ترجمة وتحرير: نون بوست
“الولايات المتحدة في حالة حرب لإنقاذ روح الأمة”؛ كانت هذه رسالة جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق ومرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، من قلب حملته الانتخابية والفائز، وفقًا للنتائج الأولية، في 8 من أصل 11 ولاية تنافس فيها المرشحون الديمقراطيون في الانتخابات التمهيدية فيما يعرف “بالثلاثاء الكبير” في الثالث من آذار/مارس الحالي.
يبدو أن بايدن يتمتع بحظوظ وافرة بين المرشحين الديمقراطيين العديدين الذين يأملون في منع إعادة انتخاب دونالد ترامب، لا سيما بعد العودة الكبيرة التي سجلها في السباق ضد المنافس الرئيسي بيرني ساندرز، الذي كان في المقدمة حتى يوم أمس. على الرغم من صورته المعتدلة وثقته التاريخية في حلول الحزبين، إلا أن بايدن كان محور هجمات الحزب الجمهوري خلال “فضيحة أوكرانيا”، التي أدت إلى عملية محاكمة ترامب، وهدفا مستمرا لتغريدات الرئيس الاتهامية. في مناخ سياسي أكثر استقطابًا من أي وقت مضى، يقدم بايدن نفسه للناخبين باعتباره مواصلا لعهد أوباما، بعد مسيرة سياسية طويلة وحياة أسرية مليئة بالمآسي.
ولد جوزيف “جو” بايدن في ولاية بنسلفانيا سنة 1942 من عائلة كاثوليكية من أصل إيرلندي. ومنذ أن كان طالبا شابا في الحقوق، كان لديه أفكارا واضحة وفي أول مواعيده مع نيليا هانتر، التي أصبحت فيما بعد زوجته، اعترف برغبته في أن يُنتخب سيناتورًا في غضون 30 سنة ثم رئيسًا. وسنحت له الفرصة لتحويل الحلم إلى واقع ملموس بعد ثماني سنوات، عندما لم يظهر منافس في انتخابات أحد أعضاء مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير أمام كاليب بوغز المنتهية ولايته، وهو جمهوري قريب من التقاعد لكن أقنعه الرئيس ريتشارد نيكسون آنذاك بالترشح لفترة ثالثة.
حينها، كان بايدن محاميا شابا وعضو مجلس مقاطعة، لكنه استغل الفرصة وقرر مع الفريق الانتخابي الصغير بقيادة شقيقته فاليري دخول هذا المجال. وكان هو الوجه الديمقراطي الجديد والفتيّ الذي يختاره الناخبون في ديلاوير في مواجهة الجمهوري المنتهي ولايته، بفارق ضئيل بالكاد يتجاوز ثلاث آلاف صوت رغم أنه دخل السباق دون تمويلات ويعد غير معروف لدى الناخبين، في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 1972 انتُخب جو بايدن سيناتور الولايات المتحدة قبل أقل من أسبوعين من احتفاله بعيد ميلاده الثلاثين.
لم يتوقف بايدن عن التفكير في السباق إلى البيت الأبيض، لذلك قرر المحاولة مجددا بعد 20 سنة
لكن، لم تدم فرحته طويلاً. ففي 18 كانون الأول/ديسمبر، بينما خرجوا لشراء هدايا عيد الميلاد، توفيت زوجته وابنته نعومي، البالغة من العمر سنة واحدة في حادث سير تعرضت له السيارة التي كان على متنها أطفالهما الثلاثة. وقبل بضعة أسابيع من بدء ولايته في مجلس الشيوخ، فكر بايدن في التخلي عن وظيفته للعناية بطفليه الباقيين على قيد الحياة، وهما بو وهنتر. ولكن تمكن الزملاء الديمقراطيون من إقناعه عن العدول عن ذلك وبالإستمرار، وبعد بضعة أشهر صعبة، وضع بايدن أسس لإحدى أطول المسيرات في مجلس الشيوخ، ويثبت بايدن بذلك أنه مشرّع فعال للغاية، وقادر خاصة على إيجاد نقاط تواصل وتسويات بين الديمقراطيين والجمهوريين، وفي سنة 1974 أدرجته مجلة تايم من بين “200 وجه للمستقبل”.
ما زال طموح سنوات الجامعة حيا، بعد مرور 15 سنة على انتخابه في مجلس الشيوخ، قرر بايدن، الذي اهتدى إلى الاستقرار العائلي مع زواجه الثاني، الترشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لسنة 1988. وعلى الرغم من أنه كان يتمتع بحظوظ وافرة، إلا أنه لم يحقق النجاح في استطلاعات الرأي، وفي أيلول/سبتمبر 1987، انسحب من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
استمرت تجربته في مجلس الشيوخ بنجاح وترأس لجنة العدل من سنة 1987 إلى سنة 1995، ثم لجنة الشؤون الخارجية من سنة 2001 إلى سنة 2003 ثم من سنة 2007 إلى 2009. وكان معارضًا لتدخل الولايات المتحدة في حرب الخليج الأولى، بدلاً من ذلك صوت بايدن لصالح عمليات الناتو في البوسنة والهرسك وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية وغزو أفغانستان في سنة 2001 والعراق في سنة 2002.
على إثر المحاولة الأولى الفاشلة، لم يتوقف بايدن عن التفكير في السباق إلى البيت الأبيض، لذلك قرر المحاولة مجددا بعد 20 سنة، وترشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية لسنة 2008. بفوز باراك أوباما، لم تكن استطلاعات الرأي هذه المرة أيضا لصالح سيناتور ديلاوير، الذي انسحب في كانون الثاني/يناير لدعم أوباما.
من المحتمل أن تكون هذه الانتخابات آخر فرصة لجو لتحقيق حلمه الطلابي وإذا حقق الفوز فسيبلغ عمره يوم تنصيبه 78 سنة
شكلت الانتخابات الرئاسية التمهيدية لسنة 2008 فرصة لبايدن وأوباما لبدء تعاون سياسي سيتحول إلى صداقة عميقة على مر السنين. وتبرز العلاقة بين الاثنين في الدور الذي سيلعبه بايدن على مدى ثماني سنوات من إدارة أوباما كنائب رئيس الولايات المتحدة. بعد أن ترسخت في الفترة المؤلمة لمرض وموت نجل بايدن الأكبر بو، توجت الصداقة مع أوباما في نهاية الولاية الثانية، عندما منح الرئيس نائبه وسام الحرية الرئاسية، وهو أعلى تكريم مدني في الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى اليوم، ترتبط صورة بايدن العامة ارتباطًا وثيقًا بسنواته مع أوباما، وفي المحاولة الثالثة للفوز بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، غالبًا ما يأتي التصفيق الحار في اجتماعاته عندما يتم ذكر الأهداف التي توصل إليها الطرفان.
من المحتمل أن تكون هذه الانتخابات آخر فرصة لجو لتحقيق حلمه الطلابي، وإذا حقق الفوز فسيبلغ عمره يوم تنصيبه 78 سنة وسيكون أكبر رئيس على الإطلاق يستقر في البيت الأبيض (وهو ما ينطبق أيضا على ترامب، الذي إذا أعيد انتخابه سيبلغ 74 سنة). وإذا كان قد تغلب حتى الآن على العقبة الرئيسية في محاولتيه السابقتين، الشعبية في استطلاعات الرأي، فإن بايدن يواجه مع ذلك عقبات جديدة بما في ذلك اتهامات سبع نساء بالتحرش. وبحصوله على المرتبة الأولى بين المرشحين الديمقراطيين للتغطية الإعلامية وعلى استعداد للضغط على ترامب بشأن أكثر القضايا الشائكة في فترة رئاسته، وبعد الثلاثاء الكبير يبدو بايدن مصمما أكثر من أي وقت مضى على خلع الرئيس من شارع بنسلفانيا.
المصدر: المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية