“مباحثات لن تكون سهلة”.. بهذه الكلمات وصف الكرملين الاجتماع المرتقب بشأن الأحداث في محافظة إدلب شمالي سوريا بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، لكن الجانبين كما أفاد الكرملين “سيعملان على مقاربة وجهات نظرهما بشأن كيفية تنفيذ اتفاقيات سوتشي، والتعهدات التي يجب على كل طرف الوفاء بها”.
هذه القمة التي كثر الحديث بشأن انعقادها، سبقتها العديد من الأحداث الميدانية في سوريا، فأنقرة وموسكو تتسابقان لكسب الوقت والأراضي أيضًا، مع كم مهول من استعراض القوة، إلا أن الجانبين حافظا إلى الآن على مسافة أمان تجنبا فيها الاصطدام المباشر، وكان أردوغان وبوتين قد اتفقا خلال مكالمة هاتفية على ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة لتخفيف التوتر وإعادة الوضع لطبيعته في شمال غرب سوريا.
تعهدات الرئيسين بتخفيف التوتر، أتت بعد حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي حمّل فيها أنقرة “مسؤولية تعثر الحل في إدلب”، مشيرًا إلى أن “الجانب التركي فشل في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي المتعلقة بالفصل بين المعارضة و”الإرهابيين” في الإطار الزمني المحدد”، من جهته قال أردوغان بعد يوم من مقتل عشرات الجنود الأتراك المتمركزين في نقطة خفض التصعيد في إدلب، إنه طلب من بوتين أن “تتنحى روسيا جانبًا في سوريا وتترك لتركيا التعامل مع قوات الحكومة السورية بمفردها”.
بين تلك التصريحات أعلنت تركيا فعليًا بدئها بعمليتها العسكرية في إدلب لدحر قوات النظام إلى حدود سوتشي، وحققت عملية “درع الربيع” تقدمًا على الأرض وأصابت قوات النظام السوري في مقتل من خلال استخدامها لسلاح الطيران المسير الذي حصد عشرات الآليات والدبابات، في الوقت الذي أُسقطت فيه طائرتان حربيتان للنظام في سماء إدلب، إلا أن هذا التقدم لم يدم، إذ عززت روسيا وحلفاؤها جبهة مدينة سراقب لتستعيدها قبل ساعات من لقاء أردوغان وبوتين.
لتعلن وزارة الدفاع الروسية في تصريحات لها إن تركيا “تنتهك الاتفاقيات والقانون الدولي بإدخال قواتها وحشدها في إدلب”، مضيفةً أنه “تم دمج المناطق المحصنة من قبل الإرهابيين مع مراكز المراقبة التركية التي تم نشرها ضمن الاتفاقية”.
يبدو أن هذا اللقاء سيرسم خريطةً جديدة بالنسبة لشمالي سوريا ونفوذ كل جانب فيه، واستعدادًا لهذه القمة يحاول كل طرف فرض واقع جديد على الميدان مع التحشيد المستمر من الأطراف كافة، وفي هذا التقرير نلقي نظرة على السيناريوهات المتوقع أن يخرج منها الاجتماع.
سيناريوهات محتملة
بدايةً تسعى روسيا لتثبيت واقع ميداني جديد قبيل انعقاد القمّة الثنائية بين زعيمي البلدين، وذلك أملًا في أن يساهم ذلك في دعم موقف موسكو خلال المباحثات، بحسب محمد سرميني مدير مركز جسور للدراسات، في الوقت الذي ترى فيه تركيا أنه لا حل إلا بالخروج باتفاق من المباحثات، لأنه في حال عدم الاتفاق سيتعقد المشهد على جميع الأصعدة، فيما ترى واشنطن والاتحاد الأوروبي الاتفاقيات الروسية التركية غير مفهومة.
السيناريو الأول: اتفاق على غرار ما حصل على خلفية عملية نبع السلام التي جرت في مناطق شرق الفرات، ونص على تسيير دوريات روسية تركية في المناطق التي حددتها تركيا لإخراج الوحدات الكردية وفي ذلك الوقت توقفت العملية، أما ما يمكن أن يحصل من اتفاق من أجل إدلب فهو تعهد روسي واضح بإخراج ميليشيات النظام مع تسيير دوريات مشتركة بين الجانبين وضبط الحركة على طريقي m4/ m5، في الوقت الذي تضغط فيه أنقرة على فصائل المعارضة المسلحة للخروج من هذا الخط مع عودة آمنة للمدنيين إلى قراهم وأرضهم.
“قد تعرض روسيا على تركيا انسحاب النظام إلى شرق الطريق الدولي حلب – دمشق M5 وتسيير دوريات على الطريق واتفاق وقف إطلاق نار”، بحسب ما ذكره الباحث في الشأن السوري عبد الله الموسى لـ “نون بوست”، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو يعني وقف “انهيار جبهات إدلب وحلب وعودة مئات آلاف المدنيين إلى منازلهم في المناطق التي هربوا منها قرب الطريق الدولي”. ويضيف الباحث السوري سيكون هذا “اتفاقًا منصفًا” لأنقرة ويجنبها تعقيدات ستتسبب “بخسارات أكبر في صفوف الجنود الأتراك ولا ننسى أن إيران تزج بكامل ثقلها في المعركة إلى جانب النظام وروسيا”.
وبحسب الباحث في الشؤون التركية علي باكير فإن القاعدة الأساسية هي أنّ كلًا من تركيا وروسيا “لا تريدان مواجهة مباشرة، لأنها ليست في مصلحة أي منها، لا سيما إذا كان السبب فيها نظام مهلهل كالأسد، نعم، روسيا تريد أن تدافع عن النظام لكنّها لا تريد أن تصطدم بتركيا”، وهو الأمر الذي يرجح أن البلدين سيجتهدان بالوصول إلى اتفاق من خلال القمة المرتقبة.
السيناريو الثاني: فشل القمة، ما سيجعل تركيا تصرّ على خيارها العسكري، وهذا الأمر مرجح بشكل كبير كما يرى السياسي السوري أسامة أبو زيد، الذي صرّح لـ “نون بوست” قائلًا: “لا أتوقع أن ينجم أشياء مهمة عن القمة الروسية التركية خاصةً أن الاتفاقيات والاجتماعات التي حصلت بين البلدين وما نتج عنها لم يكن محل احترام من موسكو”، وبالتالي فإن أنقرة لا تريد “اتفاقًا جديدًا إنما تصرّ على تنفيذ سوتشي الخاص بإدلب وبالمقابل روسيا مشروعها واضح في سوريا وهو استعادة بشار الأسد سيطرته على كامل الأراضي السورية وهو ما لا يناسب تركيا خاصة بعد العمليات الأخيرة حيث تحول بشار الأسد بالنسبة لها إلى عدو جذري”.
وفي حال فشلت القمة ستكون العودة إلى الميدان بزخم أكبر باعتبار أن تركيا لم تحرك سوى جبهتي سراقب وجبل الزاوية وربما تزج بجنودها إلى جانب حشود كبيرة من الفصائل لفتح خط جبهة طويل جدًا يشتت الطيران الروسي الذي لا يمكن لتركيا أن تسقطه، والكلام هنا للباحث عبد الله الموسى والذي أضاف أنه لا يجب أن “تُعتبر القمة القادمة حاسمة لملف إدلب فما زالت أنقرة تطالب بعودة النظام إلى خلف حدود سوتشي في حين تجد موسكو أنها لم تخسر مناطق مهمة وإنما خسرت فقط مئات العناصر والمدرعات للنظام بسبب الضربات التركية”.
السيناريو الثالث: سيناريو التهدئة، وهو ممكن الحدوث إلا أن سجل التهدئات مع روسيا فشل فشلًا ذريعًا وواضحًا، وهو ما يؤكده أسامة أبو زيد الذي أشار إلى أنه إذا “أفرطنا في التفاؤل فلن ينتج عن هذه القمة إلا تهدئة سرعان ما ستنفجر بعدها المعارك”.
وبالانتقال إلى الصحفي السوري غسان ياسين الذي يختلف رأيه عن باقي الآراء، فإنه يشكك في حصول القمة وانعقادها أساسًا، وفي حديثه لـ”نون بوست” قال ياسين: “لحد اللحظة أشك في انعقاد هذا اللقاء رغم التحضيرات والإجراءات والتأكيدات”، ويُرجع ياسين فرضيته هذه إلى أنه لا يرى أرضية ميدانية واضحة بين الطرفين خاصة بعد حصول العديد من الاجتماعات على كل الأصعدة وكلها باءت بالفشل.
ويرى ياسين أن اللقاء بين زعيمي الدولتين يوحي بوجود “اتفاق نهائي” وهو ما لم يحصل، مشيرًا إلى أن “ما نراه على الميدان هو العكس تمامًا، إنما نرى لحظة افتراق بين الدولتين وهنا لا نتحدث عن مواجهة عسكرية مباشرة نتيجة الافتراق، إنما نتكلم بعدم وجود أرضية جاهز لعقد هذا اللقاء”. وفي حال انعقاد القمة يذكر ياسين أنها ستركز على أحد السيناريوهات السابقة التي ذكرناها وهي الخروج باتفاق لإبعاد قوات النظام إلى حدود معينة من الأماكن التي تقدمت لها القوات النظامية في الأسابيع الأخيرة”.
استكمال درع الربيع
تبرز من بين كل التكهنات تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي قال فيها إن عمليات الجيش التركي في سوريا مستمرة لضمان أمن بلاده القومي، وفي هذا الصدد رأى أسامة أبو زيد أن “درع الربيع مستمرة؛ لأن الرسالة الواضحة من استهداف الجنود الأتراك في إدلب يعني أن كل مناطق السيطرة والنفوذ التركي معرضة لنفس السيناريو ونتكلم هنا عن مناطق درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون واليوم التراجع التركي سيكون أيضًا تراجعًا لها في باقي المناطق ولا مجال للتراجع عن العملية”، وهو ما يؤكده الصحفي غسان ياسين الذي قال إن هذا الضخ التركي للقوات والمعدات العسكرية إنما هو تجهيز لـ”معركة طويلة ومفتوحة”.