ترجمة وتحرير نون بوست
الفجوة بين صحيفة “نيويورك تايمز” وبقية صناع الإعلام كبيرة وفي توسع مستمر، حيث تمتلك الشركة الآن عددًا كبيرًا من المشتركين الرقميين مقارنة بصحيفة “وول ستريت جورنال” وصحيفة “واشنطن بوست”، وحتى أكثر من الصحف الورقية المحلية البالغ عددها 250 صحيفة التي تعود ملكيتها لشركة “غانيت” مجتمعة، وذلك وفقًا لأحدث البيانات. وتُوظف صحيفة نيويورك تايمز 1700 صحفي، وهو عدد كبير في هذه الصناعة التي تراجع فيها إجمالي عدد العاملين على الصعيد الوطني إلى ما بين عشرين ألف وثمانية وثلاثين ألف صحفي.
بن سميث، رئيس تحرير بزفيد.
تُهيمن صحيفة “نيويورك تايمز” على قطاع الأخبار لدرجة أنها استوعبت العديد من الأشخاص الذين كانوا يمثلون تهديدا لها في وقت من الأوقات، على غرار كبار المحررين السابقين في جاوكر وريكود وكوارتز الذين أصبحوا يعملون في التايمز، وكذلك العديد من المراسلين الذين جعلوا صحيفة “بوليتيكو” من الصحف التي من الضروري قراءتها أولًا في واشنطن.
لقد أمضيت مسيرتي كلها أتنافس ضد صحيفة “نيويورك تايمز”، لذا يعتبر قدومي للعمل هنا أشبه إلى حد ما بالاستسلام. وأشعر بالقلق من أن نجاح صحيفة “نيويورك تايمز” يجعلها تستأثر بالمنافسة. يتوقع جيم فانديهي، مؤسس موقع “أكسيوس” الذي أنشئ سنة 2016 مع خطط لبيع الاشتراكات الرقمية لكنه لم ينجح في ذلك بعد، أن “صحيفة نيويورك تايمز ستكون بالأساس احتكارية.. وستزداد ضخامة وستصبح السوق أكثر تخصصا ولا شيء آخر سينجو”.
في هذا السياق، قالت جانيس مين، المحررة السابقة “لمجلة يو إس ويكلى” والتي أعادت إحياء مجلة “هوليوود ريبورتر”، إن توسيع دمج محتوى صحيفة نيويورك تايمز يُمثل عقبة هائلة أمام الشركات الرقمية الأخرى. وأضافت قائلة: “لأننا نتحدث عن أعمال النشر، فلا يزال الأمر محزنًا، ولكن في هذا الكون الموازي، يتحدث الناس عن صحيفة نيويورك تايمز تمامًا مثلما يتحدث الناس في هوليوود عن نتفليكس. إنه الذيل الذي يهز الكلب، ولكنه أيضا الكلب”.
إن بروز صحيفة نيويورك تايمز وتحولها من العملاق الجريح إلى العملاق المهيمن كان مذهلاً، مثله مثل صعود أي شركة ناشئة. في وقت قريب من سنة 2014، كانت الإعلانات المطبوعة في حالة انهيار، وبدت فكرة أن يدفع المشتركون المزيد لدعم عملية جمع الأخبار العالمية المكلفة للشركة حلما صعب المنال.
أخبرني آرثر غريغ سالزبرغر، الذي أصبح ناشرًا لصحيفة “نيويورك تايمز” في سنة 2018، في مقابلة أجريتها معه الأسبوع الماضي: “لقد بعنا كل ما أمكن بيعه من الشركة للاحتفاظ باستثمارنا الصحافي قدر الإمكان.. وأعتقد أن جميع الأشخاص الأذكياء في وسائل الإعلام ظنوا أنه كان أمرا جنونيا، كما اعتقد جميع المساهمين لدينا أن ذلك كان تصرفا غير مسؤول ماليًا”.
بعد بضع سنوات فقط، في خضم الأزمة متزايدة الخطورة التي تشهدها الصحافة الأمريكية والهجوم المستمر الذي يشنه رئيس الولايات المتحدة على الصحافة، تعافت قيمة أسهم صحيفة “نيويورك تايمز” بنحو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في سنة 2014، وأضافت غرفة الأخبار ما يقارب 400 موظفًا. لقد كان الراتب المبدئي لمعظم المراسلين 104.600 دولار.
في الوقت الحالي، تسعى الصحيفة بهدوء تام لاكتساب الهيمنة في مجال الصناعة المجاور: الإنتاج السمعي. تجري صحيفة “نيويورك تايمز” محادثات حصرية للاستحواذ على شركة الإنتاج “سيريل بروداكشن”، وهو استوديو للتدوين الصوتي يستقطب أكثر من 300 مليون عملية تنزيل.
تتطلب عملية الشراء أموالا طائلة. ووفقًا لشخصين مطلعان على الصفقة فإن شركة الإنتاج كانت معروضة للبيع بقيمة تقدر بحوالي 75 مليون دولار، بيد أنه من المتوقع أن تدفع صحيفة نيويورك تايمز أقل من ذلك بكثير. (كانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من أبلغ عن أن شركة سيريل بروداكشن معروضة للبيع).
مايكل بابارو، مقدم برنامج التدوين الصوتي “ذا دايلي”، يجري مقابلة مع المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي بيت بوتجيج في مكتب صحيفة نيويورك تايمز، الخريف الماضي.
يُمكن أن تشكل هذه الصفقة، جنبًا إلى جنب مع “ذا ديلي”، برنامج التدوين الصوتي الشهير الذي تبثه كل أسبوع نيويورك تايمز، القاعدة لمنتج مدفوع جديد وطموح – مثل التطبيقان الخاصان بالشركة للطبخ والكلمات المتقاطعة – حيث يعتقد المسؤولون التنفيذيون أنه قد يصبح مثل “إتش بي أو” للبث الصوتي.
عندما تحدثت إلى سالزبرغر الأسبوع الماضي، تم تذكيري بأشخاص آخرين في هذا الاقتصاد الرقمي الذين حققوا نجاحًا مذهلًا وسريعًا ولكن لا يصدقون إلى حد الآن أن ما يحدث نوع من “الاحتكار”. يرى سالزبرغر أن هناك الكثير من المنافسة لصحيفة “نيويورك تايمز”، وقد استشهد بمثال قناة “سي إن إن” للأخبار على الرغم من أن مستقبلها غير مؤكد. والأكثر من ذلك، قال سالزبرغر إن الأمريكيين سينخرطون في أكثر من اشتراك واحد للأخبار، ويعتقد أيضا أن صحيفة “نيويورك تايمز” لا تهيمن على السوق بقدر ما تخلق سوقا جديدة.
في هذا الصدد، قال سالزبرغر: “في الحقيقة، أعتقد أن ما تراه ليس ديناميكية استحواذ الفائز على كل شيء، وإنما ديناميكية ارتفاع المد والجزر لكل القوارب”. يشاركه في تفاؤله، على الأقل علنًا، عدد قليل من المؤسسات الإخبارية التي تعيش على الاشتراكات الرقمية المحلية. في شأن ذي صلة، صرح برايان ماكغروري، رئيس تحرير صحيفة “بوسطن غلوب” التي تستقطب أكثر من مئة ألف مشترك رقمي، بأن “صحيفة نيويورك تايمز دلت بقية وسائل الإعلام على الطريق المؤدي إلى النجاح”.
بالنظر إلى التهديد الذي يمثله انهيار الصحافة المحلية على الديمقراطية، أكد المسؤولون التنفيذيون لصحيفة “نيويورك تايمز” أنهم يبحثون أيضًا عن وسيلة لتقديم المساعدة للمؤسسات الإعلامية الأكثر ضعفًا. وصرح مارك تومسون، الرئيس التنفيذي للصحيفة: “كما يقولون في الطائرات، ضع قناع الأكسجين الخاص بك أولاً قبل الشروع في مساعدة الآخرين”.
غرفة الأخبار في صحيفة نيويورك تايمز
بما أن صحيفة “نيويورك تايمز” تهيمن في الوقت الحالي على حيز كبير من صناعة الإعلام، فإن المعارك الثقافية والأيديولوجية التي كانت تندلع بين المؤسسات الإخبارية – مثل اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالكذب أو لا – موجودة الآن داخل صحيفة “نيويورك تايمز”.
استوعبت صحيفة “نيويورك تايمز الكثير مما كان يُعرف سابقًا بالوسائط الجديدة، مما يجعل من الصحيفة منافسا لا يمكن مجاراته بالطرق القديمة، حيث أن قسم “أسلوب الحياة” يعد نسخة محسنة من موقع “غوكر”، وتعكس صفحات الرأي أفضل وأسوأ استفزازات مجلة “ذا أتلانتيك”. وتنشر المجلة حججًا جريئة تتعلق بالعرق والتاريخ الأمريكي، وتشبه تغطيتها لقنوات الحملات طريقة تغطية البولتيكو العدوانية.
أنا فخور بمغادرتي “بزفيد” التي تعد من قلائل قاعات الأخبار القوية والمستقلة التي لا تزال قائمة على أنقاض تركيز ملكية وسائل الإعلام. ولكنّني افتقدتُ اللحظة المنفتحة على نطاق واسع منذ 10 سنوات، عندما كنا وسط موجة من اللاعبين الجدد الذين يعيدون تخيل معنى الأخبار.
سيكون عملي ككاتب عمود في هذه الصحيفة أمرا مثير وغير مريح من خلال تغطية هذا العصر الإعلامي الجديد من داخل أحد جبابرتها، وآمل أن عصر الابتكار، لم يخلق فقط لمجرد إنشاء فريق من المحترفين وبعض الدروس لهذه الصحيفة التي يعادلها “فريق يانكيز لسنة 1927”.
في مقابلة له، قال جوش تيرانغيل، نائب الرئيس السابق للأخبار في “فايس” الذي ينتج الآن أفلاما وثائقية، “إن الخندق واسع الآن لدرجة أنني لا أستطيع رؤية أي شخص يدخل فيه. ولا يوجد شيء جديد قادم. إن رئيس تحرير بزفيد، الذي كان من المحتمل أن يكون المتمرد الرئيسي، يكتب الآن هذا العمود الموجه لكم وهو في صحيفة نيويورك تايمز”.
المصدر: نيويورك تايمز