تعد الحرب السوفيتية الأفغانية (1978 – 1989) أحد أبرز الحلقات في مسلسل التاريخ الدموي للروس، فرغم ما حققه الاتحاد السوفيتي من نجاحات بداية الأمر حين تدخل عسكريًا لدعم الحكومة الموالية له في مواجهة المعارضة التي كانت تواجهها والمدعومة من الدول المناوئة للاتحاد في هذا الوقت (أمريكا – السعودية – باكستان – الصين)، مُنيت روسيا بهزيمة نكراء نهاية الأمر ما مثّل عاملًا رئيسيًا في انهيار التكتل فيما بعد.
الحرب التي دامت قرابة عشر سنوات كاملة، سقط فيها عشرات آلاف القتلى فيما تم تشريد الملايين من الأفغان، ففي اليوم الأول فقط من الانقلاب الذي قام به محمد غلاب 1978، قتل الروس أكثر من 15 ألف مسلم فيما قُتل الحاكم محمد داوود وأبناؤه الـ29 وبقية أفراد أسرته.
وما إن تمكن الحزب الشيوعي المدعوم من السوفيت (حزب الشعب الديمقراطي) من بسط هيمنته على المشهد الأفغاني حتى عاث في الأرض فسادًا، مستهدفًا الإسلاميين بصورة غير مسبوقة، وبات التهجير والتنكيل والتعذيب الإستراتيجية الأبرز في التعامل مع كل ما يمت للإسلام بصلة.
لم يستسلم مسلمو الأفغان للاحتلال السوفيتي لبلادهم، وعلى مدار سنوات طويلة خاض المجاهدون معارك ضارية ضد القوات الروسية، أسفرت في نهاية الأمر عن تمريغ أنفهم في التراب الأفغاني، حتى اضطروا للخروج، تاركين وراءهم إرثًا من العداء الأيديولوجي والتاريخي، فضلًا عن الخسائر البشرية والمادية التي تكبدوها وهي ما تم توثيقها بشهادة الجنود الروس المشاركين في تلك الحرب.
تقع أفغانستان في آسيا الوسطى ويبلغ عدد سكانها نحو 22 مليون نسمة، يحدها الاتحاد الروسي من الشمال (طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان)، وإيران من الغرب، وباكستان من الشرق والجنوب، والصين من الشمال الشرقي، ورغم كونها دولة حبيسة، فإن الروس يستخدمونها كمعبر إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي الذي يُعد الوصول إليه أحد أهدافهم الإستراتيجية طويلة المدى، منذ الحكم القيصري.
الاقتصاد الأفغاني يعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتربية الماشية، إضافة إلى الموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والنفط والحديد والنحاس والفحم واليورانيوم والأحجار الكريمة التي لم تُستخرج بعد بسبب قلة الاستثمارات في هذا المجال، فيما يشكل الفلاحون 85% من السكان، ويعيشون في حالة فقر بسبب النظام الإقطاعي ونمو قوة الإقطاعيين، وتدل الإحصاءات أن أفغانستان من أفقر 20 دولة في العالم، وتبلغ نسبة الأمية بها ما يقارب 97%، مما أدى إلى تدني المستوى الثقافي والوعي السياسي.
خلفية تاريخية
رغم توثيق معظم المؤرخين لبدء الحرب السوفيتية الأفغانية عام 1978، فإن الشواهد التاريخية تشير إلى أن التدخل السوفيتي يعود إلى عام 1873 عندما غزا الروس بجيوشهم الأراضي الأفغانية واقتطعوا منها: خيفة ومرو وبخارى وطشقند وسمرقند وقزوين، على الحدود.
وبحسب الوثائق التاريخية فإن الروس ما كان لهم أن يتوقفوا عن غزوهم إلا لخوفهم من رد فعل بريطانيا العظمى التي كانت موجودة في هذا الوقت في كابل من أجل تهدئة الأوضاع الاجتماعية والسياسية لجزء حيوي من طريقهم إلى شبه القارة الهندية، التي كانت ضمن إمبراطوريتهم.
كعادتهم حين يغزون أي بلد، كان يتظاهر الروس بمساعدة أفغانستان للحصول على استقلالها عن بريطانيا، حيث قدمت المساعدات العسكرية في أثناء الحروب الثلاث، بين بريطانيا وأفغانستان، وفي عام 1878، وقعت أول معاهدة عسكرية بين الأمير شير علي خان حاكم أفغانستان ورئيس البعثة الروسية، وقد تضمنت تعهدًا بمساعدة الأمير في الحرب ضد الإنجليز عن طريق إمداده بالأسلحة.
تسببت الحرب في تشريد 5 ملايين لاجئ أفغاني، الأغلبية منهم في باكستان (2.5 مليون) والباقي (1.4 مليون) في إيران، وعدد آخر بين تركيا ودول الخليج المختلفة
وتميزت الفترة من 1901 ـ 1919 بالتوازن في العلاقات بين البلدين، وذلك حين تولى الأمير حبيب الله خان حكم أفغانستان، في أعقاب حكم عبد الرحمن خان (1880 ـ 1901) إلا أن نموًا كبيرًا شهدته تلك العلاقات بعد تولي الحكم أمان الله خان الذي تولى مقاليد الأمور عقب اغتيال والدة حبيب الله عام 1919.
كان أمان الله يرى في تحرر بلاده ضرورة قومية تتطلب إعادة النظر في تحالفاته الخارجية، فما كان منه إلا أن وطد علاقته بالاتحاد السوفيتي الذي أمده بالمساعدات العسكرية، مما حقق له الانتصار على بريطانيا وتحرير أفغانستان وتوقيع معاهدة سلام حصلت أفغانستان بموجبها على الاستقلال والاعتراف بها دولة مستقلة، لتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من القوة.
في 28 من فبراير 1921 أبرم البلدان معاهدة صداقة وعدم اعتداء، لمدة 25 عامًا، وفي الـ7 من نوفمبر 1926، وقّعا كذلك معاهدة “الحياد وعدم الاعتداء”، وقد عُززت هذه المعاهدات بالكثير من الاتفاقيات الجانبية، لمساعدة أفغانستان في العديد من المجالات.
الاحتلال السوفيتي لأفغانستان
مع بداية 1973 دخلت الأزمة الأفغانية مرحلتها الفعلية، حين تم الإطاحة بالنظام الملكي الحاكم وقتها على أيدي الأمير محمد داوود الذي نجح في الاستيلاء على الحكم، لكنه لم ينجح في فرض الاستقرار والأمن في البلاد، ما نجم عنه تزايد موجة التوترات والتمرد ضد حكمه.
وفي 1978 أعلن حزب الشعب الديمقراطي الانقلاب عليه ليستولى على الحكم بقيادة محمد غلاب المدعوم من الاتحاد السوفيتي، وأعلن الحزب في بيان إذاعي أن السلطة أصبحت بأيدي المجلس الثوري للقوات المسلحة، وباستيلاء الشيوعيين على الحكم، تم تعبيد الأرض نحو الاحتلال الروسي الكامل لأفغانستان.
وفي الوقت الذي لم تستغرق فيه عملية التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان أكثر من 3 ساعات يوم 27 من ديسمبر 1979 إلا أن الكثير من الشواهد والدراسات أكدت أن تلك العملية مرت على 3 مراحل متعاقبة، وربما تتداخل مع بعضها البعض، تتقدمها مرحلة الاختراق السوفيتي لأفغانستان.
ففي تلك المرحلة نجح السوفيت في بناء قواعد داخلية لهم داخل البلاد، حيث استطاعوا تجهيز البيئة الداخلية للاحتلال العسكري وذلك عن طريق بعض العناصر أولها: تشكيل حزب الشعب الديمقراطي المرتبط أيديولوجيًا بالشيوعية، حيث عمد الاتحاد السوفيتي إلى عدم جمع اليساريين في حزب واحد، ومن ثم أيد وجهة نظر جناحي حزب الشعب، حيث إنه كان مقتنعًا بتوجهات وأنشطة كل جناح، وكان مبرره أنه في حالة فشل أحد الجناحين في تنفيذ المهام الموكلة إليه، فإن الجناح الآخر الذي يدين أيضًا بالولاء لموسكو، يمكن أن ينفّذ ما هو مطلوب منه.
أما العنصر الثاني فتمثل في الدعم العسكري للنظام الأفغاني، إذ زاد عدد العسكريين السوفيت خلال الأيام الأخيرة لحكم داوود، حتى وصل إلى 600 خبير، وعندما استولى تراقي على الحكم بعد ثورة أبريل 1978، بدأ السوفيت في زيادة نفوذهم، بحجة دعم الاستقرار في مواجهة المتمردين.
هذا بخلاف الدعم العلمي والثقافي، فغالبًا ما يكون تشويه الثقافة القومية للدولة، وإبعاد الشعب تدريجيًا عنها، هي السياسة التي يؤيدها الاستعمار بهدف اختراق الدولة المطلوب احتلالها، وكانت هذه الممارسات من الاتحاد السوفيتي من خلال ثقافة ماركسية مفروضة على المواطنين الأفغان، مع السيطرة على الميول الفكرية والفنية والتربوية، بإرسال مؤلفات ماركسية، علاوة على مفكرين وكتاب أفغان يدينون للثقافة الماركسية بالولاء، حتى يسهل إقناع الشعب الأفغاني بالفكر الجديد.
وأخيرًا جاء الدعم الاقتصادي، إذ كانت أفغانستان تعتمد دائمًا على المساعدات الخارجية، حيث وجدت من الاتحاد السوفيتي خير معين لها من خلال المنح والقروض والإسهامات العينية العديدة، لذا، أصبحت هذه المساعدات تستعمل كمعبر للنفوذ السوفيتي إلى المجتمع الأفغاني.
أما المرحلة الثانية من الغزو السوفيتي فكانت عبارة عن التدخل العسكري، فبعد نجاح مخطط الاختراق، انتقل الجيش الروسي إلى مرحلة التدخل مباشرة، غير أنهم في البداية آثروا التريث، حيث أجروا تغيرًا جذريًا في الحكومة عن طريق انقلاب عسكري داخل الحزب الشيوعي يطيح بزعيمه ويمهد الطريق لقائد آخر ترضى عنه موسكو.
وبدءًا من نهاية نوفمبر 1979، بدأت المرحلة الثالثة من عملية الغزو، حيث تم تكثيف وجود القوات العسكرية السوفيتية على طول الحدود مع أفغانستان، وقبل 15 يومًا من الاجتياح العام لكابل، وصلت إلى قاعدة باجرام الجوية القريبة من كابل، نحو ثلاث فرق من الجيش السوفيتي.
وفي يوم 25 من ديسمبر من العام نفسه، كان هناك جسرٌ جوي، قام بنحو 350 طلعة طيران، خلال 48 ساعة قبل الغزو، وقد تم نقل ما يقرب من 6000 جندي سوفيتي بمعداتهم وأسلحتهم بحجة أن هذه القوات جاءت بناءً على طلب حفيظ الله أمين، من أجل إنهاء عمليات “السِّلم” ضد المجاهدين، ونُقلت هذه القوات من طشقند، كما قُسمت إلى خمس مجموعات تحت القيادة المباشرة للجنرال إيفانوف.
وعلى مدار عشر سنوات كاملة مارس فيها الجيش الروسي منذ اقتحامه البلاد كل أنواع التنكيل والتعذيب والقتل، وتشير الدراسات إلى أن ما يقرب من مليون شهيد سقطوا في تلك الحرب، فيما دمرت عشرات القرى والمنازل والمرافق بها، هذا بخلاف مئات آلاف الجرحى.
وفي سياق آخر برزت مشكلة اللاجئين، حيث تسببت الحرب في تشريد 5 ملايين لاجئ أفغاني، الأغلبية منهم في باكستان (2.5 مليون) والباقي (1.4 مليون) في إيران، وعدد آخر بين تركيا ودول الخليج المختلفة، وكانت إيران تتحمل عبئًا كبيرًا من وجود اللاجئين، إذ بينما تتلقى باكستان معونات من الدول الأجنبية وهيئات الإغاثة الدولية، لم تكن إيران تتلقى أي معونة، ويضيف الإيرانيون أن تكلفة اللاجئ تصل إلى أربعة دولارات يوميًا، وهذا يوضح حجم التكلفة.
التدخل العسكري في أفغانستان كان له أثر كبير ومباشر على انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث أصيب التماسك العسكري بشروخات كبيرة
المقاومة الأفغانية
لم يرفع المجاهدون الأفغان الراية البيضاء أمام الغزو السوفيتي، إذ توحدوا على مختلف تياراتهم الفكرية والسياسية تحت راية واحدة، بهدف دحر الاحتلال وطرد القوات الروسية من الأراضي الأفغانية والعمل على إسقاط حكومة النظام الشيوعي التي حلت محل جمهورية محمد داود.
خرجت النبتة الأولى للمقاومة من مدينة نوريستان المعروفة باستقلالها الوطني، ثم انتشرت بعدها إلى منطقتي هزرجات وطاجيك شمالي هندوكاش، وبعدها إقليم حيرات على حدود إيران، ورغم عدم وجود قيادة حقيقية لتلك المقاومة، فإنها كانت تجمع على هدف رئيسي وهو القضاء على الشيوعية بذيولها كافة.
وبعد سنوات من الجهاد، تمكنت المقاومة من السيطرة على معظم الأقاليم الأفغانية، بينما تسيطر قوات الحكومة الأفغانية، بمعاونة الجنود السوفيت، على المدن والطرق الرئيسية، في السهول الشمالية الغربية، وفي المنطقة شبه الصحراوية في الجنوب الغربي، إضافة إلى سلسلة من المواقع الإستراتيجية، على طول الحدود الباكستانية.
تميزت المقاومة بالاعتماد على الكفاح المسلح فقط دون أي اعتبارات سياسية، أسوة بحركات التحرير المختلفة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما أثار الرعب في نفوس الروس في هذا الوقت، خاصة أن محاولاتهم للجلوس على مائدة المفاوضات مع رموز المقاومة باءت جميعها بالفشل.
حظيت المقاومة الأفغانية على إعجاب الكثير من القوى والدول في الداخل والخارج، وذلك لما أبدته من شجاعة في مواجهة الآلة العسكرية السوفيتية، بل إن أفغانستان تُعد الدولة الوحيدة من بين سائر الدول، التي اجتاحها الاتحاد السوفيتي – التي رفضت الاعتراف بهذا الاحتلال، بل قاومته بقوة حتى خروج آخر جندي سوفيتي يوم 15 من فبراير 1989.
تمريغ أنف الروس
فشلت الحكومة السوفيتية في إقناع الشارع الروسي بدوافع حربها مع الأفغان طيلة السنوات العشرة، حيث بررت تدخلها بأنه واجب وطني، يهدف إلى الدفاع عن الثورة الأفغانية أبريل 1978، في مواجهة الإمبريالية الأمريكية والصينية والإقطاعيين الأفغان، وهي المبررات التي سقطت مع عودة الدفعات الأولى من الجنود السوفيت لبلادهم مرة أخرى بعد مشاركتهم في الحرب.
الأخبار المأساوية التي حملها الجنود العائدون عن حقيقة الأوضاع ومدى شراسة العمليات العسكرية، أيقظت ضمائر بعض المثقفين ممن باتوا يتساءلون عن جدواها، إضافة إلى وسائل الإعلام الغربية التي أسهمت في إحداث قلق داخل الرأي العام السوفيتي، وأنه لا بد أن شيئًا ما يحدث في أفغانستان لا علاقة له بما تردده وسائل الإعلام السوفيتي، وأن قواتها المسلحة ضالعة في هذا الجرم ضد شعب يدافع عن بلاده واستقلالها.
وتشير التقارير إلى أن عدد الجنود الروس الذين خدموا في أفغانستان خلال الحرب، يقدرون بنحو مليون ونصف مليون جندي، هذا العدد الكبير كان هو الآخر عاملًا أساسيًا للمعارضة في الاتحاد السوفيتي، فعند عودتهم إلى بلادهم، وبدلًا من أن يكونوا موضع شكر لإنجازهم الوطني ـ كما كانوا يعتقدون ـ فوجئوا بأنهم ضحية لعدم فهم المجتمع السوفيتي لمهمتهم التي ذهبوا من أجلها.
نجح المجاهدون الأفغان في تلقين الجيش الروسي درسًا قاسيًا في فنون القتال، دفاعًا عن هوية واستقلال الوطن من براثن الاحتلال
ويذهب بعض الخبراء إلى أن التدخل العسكري في أفغانستان كان له أثر كبير ومباشر في انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث أصيب التماسك العسكري بشروخات كبيرة، فالخسائر المادية، مهما عظمت، لن تتساوى مع مشاعر الظلم التي شعر بها المقاتل السوفيتي، بل إنه يمكن التأكيد أن بعض المفاهيم الأيديولوجية لهذا المقاتل اهتزت، ليس لديه فقط، بل لدى المجتمع المحيط به.
وفي الوقت الذي يتفاخر به الروس بتشريد نحو 5 ملايين لاجئ أفغاني فإن آخرين يرون أن الدولة بذلك زرعت الملايين من الألغام المضادة ضدها حين عودة هؤلاء إلى بلادهم، في ظل تعميق حالة الاحتقان والكراهية للدولة السوفيتية، هذا مع الوضع في الاعتبار أن الخسائر في صفوف الروس لم تكن بالهينة.
فعلاوة على الخسائر المادية في الأسلحة والمعدات التي تكبدها الجيش الروسي على مدار سنوات الحرب، فإن الخسائر البشرية لا تقل جسامة، فوفقًا لتقديرات الخارجية السوفيتية، هناك نحو 15 ألف جندي قتيل و36 ألف جريح و311 ألف مفقود، وهو ما كان له أسوأ الأثر على الشارع السوفيتي.
وكما تركت حرب فيتنام بصمة غائرة في المجتمع الأمريكي، كانت الحرب الأفغانية حاضرة بقوة في الشارع السوفيتي، ممثلًا في أفراد القوات المسلحة العائدين الذين انقسموا إلى 3 فئات، الأولى: الفئة المناضلة من أجل الإصلاحات الديمقراطية، وركزت نشاطها على المؤسسة العسكرية التي ينتمون إليها، حيث إنها المؤسسة الأكثر انضباطًا وتشددًا ومحافظة على النظام، وكانت وسيلتهم المنشورات السرية والاجتماعية.
أما الفئة الثانية فهي العنصرية المتطرفة التي يسيطر عليها فكرة بعث روسيا الكبرى، وقد شكلوا مجموعات شبه عسكرية أو يمكن أن يطلق عليها عصابات ضاعفت من العنف في المدن الروسية، فيما تمحورت الفئة الثالثة في القطاع الذي يعيش على هامش المجتمع من جراء إصابته بصدمة نفسية لرفضهم الطابع الخبيث للمجتمع السوفيتي، فما كان منهم إلا الوقوع تحت تأثير تعاطي المخدرات والكحوليات في محاولة منهم للهروب من الواقع.
وفي المجمل نجح المجاهدون الأفغان في تلقين الجيش الروسي درسًا قاسيًا في فنون القتال، دفاعًا عن هوية واستقلال الوطن من براثن الاحتلال، ورغم نجاح المقاومة في تحرير بلادها من الغزو الروسي، لم ترفع موسكو يدها بعد عن البلاد، هذا بجانب قوى أخرى كان لها حضور قوي داخل أفغانستان على رأسها الولايات المتحدة بجانب حركة طالبان، ولعل هذا أحد الأسباب الرئيسية وراء اشتعال الوضع الداخلي حتى الآن رغم مساعي التهدئة والوساطات الإقليمية والدولية.