ترجمة وتحرير نون بوست
وصل المسلمون إلى المستشفى مصابين بأعيرة نارية وطعنات بالسكين وحروق بالأحماض وتشوهات في الأعضاء التناسلية، كانت مساجدهم قد أحرقت وتهدمت أعمالهم، ومن يقاوم ذلك تُلقى الأحماض على وجهه أو يُطلق عليه الرصاص.
وصلت العصابات الهندوسية بأعداد كبيرة يحملون أعلامًا بلون الزعفران ويهتفون بصرخة الحرب الشهيرة “Jai Shree Ram” التي تعني “المجد للورد راما”.
ورغم أن أعمال العنف هدأت بعد أسبوع من الشغب ضد المسلمين، فإن هناك هدوءًا مضطربًا يسود أجزاءً من دلهي، وما زالت الجمرة التي خلفتها المذبحة مشتعلة حتى الآن، فأظهرت آخر الإحصاءات مقتل 46 شخصًا وإصابة 200 في أسوأ حدث عنف تحت أعين الدولة يستهدف المجتمع الهندي المسلم منذ عقود.
قادمون من أجل المسلمين
لم يكن هذا العنف ضعيفًا أو متقطعًا أو مرتجلًا، لقد سارت العصابات في الشوارع وهي تحمل الأسحلة تجاه المناطق التي يعيش فيها المسلمون لإلحاق الأذى بهم، فعندما تكون هناك صراعات بين المجتمعات الدينية، يتحول الأمر إلى محاولة للبقاء على قيد الحياة.
في البداية، كان مفهومًا أن العصابات تستهدف المحتجين الذين يحاولون الاعتصام بسبب تعديل قانون المواطنة “CAA” الذي يعد تمييزًا ضد المسلمين، حيث إنه يمنح الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان إذا كانوا غير مسلمين فقط.
رغم أن العنف قد يكون أمرًا كريهًا لعموم الهنود، فإن هذا المجتمع لا ينبذ العنف إذا كان موجهًا للمسلمين
لكن سرعان ما تحول الهجوم ضد المسلمين جميعًا، لقد تم استهدافهم في منازلهم وفي المساجد والشوارع، حتى إن أسرة مسلمة اضطرت للاختباء فوق السطح لمدة 14 ساعة بعد أن أحرق الهندوس منزلهم.
أنكر رافيش كومار المتحدث الرسمي باسم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أن يكون لحكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أي علاقة بإشعال التوترات الدينية أو أي دور في أعمال الشغب، رغم أن الشرطة وصلت متأخرة أو وقفت لتشاهد ما يحدث فقط دون أي تدخل.
قال هيماني بهانداري الصحفي من جريدة “The Hindu” عند تغطيته أحداث العنف في بداية الأسبوع إن أحد رجال عصابة الهندوس قال له: “إذا أراد المسلمون البقاء هنا في دلهي فيجب عليهم أن يعيشوا مثلما نريد”، وذلك في إشارة إلى إنهاء الاحتجاجات أولًا وخضوع المسلمين واستسلامهم إذا أرادوا البقاء على قيد الحياة.
رغم أن الجنون الذي حدث الأسبوع الماضي كان يدل على أن المذبحة تمت برعاية الدولة ضد المسلمين، فإن الجرأة في القيام بذلك لم تكن لتحدث دون موافقة الجمهور الهندي الأكبر، بمعنى آخر، رغم أن العنف قد يكون أمرًا كريهًا لعموم الهنود، فإن هذا المجتمع لا ينبذ العنف إذا كان موجهًا ضد المسلمين.
عبء أبدي
هذه الدولة لم تسمح أبدًا لأي معارضة مسلمة أن تتحدث عن أحوالها، الأصوات المسموح بها فقط هي الأصوات القومية الموالية للدولة، إذا كان هناك أي مسلم ناجح في السياسة أو الرياضة أو الثقافة، فهذا يعني أنه أثبت ولاءه وقوميته ودعمه للدولة.
يتحمل الهنود المسلمون عبء تمييز أنفسهم عن “المسلمين السيئين” و”الإرهابيين” و”الغزاة” الذين تسقطهم الدولة على المجتمع، هذا يعني تمييزًا دائمًا فيما يتعلق بالحصول على منزل أو وظيفة أو أي فرصة، وبعد أحداث 11 سبتمبر استعارت الهند القاموس الإرهابي لقمع أي شكل من أشكال الفكر الإسلامي الناقد.
إن قرار المحكمة العليا في نوفمبر بتهدئة مشاعر الأغلبية والحكم بأن موقع مسجد بابري في أيوديا الذي دمرته العصابات القومية الهندوسية عام 1992 سيكون مكانًا لمعبد جديد، وكذلك الصمت إزاء اعتقال الأكاديمي شارغيل إمام بتهمة التحريض لأنه وقف مع مبدأ حقوق المسلمين كبشر وتجاوز اللاإنسانية التي تحصرهم الدولة فيها، هو تمامًا نوع الإجماع الذي يثريه اليمين المتطرف لتحقيق أهدافه في الإبادة الجماعية، لكن المشكلة تكمن في أن علمانية الدولة الهندية كانت دائمًا رواية قسرية.
أمة هندوسية
قال الكاتب بدري رينا إن العديد من القادة الأصليين بعد استقلال الهند والمعارضة الرئيسية في البلاد المتمثلة في حزب الكونغرس يعتقدون أنه رغم التعددية الاجتماعية في الهند منذ قرون فإن الهند أمة هندوسية في عمقها، وأضاف “ما الذي يفسر حقيقة أن منظمة الكونغرس لم تحاول أبدًا تقديم مبادرة – مجرد تقديم وليس تطبيق – لتغيير التحيزات الاجتماعية لقوات الشرطة الهندية؟”.
عندما وقعت مذبحة ولاية غوجارات عام 2002 التي قتل فيها أكثر من 1000 مسلم، أصبح سرًا معروفًا أن مودي – الذي كان حينها رئيس حكومة تلك الولاية وكان ينفي دائمًا وقوع أي مخالفات – سمح بوقوع أحداث شغب ضد المسلمين.
يبدو أن الوقت مناسب الآن للاعتراف بأن العنف ضد المسلمين وشيطنتهم هو الداعم الأساسي للوحدة الهندية
يقول نيلانجان موخوبادهياي الذي كتب السيرة الذاتية لمودي إن المسلمين في غوجارات كانوا مرعوبين للغاية بعد أحداث 2002 حتى إنهم امتنعوا عن الإيحاء بأنهم يتعرضون للتمييز، وتحت حكم مودي تحولت العلاقات بين المسلمين والهندوس بشكل كبير من لطف ظاهري إلى وضع مغاير تمامًا.
في بعض قرى ومدن غوجارات توقف المسلمون عن طبخ أي طعام غير نباتي في منازلهم بسبب الضغط المجتمعي من الهندوس، وهناك من غيروا أسماءهم إلى أسماء هندوسية ليتمكنوا من الحصول على وظيفة.
يروي موخوبادهياي أن رجلًا حكى له ما فعلوه في رجل مسلم أراد الزواج من امرأة هندوسية، حيث قال: “لقد ضربناه بشدة حتى لا يجرؤ أي رجل مسلم على النظر إلى امرأة هندوسية مرة أخرى، وفي الأسبوع الماضي أجبرنا رجلًا مسلمًا على تناول نفاياته بالملعقة ثلاث مرات”.
اليوم، عندما وقفت الشرطة بجوار الغوغاء وهم يحرقون المسلمين ويدمرون ممتلكاتهم، يحاول العديد من الصحفيين والاقتصاديين وعلماء السياسة ممن منحوا موافقتهم الليبرالية على شيطنة المسلمين، إظهار أنفسهم كرعاة للحق والعدل.
لذا بدلًا من ادعاء الذهول في أعقاب انهيار مظهر الدولة العلماني، يبدو أن اليوم هو أفضل وقت للإقرار بأن العنف ضد المسلمين وشيطنتهم هو الركيزة الأساسية للجمهورية الهندية.
المصدر: ميدل إيست آي