ما زالت السلطات الرسمية في إيران تواجه موقفًا صحيًا صعبًا جراء انتشار فيروس كورونا في أغلب المدن الإيرانية، في موقف يوضح على ما يبدو عجز النظام عن إيجاد حل لهذه المعضلة البيئية التي أضعفت الدولة الإيرانية أكثر مما فعلته العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عام 2018، إلى الدرجة التي أعلن فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن الفيروس لم يعد بالإمكان مواجهته بالطرق التقليدية، وهذا الإعلان عكسته الإجراءات الحكومية بنقل مقر اجتماعات الحكومة الإيرانية إلى خارج المقر الرسمي للحكومة، بعد أن ثبت إصابة أحد أعضاء مكتب الرئيس روحاني بالفيروس.
مما لا شك فيه أن النظام السياسي في إيران يتحمل مسؤولية انتشار الفيروس على نطاق واسع في البلاد، وذلك بعد أن أثبتت التقارير الدولية أن السلطات في إيران كانت على علم بالفيروس منذ بداية شهر فبراير الماضي، إلا أنها فضلت عدم الحديث عنه، خوفًا من أن يؤثر على الاحتفالات الخاصة بالذكرى الـ41 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران التي جاءت مترافقة مع استعدادات النظام السياسي للانتخابات البرلمانية العامة التي أجريت في 21 من الشهر الماضي.
هذا فضلًا عن الحركة الاحتجاجية التي اجتاحت معظم المدن الإيرانية، ليجد النظام نفسه أمام أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، ويبدو أن خشية النظام السياسي من التداعيات السلبية في حالة الكشف عن الفيروس، إلى جانب الأسباب التي تم ذكرها، دفعت الفيروس للانتشار على هذا النطاق الواسع، ليشكل بدوره حواضن موبوءة في العديد من المدن الإيرانية الكبرى ومنها قم وأصفهان وطهران العاصمة.
إن الإشارة إلى هذه الحقائق توضح بدورها وصول أعداد المصابين في إيران إلى 2922 إصابة مؤكدة، فضلًا عن 92 حالة وفاة التي كان آخرها إصابة الأستاذ في الحوزة العلمية في قم الشيخ محسن حبيبي وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد الصدر، إلى جانب حفيدة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الخميني ليلى بروجردي، بالإضافة إلى النائبة الجديدة في مجلس الشورى الإيراني زهرة البان، وهو ما يشير إلى مدى الأزمة الحقيقية التي بدأت تعتري الدولة الإيرانية ومسؤوليها، مع الإشارة هنا إلى أن إمكانية الدولة الإيرانية على تجاوز هذه الأزمة تبدو متوافرة حتى هذه اللحظة، إلا أنه بالمقابل ستكون التكاليف كبيرة جدًا.
أحد الأخطاء التي ارتكبها المسؤولون في إيران، هي تأخر فرض الحجر الصحي على مدينة قم
وفي هذا الإطار أكد مدير العمليات في مقبرة بمدينة قم الإيرانية، أنهم يواجهون تحديًا في طريقة دفن ضحايا فيروس كورونا، إذ قال علي رميزاني في تقرير نشره التليفزيون الرسمي الإيراني: “نحاول أن نتعامل مع طريقة دفن ضحايا فيروس كورونا مقابل المتوفين لأسباب أخرى، وذلك كون إجراءات الدفن تختلف بين الحالتين”، ويأتي التقرير بعد تداول فيديو يُظهر شخصًا يمشي قرب ما يصفها التليفزيون الإيراني بمقبرة “بهشت معصومة” في قم، وتظهر بالمقطع أعداد من الصناديق وبداخلها جثث على نقالات أو على الأرض، ومن غير الواضح ما إذا كان هؤلاء ضحايا كورونا.
وأضاف راميزاني قائلًا: “تُفضل بعض العائلات الانتظار يومًا أو يومين حتى إجراء الفحوص على جثث ذويها، وعندما تكون النتائج سلبية لا حاجة لاتباع طريقة دفن ضحايا فيروس كورونا، وبالتالي يمكنهم أخذ الجثة ليدفنوها على طريقتهم”، وبالإضافة إلى ذلك أيضًا، قررت الحكومة الإيرانية إلغاء صلاة الجمعة، في ضوء توقعات بأن يتم إعلان فرض الحجر الصحي على بعض المدن الإيرانية.
وتحوم تساؤلات بشأن أسباب التكتم على إحصاءات انتشار الفيروس في إيران، وتحديدًا مدينة قم، وفي هذا السياق أشار النائب عن مدينة تبريز شهاب الدين مقدار في مقابلة أجراها مع وكالة “إيلنا” شبه الرسمية إلى أن التأخير في البدء بالإجراءات الوقائية كان أحد الأخطاء التي ارتكبها المسؤولون في إيران، إذ إنه لو تم فرض الحجر الصحي على مدينة قم، لما انتشرت العدوى بهذا الشكل، وأضاف أن الفيروس انتشر في المحافظات الإيرانية ودول الجوار انطلاقًا من مدينة قم.
ورغم إعلان وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي أن المدارس والجامعات في إيران ستغلق لمدة شهر للحد من انتشار الفيروس في البلاد، فإن هذه الإجراءات على ما يبدو جاءت متأخرة نوعًا ما، خصوصًا أن الأرقام في تصاعد مستمر، هذا إلى جانب أن الإحصاءات غير الرسمية تتحدث عن أكثر من ضعف الأعداد المعلنة عبر وزارة الصحة الإيرانية، فيما تؤكد التقارير الدولية أن السلطات الإيرانية تعمد إلى إخفاء الحقائق المتعلقة بانتشار الفيروس، وهو توجه سارت عليه الدولة الإيرانية منذ بدء الأزمة، من أجل عدم إعطاء الولايات المتحدة فرصة استغلال الأزمة سياسيًا، هذا إلى جانب الإجراءات الفنية التي منعت إيران من استيراد الأجهزة الصحية اللازمة لمواجهة تداعيات انتشار الفيروس، وذلك بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.