ترجمة وتحرير: نون بوست
لعدة سنوات، كان الأشخاص الأذكياء في مجال التكنولوجيا يدركون أن الصور التي تلتقطها بهاتفك تحتوي على الكثير من المعلومات التي قد لا ترغب في الكشف عنها. ففي الواقع، تحفظ البيانات الوصفية للصورة كلا من طراز الهاتف الذي تستخدمه، ووقت ومكان التقاط الصورة بدقة. ويمكن الاطلاع على هذه المعلومات من خلال أي تطبيق لعرض الصور تقريبًا، ويمكن استخدامها لوضعك في وقت ومكان محددين – وهذا يتوقف على عملك أو علاقاتك أو رغبتك في الحفاظ على الخصوصية بشكل عام، التي قد لا ترغب في مشاركتها مع أيٍّ كان.
إن حذف البيانات الوصفية التي توجد في صورك ليس صعبا جدًا. وهناك خدعة بسيطة تتمثل في التقاط لقطة شاشة لصورتك قبل نشرها، وبذلك ستتضمن لقطة الشاشة بيانات وصفية حول وقت ومكان لقطة الشاشة فقط، وليس وقت التقاط الصورة في الأصل.
لكن البيانات الوصفية ليست كل ما ينبغي أن تفكر فيه. لقد أصبحت الأدوات والتقنيات التي كانت متاحة في الماضي لوكالات الاستخبارات لجمع “المعلومات الاستخباراتية من مصادر مفتوحة” (المعروفة باسم استخبارات المصادر المفتوحة في لغة الأمن القومي)، في الوقت الحالي متاحة للجواسيس الهواة. ويمكن استخدام هذه التقنيات للكشف عن معلومات التعريف الشخصية في صورك، حتى إذا كنت حريصا على تأمين البيانات الوصفية الخاصة بك.
تعرف على الأمور التي يجب أن تفكر فيها قبل أن تشارك تلك الصورة.
من في صورتك؟
إن الهدف الرئيسي من استعمال الكاميرا هو التقاط صور لعائلتك وأصدقائك. وبما أن تقنية التعرف على الوجوه باتت واسعة الانتشار، فإنه ليس من الصعب تصور إمكانية التعرف بسهولة على شخص ما في صورتك. لذا ما مدى سهولة تعرف أحدهم على الأشخاص في الصور التي تنشرها عبر الإنترنت؟
تعتمد وكالات إنفاذ القانون حتما هذه التقنية لتحديد الهوية. وتمتلك السلطات الفيدرالية والحكومية والمحلية قواعد بيانات تتضمن الصور التي التقطتها كاميرات الشرطة ورخص القيادة وجوازات السفر وصور ذوي السوابق العدلية، التي تستخدمها في منع الجرائم وخلال التحقيقات (على الرغم من أن تجربة الأخيرة التي استمرت سبع سنوات في سان دييغو التي تقوم على اعتماد تقنية التعرف على الوجه كأداة للشرطة أوقفت لأنها لم تقدم سوى القليل من الأدلة لحل الجرائم).
إن وصول وكالات إنفاذ القانون إلى هذه الصور في تزايد مستمر. وتدّعي الشركة الناشئة “كليرفيو للذكاء الاصطناعي”، التي كانت صحيفة “نيويورك تايمز” أول من أبلغ عنها، أنها حصلت على أكثر من ثلاثة مليارات وجه محدد الهوية من الملفات الشخصية العامة على فيسبوك ويوتيوب، والعديد من المنصات الكبرى الأخرى.
إن تطبيق ” كليرفيو للذكاء الاصطناعي”، الذي تدعي بعض مصادر إنفاذ القانون أنه أكثر قوة من أدوات التعرف على الوجه المعتمدة حاليا من قبل وكالاتها، يُستخدم من قبل أكثر من 2200 وكالة لإنفاذ القانون. ولكن المخاوف بشأن استخدام هذه الأداة خارج نطاق إنفاذ القانون تنامت خاصة بعد أن تبيّن أن الشركة كانت تسمح للآخرين بتجربة تقنيتها، بما في ذلك سلاسل البيع بالتجزئة الكبرى والمدارس والكازينوهات وحتى بعض المستثمرين والعملاء.
ولكن بالنسبة لمعظم المدنيين، لا يزال الوصول إلى تقنية التعرف على الوجه صعبا. إذا نشرت صورة على فيسبوك، يمكن لقاعدة بيانات التعرف على الوجه الضخمة الخاصة به التعرف على المستخدمين الآخرين، وقد تطلب منك في بعض الحالات ذكر أسمائهم في الصورة. ويمكن أيضا لغوغل وآبل التعرف على وجه أصدقائك وعائلتك في مكتبة الصور الخاصة بك (التي تصنفها). إن هذه التصنيفات خاصة، وتقول كل من غوغل وآبل أنهما لا يحاولان مطابقة هذه الوجوه بالهويات الحقيقية.
يعد محرك البحث الروسي “ياندكس”، الذي يبدو أنه الوحيد الذي يستخدم تقنية مختلفة وأكثر فعالية لمطابقة الوجه، من المواقع التي تتيح لك فرصة العثور على وجوه متشابهة من صورة تم تحميلها.
تستخدم معظم أدوات التعرف على الوجه المعتمدة من قبل وكالات إنفاذ القانون مجموعة من قياسات ملامح الوجه وعلاقاتها مع بعضها البعض مما يوفر “بصمة الوجه” الفريدة، التي يمكن مطابقتها مع الوجوه المعروفة الأخرى في قاعدة البيانات. لم تعترف الشركة باستخدام هذه التقنية، ولكن من الواضح أنها تعمل بشكل مختلف عن خاصية البحث العكسي عن الصور لغوغل ويمكنها العثور على وجوه متشابهة.
لقد جربت ذلك بنفسي من خلال البحث في “ياندكس” عن صورة لوجهي على خلفية غير عادية لم تُنشر من قبل على الإنترنت، وقد تطابقت صورتي مع صورة لفريق عمل من وظيفة سابقة، إلى جانب الكثير من الأشخاص الآخرين الذين يشبهونني كثيرًا. عند تجربة نفس الشيء مع غوغل، تضمنت نتائج البحث صورًا لوجوه لا تشبهني على الإطلاق، ولكن الصور كانت ذات ألوان وتركيبات مماثلة لتلك التي في صورتي.
نتائج البحث في ياندكس
الصورة الأصلية
نتائج البحث في غوغل
التقطت سيلفي جديد وحمّلت الصورة على خاصية البحث عن الصور على “ياندكس” والبحث العكسي عن الصور على “غوغل”، ويبدو أن ياندكس يعثر على الملامح المطابقة للوجه، بينما تعرض غوغل صورا متماثلة دون تطابق.
من المرجح أن تكون عملية البحث أفضل إذا كنت تبحث عن شخص من روسيا أو من جمهورية سوفيتية سابقة، ذلك أن نتائج البحث غير المتناسبة تتضمن صور أشخاص من تلك المناطق. تواصلنا مع شركة “ياندكس” للاطلاع على المزيد من التفاصيل حول كيفية عمل بحثها عن الصور، لكنها رفضت التعليق.
من جهتها، أكدت شركة غوغل أنها لا تستخدم نفس تقنية التعرف على الوجه الفعالة في نتائج البحث مثل ياندكس. ففي الحقيقة، إن خاصية البحث العكسي عن الصور في غوغل ستُساعدك فقط إذا كنت تبحث عن صورة نشرت بالفعل في مكان ما على الإنترنت. وحسب المتحدث باسم غوغل: “لا تعتمد اقتراحات عبارات البحث ذات الصلة أو نتائج الصور المتشابهة بصريًا للبحث العكسي عن الصور على تقنية القياسات الحيوية أو التعرف على الوجه. (نشرت الشركة المزيد من التفاصيل حول استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها).
عموما، يصعب على الأشخاص خارج نطاق إنفاذ القانون تحديد هوية الأشخاص غير الروس في صورك بمجرد استخدام تقنية التعرف على الوجه، لكن هذا المعطى قد يتغير بما أن أدوات شركة “كليرفيو للذكاء الاصطناعي” باتت متاحة على نطاق واسع.
أين التقطت هذه الصورة؟
إذا كنت قد منحت تطبيق الكاميرا إذنًا للوصول إلى موقعك، فإن البيانات الوصفية للصورة تحتوي على خط العرض وخط الطول لتحدد بشكل تقديري مكان التقاط الصورة، بما في ذلك الارتفاع وصوب أي اتجاه وُجّه الهاتف. ولكن حتى لو اتخذت خطوات فعالة للحد من الكشف عن موقعك من خلال تعطيل هذه الصلاحيات، تبقى إمكانية تحديد الموقع باستخدام أدوات جديدة وأساليب استقصائية ذكية واردةً. يحظى هذا المجال باهتمام كبير من قبل مجتمع الاستخبارات الأمريكي، الذي يتجلى في جهود البحث المتقدمة على غرار برنامج فايندر ونشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة.
يستخدم الصحفيون الاستقصائيون في موقع “بيلينغكات” هذه التقنيات من خلال البحث عن الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل عملية تحديد مواقع راجمات الصواريخ في أوكرانيا بدقة، وعمليات الإعدام الإرهابية في ليبيا، والتفجيرات في سوريا. من خلال التعرف على المباني والأشجار والجسور وأعمدة الكهرباء والأسلاك الهوائية، ساعد محققو “بيلينغكات” في تعزيز استخدام الصور ومقاطع الفيديو في التحليلات الجنائية من خلال مشاركة تقنياتهم وتوفير التدريب للصحفيين والباحثين.
بإمكان لوحات تسجيل المركبات وعلامات المتاجر والشوارع واللوحات الإعلانية، وحتى القمصان في صورتك أن تعطي فكرة عن اللغة وتسهيل تحديد موقعك المحتمل. كما يمكن البحث عن المعالم المعمارية ذات الخصائص الغريبة على غرار أبراج الكنيسة أو الجسور أو المعالم الأثرية بسهولة أكبر عبر خاصية البحث العكسي عن الصور. حتى الانعكاسات في صورك (ومقل العيون) من شأنها أن توفر معلومات يمكن استخدامها لتحديد الموقع الجغرافي. مؤخرا في اليابان، تعرضت نجمة بوب شابة للاعتداء من قبل رجل كان يطاردها تمكن من تحديد مكان إقامتها من خلال مبنى انعكس في نظارتها الشمسية.
لكن قدرات الجواسيس من البشر تبقى محدودة، كما أن أجهزة الكمبيوتر تتحسن بشكل ملحوظ في تحديد المواقع بصفة آلية. إذا قمت بتحميل أي صور لا تكشف علامات نظام التموضع العالمي على صور غوغل، فربما قد لاحظت أنها تستمر في عرض معلومات الموقع. يستخدم غوغل خوارزميات الرؤية الحاسوبية لتحديد الموقع المحتمل للقطات التي لا تتضمن علامات نظام التموضع العالمي استنادًا إلى مدى تشابه صورك مع أمثلة أخرى معروفة في بيانات غوغل، بالإضافة إلى صور أخرى وأختام زمنية في مكتبتك.
صورة تم التقاطها من كاميرا قديمة غير مدعومة بنظام التموضع العالمي، تحتوي على معلومات موقع محددة تمت إضافتها بواسطة تحليل “الموقع التقديري” لصور غوغل.
فعلى سبيل المثال، تم التقاط الصورة أعلاه في بوسطن، واستنادًا إلى المخطط الفريد لناطحات السحاب، تمكنت صور غوغل من وضع دبوس محدد على الخريطة لتحديد مكان التقاط الصورة، على الرغم من عدم وجود بيانات تحديد الموقع الجغرافي في الصورة. وتجدر الاشارة إلى أن تحديد مكان التقاط الصورة لا يقتصر على غوغل فقط. من جانبه، يقدم موقع “بيكفايزر” لمحة عن المكان الذي يتم فيه اكتشاف الموقع تلقائيا. وهو يسمح للمستخدمين بتحميل صورة ومطابقتها مع ميزات المناظر الطبيعية المعروفة مثل الجبال والتلال.
في ما يلي مثال عن صورة التقطت من كاميرا توجيه وتصوير غير متوافقة مع نظام التموضع العالمي قبل ظهور الهاتف الذكي، أثناء رحلة في المغرب في سنة 2007. لا أتذكر المكان الذي التقطت فيه هذه الصورة بالتحديد، ولكنني أعدت اقتفاء رحلتنا في الخريطة ووجدت مكانا يشبه المكان الذي زرناه. عند تحميل هذه الصورة على موقع “بيكفايزر”، تمكنت من مطابقة التلال بشكل دقيق.
من بين الأشخاص الذين يتتبعون أدلة المواقع والكشف الآلي بواسطة الكمبيوتر، يمكن اكتشاف المواقع بعدة طرق. لذلك، ينبغي أن تفترض أنه يمكن تحديد موقعك إذا كانت صورك تحتوي على تفاصيل جوهرية عن المباني أو المناظر الطبيعية.
متى التقطت الصورة؟
إن تحديد الوقت والتاريخ أمر صعب ولكنه ليس مستحيلا. فمن الممكن تحديد “وقت” التقاط الصورة من خلال النظر إلى الطقس والخصائص الطبيعية والضوء في بعض الأحيان. ومن شأن ظروف الطقس في صورتك أن تبين معلومات عن وقت التقاط الصورة أكثر مما تعتقد. وفي هذا الصدد، يوفر محرك البحث “ولفرام ألفا” بيانات الأرصاد الجوية التاريخية التفصيلية لأي محطة أرصاد جوية (كمستوى الرمز البريدي) التي تتضمن عادة الغطاء السحابي ودرجة الحرارة وهطول الأمطار وغيرها من بيانات الغلاف الجوي الهامة التي يمكن أن تساعد على تحديد الوقت والتاريخ الذي التقطت فيه الصورة.
من الممكن أيضًا استخدام هذه التقنيات لتخفي زمن التقاط الصورة بكل تأكيد. شاهد مثلا هذه الصورة لمستشار ترامب السابق جورج بابادوبولوس. في أوائل سنة 2017، بدأ بابادوبولوس التعاون مع المحققين الفيدراليين الذين يحققون في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016. حُجز جواز سفره، ومُنع من السفر إلى الخارج. ولكن في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 – قبل أيام فقط من اعترافه بالذنب – نشر بابادوبولوس صورة لنفسه أثناء وجوده في لندن كتب فوقها وسم “عمل”، وهي توحي بأنه كان في مؤسسة “بيلينغكات” للصحفيين البريطانيين. عند النظر إلى العلامات الموجودة على أضواء الشوارع في الخلفية من خلال صور عرض شوارع غوغل، لُوحظ أن هذه العلامات لم تعد موجودة في أضواء الشارع في الصور الأخيرة. وفقا لذلك، ثبت أنه قد مضت سنوات على التقاط هذه الصورة.
تكبير الصورة قبل نشرها
ينبغي أن تفحص أي صورة تلتقطها، فإذا كانت الصورة قد التقطت في منزلك على سبيل المثال، فإنه من الممكن أن تتضمن معلومات حساسة من الخلفية (لذلك لابد من تكبير الصورة بالكامل). عند التقاط الصورة، عليك أن تطلب من صديقك إلقاء نظرة فاحصة عليها قبل نشرها. من السهل التغاضي عن الأشياء التي نراها كل يوم، وإعادة النظر في هذه الأشياء قد يساعدك على رؤية ما لم تلاحظه من قبل.
المصدر: ذا ماركاب