كتب: انجوس مكدوال
أفسد شجار نشب في جامع الفردوس بالرياض أجواء صلاة الجمعة بعد أن أعرب الإمام عن أسفه لحملة دموية شنها الجيش المصري على محتجين يؤيدون جماعة الاخوان المسلمين في مصر.
وسجل الشجار بين المصلين وانتشر بشدة على موقع يوتيوب ونقلته صحيفة الحياة. وكشف التسجيل عن مدى حدة المشاعر بالمملكة.
ورغم حرص الاسلاميين وغيرهم من المحافظين في دول الخليج العربية على إخفاء معارضتهم في العلن فإنهم يشتعلون غضبا بسبب دعم السعودية الكامل للفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري.
وبعدما عزل السيسي الرئيس المصري الاسلامي محمد مرسي الشهر الماضي وقع عدد من رجال الدين في المملكة خطابا يدعو العاهل السعودي الملك عبد الله إلى تغيير موقفه. ومنذ اندلاع العنف في مصر قبل أسبوعين عبر سعوديون كثيرون عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال صحفي سعودي “إنه لأمر لم يسبق له مثيل أن تقف الرياض على الجبهة في مواجهة مثل تلك التي تدور في مصر. يحدث الأمر تيارات في داخل السعودية.”
وينظر الملك عبد الله وحكام الامارات والكويت إلى حد أقل بعين الريبة إلى جماعة الاخوان المسلمين التي كانوا يخشون أن تستغل سلطتها في مصر في الدعوة إلى تغيير سياسي في شتى أنحاء الشرق الأوسط.
وعندما عزل السيسي مرسي الذي ينتمي للاخوان سارعت الدول الثلاث بتقديم مساعدات بقيمة 12 مليار دولار للحكومة المدنية الجديدة في مصر. وعندما تحركت قوات الأمن المصرية لفض اعتصامين لأنصار الاخوان بالقوة ومع اراقة الكثير من الدماء عبرت الدول الثلاث عن تأييدها الشديد.
ويقول محللون إن من المستبعد أن يظهر غضب الاسلاميين بشكل كبير ومعلن في الوقت الحالي أو يغير من دعم الخليج للسيسي لكن دول المنطقة تراقبه رغم ذلك.
ودائما ما تنظر أسرة آل سعود إلى الجماعات الاسلامية على أنها أكبر تهديد لحكمها في السعودية التي لا يمكن التهوين من شأن المشاعر الدينية فيها والتي استهدفها من قبل إسلاميون متشددون.
وتصدت السعودية لهجمات شنها تنظيم القاعدة على مسؤولين وأجانب خلال العقد الماضي وقتل فيها المئات. وفي التسعينيات طالبت حركة الصحوة التي استلهمت فكر جماعة الاخوان المسمين بإصلاحات سياسية كان من شأنها إضعاف الأسرة الحاكمة في السعودية.
وتأكدت هذه المعارضة الاسلامية للسلطات السعودية يوم الأحد في خطاب للشيخ إبراهيم الربيش المنظر الرئيسي لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب حاول من خلاله أن يزيد الاستياء مما يحدث في مصر.
وكتب الشيخ الربيش يقول “الموقف السعودي يكون لصالح الكفر في الغالب.”
الاخوان في مهد الاسلام
ويرى محللون أن القاعدة لا تحظى بدعم شعبي كبير في السعودية لكن أفكار الاسلاميين الأقل تشددا منتشرة.
كان وليد أبو الخير طالبا في المرحلة الثانوية بمدينة جدة السعودية عندما اتصل به صديقه من المسجد في وقت متأخر من الليل وطلب منه زيارته في منزله بمفرده.
وقال أبو الخير الذي أصبح الان ناشطا ليبراليا شهيرا في مجال حقوق الإنسان “عندما ذهبت إلى هناك قال لي أنا عضو في جماعة الاخوان المسلمين وأريدك أن تنضم إليها أيضا. وسيكون الأمر سرا بيننا.”
وأسفرت المحادثة الليلية عن انضمام أبو الخير للاخوان لمدة خمس سنوات وألقت أيضا الضوء على الأساليب التآمرية للجماعة والتي تقلق السلطات للغاية.
وخلال تحقيق أجري في وقت لاحق بشأن عمله كناشط في مجال حقوق الإنسان قال مسؤولون حكوميون لأبو الخير إنهم على علم بكل تحركاته كعضو في جماعة الاخوان وبأنهم يراقبون “أسرته” المكونة من ستة أعضاء في خلية سرية.
وكانت هذه إشارة على مدى جدية الخطر الذي يمثله الاسلاميون الطامحون في التغيير السياسي في أعين السلطات السعودية.
وقال وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف في 2002 إن الاسلاميين يتصدون للمملكة وعبر عن إحساس بالخيانة كسبب لارتياب السعودية في الاخوان.
وكانت السعودية قد وفرت الملاذ لاعضاء الاخوان الفارين من الاضطهاد في مصر في الستينيات واستغل بعضهم دوره في النظام التعليمي السعودي في مساعدة شبان سعوديين على تأسيس حركة الصحوة.
وعلى الرغم من قمع الصحوة في نهاية الأمر بيد باطشة لقوات الأمن فإن بعضا من كبار شيوخها مثل الشيخ سلمان العودة لا يزال يتمتع بالنفوذ.
وخلال الأسبوع المنصرم وضع العودة شعارا على صورته بموقع تويتر يشير إلى من قتلوا في فض اعتصام الاخوان بمنطقة رابعة العدوية بالقاهرة قبل أسبوع وذلك في تعبير عن رفضه لموقف الحكومة السعودية.
قلق الخليج
وينتشر الشعور بالارتياب من الاخوان بشكل أكبر في الامارات التي قالت هذا العام إنها ستحاكم 30 شخصا يشتبه بأنهم أعضاء في الجماعة بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم.
وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي المنبر الرئيسي في ممالك الخليج العربية للتعبير عن آراء تخالف السياسة الرسمية. واستخدم الكثيرون ممن قالوا إنهم من الامارات وسما على موقع تويتر كتبوا من خلاله عبارة “بيان وزارة الخارجية (حول مصر) لا يمثلني.”
وفي الكويت لا يستطيع الاخوان الحديث في العلن لكنهم أفراد محترمون في المجتمع وانضموا إلى المعارضة البرلمانية في البلاد العام الماضي رغم تشكك أسرة الصباح الخاصة فيهم.
وقال أسامة الشاهين النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي عن الحركة الدستورية الاسلامية التي تمثل جماعة الاخوان في الكويت لرويترز “كان مستغربا عندنا مسارعة حكومة الكويت لدعم الحكم العسكري الذي عاد للسلطة مجددا في مصر بطريق غيرديمقراطي. هذه مخالفة جسيمة لنظام الحكم لدينا في الكويت وتثير مخاوف حتى على الأمن والسلامة الوطنية في الكويت.”
ووصف الشاهين موقف الكويت بأنه “ساذج” وقال إن الاخوان ليسوا الوحيدين في الكويت الذين يعارضون تدخل الجيش المصري لعزل مرسي.
وأضاف “نحن في هذا الموقف لسنا منفردين بل نكاد نكون في الصف الثاني.. كثير من الحقوقيين والسياسيين سبقونا. إنهم متصدرون لمشهد التنديد بالانقلاب العسكري.”
مواجهة ناعمة
ورغم هذا التذمر لم تضرب حكومات الخليج بيد من حديد لمواجهة المعارضة.
وألغي البرنامج التلفزيوني للشيخ العودة على قناة خاصة. واستدعي إسلاميان آخران هما الشيخ محمد العريفي ومحسن العواجي للقاء السلطات بعدما وقعا عريضة ضد عزل مرسي لكن لم يعتقلا بشكل رسمي.
وفصل الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال رجل دين كويتيا من رئاسة قناة دينية يملكها بسبب علاقته بجماعة الاخوان.
وذكرت صحيفة القبس الكويتية أن الحكومة تعتزم تغيير قواعدها بشأن ما يسمح للأئمة بقوله في الخطب لمنعهم من الحديث في أمور السياسة الخاصة بدول عربية أخرى. ورحلت الكويت أيضا تسعة مصريين لاحتجاجهم على دعم السيسي الاسبوع الماضي.
وقال مصطفى العلاني مسؤول الدراسات الأمنية في مركز أبحاث الخليج في جنيف “قررت الحكومة السعودية ألا تعتقل أحدا. يرون أن الاسلاميين لا يحظون بالكثير من التأييد.”
ولا تستخدم حكومات الخليج الأجهزة الأمنية لفرض رأيها لكنها تلجأ إلى وسائل إعلام موالية ورجال دين بارزين يعملون لدى الدولة.
وتناولت الصحف السعودية مرارا بيانات للملك عبد الله ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يصفان فيها احتجاجات الاخوان في مصر بأنها إرهاب وتحريض.
ودعت خطبة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية الأسبوع الماضي إلى الابتعاد عن التشدد والصراعات التي تسبب مصابا كبيرا للأمة. وكانت نصيحة الشيخ بالابتعاد عن “الضلال” مقصودة لأن السعودية تصف الاسلاميين المتشددين مثل مقاتلي القاعدة بأنهم “فئة ضالة.”
المصدر: رويترز