تأخر علاوي في عرض المنهاج الوزاري وكابينته الوزارية، لعدم الاتفاق على الحصص والمكاسب بين الكتل والمضي بالتصويت عليها في البرلمان، فكل حزب أو كتلة لا تحصل على مكاسب مرضية تلقي الشروط والعراقيل أو التهديدات على محمد علاوي رئيس الوزراء المكلف أو على شركائهم السياسيين، فمقتدى الصدر وضع شروط لدعم علاوي بأن تكون كابينته مستقلة وهدد باقتحام الخضراء إن كانت كابينة محاصصة ولم تكن حكومة مستقلين، أما تحالف الفتح – القريب على إيران – فبعد أن كان داعمًا لعلاوي، بدأ بعض نوابه بوضع شروطهم التي تصب في مصالح إيران كإخراج القوات الأمريكية وتنفيذ الاتفاقية مع الصين.
كما أن تحالف القوى السنية الرافض لعلاوي، وضع مطالب تتعلق بالمكون السني كسحب الميليشيات من المدن وإعادة الإعمار والنازحين، إلخ، للتصويت عليها ثم طالبوا باستبدال علاوي بشخصية أخرى وقرروا عدم حضور الجلسة، ووقعت مشادات كلامية بين رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي (رئيس تحالف القوى) ونائب رئيس المجلس حسن الكعبي عن التيار الصدري بسبب الجلسة الاستثنائية التي رفعت حتى الأسبوع المقبل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني وخلافات الكتل والأحزاب، فالكرد رفضوا نية علاوي لاختيار شخصيات كردية للكابينة وهم من حصة المكون الكردي دون التنسيق معهم، وقد فشلت المفاوضات في التوصل لحل يرضي الطرفين.
الخطاب الشعبوي
بعد أن استخدم التيار الصدري ميليشياته (أصحاب القبعات الزرق) في الاعتداء على المتظاهرين الذين عارضوا تكليف محمد توفيق علاوي لرئاسة الوزراء وقمع الرافضين له وضرب كل من يرفع لافتات تقول لا لعلاوي، بدأ زعيم التيار الصدري يمارس ذات الدور ضد شركائه السياسيين من المكونين السني والكردي الرافضين لتمريره ومنحه الثقة في البرلمان، فقد صرح تصريحات شعبوية وهدد القيادات السنية بإعادة تفعيل جيش المهدي سيئ الصيت الذي ارتبطت به الحرب الطائفية 2006 – 2008 التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الشباب دون أن يحمّله أحد مسؤولية قانونية أو أخلاقية على ما قاله.
من جهة أخرى واجه الصدر ضغوط الكرد برفض كابينة علاوي بضغط مضاد، وذلك بوصف البيشمركة الكردية “حرس الإقليم” بالميليشيا التي يجب حلها، ووضع شرط حل ميليشياته وميليشيات الحشد الشعبي مرهون بحل البيشمركة التي تعتبر حرس خاص بالإقليم ومذكورة بالدستور العراقي ومختلفة عن الميليشيات الخارجة عن القانون.
الجلسة الاستثنائية
تأجلت الجلسة الاستثنائية التي دعا إليها أكثر من 50 نائبًا للتصويت على نيل الثقة من عدمها في البرلمان لـ4 مرات، وذلك بسبب الخلافات السياسية والمفاوضات المعقدة على حصص والكتل والأحزاب من كعكة الكابينة الوزارية، فقد تغيرت مواقف الكتل والأحزاب عدة مرات بين رفض الكابينة والتحفظ عليها أو تأييدها ضمن شروط أو تخويل علاوي باختيار كابينته أو رفض شخص علاوي والمطالبة بتكليف غيره، وذلك بحسب تغير الحصص والمكاسب باستمرار بين هذه الكتلة أو تلك.
فقد تفككت الكتل والأحزاب المتحالفة ثم التأمت بفترات قياسية لعدم الاتفاق داخل الكتلة الواحدة على المكاسب التي تتضمن (منصب الوزير، الوزارة، الوكلاء العامون، الدرجات الخاصة، الهيئات المستقلة) مع الاختلاف على رؤية علاوي وآلياته في اختيار الكابينة، مما أدخل العملية السياسية في أزمة التوافق والتحاصص بين المكونات وعقَّد أزمة تشكيل الحكومة.
واشنطن تراقب
بعد خلافات بين قوى تحالف الفتح وضعت بعد القوى القريبة من إيران شروطًا لعلاوي لتمريره في البرلمان، أبرزها تنفيذ قرار إخراج القوات الأمريكية من العراق وتنفيذ الاتفاقية الصينية وترك الحشد الشعبي (مستقلًا) دون دمج بوزارتي الدفاع والداخلية، وذلك في توقيت حساس قبل عرض المنهاج الوزاري على أعضاء البرلمان بساعات.
بومبيو باتصاله نصح علاوي بإرضاء القوى السنية والكردية وإشراكهم بالحكومة من جهة، والتأكيد على الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق من جهة أخرى
الولايات المتحدة تعاملت مع علاوي وأرسلت له عدة رسائل بمكالمة هاتفية من بومبيو فيها تحذير وتوجيه ثم بإصدار قرار أمريكي يتعلق بعقوبات على شخصيات وكيانات ميليشياوية مرتبطة بإيران لعدة دول كان من بينها العراق وتحديدًا حزب الله العراقي وأمينه العام أحمد الحميداوي مع تحميل ميليشيا عصائب أهل الحق مسؤولية الهجمات على المصالح الأمريكية.
بومبيو باتصاله نصح علاوي بإرضاء القوى السنية والكردية وإشراكهم بالحكومة من جهة، والتأكيد على الشراكة بين الولايات المتحدة والعراق من جهة أخرى، كما طالب بحماية المصالح الأمريكية والبعثات الدبلوماسية والمتظاهرين وحصر السلاح بيد الدولة، وجميع هذه الأمور لا تصب في مصلحة إيران ولا نفوذها، وهي إشارة مبدئية بضرورة العمل مع واشنطن على تقويض النفوذ الإيراني أو عدم التساهل معه كما فعل عبد المهدي.
السيناريو المحتمل
تستطيع القوى الشيعية إكمال النصاب القانوني في جلسة استثنائية لمجلس النواب والتصويت بالأغلبية (بالنصف + 1) ومنح الثقة لعلاوي، لكن الأزمة ستتعقد أكثر لأن التحاصص الذي حكم العملية السياسية والاتفاق على المكاسب أهم من أن تنال الحكومة الثقة، ومعظم القوى الشيعية تُدرك خطورة الذهاب بعيدًا بقرار طائفي مكوناتي بعيد عن الشراكة كما حصل مع قرار إخراج القوات الأمريكية وردود الفعل والانقسام بشأنه.
ستعتمد أزمة تمرير الحكومة في البرلمان من عدمه على مفاوضات ومشاروات الساعات الأخيرة بين الكتل، وقد تحدث مفاجآت تقلب الموازين وتمرر الحكومة بوجود مؤشرات تدل على تراجع التزمت بالرأي وتقدم المرونة في الحوارات مما قد يقنع القوى بتمرير علاوي الذي يتطلع للمنصب بأي ثمن
دستوريًا، إذا لم تُمرر الحكومة الأسبوع المقبل وأصر عادل عبد المهدي على تنفيذ قراره بالتخلي عن حكومة تصريف الأعمال مع الانتهاء من الفترة المحددة (شهر) دستوريًا لتشكيل حكومة علاوي التي ستنتهي في 8 من مارس القادم (كحد أعلى مع احتساب العطل)، فإن منصب رئيس الوزراء سينتقل إلى رئيس الجمهورية وفق المادة (8 – أولًا) من الدستور وعليه تكليف شخص آخر خلال 15 يومًا لتشكيل حكومة جديدة وفق المادة (76)، علمًا بأن المادة لم تحدد هل هذا الشخص من الكتلة الأكثر عددًا أم لا، وذلك بعد الإخفاق مرتين بتكليف عبد المهدي وعلاوي، مما قد يدفع رئيس الجمهورية لتكليف شخصية قد لا ترضي الجميع للخروج من ضغوط الكتل واتهاماتها.
أخيرًا، ستعتمد أزمة تمرير الحكومة في البرلمان من عدمه على مفاوضات ومشاروات الساعات الأخيرة بين الكتل، وقد تحدث مفاجآت تقلب الموازين وتمرر الحكومة بوجود مؤشرات تدل على تراجع التزمت بالرأي وتقدم المرونة في الحوارات مما قد يقنع القوى بتمرير علاوي.