لم تصبر كتلة حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الإعلام المتهم بالفساد نبيل القروي كثيرًا، حتى بدأت الخلافات تنهش وحدتها الظاهرية، فقد دشنت موسم الاستقالات داخل أروقة مجلس نواب الشعب التونسي لتنذر بانهيار الحزب الذي جاء ثانيًا في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
استقالة 11 نائبًا
بدأت حمى الاستقالات والانشقاقات مبكرًا في البرلمان التونسي، حيث لم يمر إلا 5 أشهر فقط على بدء أولى جلساته، حتى بدأت الاستقالات تدب داخل أكبر كتل المعارضة البرلمانية فيه، وهي كتلة حزب قلب تونس.
وفي خطوة مرتقبة تؤكد تصاعد الخلافات والانقسامات داخل هذا الحزب الذي يقوده رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، أعلن، مساء أمس الثلاثاء، 11 نائبًا استقالتهم من الكتلة البرلمانية لحزب قلب تونس.
وشملت الاستقالة قيادات من الصف الأول للحزب، وهم: رئيس الكتلة البرلمانية حاتم المليكي ونائب رئيس الحزب رضا شرف الدين والنواب خالد قسومة ونعيمة المنصوري وأميرة شرف الدين وصفاء الغريبي وسهير العسكري ومريم اللغماني وسميرة بن سلامة وحسان بلحاج إبراهم وعماد أولاد جبريل.
يشهد حزب نبيل القروي منذ فترة خلافات كبيرة بين أعضائه في البرلمان وخارجه، بخصوص إدارة الأمور وطرق تسيير الحزب
بعد هذه الاستقالة، سيتراجع عدد مقاعد حزب “قلب تونس” في مجلس نواب الشعب التونسي من 38 بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى 27 مقعدًا، والمرجح أن يتراجع العدد أكثر باستقالة نواب آخرين في الفترة المقبلة.
شهدت تونس في الـ6 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتخابات تشريعية، هي الثانية بعد ثورة يناير 2011 (دون احتساب انتخابات المجلس التأسيسي) أفرزت تصدر حركة النهضة بحصولها على 52 مقعدًا، تلاها حزب “قلب تونس” بـ38 مقعدًا، ثم التيار الديمقراطي بـ22 مقعدًا، وائتلاف الكرامة الحاصل على 21 مقعدًا.
هذه الاستقالات التي جاءت مباشرة إثر اجتماع نواب الحزب مع نبيل القروي، تؤكد حجم الخلافات داخل الحزب وعدم قدرة رئيسه نبيل القروي على إيجاد حلول لها، وتعتبر كتلة حزب “قلب تونس”، أكبر كتلة برلمانية اختارت المعارضة، ولم تقبل المشاركة في الحكومة الحاليّة ولم تصوت لها بمنح الثقة.
انقسام حاد
بداية موجة الاستقالات من حزب قلب تونس برئاسة رجل الإعلام والمال نبيل القروي الذي تلاحقه قضايا فساد تنذر، وفق المحلل التونسي كريم البوعلي، بمرحلة انقسام حادة في هذا الحزب الذي تأسس قبل ثلاثة أشهر تقريبًا من الانتخابات التشريعية.
تأسس هذا الحزب في الـ20 من يونيو/حزيران 2019، وحمل في البداية اسم “السلم الاجتماعي” لمؤسسته هدى الكناني، وبعد 5 أيام من إعلان تأسيسه تغير اسمه إلى “قلب تونس” وأصبح المؤسس الجديد هو مالك قناة نسمة الخاصة نبيل القروي.
يُتهم نبيل القروي بالفساد
يعد مؤسس “قلب تونس” نبيل القروي، أحد رجال نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ثم أحد مؤسسي حزب نداء تونس، وريث التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب بن علي)، وأحد رجال الأعمال الذين يتهمون بالفساد والتحيل وتبييض الأموال، كما يُتهم باستغلال معاناة المحتاجين والفقراء في تونس.
ويرى البوعلي في حديث لنون بوست أن هذا الحزب “تأسس لغرض انتخابي أساسًا وبني على أساس شعبوي يستثمر العمل الخيري لرئيسه من خلال جمعية خيرية وأيضًا بدفع إعلامي من قناته الخاصة والمواقع وعلب الإنتاج المرتبطة به ومؤسسات “لوبينغ” أجنبية دون أن تكون له رؤية فكرية وبرامج مستقبلية ورؤى لإدارة الشأن العام والتموقع في المشهد الحزبي ثم البرلماني”.
غياب الحوكمة والتسيير داخل الحزب
هذه الاستقالات أرجعها النائب المستقيل من الكتلة حاتم المليكي أساسًا إلى غياب الحوكمة والتسيير داخل الحزب، فضلًا عن عدم رضا النواب عن آليات اتخاذ القرار وفق تعبيره، ويرفض العديد من نواب الحزب انفراد نبيل القروي بسلطة القرار.
وأوضح المليكي أن هذه الاستقالات تأتي أيضًا على خلفية رفض النواب للمواقف السياسية لحزب قلب تونس من الحكومة ورئاسة الجمهورية وعلاقته بالأطراف السياسية الأخرى، مشددًا على رفضهم لمنهجية وشكل المعارضة التي يريدونها بناءة لا هدامة وفق قوله.
الملاحظ أن أغلب نواب كتلة قلب تونس كانوا في السابق منتمين إلى نداء تونس على غرار سفيان طوبال ورضا شرف الدين، وهو ما يرجح فرضية أن يلاقي حزب نبيل القروي نفس مصير حزب نداء تونس
يشهد حزب نبيل القروي منذ فترة خلافات كبيرة بين أعضائه في البرلمان وخارجه، بخصوص إدارة الأمور وطرق تسيير الحزب والعلاقة مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبقية الأحزاب المكونة للمشهد السياسي في البلاد.
ويقول الإعلامي التونسي هشام بن أحمد في هذا الشأن: “يبدو أن الاستقالات الأخيرة التي يعيشها قلب تونس سببها الخلافات بشأن قيادة الحزب المحتكرة من الرئيس نبيل القروي وشقيه غازي القروي وبعض المقربين منهما ما دفع بعض النواب وفي مقدمتهم رئيس الكتلة حاتم المليكي لتقديم استقالات جماعية للتعبير عن رفضهم لأشكال وآليات اتخاذ القرار”.
هل يلق مصير نداء تونس؟
يؤكد المحلل التونسي كريم البوعلي في حديثه أن “هذه الاستقالات أو التشقق كانت متوقعة لأن ذات الحزب هو سليل لحزب نداء تونس الذي وصل للحكم في 2014 لكنه تشظى وانشطر لكتل وتيارات ثم تشكلت بعده تكتلات حزبية أبرزها قلب تونس وبعض النواب المستقلين كانوا من النداء”.
ويضيف “هذه الحالة استنساخ متجدد لحالة نداء تونس وسرعان ما ظهرت بعد أشهر قليلة من الانتخابات وستضعف موقع الحزب برلمانيًا في المعارضة وقد يتدحرج عدديًا إذا تواصل نزيف الاستقالات وهو سيناريو مرجح نظرًا للتململ الموجود داخله”.
من جهته يقول الإعلامي التونسي هشام بن أحمد لنون بوست: “الاستقالات الأخيرة لـ11 نائبًا من كتلة حزب قلب تونس ليست مفاجئة وتعتبر عادية باعتبار أن هذا الحزب تشكل على أنقاض حركة نداء تونس التي عرفت نفس المصير بعد الفوز في انتخابات 2014 والسيطرة على الرئاسات الثلاثة (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان)”.
يضيف بن أحمد “رغم نجاحه لم يحافظ النداء على وحدة صف قيادته وسرعان ما ظهرت انشقاقات وتصدعات وخلافات نتيجة الصراعات الداخلية بشأن القيادة والتسيير”، ويتابع “مصير حزب قلب تونس لن يكون مغايرًا لمصير نداء تونس ويبدو أن الخلافات والصراعات المستجدة ستمهد لتفتت الحزب أو ربما سيلتحق بعض قيادته ونوابه بأحزاب أخرى على غرار حركة تحيا تونس أو تعزيز صفوف بعض الكتل البرلمانية على كتلة الإصلاح الوطني المنشقة حديثًا عن حزب مشروع تونس”.
يتشكل البرلمان التونسي من 217 نائبًا
في أكتوبر/تشرين الأول 2014، فازت حركة نداء تونس التي تضم في صفوفها خليطًا من اليساريين والنقابيين وقدماء التجمعيين (بعض القيادات وقاعدة واسعة) وعددًا مهمًا من رجال الأعمال والشخصيات والرموز الفكرية والنقابية المستقلة بالانتخابات وتصدرت الكتل البرلمانية في مجلس نواب الشعب.
يومها كان عدد كتلة نداء تونس 86 نائبًا، غير أنها ما فتئت تتراجع نتيجة الاستقالات، ليفقد بذلك الحزب المكانة الأولى التي منحها له الناخبون، فقد خسر معظم مقاعده لصالح كتل أخرى، فأغلب التنقلات الحزبية والبرلمانية حصلت في كتلة حركة نداء تونس التي انقسمت بخروج محسن مرزوق ومن معه وتأسيسهم لحزب المشروع.
انقسم نداء تونس الذي كان يمثل واجهة المنظومة القديمة وقاطرتها الأساسية بعد الثورة، إلى أجزاء بعضها مجهري وبعضها الآخر يكابد حتى يطل برأسه ويرسم لنفسه مستقبلًا في ساحة سياسية مليئة بالأحزاب الورقية التي لا يتعدى أنصارها عدد أفراد العائلة أو أقل.
الملاحظ أن أغلب نواب كتلة قلب تونس كانوا في السابق منتمين إلى نداء تونس على غرار سفيان طوبال ورضا شرف الدين، وهو ما يرجح فرضية أن يلاقي حزب نبيل القروي نفس مصير حزب نداء تونس الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي صيف 2012.