ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما يتعلق الأمر بالتدخل في الانتخابات، فإن الوضع المعقّد والخطير للمصالح المتضاربة والمتعددة يوسّع نطاق التركيز ليتجاوز روسيا ويشمل دولًا مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. والواقع أن هذا الوضع من شأنه أن يحجب أوجه الاختلاف بين النزاعات المتعددة مثل الحروب في سوريا وليبيا والنضال من أجل السيطرة على رواسب الغاز التي عُثر عليها حديثًا في شرق البحر الأبيض المتوسط. في ظل هذا الوضع، تمثل المياه المتنازع عليها أحدث موقع تتصارع فيه روسيا والغرب من أجل النفوذ.
إن الكشف عن النزاعات المتعددة التي تدور حول الجزء الخلفي من شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي تبلغ احتياطياته من الغاز الطبيعي 122 تريليون قدم مكعب، يُشبه تقشير البصل. وبناء على ذلك، تتنافس دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط ودول الخليج وتركيا وروسيا وأوروبا ضد بعضها البعض.
ربما يكتسي مضي أوروبا قدمًا في التقليل من اعتمادها على واردات الغاز الروسي أهمية كبرى. توفر روسيا حاليًا حوالي 40 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وقد تسمح القدرة على الاستعاضة عن الواردات الروسية بغاز شرق البحر الأبيض المتوسط لأوروبا بتبني موقف صارم في الصراع بين الليبرالية الغربية والحضارة الروسية، التي من المحتمل أن تشكل نظامًا عالميًا جديدًا.
الأخبار السيئة هي أن المواجهة بين موسكو وواشنطن سوف تستمر؛ ويتمثل الخبر السار في أنه سيكون هناك بعض الحواجز حولها
دفع اعتماد الاتحاد الأوروبي على الواردات الروسية حتى الآن الدول الأوروبية إلى تقليص دفاعها عن القيم الغربية ضد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تشمل الاستيلاء على الأراضي في القوقاز وأوكرانيا، وتخويف دول آسيا الوسطى ودعم اليمين المتطرف الغربي والنازيين الجدد والقوات المناهضة للهجرة، الرامية إلى إضعاف الديمقراطية الليبرالية وتعزيز الجماعات المنحازة لرؤية الرئيس الروسي للعالم.
من جهته، يقول رئيس مركز كارنيغي في موسكو ديمتري ترينين إن “الأخبار السيئة هي أن المواجهة بين موسكو وواشنطن سوف تستمر؛ ويتمثل الخبر السار في أنه سيكون هناك بعض الحواجز حولها. لكن يبرز شرق البحر الأبيض المتوسط كمنطقة تتنافس فيها روسيا مرة أخرى مع الغرب”.
جادل ترينين بأنه من الممكن أن تزيد حدة التوترات خاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط بدلاً من أوكرانيا أو شبه جزيرة القرم أو دول البلطيق أو القطب الشمالي أو جنوب شرق أوروبا. وفي حين أن الصراع للسيطرة على موارد شرق البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لبعض الدول مثل اليونان وقبرص ولبنان يتعلق أساسا بالاقتصاد، فهو بالنسبة لدول أخرى، بما في ذلك مصر و”إسرائيل”، مُتعلق بإبراز القوة. ينطبق ذلك على روسيا وتركيا أيضًا، ولئن اختلفت مصالحهما على خلفية المواقف المتباينة في ساحات القتال في ليبيا وسوريا بدلاً من أن تتشابه.
زادت تركيا من حدة المخاطر من خلال دعمها العسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًا والموجودة في طرابلس ضد زعيم المتمردين المدعوم من قبل روسيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر، خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي.
ستستمر النزاعات الناشئة حول قضايا ضيقة مثل احتياطيات الغاز الطبيعي في الحصول على أهمية أكبر بكثير
في الواقع، خلقت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني منطقة اقتصادية خالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط لصالح المطالبات التركية الموسعة، كما ربطت العلاقات المبنية بين خليفة حفتر والرئيس السوري بشار الأسد الحرب في سوريا بشرق البحر الأبيض المتوسط والقتال في ليبيا. وفي الوقت الذي تناور فيه تركيا وروسيا لتجنب اشتباك عسكري مباشر في إدلب، يتمرد آخر معقل للجيش السوري الحر المدعوم من تركيا ضد قوات الحكومة السورية المدعومة من روسيا.
ستحول المنطقة الاقتصادية الخالصة دون إنشاء خط أنابيب مخطط من شأنه أن يمد الاتحاد الأوروبي بإمدادات الغاز الإسرائيلية والقبرصية. إذا نُفذت بنجاح، فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى جانب الأداء العسكري لتركيا في سوريا ومع إسقاط ثلاث طائرات حربية سورية مثل المعتاد، ستبين لأصحاب الهيمنة الإقليميين، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أن القوة المالية قد لا تكون كافية لفرض إرادتهم.
من المفارقات أن أحد مفاتيح الاستقرار التي كان من الممكن أن تقلل من خطر تأجيج التوترات الأيديولوجية والجيوسياسية، وربما خلق بيئة من التعاون بدلاً من المواجهة، تكمن في جزيرة قبرص المقسمة. ولكن تركيا التي أصرت على أن المشاركة التركية شرط لا غنى عنه لأي استغلال ناجح للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، رفضت دور قبرص التي يقطنها أساسا القبرصيون اليونانيون دون إدراج شمال قبرص التركي المستقل.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا التي تمتلك قوات في شمال قبرص منذ دخولها الجزيرة سنة 1974 تمثل الدولة الوحيدة التي اعترفت بالمنطقة كدولة مستقلة. قد تكون فكرة تضمين شمال قبرص صعبة المنال في بيئة تكون فيها الجغرافيا السياسية لعبة جميع الأطراف فيها خاسرة مع ترك الأشخاص الداعمين للأسس الحضارية والثقافية والقوميين والمستبدين مساحة صغيرة لتقاسم السلطة. كما أن انشغال أوروبا بالمشاكل الداخلية، ومؤخرًا بأزمة اللاجئين السوريين الجديدة التي تلوح في الأفق، يمنعها من عرض نهج سياسي متماسك وشامل.
في سياق متصل، حذر الباحث والمعلق حسين يوسف كمال أيبش من أن “جميع العناصر التي أقحمت هذه الأطراف في المنافسة على الغاز الطبيعي الموجود في شرق البحر الأبيض المتوسط وأجبرتها على تطوير تحالفات محلية مندمجة بشكل متزايد مع مسابقات استراتيجية ودبلوماسية وسياسية أخرى، ستستمر على الأرجح”.
فيما يخص التوتر في شرق البحر الأبيض المتوسط، ألقى أيبش باللوم على “التوجه المؤيد بقوة للإسلاميين” الذي تنتهجه تركيا باعتباره “هيمنة اقتصادية وسياسية إقليمية ناشئة” بدلاً من هيمنة متعددة محتملة. ومع ذلك، يخلص استنتاج أيبش إلى أنه في شرق البحر الأبيض المتوسط “ستستمر النزاعات الناشئة حول قضايا ضيقة مثل احتياطيات الغاز الطبيعي في الحصول على أهمية أكبر بكثير”.
المصدر: مودرن دبلوماسي