فجرت محاكمة المتهمين ومنهم الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ورجال أعمال بارزين في ملف قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بمجلس قضاء العاصمة، نقاشًا جديدًا في الساحة الجزائرية بشأن إمكانية محاكمة رأس النظام السابق بعد أن رمى الوزيران السابقان عبد المالك سلال وأحمد أويحيى الكرة في مرماه وطالبا بإحضاره كشاهد في قضايا الفساد.
وأكد كل من أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، خلال جلسة المحاكمة التي انطلقت الأحد الماضي، أنهما كانا ينفذان برنامج الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة الذي يحتفل بعيد ميلاده الثالث والثمانين، وقال سلال في رده على أسئلة القاضي: “من المفروض رئيس الجمهورية السابق يحضر معنا كشاهد” لأنه كما قال “مجرد منفذ لبرنامج سياسي جاء به الرئيس السابق، لا أسير المشاريع بل أنفذ وكل وزير له صلاحيته”.
وجرّت قضية تركيب السيارات والتمويل الخفي للحملة الانتخابية، الكثير من الأسماء في السلطة بما فيهم قائدي الجهاز التنفيذي السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، بينما استثني الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رغم أنه المسؤول الأول عن كل تلك السياسات والقرارات التي تسببت في خسائر مالية كبيرة كانت الخزينة العمومية للدولة ضحيتها الأولى.
وتعالت الأصوات في جمع الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 من فبراير/شباط الماضي، مطالبة بمحاكمة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويعتبر حراكيون إنه من غير المعقول أن يحاكم من عملوا تحت إمرته ويزج بهم في السجن بسبب تورطهم في الفساد في وقت يبقى هو بعيدًا عن المتابعة القضائية.
أسباب قانونية وأخرى صحية
اختلفت آراء المتابعين للمشهد السياسي والقانوني في البلاد، بشأن إمكانية استدعاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة باعتباره القاضي الأول في البلاد خلال أربع عهدات كاملة.
ويرجع الإعلامي والمحلل السياسي أحسن خلاص، في تصريح لـ”نون بوست” أسباب عدم استدعاء الرئيس الجزائري السابق للمحاكمة إلى عدم استحداث محكمة عليا خاصة بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى رغم أن الدستور الجزائري نص على ضرورة استحداثها.
إضافة إلى ذلك يشير خلاص إلى إمكانية مراعاة الحالة الإنسانية والوضعية الصحية للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، كما أن السبب الذي دفعه إلى الاستقالة يوم 2 من أبريل/نيسان الماضي، هو دخول القوى غير الدستورية في الحكم باسمه، والدليل على ذلك تكرار اسم شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة الذي حضر كشاهد في المحاكمة الأولى التي جرت أطوارها في محكمة سيدي أمحمد وسط العاصمة الجزائرية، على تصريحات أدلى بها رجال أعمال بارزين معظمهم مولوا حملة الرئيس السابق بالمليارات.
في حالة قرر القضاء الجزائري استدعاء الرئيس السابق، فستشهد أروقة العدالة الجزائرية فترة ساخنة جدًا
ورفض حينها سعيد بوتفليقة، الإدلاء بشهادته بخصوص تمويل الحملة الانتخابية في أثناء المحاكمة والإجابة عن أسئلة القاضي التي تؤكد وجود علاقة مباشرة بينه وبين رجل الأعمال البارز علي حداد، حيث كلفه بجمع أموال الحملة التي بلغت نحو 800 مليار سنتيم أي ما يعادل نحو 60 مليون دولار.
وفي حالة إذا أدرج اسمه في قائمة المتهمين أو الشهود، يقول أحسن خلاص إنه من الممكن أن يدلي بشهادته عن طريق وسائل الإعلام كما فعل مسؤولون في الدولة الجزائرية، لكن المشكل القائم حاليًّا أن الرئيس السابق هو المتهم الأول في كل القضايا واستدعاؤه كشاهد قد ينفي عنه صفة المتهم.
ومن جهته يقول المحلل السياسي توفيق بوقاعدة لـ”نون بوست” إنه لا يوجد مبرر لاستثناء بوتفليقة من المحاكمة، وحسب نص الدستور الحاليّ فإن القاضي الأول للبلاد لا يحاكم إلا بتهمة الخيانة العظمى، وفي حالة إذا قرر القضاء الجزائري استدعاء الرئيس السابق، فستشهد أروقة العدالة الجزائرية فترة ساخنة جدًا، لأن المحاكمة ستكشف رؤوسًا جديدةً متورطة في قضايا الفساد التي تسببت في استنزاف المقدرات المالية في الخزينة العمومية وتفقير الجزائريين وإضعاف عجلة التنمية.
واستشهد الناشط الحقوقي عمار خبابة، في حديث لـ”نون بوست” بالمادة 177 من الدستور الجزائري التي تنص على أن “رئيس الجمهورية يحاكم أمام محكمة عليا للدولة عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى ورئيس الوزراء الجزائري يحاكم عن الجنايات والجنح التي يرتكبها خلال أدائه مهامه”.
ويوضح أن القانون الجزائري لا يمكن أن يخالف أعلى قانون في الدولة وهو الدستور، وبخصوص إمكانية استدعائه كشاهد، يقول خبابة إن الأمر وارد كأن يأتي هو شخصيًا للمحكمة أو يتم الانتقال إليه نظرًا لوضعه الصحي والاستماع لشهادته بناء على إنابة قضائية.
وفي حال حوكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يؤكد الناشط الحقوقي عمار خبابة، أنه يجب على الحكومة في هذه الحالة إحالة قانون عضوي على البرلمان الجزائري بغرفتيه (الغرفة الأولى والعليا)، يحدد تشكيل المحكمة العليا للدولة وتنظميها وسيرها والإجراءات المطبقة.
ثغرات دستورية
يطرح مطلب محاكمة الرأس الأول في النظام السابق تساؤلات كثيرة لها علاقة بطبيعة النظام السياسي في الجزائر، منها من كان صاحب السلطة الفعلية؟ ومن كان يقرر ويدبر ويسير؟ كما كشفت المحاكمات التي طالت أبرز رموز عصابة نظام بوتفليقة المنهار بعد تعاظم الرفض الجماهيري ضده وجود ثغرات في الدستور الحاليّ.
يقول القيادي في حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، أحمد صادوق، لـ”نون بوست”: “الجزائر مرت خلال العشريتين الماضيتين من الحكم بمرحلة غريبة، فالدستور الجزائري يعطي صلاحيات إمبراطورية للقاضي الأول للبلاد والبرنامج الذي تطبقه الحكومة هو برنامج الرئيس، لكن هذا الرئيس لا يحاسب في البرلمان”، ويشير إلى أنه يحكم ويقرر لكنه لا يحاسب وهذا أمر خطير وهو الذي جعل النظام السابق ورئيسه يتغول على كل المؤسسات.
الإعلامي والمحلل السياسي أحسن خلاص، في حديث لـ”نون بوست”، رأى أنه من “المهم في الظرف الحاليّ أن يستحدث الدستور القادم مؤسسات مستقلة متوازنة تحدد فيها المسؤوليات والسلطات بوضوح، ويفتح المجال لبروز جيل جديد من رجال الدولة الحقيقيين الذين يستطيعون رسم السياسات واتخاذ القرارات وتحمل التبعات أو الانسحاب وفتح عهد جديد تنتهي فيه دولة النظام ويبدأ فيه نظام الدولة دون ذلك لن نخرج من الظلمات إلى النور”.