ترجمة وتحرير نون بوست
منذ أن نشر في مارس/آذار الماضي، أثبت كتاب “The Book You Wish Your Parents Had Read” (الكتاب الذي كنت تود أن يقرأه والديك) أنه يستحق هذا العنوان الطموح، أصبح الكتاب الذي ألفته المعالجة النفسية الإنجليزية وصاحبة عمود للاستشارات فيليبا بيري أكثر الكتب مبيعًا في المملكة المتحدة، لكن بعد نشره في الولايات المتحدة الأمريكية، هل سيجد كتاب بيري الدافئ الحكيم جمهورًا له بين آباء وأمهات الولايات المتحدة؟
في مجال أدب الأسرة المزدحم في أمريكا تميل العناوين إلى الربط بين الحياة الأسرية والجدل الثقافي الواسع، كما أنها تصف تربية الأطفال على أنها عمل مذهل، مع وجود المفهوم الذي يقول إن الآباء يخوضون معركة يومية مع الأطفال كي يرتدوا ملابسهم ويأكلوا ويغتسلوا ويناموا.
يتكون الثلث الأول من الكتاب من هذه التساؤلات: كيف كان يعاملنا والدانا وأشقاؤنا والناس من حولنا في السنوات الأولى من عمرنا؟ ما شعورك كطفل صغير لا يملك السلطة على حياته؟
لكن كتاب بيري بخلاف ذلك لا يعتمد على الذعر الثقافي أو روح الدعابة، فبدلًا من ذلك تطلب بيري شيئًا أكثر صعوبة من الوالدين وهو أن يسلطوا أولًا ضوء التحليل على أنفسهم، فنادرًا ما تجد كتابًا للوالدين يطلب من القراء أن يتأملوا في التربية التي مروا بها والسلوك الذي يتصرفون به كبالغين في أقرب علاقاتهم.
يتكون الثلث الأول من الكتاب من هذه التساؤلات: كيف كان يعاملنا والدانا وأشقاؤنا والناس من حولنا في السنوات الأولى من عمرنا؟ ما شعورك كطفل صغير لا يملك السلطة على حياته؟ يميل العديد من الناس إلى تلطيف تلك الذكريات خاصة تلك الذكريات الصعبة، فنحكي قصصًا تفسر سلوك والدينا أو تقدم عذرًا له، أو نقول إننا على ما يرام الآن ونؤكد لأنفسنا أن المعاملة التي تلقيناها في السنوات الأولى لا تهم كثيرًا.
لكن عندما نصبح والدين فإن هذه التبريرات تجعلنا أكثر عرضة للمحفزات غير المتوقعة من أطفالنا، تؤكد بيري أننا نحمل هذه الذكريات السيئة في أجسادنا حتى لو لم نكن نتذكرها بشكل واع، ونتيجة لذلك من دون قصد نبدأ في دفع أطفالنا بعيدًا عنا في نفس العمر الذي اختبرنا فيه الرفض.
تؤكد بيري ضرورة معاملة الأطفال كأشخاص نحاول أن نبني علاقة معهم وليسوا أشياء نحاول تشكيلها أو مشاكل نسعى لحلها
أما إذا استطعنا أن نتخلى عن دفاعاتنا ونتعاطف مع أنفسنا عندما كنا أطفالًا، فإننا سنكون أقل عرضة للشعور بالحاجة إلى حماية أنفسنا من خلال الابتعاد عن أطفالنا عندما يكشفون مشاعرنا المزعجة.
تشرح بيري ذلك من خلال دراسة حالة “مارك” الذي كان والدًا لطفل صغير، ثم بدأ في الشعور بالملل والانزعاج من دوره الأبوي وابتعد عن شريكته وطُرد من أسرته، حتى إنه اقنع نفسه بأن رحيله لن يشكل فارقًا كبيرًا، في النهاية كشف مارك عن رحيل والده عندما كان عمره 3 سنوات، لكنه كان يعتقد أن هذا الأمر لا علاقة له بما يحدث، كان يعتقد أنه بخير وكذلك سيكون ابنه بخير، لكن عندما بدأ في علاج آثار هجر والده والغضب والحزن اللذين دفنهما بداخله، أصبح قادرًا على إظهار الحب والاهتمام لطفله وإدراك أهمية ذلك.
تنتشر الكثير من دراسات الحالة تلك في أنحاء الكتاب لتوضح مبدأ بيري الأساسي وهو “الشعور مع وليس التعامل مع أطفالنا”، كما أنها توضح مقدار التباين بين الأسر المختلفة، ترفض بيري في كتابها مرارًا وتكرارًا أن تقدم نصائح لتنمية الأطفال أو إرشادات بشأن موقف أو مرحلة معينة، فهي تؤكد ضرورة معاملة الأطفال كأشخاص نحاول أن نبني علاقة معهم وليسوا أشياء نحاول تشكيلها أو مشاكل نسعى لحلها.
بالنسبة للآباء القلقين الذين يسعون لإثراء وتحسين طفولة أبنائهم تؤكد بيري أن التواصل البسيط والوقت الذي تقضيه الأسرة معًا أمر ضروري للغاية، فهدفنا أن نبني أساسًا من الحب والدعم داخل الأسرة، وليس أن نربي طفلًا يمكنه المنافسة والفوز في السوق العالمية.
وفقًا لذلك، فهذه العلاقة تبدأ بالمشاعر، فلا يهم مدى مقدرتنا على تقييم قدراتنا في التفكير العقلاني كبالغين، فلا أحد منا بدأ حياته وهو قادر على التفكير أو التواصل بالكلمات، وهذا لا يعني أن الأطفال ليسوا أشخاصًا، بل إنه يذكرنا بأن البشر يشعرون أولًا قبل أن يستطيعوا التفكير.
إن الطفل الذي يُظهر سعادته طول الوقت، تأكد أنه يدفن حزنه وغضبه
إننا جميعًا مخلوقات عاطفية، مهما كانت قدرتنا على إخفاء أو إنكار المشاعر غير السارة، تقول بيري إنه من الضروري أن نسمح للأطفال بالتعبير عن كامل مشاعرهم ونساعدهم على الحديث عنها بما في ذلك المشاعر السلبية التي تخيفنا.
وهي تعترف بالطبع أن الوالدين يرغبان في رؤية أبنائهم سعداءً، لكن الطفل الذي يُظهر سعادته طول الوقت، تأكد أنه يدفن حزنه وغضبه، ربما لأنه اكتشف أو فهم أن والديه لا يرغبان في رؤية ذلك.
إن حضور هذه المشاعر يتطلب قوةً وصبرًا وجهدًا كبيرًا، لذا تقدم بيري بعض النصائح عن كيفية التعامل مع ذلك، وفي النهاية فالهدف من ذلك عدم الحكم على أطفالنا أو أنفسنا وقبول أننا لن نفعل الصواب دائمًا، الأمر الجيد في ذلك أنه عند ارتكاب الوالدين خطأ ما – مثل الابتعاد عن مشاعر أطفالهم أو أن يتركوا تلك المشاعر تؤثر عليه بقوة – فسيكون لديهم الفرصة للاعتراف بخطأهم والاعتذار ومحاولة تحسين الوضع في اليوم التالي.
إن الرسالة الأساسية لكتاب بيري واضحة وسهلة، في الواقع لقد تحدثت عنها في أول صفحة عندما قالت: “يحتاج الطفل إلى الدفء والقبول والتلامس الجسدي والحب بالإضافة إلى الحدود وحضورك المادي والتفاهم واللعب مع الناس من جميع الأعمار والمرور بتجارب مريحة والبعض من اهتمامك ووقتك”.
لم تكن الفلسفة ما جعل الكتاب الأكثر مبيعًا، لكنه التأكيد أن الوالدين ليسا لوحة فارغة، تقدم بيري الحكمة التي قد يستفيد منها الجميع، ليس الوالدان فقط بل كل من مروا بمرحلة الطفولة.
المصدر: ميديوم