تتجه العلاقات المغربية الإماراتية إلى مزيد من التأزم والتوتر، نتيجة فشل حكام الإمارات في فرض رؤيتهم وتوجهاتهم على السلطات المغربية بخصوص العديد من القضايا الإقليمية بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية ودول المغرب العربي بشكل خاص. توتر جديد من شأنه أن يعصف بما بقي من علاقات دبلوماسية بين البلدين العربيين.
سحب السفير المغربي
آخر فصول هذا التأزم سحب الرباط سفيرها وقنصليها في الإمارات، وفق ما أفادت به تقارير إعلامية مغربية، وكشفت مواقع محلية مغربية بينها “مغرب أنتلجنس” و”الزنقة 20“، عن “أزمة دبلوماسية غير مسبوقة اندلعت بين المغرب والإمارات، حيث سحب المغرب سفيره في أبو ظبي محمد آيت وعلي، منذ الأسبوع الماضي، الذي ظل في منصبه لأكثر من 9 سنوات، كما تم استدعاء القنصليْن المغربيين في دبي وأبو ظبي”.
وأوضحت نفس التقارير الإعلامية أن الرباط قامت أيضًا بإفراغ سفارتها (في أبو ظبي) من جميع المستشارين والقائم بالأعمال، مما قلل من تمثيلها الدبلوماسي بشكل كبير واكتفت بموظفين يسهلون الإجراءات الإدارية للمواطنين المغاربة، وأكد موقع “برلمان كوم” المغربي (مقرب من السلطات) أن العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام بعد سحب السفيرين.
يرجع هذا الجمود في العلاقات بين المغرب والإمارات إلى تباين وجهات النظر في العديد من القضايا المشتركة
يذكر أن دولة الإمارات بدورها لا تمتلك سفيرًا لها في المملكة المغربية منذ أن غادر سفيرها بالرباط علي سالم الكعبي، في أبريل/نيسان 2019، المغرب، عائدًا إلى بلاده بشكل مفاجئ، بناءً على طلب سيادي مستعجل من أبو ظبي.
التسلط الإماراتي
تأزم العلاقات المغربية الإماراتية، أرجعه المحلل المغربي عمر مروك إلى طبيعة السياسة الخارجية الإماراتية، حيث يقول مروك في هذا الشأن لنون بوست: “توتر العلاقة بين المغرب والإمارات ليس مجرد أزمة صامتة وإنما هو اختلاف عميق في وجهات النظر فيما يخص مجموعة من الملفات، جراء النظرة الإماراتية الأحادية وطريقة تدبيرها لسياساتها الخارجية المتشددة القائمة على سياسة معي أو ضدي”.
يضيف عمر مروك في حديثه لنون بوست “سياسة الإمارات الخارجية تخالف توجه المملكة المغربية الذي يستحضر الأخوة والحوار البناء واحترام سيادة الدول ومساعيه من أجل حلحلة ملف حصار قطر، الأمر الذي لم تتقبله الإمارات، لكون الأخيرة تحارب حكم الإخوان في أي بلد، بل وتسعى لاجتثاثه غصبًا وبالقوة سواء بتمويل المعارضة أم التأسيس لانقلابات والتجسس أم بوقف المساعدات، وهو ما لا يتماشى مع مبادئ الديمقراطية والمواثيق الدولية”.
الإمارات لم تتقبل مساهمة المغرب في التنسيق الأمني من أجل كأس العالم بقطر
يبين مروك أن “الإمارات لم تتقبل مساهمة المغرب في التنسيق الأمني من أجل كأس العالم بقطر، وهو ما يعتبر تدخلًا في شؤون الغير وتجاوزًا لكل الخطوط المسموح بها، لكون المغرب لا يقبل سياسة الإملاءات وفرض الأمر الواقع وبالمقابل مده يده لكل المساعي الحميدة والخير المشترك”.
من جهته يؤكد الخبير المغربي رشيد لزرق أن “السياسة الخارجية لبلاده لها ثوابت محددة ومن أبرزها اتخاذ مواقف سيادية من خلال اختيار الملك الحياد الإيجابي في التوتر الخليجي، حرصًا منه على وحدة الصف العربي ومحاولته لعب دور الوساطة لطي الخلاف مع قطر”.
ويشير الخبير المغربي أن المملكة تواجه بحدة محاولة الدفع بها إلى التخندق في اتجاه طرف بعينه، ومحاولة الإمارات توظيف قضية الصحراء المغربية للضغط على المغرب، من خلال بعض الدول التابعة ورفض التدخل في شؤونه الداخلية، ما أدى إلى امتعاض الإمارات”.
وأوضح رشيد لزرق أن “الدبلوماسية المغربية تتخذ موقفًا مغايرًا عندما يكون النزاع عربي عربي، وهذا ما جعل البلد يتعرض بين الفينة والأخرى للطعن – وأحيانًا الابتزاز – أكثر من مرة، فيما يتعلق بتطورات ملف وحدة المغرب الترابية، من دول نعتبرها شقيقة ونعطيها منزلة خاصة”.
أبرز القضايا العالقة بين الطرفين
يرجع هذا الجمود في العلاقات بين المغرب والإمارات إلى تباين وجهات النظر في العديد من القضايا المشتركة، منها الأزمة الليبية وحرب اليمن وحصار قطر والصحراء الغربية واستهداف المصالح المغربية في غرب القارة الإفريقية، وتدخل الإمارات في موريتانيا، الجار الجنوبي للمغرب، فضلًا عن صفقة القرن.
ويختلف الطرفان بشأن الصراع في ليبيا، حيث يدعم المغرب حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فايز السراج في العاصمة طرابلس بينما تدعم الإمارات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب مجازر حرب بحق الليبيين والمهاجرين غير الشرعيين.
وبخصوص حرب اليمن، فقد أدى تباين وجهات النظر بين البلدين مما يحصل هناك إلى وقف المملكة مشاركتها في العمليات العسكرية والاجتماعات الوزارية الخاصة بالتحالف العربي هناك، وكانت القوات المغربية المشاركة في التحالف العربي تعمل تحت قيادة الإمارات العربية المتحدة.
لا يبدو أن العلاقات بين البلدين في طريقها إلى التسوية خاصة في الفترة القادمة، كون الملفات العالقة بينهما كثيرة والتباين في وجهات النظر بشأنها عميق
أما بالنسبة إلى حصار قطر، فقد اختار المغرب خلال الأزمة الخليجية، التزام الحياد، كما عرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة وأرسل طائرة محملة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتقى بأميرها، ما فهمه الإماراتيون أنه تحالف مغربي مع قطر.
التباين يظهر أيضًا في ملف الصحراء الغربية، فبعد التطابق بين موقف الطرفين بشأن هذه القضية، شرعت قنوات تابعة للإمارات من بينها قناة أبو ظبي، بالضغط على المملكة المغربية، من خلال تغير خطابها تجاه قضية الصحراء الغربية التي تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر بمنحها الاستقلال.
كما عرفت الفترة الأخيرة، محاولات إماراتية للتدخل في موريتانيا من خلال ضخ استثمارات كبيرة فيها، وذلك للتحكم في قرارها السيادي بشأن العديد من القضايا أبرزها قضية الصحراء الغربية حتى تكون وسيلة لابتزاز المغرب.
أما بخصوص صفقة القرن المتعلقة بالقضية الفلسطينية، تعتبر دولة الإمارات الداعم الأبرز للصفقة في المنطقة العربية بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تعارض المملكة المغربية هذه الصفقة لأسباب عديدة.
أبرز محطات الخلاف الإماراتي المغربي
هذه الخلافات بين البلدين ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى يونيو/حُزيران سنة 2017، أي مع اندلاع الأزمة الخليجية وقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتهم بالدوحة، حينها اختارت المملكة المغربية الحياد الإيجابي تجاه الأزمة الخليجية، وعرضت الوساطة بين الأشقاء الخليجيين سعيًا منها لمنع تصاعد الوضع وتأزمه.
في أبريل/نيسان الماضي، سحبت الإمارات سفيرها بالرباط علي سالم الكعبي، بشكل مفاجئ، وكان قد عُين سفيرًا للإمارات في المغرب شهر فبراير/شباط 2018، خلفًا للسفير السابق سهيل مطر الكتبي، وشغل الكعبي إلى حين تعيينه ممثلًا لأبو ظبي في الرباط، منصب مدير مكتب وزير شؤون الرئاسة في دولة الإمارات، إلى جانب ترؤسه مجلس أمناء مؤسسة التنمية الأسرية التي يوكل إليها تدبير القطاع الاجتماعي بالإمارات.
27 من مارس/آذار الماضي، تحدث وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي بالعاصمة الرباط، عما فُهم منه “أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية”.
أثرت الأزمة الخليجية على العلاقات بين البلدين
أولها أن السياسة الخارجية مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية.
وقبل أيام، أعطى نائب رئيس الوزراء الإماراتي منصور بن زايد أوامره الرامية إلى تخفيض عدد المغاربة العاملين في قطاع الأمن بدولة الإمارات، وفق موقع ميدل إيست مونيتور الإماراتي، وأفاد الموقع أن القرار سيقلص عناصر الشرطة المغاربة من 916 عنصرًا إلى 600 عنصر، على أن يتم تعويض الفارق بعناصر من بنغلاديش.
لا يبدو أن العلاقات بين البلدين في طريقها إلى التسوية خاصة في الفترة القريبة المقبلة، كون الملفات العالقة بينهما كثيرة والتباين في وجهات النظر بشأنها عميق، وليس من السهل على كلا البلدين تجاوزه.