ترجمة وتحرير نون بوست
ينتهي المطاف بفيروس كورونا الجديد إلى أن يكون نهاية الصين، التي كانت منذ 30 سنة أكبر مصنّع في العالم. في هذا السياق، قال فلاديمير سينيوريلي، رئيس شركة بريتون وودز للأبحاث، وهي شركة أبحاث استثمارية: “لم يعد بالإمكان اعتبار الصين مركز تصنيع، ذلك أن هذا النموذج دُمّر هذا الأسبوع”.
تضرر الاقتصاد الصيني من انتشار فيروس كورونا أكثر مما تدرك الأسواق في الوقت الحالي. بدا أن وول ستريت كانت آخر من أدركت ذلك خلال الأسبوع الماضي. فقد انخفض مؤشر أس وبي 500 بأكثر من 8 بالمئة، وهو السوق الأسوأ أداءً بالنسبة لجميع الدول المصابة بفيروس كورونا. وحتى إيطاليا، التي لديها أكثر من ألف حالة الآن، حققت أداءً أفضل في الأسبوع الماضي من الولايات المتحدة.
الصين تعلق نشاطها
في 23 كانون الثاني/ يناير، أصدرت بكين أوامر بتمديد عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، مؤجلةً عودة الموظفين والعمال إلى العمل. كان الفيروس التاجي ينتشر بسرعة في مقاطعة هوبي -بؤرة الفيروس – وهي لا ترغب أن يتكرر السيناريو ذاته في مكان آخر. وقد أدت قيود السفر والحجر الصحي لحوالي 60 مليون شخص إلى توقف النشاط التجاري في البلاد.
ذكر شهزاد كازي، المدير الإداري لشركة “تشاينا بيج بوك”، في مقال نشرته صحيفة بارون يوم الجمعة إن “الجانب الأكثر إثارة للخوف من هذه الأزمة ليس الضرر الاقتصادي على المدى القصير الذي تسببه، وإنما الانقطاع المحتمل لسلاسل التوريد لمدة فترة طويلة”.
في سياق متصل، أضاف كازي أن شركات صناعة السيارات الصينية والمصانع الكيماوية أبلغت عن عمليات إغلاق أكثر من القطاعات الأخرى. لم يعد موظفو تكنولوجيا المعلومات إلى معظم الشركات أو مقرات عملهم حتى الأسبوع الماضي. كما سجّلت شركات الشحن والخدمات اللوجستية معدلات إغلاق أعلى من المتوسط الوطني. وأشار كازي في المقال ذاته: أن “الآثار المترتبة عن هذا الاضطراب الحاد ستؤثر على سلاسل التوريد العالمية لقطع غيار السيارات والإلكترونيات والمستحضرات الصيدلانية لأشهر قادمة”.
في الواقع، إن الصين على وشك فقدان قوتها باعتبارها البلد الوحيد القادر على تصنيع أي شيء. كانت تتحرك ببطء شديد، وبالأخص لأن الشركات كانت تفعل ما تفعله دائمًا، تجوب العالم بحثا عن أقل تكاليف الإنتاج. ربما هذا يعني تكاليف العمالة. من المحتمل أن ذلك يتطلب تطبيق لوائح من نوع أو آخر. لطالما اتجهوا نحو الصين باعتبارها تتقدم على البلدان الأخرى من حيث الأجور واللوائح البيئية.
في عهد الرئيس ترامب، تسارعت حركات البلاد البطيئة قليلا. كما أثارت حالة عدم اليقين المتعلقة بالتعريفات الجمركية قلق الكثير من الشركات، لذلك بحثت عن مُوّرد في مكان آخر. وانتقل شركاؤها في الصين إلى فيتنام وبنغلاديش وجميع أنحاء جنوب شرق آسيا.
في خضم انتشار الفيروس التاجي الغامض، الذي يعتقد أنه نشأ من نوع من الخفافيش في ووهان، سيضطر كل من أراد انتظار قرار ترامب حيال التعريفات الجمركية الآن إلى إعادة النظر في اعتماده المستمر منذ عقد طويل على الصين. في هذا الصدد، ذكرت صيدليات البيع بالتجزئة في أجزاء من أوروبا أنه لا يمكن الحصول على أقنعة جراحية لأنها كلها مصنوعة في الصين. ألا تستطيع ألبانيا صنع هذه الأشياء لك؟ يبدو أن تكاليف العمالة أقل من الصين، وأقرب.
تبعا لذلك، سيمثل فيروس كورونا نهاية الصين. ولن يعود هناك مركز تصنيع منخفض التكلفة للعالم. تلك الأيام تقترب من نهايتها. إذا فاز ترامب وأعيد انتخابه، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تسريع هذه العملية فحسب لأن الشركات سوف تقلق مما سيحدث إذا ألغيت المرحلة الثانية من الصفقة التجارية.
ليس من السهل اختيار دولة جديدة أو بلدان جديدة. لا يوجد بلد لديه بنية لوجستية مثل الصين. ولا يملك سوى عدد قليل من الدول الكبرى المعدلات ضريبية التي تضعها الصين. ولا تتمتع البرازيل بالتأكيد بهذه الخصائص على عكس الهند التي لديها بنية لوجيستية فظيعة. ثم جاءت اتفاقية المكسيك الأمريكية المبرمة حديثا، التي وقّعها ترامب لتصبح قانونًا العام الماضي. وتعد المكسيك هي المستفيد الأكبر منها.
هل حان دور المكسيك؟
صُنع في المكسيك، لم لا؟
لقد حان الوقت بالنسبة للمكسيك. تربط بين المكسيك والولايات المتحدة علاقات جيدة، فهما دولتان متجاورتان. وقد سبق أن أعرب الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور عن رغبته في الإشراف على طفرة ذوي الياقات الزرقاء في بلاده. ومن جهته، يرغب ترامب أيضا في أن يشهد على ذلك، لا سيما وأن هذا يعني توافد عدد أقل من العاملين القادمين من بلدان أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة، وانخفاض أجور العمال ذوي الياقات الزرقاء في البلاد.
وفقًا لمئة وستين مديرا تنفيذيا شاركوا في استطلاع الرأي الذي أجرته “شركة فولي أند لاردنر” في سنة 2020 حول التجارة الدولية والتوجهات في المكسيك صدر في 25 شباط/ فبراير، ذكر المشاركون من قطاعات التصنيع والمركبات والتكنولوجيا أنهم يعتزمون نقل الشركات إلى المكسيك من بلدان أخرى، ويخططون للقيام بذلك في غضون فترة من الزمن تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات قادمة.
في سياق متصل، قال كريستوفر سويفت، وهو شريك في فولي والمتقاضي ضد ممارسات الحكومة لإنفاذ القانون والدفاع في الشركة: “يكشف الاستطلاع الذي أجريناه أن أغلبية المديرين التنفيذيين نقلوا، أو بصدد نقل، أجزاء من أعمالهم من بلد آخر إلى المكسيك”. وأكّد سويفت أن هذه الخطوة هي نتيجة للحرب التجارية ونهاية الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
تعتبر المرحلة الأولى من الصفقة التجارية مع الصين إيجابية، ولكن فيروس كورونا على الرغم من أنه قد يكون مؤقتا، إلا أنه يظهر مدى الاعتماد المفرط على الصين في الأعمال التجارية. وستكون هناك تداعيات، من المحتمل أن تكون في شكل إعادة توجيه الاستثمار المباشر الأجنبي إلى جنوب ريو غراندي.
أورد سيباستيان ميراليس، وهو الشريك الإداري في “شركة تيمبست كابيتال” الواقعة في مدينة مكسيكو: “تتراوح قيمة تقديراتنا بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر المحتمل الذي سيقع توجيهه إلى المكسيك من الولايات المتحدة والصين وأوروبا، بين 12 مليار دولار و19 مليار دولار سنويًا”. وأضاف ميراليس: “بعد فترة زيادة النشاط، يمكن أن يؤدي التأثير المضاعف لتصنيع الاستثمار الأجنبي المباشر على الناتج المحلي الإجمالي إلى نمو المكسيك بمعدل 4.7 بالمئة سنويًا”.
ترامب يتحدث عن الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
في الواقع، تعتبر المكسيك أفضل مكان للاستفادة من الخلاف الجيوسياسي طويل المدى بين الولايات المتحدة والصين، فهي الدولة الحدودية الوحيدة ذات التكلفة المنخفضة التي تربطها صفقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة. بفضل مرور أكثر من 25 سنة على توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، التي تعرف باسم “نافتا”، أصبحت المكسيك أكبر مصدّر ومنتج للشاحنات والسيارات والإلكترونيات وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر. يستغرق شحن حاوية من المكسيك إلى نيويورك خمسة أيام، في حين تستغرق 40 يوما من شنغهاي.
تصنّع المكسيك عناصر معقدة مثل محركات الطائرات وأشباه الموصلات المصغرة، وهي الدولة الثامنة من حيث شهادات الهندسة. والجدير بالذكر أن الشركات متعددة الجنسيات موجودة في المكسيك، على غرار جنرال إلكتريك وبوينغ وكيا.
عامل في مصنع بومباردييه الكندي في المكسيك.
من جهة أخرى، تظل السلامة قضية رئيسية بالنسبة للشركات الأجنبية الموجودة في المكسيك التي ينبغي عليها الشعور بالقلق بشأن عمليات الاختطاف وعصابات المخدرات والإتاوات المفروضة على الحماية الشخصية. إذا كانت المكسيك تنعم بجزء من الأمن الموجود في الصين، فسيكون ذلك نعمة تُمنح لتعزيز اقتصادها. وإذا كانت المكسيك آمنة، فستكون أفضل دولة موجودة في أميركا اللاتينية. وفي هذا الإطار، قال ميراليس: “أصبحت الآثار المترتبة عن الحرب التجارية محسوسة بالفعل في المكسيك”. في حقيقة الأمر، حلّت المكسيك محل الصين كشريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة، ولم تتفوق الصين على المكسيك إلا لفترة قصيرة.
وفقًا لتقرير الاستطلاع الذي أجرته شركة فولي، والذي ورد في 19 صفحة، تملك أكثر من نصف الشركات المشاركة فيه صناعات خارج الولايات المتحدة، و80 بالمئة من المصنّعين في المكسيك لديهم أيضًا صناعات في أماكن أخرى من العالم، فضلا عن أن 41 بالمئة من الشركات العاملة في المكسيك توجد أيضا في الصين.
حين سُئِلَ المشاركون في الاستطلاع عما إذا كانت التوترات التجارية العالمية تجعلهم ينقلون أعمالهم من بلد آخر إلى المكسيك، قال ثلثيهم إنه سبق لهم أو كانوا يخططون للقيام بذلك في غضون بضع سنوات. وكان ربع الذين شملهم الاستطلاع قد نقلوا بالفعل العمليات من بلد آخر إلى المكسيك بسبب الحرب التجارية.
بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في نقل أعمالهم، قال 80 بالمئة منهم أنهم سيقدمون على هذه الخطوة في غضون العامين المقبلين. ووفقا لما ورد في تقرير فولي، لقد “تضاعف عددهم في المكسيك”. ومن بين الشركات التي نقلت مؤخرا سلسلة توريدها، أو التي تخطط للقيام بذلك، ذكر حوالي 64 بالمئة منها أنها ستنقل سلسلة التوريد إلى المكسيك.
المصدر: فوربس