ترجمة وتحرير: نون بوست
يشير مصطلح التأقلم في علم النفس إلى مجموعة من آليات التكيف النفسي التي وضعها الفرد للتعامل مع المشاكل العاطفية والشخصية والوجودية وذلك من أجل إدارة أو تقليل أو تحمل الإجهاد والصراع وجميع الآثار المترتبة عن ذلك.
نحن بشر متطورون، نحب أن يكون لدينا روتين محدد جيدًا، ونحب أن نخطط وننظم أيامنا. ولكن لطالما كانت مجابهة الشكوك أمرا صعبا للغاية، ناهيك عن أننا نواجه اليوم وباء والكثير من المجهول. إن ذلك يجعلنا نشعر بالتهديد من العدوى، حيث تدعونا السلطات للبقاء في المنزل. أما إذا خرجنا لأداء واجبات إلزامية فإننا خائفون من عبور الطريق مع شخص غريب. لذلك، قمنا بتخزين الطعام، وتخلصنا من الأغراض غير الضرورية، ودخلنا في نظام يضمن لنا البقاء على قيد الحياة.
إن المخاوف تستحوذ على تفكيرنا ولا نفعل شيئًا سوى التذّمر. نود أن نحبس أنفسنا في المنزل ولكننا في نفس الوقت نخشى العزلة، وسئمنا من القصف الإعلامي. تتحدث السلطات عن تفشي الوباء، ويتم تداول كم هائل من المعلومات غالبًا ما تكون غير دقيقة، مما يجعل من الصعب توجيه أنفسنا في ظل الوضع الذي نعيشه. إن عناوين الصحف تشلنا، وتصفح الشبكات الاجتماعية يجعلنا أمام معلومات مخيفة تتضمن عددا كبيرا من النظريات حول المكائد والمؤامرات.
في ظل هذا الاضطراب الإعلامي، يصعب معرفة التوجه الصحيح، خاصةً أن الخوف يجرنا إلى الضبابية. في هذه الحالة، سيكون كافيا أن تأخذ المعلومات من المصادر الموثوقة على غرار منظمة الصحة العالمية والمعهد العالي للصحة ووزارة الصحة.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الخوف لا يخلق نظرة ضبابية فحسب، بل يجرنا إلى الغضب الذي يقودنا بدوره إلى البحث المحموم عن الجناة. إن هذا الغضب يستنفد طاقتنا لأنه يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، تبدأ بالخوف ثم الغضب ومنه إلى البحث عن الجناة مما يؤدي إلى الشعور بالإحباط وبالتالي تضخم الخوف. ويكتسي كسر هذه الحلقة المفرغة أهمية أساسية لاستعادة الموارد المفيدة لتنفيذ استراتيجيات التكيف الصحيحة.
استراتيجيات التكيّف لمواجهة الحيرة والخوف
لا نستطيع السيطرة على ما يحدث ولهذا السبب ينبغي تحويل التركيز إلى الأسئلة الصحيحة. نحن بحاجة إلى إيقاف الأفكار المضطربة حول “ما الذي يحدث؟” وطرح أسئلة مفيدة أكثر من قبيل “ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟”.
احصل على المعلومات بشكل صحيح وذلك بالرجوع إلى المصادر الموثوقة. توقف عن مشاركة أي روابط تجدها على فيسبوك تساهم في إثارة حالة من الفزع والذعر. وكُفّ أيضا عن قراءة مقتطفات من الأخبار دون الخوض في المصدر. لسوء الحظ، يتم تداول العديد من الأخبار الزائفة على الشبكات الاجتماعية لذلك تجنب مشاركة الروابط غير المؤكدة. وبالتركيز على مجال عملك، مهما كان صغيرًا، فإن ذلك يوفر دائمًا فرصًا في أوقات الأزمات من المهم أن تكون قادرًا على اغتنامها.
لابد من استخدام الشبكات الاجتماعية بطريقة وظيفية لأنها وسيلة قوية لنشر الذعر أو البقاء على اتصال مع أحبائك. إن الشعور بالعجز الذي يعاني منه كل واحد منا قوي ولكن يجب ألا يربكنا. ولا تنسى أن العمل هو ترياق جيد ضد الشعور بالعجز، لذا التزم بإرشادات منظمة الصحة العالمية بالخروج فقط عند الضرورة القصوى واستخدم معقمات اليد. وتأكد من أن أقاربك الطاعنين في السن لديهم الأدوية والطعام الكافي.
تعلم كيفية موازنة تركيزك على الأهداف القابلة للتحقيق دون تشتيتها في الفوضى الإعلامية
إذا كنت بالفعل تتقيد بتوجيهات وزارة الصحة، فعليك تحديد روتينك الجديد. لا يمكن نفي حقيقة أن عاداتنا انقلبت رأسًا على عقب وأصبح لدينا مجال حركة محدود للغاية، ولكن بات لدينا في المقابل مورد ثمين للغاية وهو الوقت. يمكننا جميعًا سواء كنا آباء أو أطفالا أو عزّابا أو متزوجين وضع قائمة بالأنشطة التي يمكننا القيام بها تشمل الأعمال المنزلية، والألعاب مع الأطفال، ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية. وإذا تمكنت من إدارة الخوف من المجهول، يصبح البقاء في المنزل أمرا ليس بالسوء الذي تتخيله.
تعلم كيفية موازنة تركيزك على الأهداف القابلة للتحقيق دون تشتيتها في الفوضى الإعلامية. وهذا لا يعني “فصل نفسك عن حالة الطوارئ” وإنما مواجهتها بشكل فعال دون الاندماج في الفوضى.
قوارب النجاة العاطفية
إذا كانت الحركة هي ترياق العجز، فإن الروابط البشرية هي ترياق الشكوك. فمنذ نعومة أظافرنا ونحن مبرمجون على إقامة أشكال للتعلق، ومع تقدمنا في السن نشعر بالحاجة إلى شريك لذلك تعد الرابطة العاطفية عاملا كونيا من شأنه أن يبدد الشكوك.
ليس الجميع محظوظين بما يكفي للعيش تحت سقف واحد مع أحبائهم، ولكن حتى في هذه الحالة يمكن أن تساعدنا الشبكات الاجتماعية. يمكن لرعاية الروابط (خاصة في المجموعة) أن تحدث فرقا بين المشاعر التي يكون مصدرها اليأس والتفكير العقلاني الذي يساعد في ضبط النفس.
إذا كان لديك أطفال في المنزل، فمن الممكن تشجيعهم على رسم قصة حول ما يحدث وإرشادهم في اختيار نهاية سعيدة. ويمكن للكبار أيضا كتابة يوميات عاطفية شخصية يتطرقون فيها إلى أفكارهم أو حالاتهم المزاجية أو يضفون عليها عبارات مسلية أو حتى أفكار غير متوقعة وغير مرغوب فيها. قد يكون تحديد كل ما يخالجنا أمرا مفيدًا. ويمكن للبالغين أيضا أن يعاملوا أنفسهم كأصدقاء جيدين لأن الثقة بالنفس وتشجيع الذات أمر حاسم عندما يفقد المرء اليقين.
يعد الحد من التعرض للمعلومات التي تبثها وسائل الإعلام أمرًا ضروريًا خاصة بالنسبة لأولئك الذين يكونون حساسين تجاه الكآبة
يعتبر النظام قارب نجاة آخر في ظل هذه الأزمة. بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من إهمال مزمن، ستكون هذه الحالة الطارئة فرصة جيدة لتنظيف المنزل. قم بتنظيم مساحاتك، وابدأ في ترتيب المنزل حتى تشعر بالاسترخاء، وحاول تغيير مكان بعض قطع الأثاث. إن إعادة ترتيب المساحات والتخلص من الأغراض غير الضرورية وإضفاء النظام على المنزل يساعد في تأكيد القدرة على استعادة الشعور بالأمان في المساحة التي تعيش فيها.
عوامل أخرى هامة للحماية
لا يجب الاستهانة بالنوم على الإطلاق ولا يعني العمل الذكي أن بإمكانك الذهاب إلى الفراش في وقت متأخر من الليل. تأكد من أنك تحافظ على إيقاع نوم صحي. صحيح أننا يجب أن نبقى على اطلاع بما يحدث، ولكن يجب ألا نفعل ذلك باستمرار ومن الأفضل تخصيص وقت محدد مسبقًا للمعلومات.
في الواقع، يعد الحد من التعرض للمعلومات التي تبثها وسائل الإعلام أمرًا ضروريًا خاصة بالنسبة لأولئك الذين يكونون حساسين تجاه الكآبة. إن الاتصال بين العقل والجسم قوي، ويمكن لعمليات القصف الإعلامي التي “لا تتوقف على مدار الساعة” أن تؤثر على الجهاز العصبي المركزي وتحفز حالة توتر مستمرة. إن الأعصاب المتوترة ليست حليفا جيدا، وهي لا تعتمد على الوضع الذي نعيشه وإنما على الطريقة التي يختار كل منا العيش بها.
إذا كان هناك أطفال صغار
يجب أن تصبح الأمهات والآباء أبطال المنزل. ففي الحقيقة، إن تنظيم الضغط العاطفي لدى الطفل يتأثر بشكل كبير بالروابط الأسرية، ما يجعله مثل الإسفنجة يمتص المخاوف والشكوك دون أن يتمكن من تحديد معنى لما يعانيه. قد يكون للعبء العاطفي الثقيل الذي لا يستطيع الطفل تحديده تأثير مهم على نموه. لذلك، أيها الآباء الأعزاء، كونوا أقويا ومبتسمين في تعاملهم مع أطفالكم. حاولوا تنظيم قلقكم وضبط النفس لأن الأطفال بحاجة إلى الشعور بالأمان. كونوا أبطالهم.
المصدر: بسيكو أدفيزور