“قبل عام 1947، دفع محمد علي جناح (مؤسس جمهورية باكستان) لإنشاء أمة إسلامية، لقد كانت سقطة من أسلافنا ما زلنا ندفع ثمنها. لو أرسل الإخوة المسلمين إلى هناك وجلبوا هندوسًا إلى هنا، فلن نكون في هذا الموقف الآن”، هذا ما قاله وزير في حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، متماشيًا في رأيه مع وجهة نظر أحد أعضاء الحكومة الذي أشار بدوره إلى نفس النقطة واعتبر عدم إرسال المسلمين في ذاك الوقت إلى باكستان خطأ جسيمًا.
بعد يومين فقط من إذاعة هذا الخطاب وغيره من التصريحات المتطرفة الصادرة عن الحزب القومي الهندوسي (بهاراتيا جاناتا) انقلبت الهند رأسًا على عقب على رؤوس المسلمين، فقد تصاعدت مشاعر العنصرية والكراهية ضد المسلمين، وصلت حد الاعتداء على المساجد وإشعال النيران في ممتلكات المسلمين ونهب متاجرهم ومنازلهم وإحراق امرأة تبلغ من العمر 85 عامًا على قيد الحياة، وتعريض آخرين لضرب مميت، وخطف طفل عمره عامين ليروا إذا كان مختونًا كما يفعل المسلمون أم ليس كذلك مثل الهندوس.
أدت هذه الهمجية إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا (منها حالات حدثت نتيجة تحطم الجماجم وبتر أعضاء معينة من الجسم) وإصابة أكثر من مئتين آخرين، ومع ذلك لم تكن هذه الحوادث بحد ذاتها مفاجأة، ولكن فاجعتها أعادت إلى الذاكرة الكثير من الحوادث والمشاهد الصعبة، فمنذ استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية، والبلاد تشهد العديد من جرائم الكراهية الفظيعة على مرأى العالم ومسمعه.
وحشية السياسة وغياب القانون
تزامنت الاعتداءات العنيفة في الهند مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البلاد. المثير للسخرية في هذا التوقيت، أن ترامب أشاد بمودي لكونه بطل “الحرية الدينية” بينما كان المئات من الغوغاء الهندوس قد هاجموا المتظاهرين المسلمين الذين يحتجون على قانون تعديل المواطنة الذي أقره البرلمان الهندي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويتيح منح الجنسية للمهاجرين غير النظاميين الحاملين لجنسيات بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، ولكنه يستثني المسلمين من هذا الحق، ويزيحهم بعيدًا عن ثقافتهم وهويتهم، دون أن يمنحهم أي حقوق مدنية.
اتخذت شرطة دلهي موقفين لا ثالث لهما، فإما وقفت مكتوفة الأيدي أو رافقت الغوغائيين في هجماتهم ومنعت القنوات التليفزيونية من تصوير وتوثيق جرائم العنصرية، ما يدلل على تشجيعها لمثل هذه الأفعال، فبحسب مراسل “رويترز” ديفجيوت غوشال، قال في تغريدة على “تويتر”: “لعدة ساعات وقفت الشرطة، التي زاد عدد المؤيدين لقانون الجنسية على عددها، دون أن تفعل شيئًا، ولم تحاول وقف العنف”.
السلطات منعت وصول سيارات الإسعاف إلى الأماكن التي وقعت فيها الاشتباكات في أعنف الهجمات الطائفية في نيودلهي منذ عقود
وأضاف “وقفت عناصر الشرطة مكتوفة الأيدي عندما اعتدى الغوغاء على متجر يحمل اسمًا إسلاميًا، وبدأوا بجر السيارات وإشعالها”، وتابع كلامه قائلًا: “كان هناك بعض التنسيق أيضًا، وصاح شرطي مؤيد للمتظاهرين المؤيدين لقانون الجنسية، قائلًا (ارموهم بالحجارة) خلال المعارك بين الطرفين”.
وذلك عدا عن تصريحات بعض الأطباء الذين أفادوا بأن السلطات منعت وصول سيارات الإسعاف إلى الأماكن التي وقعت فيها الاشتباكات العنيفة، وبذلك وقف المسلمون وحيدين أمام ضربات العصي والحجارة ونيران الحرائق في أعنف الهجمات الطائفية في نيودلهي منذ عقود.
أسوأ أعمال العنف منذ 72 عامًا
يبلغ عدد سكان الهند أكثر من 1.3 مليار نسمة، 80% من الهندوس و14% من المسلمين، مما يعني أنه يسكنها عدد من أكبر السكان المسلمين في أي بلد بالعالم، ولكن حكومة مودي الهندوسي القومي ترفض هذه الحقيقة، وتسعى كلما تمكنت من تصدير المسلمين في صورة الجسم الغريب الدخيل على المجتمع الهندي الذي لا يشبهه ولا يمكن أن يكون جزءًا منه.
وخلال 72 عامًا من استقلال الهند، لم تشهد البلاد أزمة أكثر خطورة من التي تمر بها حاليًّا، فقد تم الضغط على مؤسساتها ومحاكمها ووسائل الإعلام ووكالات التحقيق ولجان الانتخاب لكي تطأطئ رأسها لسياسات مودي وتوجهاته الدينية المتطرفة، مع تكميم ممنهج لصوت المعارضة السياسية، ما ساعد في بناء نظام بيئي هندوسي وطني خطير.
إذ عين السيد مودي متطرفين هندوس في مناصب حكومية عليا، بما في ذلك يوجي أديتياناث، رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية في الهند، الذي وصف المسلمين بـ”قطيع حيوانات” ووعد بشن “حرب دينية”، كما قال عن المتظاهرين على تعديل حق المواطنة “إذا لم يفهموا بالكلام، سيفهمون بالرصاص”.
يشعر مؤيدو الحكومة بالقدرة على ارتكاب جميع أنواع الجرائم، لأن لديهم حماية سياسية
إضافة إلى ذلك، وضع السيد مودي حلفاءً قوميين هندوس آخرين على رؤساء الجامعات والمؤسسات الثقافية المهمة، كما تم تغيير أسماء الأماكن – وكذلك الكتب المدرسية – للتقليل من أهمية مساهمة المسلمين في الهند.
في هذا الخصوص، قالت ميناكشي جانجولي، مديرة منظمة “هيومن رايتس ووتش” في جنوب آسيا: “يشعر مؤيدو الحكومة بالقدرة على ارتكاب جميع أنواع الجرائم، لأن لديهم حماية سياسية”، منوهةً إلى دور الحكومة في ترسيخ وسيادة ثقافة الكراهية والتعصب بالهند، فمنذ انتخابه للمرة الثانية، ازدادت جرائم الكراهية ضد المسلمين.
أشهر تلك الجرائم، أعمال العنف التي حدثت في عام 2002، عندما كان مودي يشغل منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات، التي أودت بحياة نحو 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، ولم تتخذ السلطات أي إجراء يذكر لوقت الاعتداءات، وكان أحد كبار ضباط الشرطة قد شهد أمام المحكمة العليا الهندية بأن مودي كان دافع عن هذا العنف باعتباره طريقًا شرعيًا يجب من خلاله السماح للهندوس بالتنفيس عن غضبهم ضد المسلمين.
هل من أمل في التغيير؟
في اليوم الرابع من أعمال العنف، بعد مقتل أكثر من 20 شخصًا، كسر السيد مودي صمته قائلًا: “أناشد أخواتي في نيودلهي على الحفاظ على السلام”، لكن العديد من المراقبين قالوا إن كل ما أسسه مودي في السنوات الأخيرة جعل تحقيق السلام صعبًا. وليس من الواضح ما إذا كان هناك رد فعل، سواء محليًا أم دوليًا، لدفع رئيس الوزراء لتغيير مساره بشكل كبير، لأن ذلك يتعارض مع سياسته في تهميش المسلمين وتشتيت انتباه الشعب عن الوضع الاقتصادي المتدهور.