارًا في نشاط النساء المسلمات منذ ذلك الحين، باعتباره جزءًا من ردود الفعل والتبديد والتحدّي وكسر القوالب النمطية عن طريق الكشف عن تجارب تمكين النزعة الفردية. في وقت لم تحظى فيه المرأة المسلمة بمكانة مرموقة على الإطلاق -من الأزياء المتواضعة، إلى الرياضة، السياسة، وحتى العمل والترفيه – ظلّ التشبيه المتكرر للحجاب باعتباره “الآخر” التعسّفي غريبًا.
الوجود المستمر
لا يزال يُنظر للحجاب باعتباره مصدرا للترويع أو إلهاما للحرية بالنسبة للجماهير الغربية. لكن لم تؤثر أي حقيقة حول حياة النساء المسلمات وتطلعاتهن وإنجازاتهن على المعتقدات السائدة حولهن. ومن جهة أخرى، تساوي فكرة “خلع الحجاب” للتعرّف على هوية هؤلاء النساء حقًا، بين الحجاب والقيود، وقمع الذات، ومقاومة الحداثة.
ضمن الروايات الإنسانية عن حياة النساء المسلمات، كان هناك رغبة في الهروب من ارتداء الحجاب من خلال النظر إلى صلب الشخص بدل مظهره – للكشف عن حقيقة الشخص القابع وراء ذلك الحجاب، حيث تقر النساء المسلمات بحبهن لفرقة مارون 5 الموسيقية، وإظهار مهارات الراب الغنائية، والتزحلق على الجليد وتعلّم رقص الباليه.
يسلّط كتابي الضوء بشكل أساسي على الاستثمار النفسي والسياسي للاعتراف – لا سيما الاعتراف بالاختلاف الإسلامي والجسد – ويستكشف ما يبدو عليه ذلك في واقع السياق الإسلامي، حيث أن الاعتراف بهذه الفئة أمر جدلي ويتشابك مع الخوف والقلق من كراهية الإسلام. يمكن تفسير هاجس الغرب بالحجاب باعتبار أنه يحدث فارقا ملحوظا – ذلك أنه يشير إلى تنامي الوجود الإسلامي في الغرب – الذي يساهم في بروز الخطابات العدائية، على غرار دعوات لحظر ارتداء الحجاب أو الاعتداء على النساء المسلمات من قبل أفراد من الشعب.
مع ذلك، أُجادل بأن التركيز على قضية الحجاب يتعدى كونه مجرد علامة على الاختلافات الثقافية المتعنّتة، ذلك أنه ينذر بحقيقة أعمق بشأن وعود حظره. تدور قضية الحجاب حول سؤال أكثر زعزعة للاستقرار: ما الذي يجعل الجسد، المحجوب والمكشوف، يتحمّل عبء القيم الحضارية، ويواجه الحرية المحدودة والقيود؟
نظرة ناقدة
يشجّعنا تتبع الحجاب من خلال رؤية وتصوّرات النساء المسلمات في المشاريع الليبرالية العلمانية للإنسانية والحركة النسائية وكراهية الإسلام، على التفكير بشكل أعمق في المعتقدات التي تدعم عالمنا الأخلاقي والظروف التي نحقق من خلالها الحرية والمعرفة والحقيقة والسلامة الجسدية – أو بالأحرى كل الدوافع العالمية التي يمكن أن تؤدي إلى نهايات مدمرة.
في الأوقات العصيبة، عندما يمكن أن تُستغلّ نظرتنا تجاه “الآخرين” – من هم؟ ما الذي يريدونه منا؟ وماذا يمكن أن يفعلوا لنا؟ – تصبح الاتهامات والجدران والحظر بمثابة الترياق الوحيد، مما يجعل النظرة النقدية حول هذه الارتباطات المرتابة أمرا ضروريا لتوسيع الخيال الاجتماعي والسياسي، وإفساح المجال للتفكير العاطفي.
المصدر: ميدل إيست آي