اليوم، يحبس الشعب الأمريكي أنفاسه في انتظار نتائج الانتخابات التمهيدية للانتخابات الرئاسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، التي عادةً ما تجرى في ثاني ثلاثاء من شهر مارس/آذار، وهو ما يطلق عليه اسم “الثلاثاء الكبير” أو “الثلاثاء العظيم” لأنه يمكن أن يؤدي إلى فشل أو نجاح أي حملة انتخابية، ويحدد المنافس الذي قد يزيح الرئيس الأمريكي الحاليّ دونالد ترامب، عن كرسي الرئاسة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وبذلك يعتبر أحد أهم المسارات التي تحدد مصير البلاد السياسي للأعوام المقبلة.
وسط هذه الأجواء المتوترة، تتركز أنظار العالم على المعسكر الديمقراطي بالتحديد، لغياب المنافسة في المحور الآخر، إذ تستعر المنافسة على وجه الخصوص بين بيرني ساندرز اليساري ونائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وذلك بالتزامن مع إعلان خبر انسحاب العمدة السابق لمدينة “ساوث بيند”، بيت بوتدجدج، من الساحة، بهدف “توحيد الحزب الديمقراطي لهزم ترامب” على حد قوله، وذلك بعد خسارته المشهودة في ولاية ساوث كارولينا.
تقليد تاريخي قديم
في ثمانينيات القرن الماضي، ظهر هذا المصطلح لأول مرة حين قررت 3 ولايات جنوبية إجراء الانتخابات التمهيدية في نفس التاريخ، وهو ثاني ثلاثاء من شهر مارس/آذار، وقد صادف أول “ثلاثاء عظيم” يوم 8 من مارس/آذار 1988 عندما حظي جورج بوش الأب على ترشيح الحزب الجمهوري.
تشير وثائق أمريكية بأن الكونغرس اختار منذ عام 1845 يوم الثلاثاء تحديدًا، سعيًا لإتاحة فرصة التصويت في الانتخابات أمام المواطنين الأمريكيين، خصوصًا المزارعين منهم، فقد كان آنذاك المجتمع الأمريكي مجتمعًا زراعيًا ويعتمد في التنقل بين المناطق على الخيول، وإن لم تتخذ الولايات قرارًا مثل هذا لتعطلت أعمالهم.
وعلى نفس المنوال، أقر الكونغرس بعد ذلك في عام 1875 الثلاثاء أيضًا يومًا لإجراء انتخابات مجلس النواب، كما أقره مجددًا عام 1914 لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ.
ماذا يجري في يوم “الثلاثاء العظيم”؟
تختلف أحداث ومعطيات هذا اليوم الحاسم في كل مرة تجري فيها انتخابات الرئاسة، ففي انتخابات 2016 مثلًا شاركت 14 ولاية ومنطقة مقابل 24 ولاية في انتخابات 2008، واليوم سوف تصوت نحو 14 ولاية أمريكية (ألاباما وأركانساس وكاليفورنيا وكولورادو وماين وماساشوستس ومينيسوتا ونورث كارولينا وتينيسي ويوتا وفرجينيا وفيرمونت وأوكلاهوما وتكساس)، وإقليمًا واحدًا (ساموا)، أي أكثر من عدد المناطق في أي يوم آخر في عملية الترشيح.
تزداد أهمية هذا اليوم مقارنة بالسنوات الماضية لأن كاليفورنيا (أكثر الولايات الأمريكية ازدحامًا بالسكان، حيث تضم نحو 30% من أعداد المندوبين)، ستصوت في نفس اليوم أيضًا، مما يجعل أصوات الناخبين فيها ذات تأثير بارز على النتائج المنتظرة.
إعلان نتائج الانتخابات التمهيدية لا يستغرق إلا ساعات، لكن الأمر مختلف في ولاية كاليفورنيا لأن الكثافة السكانية العالية فيها تعني وجود أصوات الملايين من الناخبين فيها، مما يتطلب نحو 30 يومًا لإتمام عملية الإحصاء بعد إغلاق مراكز الاقتراع.
يختار الحزبان الديمقراطي والجمهوري مرشحيهما المنشودين للرئاسة، وعندئذ، يقل عدد المتنافسين، لينحصر السباق نحو الرئاسة بين عدد محدود من المرشحين، وهم الأشخاص الذين تكون فرص فوزهم بكرسي الرئاسة أكثر ترجيحًا من غيرهم.
من جهة أخرى، تختار ولايات أخرى عدم الانضمام إلى هذا الحقل وتفضل إجراء انتخاباتها التمهيدية في شهر أبريل/نيسان، أو شهر مايو/أيار، إضافة إلى ذلك كله، تختلف الولايات في تحديد أوقات عملية التصويت، فعلى الرغم من اتفاق عدد منها على المشاركة في نفس اليوم، فإن توقيت انتهائها يتفاوت بين ولاية إلى أخرى، على سبيل المثال قد تنتهي عملية التصويت في ولايتي ألاباما وجورجيا الساعة الثامنة مساءً، ولكنها قد تنتهي في تكساس وأوكلاهوما الساعة السابعة.
رغم وجود بعض نقاط الاختلاف في قواعد “الثلاثاء العظيم”، فإنها تلتقي في نواح أخرى، إذ يحتاج المرشح الديمقراطي عادةً إلى أصوات 2382 مندوبًا للفوز بترشيح الحزب له، أما المرشح الجمهوري فيحتاج إلى 2371 مندوبًا فقط، وبالتالي يختار الحزبان الديمقراطي والجمهوري مرشحيهما المنشودين للرئاسة، وعندئذ، يقل عدد المتنافسين، لينحصر السباق نحو الرئاسة بين عدد محدود من المرشحين، وهم الأشخاص الذين تكون فرص فوزهم بكرسي الرئاسة أكثر ترجيحًا من غيرهم.
كيف يبدو سباق التنافس في يوم “الثلاثاء العظيم” الحاليّ؟
عمدة نيويورك السابق والملياردير الأمريكي مايكل بلومبيرغ، صب اهتمامه وجهده على هذا اليوم مبكرًا، إذ تشير استطلاعات الرأي الأولية إلى ارتفاع شعبيته بعدما أنفق أموالًا تتجاوز قيمتها الـ260 مليون دولار على حملته الانتخابية، منها 115 مليون دولار في ولايات يوم الثلاثاء العظيم، ما يجعله أكثر المرشحين الرئاسيين إنفاقًا على حملاتهم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
استطلاعات الرأي تشير إلى تصدره في أكبر الولايات المشاركة في الانتخابات التمهيدية وهما كاليفورنيا وتكساس، وذلك بحصوله على 35% من أصوات الأولى و29% من أصوات الناخبين في الولاية الأخيرة
ضم سباق الحزب الديمقراطي أكثر من 20 مرشحًا في البداية، ولكنه انتهى بـ8 مترشحين وهم: السيناتور بيرني ساندرز ونائب الرئيس السابق جو بايدن ورجل الأعمال مايكل بلومبيرغ والسيناتورة إليزابيث واريين والنائبة بمجلس النواب تولسي جابارد والسيناتورة إيمي كلوبتشار التي أعلنت انسحابها في اللحظات الأخيرة.
النتائج أظهرت حتى الساعة ارتفاع حظوظ ساندرز، لا سيما أن استطلاعات الرأي تشير إلى تصدره في أكبر الولايات المشاركة في الانتخابات التمهيدية وهما كاليفورنيا وتكساس، وذلك بحصوله على 35% من أصوات الأولى و29% من أصوات الناخبين في الولاية الأخيرة.
ترامب بدوره انتقد الانتخابات التمهيدية التي يجريها الحزب الديمقراطي، على اعتبارها “مزورة ضد ساندرز”، وسط تأملاته بالفوز في جولة رئاسية أخرى مدتها أربع سنوات، فقد بدأ حملة إعادة انتخابه منذ عدة أشهر، مركزًا في أولوياته على الاقتصاد الأمريكي والاتفاقات التجارية التي أجراها خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه، مشيرًا إلى أنه أنجز “أكثر بكثير من أي رئيس آخر”، علمًا أنه في انتخابات 2016 فاز في سبع ولايات في السباق الجمهوري مقابل ثلاث ولايات لمنافسه تيد كروز، فهل يظفر بلقب رئيس أقوى دولة في العالم مجددًا؟
في نهاية المطاف، تتلخص المنافسة بين المرشحين الديمقراطيين ساندرز وبايدن، فعدا عن امتلاكهما برامج انتخابية قوية ومواقف سياسية صلبة، يمتلك كل منهما قاعدة شعبية واسعة، إذ يحظى الأول بتأييد واسع من كبار المشاهير والجماعات اليسارية والمنظمات الشبابية المستقلة ونسبة كبيرة من الطلبة والناخبين الصغار، بينما يعتمد الأخير على تأييد أبناء الطبقة الوسطى وأبرز أعضاء الكونغرس وعلى رأسهم ألكسندريا أوكازيو كورتيز وإلهان عمر ورشيدة طليب وأيانا بريسلي.