شكلت ردود الفعل الإيرانية حيال تفشي فيروس كورونا في 26 مقاطعة من أصل 31 مقاطعة إيرانية، حالة غير مفهومة، بسبب الإجراءات الوقائية والعلاجية التي ينبغي أن تتبع لوقف هذا الوباء الذي بدأ يضرب عمق المؤسسة السياسية في إيران.
كان رد فعل الحكومة الإيرانية غامضًا بشكل ملحوظ، ويفضل الأولويات السياسية والدينية على سياسات الوقاية العملية، فعندما بدأ فيروس كورونا بالانتشار في العديد من المدن الصينية، بدأت في الوقت نفسه استعدادت العديد من دول العالم في اتخاذ تدابير احترازية لتلافي تداعيات الأزمة، في حين تبرعت الحكومة الإيرانية بما يقارب 3 ملايين قناع للوجه، وأفرغت أغلب المتاجر الصحية منه، دعمًا للحكومة الصينية في جهودها لمواجهة هذا الفيروس، بالشكل الذي جعل المواطن الإيراني يقف اليوم أمام طوابير طويلة من أجل الحصول على قناع واحد يقيه من خطر الإصابة بالفيروس، كما رفضت إيران أيضًا تقييد حركة المسافرين القادمين من الصين، أكبر شريك تجاري لها، لتجنب أي تأثير ضار على اقتصادها المنهك بفعل العقوبات الأمريكية.
فقبل شهر واحد فقط من الإبلاغ عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في إيران، أسقطت منظومات الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري الإيراني عن طريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية، وهو ما أدخل البلاد في أزمة سياسية وشعبية متصاعدة، أوقعت بالوقت نفسه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمام تحديات تهدئة الجبهة الداخلية، وذلك بسبب تصاعد أزمة الثقة بين النظام والشعب بفعل السلوكيات المتضاربة للنظام السياسي في مرحلة ما بعد قاسم سليماني، بالإضافة إلى تفاقم العزلة الاقتصادية والسياسية بموجب العقوبات الأمريكية.
وبسبب تفشي الفيروس أصبحت إيران اليوم أمام عزلة شعبية، ليجد المواطن الإيراني نفسه ممنوعًا من السفر والتنقل داخل وخارج البلاد، ونتيجة لعزلة النظام، لم يكن من الممكن أن يميل قادة إيران إلى طلب المساعدة الدولية، واعتمدوا بدلًا من ذلك توظيف سياسة المؤامرة تجاه تفشي الفيروس، وأعطوا الأولوية لبقاء النظام ومكانته على صحة وسلامة المجتمع الإيراني.
النائب عن مدينة قم أحمد أميريبادي فرحاني اتهم الحكومة بالتستر على الأزمة
ويمكن القول إن السياسات الإيرانية حيال الأزمات البيئية والصحية التي ضربت البلاد منذ مطلع القرن العشرين، تتشابه إلى حد كبير مع الإجراءات المتبعة اليوم، فخلال الحقبة القاجارية تعرضت إيران لوباء الكوليرا الذي حصد أرواح عشرات الإيرانيين، دون أن تقدم السلطة القاجارية على اتخاذ تدابير علاجية عاجلة، وهو ما أسفر عن حركات احتجاجية وتمردات شعبية اجتاحت العديد من المدن الإيرانية آنذاك، وهو ما تكرر اليوم.
إذ بدا العديد من الإيرانيين متذمرين من الإجراءات الحكومية العاجزة عن احتواء الفيروس، فأحرق العديد من المواطنين مركزًا صحيًا بمدينة بندر عباس جنوب غرب البلاد، بعد نقل الحكومة الإيرانية بعض المصابين بالفيروس من مدينة قم إلى بندر عباس، أي أن الإجراءات الحكومية هي الأخرى تدخل كعوامل مساعدة في نشر الفيروس، وذلك بنقل المصابين من مناطق موبوءة إلى أخرى غير موبوءة.
هذا إلى جانب غلق العديد من الدول المجاورة لإيران حدودها وتعليق التبادلات التجارية والاقتصادية معها، وفرض حظر دولي متزايد على السفر إلى إيران، وانخفاض كبير في العملة الإيرانية التي تعاني جراء العقوبات الأمريكية، وتزايد عدم ثقة المواطنيين بالحكومات المحلية، وذلك بسبب سياسة التعتيم التي تعتمدها حيال عدم الإفصاح عن الأرقام الحقيقية للمصابين، في ضوء حالات وفيات متصاعدة يوميًا، وصلت إلى الدرجة التي اعتبرت فيها منظمة الصحة العالمية الوضع الصحي في إيران مثيرًا للقلق، وهو ما استدعاها أيضًا إلى إبلاغ السلطات الإيرانية عزمها إرسال وفد من منظمة الصحة العالمية للاطلاع على حقيقة الوضع الصحي في إيران.
رفضت وزارة الصحة الإيرانية إنشاء حجر صحي لأي مدينة حتى هذه اللحظة
وعلى الرغم من أن الرئيس حسن روحاني نفى القلق الداخلي المحيط بالوباء باعتباره هستيريا لا مبرر لها، فإن النائب عن مدينة قم أحمد أميريبادي فرحاني اتهم الحكومة بالتستر على الأزمة، مشيرًا إلى أن 50 شخصًا من المدينة توفوا بسبب الفيروس، كما تعرضت مصداقية إيران لضربة كبيرة الأسبوع الماضي عندما اضطر نائب وزير الصحة إيراج حريرجي إلى إعلان إصابته بالفيروس، هذا إلى جانب إصابات أخرى منها نائب رئيس الجمهورية لشؤون المرأة معصومة إفتخار، وسفير إيران السابق في مصر سيد هاشم خسروشاهي، ورئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى مجتبى ذو النور، إلى جانب خمسة نواب جدد في المجلس، ومؤخرًا عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد مير محمدي.
وفي أحدث تقرير رسمي صادر عن وزارة الصحة الإيرانية بلغ عدد الإصابات المؤكدة 1501 حالة، فضلًا عن 66 حالة وفاة في جميع أنحاء البلاد، لتحتل إيران المرتبة الثانية بعد الصين، مما يشير إلى تفشي المرض في إيران بنسب كبيرة، قد تفوق حتى الأرقام الرسمية المعلنة.
كانت استجابة إيران لتفشي المرض تفتقر إلى الشفافية، ويبدو أن هناك الكثير من الأسباب التي دفعت القيادة الإيرانية إلى عدم مصارحة الشعب الإيراني بحقيقة الأزمة، خوفًا من تداعيات داخلية غير مضمونة العواقب، في ظل حالة من الغليان الشعبي التي يعيشها المجتمع الإيراني منذ مطلع العام الحاليّ، إذ رفضت وزارة الصحة الإيرانية إنشاء حجر صحي لأي مدينة حتى هذه اللحظة، كما فشلت في تحديد الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس وعزلهم ومعالجتهم بشكل كافٍ، ومن ثم انتشرت العدوى إلى أغلب المدن الإيرانية، وبدلًا من اتخاذ تدابير عاجلة، راحت السلطات تروج لنظرية المؤامرة، ومنها أن أي محاولة لتقييد الوصول إلى الأضرحة المقدسة في مشهد وقم، هو تقييد للشعائر الدينية ومؤامرة شريرة من جانب الولايات المتحدة لجعل المدن المقدسة غير آمنة.